خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “إحدى عشر دقيقة” للكاتب البرازيلي “باولو كويليو” تتناول موضوع الجنس، والذي كان في العصور القديمة ممارسة مقدسة، ثم تحول مع مرور الزمن إلى التدنيس..
الشخصيات..
ماريا: البطلة، فتاة في الثانية والعشرين، تعيش في قرية في البرازيل، أتمت تعليمها الثانوي واضطرت إلى العمل لمساعدة والديها بسبب أنها تنتمي لأسرة فقيرة، تذهب في إجازة إلى مدينة “ريو دي جانيرو” لمدة أسبوع وبعدها تتحول حياتها، هي فتاة قوية الإرادة، تحاول تطوير مهاراتها وعقلها طوال الوقت، وتقرر بشكل واعي أن تعمل في مهنة بيع الجسد لمدة محددة من الوقت تعود بعدها إلى قريتها.
رالف هارت: رسام شاب، في التاسعة والعشرين من عمره، يحصل على الشهرة نتيجة نجاحه في مهنته ويصبح ثريا وتتحقق أحلامه، لكنه رغم ذلك يشعر بالوحدة ويