8 أبريل، 2024 2:39 ص
Search
Close this search box.

رواية إني أتعافى.. محاولة خلق حياة متوازنة في ظل مجتمع يعيش بشروط التنافس

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل  

رواية “إني أتعافى” للكاتب الفرنسي “ديفيد فوينكينوس” تحكي عن استلاب الإنسان في العصر الحديث، في مجتمع رأسمالي، لا يرحم أحدا، تدور فيه عجلة الحياة بسرعة شديدة وتأخذ معها حياة الإنسان وأيامه.

الشخصيات..

البطل: رجل تجاوز الأربعين من عمره، متزوج وله ابنة وابن، يفاجئ في أحد الأيام بوجع شديد في ظهره وتبدأ معاناته التي تكون سببا في الكشف، حيث يكتشف أن حياته بأكملها هي ما تسبب له الضغوط النفسية.

ايليز: زوجة البطل، تطلب منه الانفصال لأنها تكون قد ملت الحياة معه، تطلبه بهدوء لكنه لا يتخلص من إحساسه بالارتباط بها إلا بعد أن تحدث بينهما مشاجرة ومصارحة.

أليس: ابنة البطل، شابة في العشرينات من عمرها، تقرر أن تعيش مع حبيبها في شقة بمفردهما، ويساهم رحيلها في حزن والدها الذي لا يتقبل أن تتركه ابنته المقربة له وتعيش كفتاة ناضجة مع حبيب.

ادوارد: صديق البطل، طبيب أسنان، يعيش هو أيضا زواج يمر بأزمات، لكنه لا يعترف بذلك حتى لنفسه، ويحاول مساندة البطل ودعمه.

سيلفي: صديقة البطل، منذ عشرين عاما، أحبها في البداية ثم تزوجت ب”ادوارد” وأصبحت هي وزوجها صديقان مقربان للبطل، تعيش زواج يمر بفترة جفاء، وتحاول التقرب من البطل الذي يرفض، ثم تحاول الانفصال عن زوجها، لكنهما يستعيدان حياتهما لأنهما يريدان أن يعيشا معا.

حبيبة البطل: يلتقي البطل مصادفة بسيدة وهو ذاهب إلى معالجة بالتنويم المغناطيسي، ويعجب بها من أول نظرة، ثم يجلسان سويا في مقهى ويتبادلان حديث سلس وسهل، ورغم ذلك لا يسعى للتعرف على اسمها أو رقم هاتفها. لكن يحلم بها وهو في خضم انهيار حياته ويشعر أنها هي من يريدها.

وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية تؤثر على حياة البطل.

الراوي..

الراوي هو البطل، الذي يحكي بضمير المتكلم، عن نفسه وعن بداية إحساسه بالألم وهواجسه حوله، وعن تطور الأحداث فيما بعد لتنتهي بالكشف، كشف استلابه وإحساسه بالضغوط، وكشف زيف حياته الزوجية وكشف سر ألمه.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 400 صفحة من القطع المتوسط، تتناول في مجملها معاناة البطل وطريقة حلها وتنتهي نهاية سعيدة، بعد أن يكتشف البطل مكمن معاناته ويحلها، وتحكي بشكل أساسي عن البطل وبشكل ثانوي عن شخصيات أخرى تتفاعل مع البطل في حياته.

استلاب الإنسان في مجتمع رأسمالي..

يصور البطل كيف أنه مستلب في حياته، حين شعر بالألم في ظهره، توقع أولا وجود مرض خطير سيودي بحياته، لكنه بعد أيام من المعاناة اكتشف أن مرضه ليس عضويا وإنما نفسيا. ليبدأ في تفكيك تفاصيل حياته ومكوناتها ليصل إلى سبب آلامه، وكان العمل أول أسباب الضغوط النفسية حيث يعمل في شركة لسنوات طويلة، لكن ذلك لم يشعره بالأمان بل ظل يشعر بالتهديد رغم أن سلوكه وأدائه طيب، لكن هناك زملاء في العمل يمارسون الشر في أداء أعمالهم ويوقعون بالزملاء لكي يحصلوا على مكاسب في العمل.

وهو وقع مع زميل تسبب في إيذاء له، حيث ضلله وأعطاه ملفات مغلوطة وهو يعمل على مشروع مهم ليفقد بذلك ثقة مديره ويأخذ الزميل مكانه ويصبح أعلى منه، ويستسلم لذلك البطل لأنه كما يعترف هو بنفسه يميل إلى المسالمة والانعزال ولا يتواصل مع الناس بشكل جيد، ومع استسلامه تزداد آلام ظهره، لكنه حين يأخذ رد فعل ويقوم بضرب زميله الذي استهزأ به وقلل من شأنه وتسبب في أنه أصبح مركونا على الرف في عمله وتصاعدت الأحداث بشكل كبير ليطرد من العمل.

الانفصال..

ثم وفي نفس اليوم تطلب منه زوجته الانفصال بعد أن توفى والدها وتقرر أن تتحرر من علاقة الزواج التي تتسم بالجفاء، فيخسر عمله وزوجته وبيته في يوم واحد.

ويعيش مؤقتا عند صديقيه “سيلفي” و”ادوارد” ويبدأ في محاولة الفهم والتحليل ليستنتج أن تخلصه من الضغوط ومن كل المواقف التي جبن في مواجهتها هي التي ستخلصه من آلام ظهره، ويبدأ الأمر ليكشتف أن آلامه خفت بعد ضربه لزميل العمل وتفريغه لشحنات غضبه وتحوله من خانة الاستسلام إلى خانة الفعل.

ثم مع انهيار زواجه تبدأ تتكشف الأمور، فهو لم يكن يعيش زواجا ناجحا وأن كان مستقرا وبلا مشاكل واضحة، ليكتشف أن زوجته قد فرغت من أمر هذا الزواج، وأنها بموت والدها وتركه أموالا لها قررت التحرر بشكل نهائي. ورغم أنه لم يتخلص من ارتباطه النفسي بزوجته إلا إنه تقبل قرارها.

رحيل الأبناء..

ثم يفهم أن رحيل ولديه أيضا ساهم في الضغط نفسيا عليه، فأولا تركته ابنته التي قررت أن تعيش بصحبة حبيب لها، فشعر بانفصال ابنته المقربة عنه وتألم لذلك، لكنه خبأ ألمه داخله ولم يستطع زيارتها في منزلها الجديد.

ورحل ابنه لأجل إكمال دراسته في أمريكا فوجد نفسه وحيدا بدون أبناءه الذي قضى عمره في تربيتهم ورعايتهم، وحاول تقبل أمر استقلالهم لكنه حاول التقرب منهم وهم في مرحلة جديدة من حياتهم، ونجح في ذلك وبالفعل اقترب من ابنيه مرة أخرى وخف هذا الضغط أيضا.

جفاء الوالدين..

وبالنسبة لوالديه كانا أحد مصادر الضغط الهامةعليه، فقد كان والده يعاملاه بجفاء، يصر أبوه على تقصي عيوبه، بينما أمه لا تظهر الحنان والحب له، يعامله أبوه وأمه بدون حنان أو اهتمام، بل ويصر الوالد على تذكيره دوما بإخفاقاته. فقرر مواجهتهما وفعل ذلك، ليكتشف أنهما يحبانه ويحاولان دعمه لكنهما لا يستطيعان توصيل حبهما له بالطريقة التي ترضيه. وساهمت تلك المواجهة أيضا في تفكيك شبكة الضغوط التي تثقل ظهره وتؤلمه.

وبشكل مضحك حاول استقصاء كل المواقف التي تسببت في إيلامه منذ أن كان طفلا صغيرا، حتى أنه تذكر إحدى صديقاته في المدرسة التي رفضت دعوته على عيد ميلادها حين كان في سن الثامنة وبحث عنها وقابلها.

وبدأ يتغير في سلوكه من إنسان استسلامي مهزوم يفضل الانعزال على مواجهة البشر، ولا يجيد التواصل الاجتماعي مع الناس، يعيش في حاله  ولا يشتبك مع أحد، إلى رجل يشتبك مع الحياة ويواجه المواقف، ويحاول حلها لصالحه.

الحب كاكتشاف..

وأثناء فعله لذلك محاولته فك شبكة الضغوط عليه يحلم بتلك المرأة التي قابلها مرة في عيادة المعالجة بالتنويم المغناطيسي، ويحاول التواصل مرة أخرى معها ويجد منها تفاهما وانسجاما، ويستطيع بدء علاقة مع امرأة جديدة غير زوجته التي تسعى للحصول على الطلاق، ويجد أنه يستطيع أن يتآلف معها وأن بينهما مشتركات كثيرة ورغبة في التوافق.

لكنه لا يستطيع بسهولة التخلص من ارتباطه بزوجته، وتنبهه الحبيبة الجديدة لذلك فيذهب إلى “ايليزا” ويطلب منها أن تصارحه بسبب طلبها الانفصال عنه، وتصارحه بشيء من الانفعال بعد أن يبدأ هو الانفعال ليعرف أنها لم تعد تطيق سلبيته واستسلامه تجاه أمور الحياة وتجاه التفاصيل الحياتية، وانعزاله الشديد ويصبح أمر انفصالهما واقعيا بالنسبة له. ويعيش علاقة حب صافية مع حبيبته الجديدة التي تظهر إعجابها به وبشخصيته وقبولها لها.

وعلى مستوى العمل رغم أن مديره قد أظهر تعاطفا معه، وحاول إنهاء مشكلة المشاجرة التي حدثت واعتدائه على زميله بأقل الأضرار، وسعى لكي يعيده إلى العمل إلا أن البطل كان قد اكتفى من هذا العمل التنافسي الذي أنهكه سنوات طوال، وهذا هو حال العمل في المجتمعات الرأسمالية الكبرى، وقرر أن يجدد الفندق الذي ذهب ليعيش فيه فترة بعد انفصاله عن زوجته، ليصبح شريكا في الفندق نتيجة لقيامه بأعمال تطوير وتصليح له. ويصبح هذا مشروعه الجديد ليجد البطل نفسه أخيرا وقد تخلص من ضغوط حياته وتصالح مع كل ما كان يثقل عليه ويتهيأ لحياة جديدة لا يعود فيها ذلك المستسلم المنعزل اجتماعيا.

وبالنسبة ل”ادوارد وسيلفي” يكتشفان أنهما يحبان بعضهما ويحاولان التغلب على رتابة الزواج والحياة الزوجية، ويعودان للعيش المشترك بعد أن كان “سيلفي” قد حاولت الانفصال.

النهاية سعيدة لكن الجهد كبير في محاولة خلق حياة متوازنة في ظل مجتمع يعيش بشروط التنافس سواء في العمل أو باقي تفاصيل الحياة. من يظهر الأكثر لمعانا، والذي يحقق ناجحات هو من يجد التقدير والاهتمام والاحتفاء، والدليل على ذلك رد الوالد على البطل حينما اتهمه أنه لا يحبه وأنه لا يظهر الاهتمام ولا المحبة له، فيقول له الوالد أنه لم يظهر تفوقها أو نجاحا أو أية ميزة تستحق الاهتمام، وكأن حب الأب والأم في هذا المجتمع مشروط بنجاح أبناءهم وتحققهم اجتماعيا.

الرواية مميزة وهي مثل روايات الكاتب الفرنسي تكشف زيف المجتمع الفرنسي المتحضر البراق، لتصور مدى استلاب الإنسان فيه وشعوره دوما بالاغتراب مع كل المظاهر والشكليات، وتكشف كيف أن العلاقات الإنسانية فيه تقوم على قواعد وشروط تنافسية ظالمة ومجحفة.

الكاتب..

“ديفيد فوينكينوس”: كاتب وكاتب سيناريو فرنسي. درس الأدب والموسيقى في باريس. من مواليد 28 أكتوبر 1974، وتعتبر روايته La délicatesse من أكثر الكتب مبيعًا في فرنسا. صدر فيلم مقتبس عن الكتاب في ديسمبر 2011 ، وكانت الشخصية الرئيسية فيه “أودري توتو”، في عام 2014 حصل على جائزة Prix ​​Renaudot عن روايته “شارلوت”.

من أعماله:

2011: طعام شهي.

2017: جالوس.

2018: أشعر بتحسن.

2019: لغز هنري بيك.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب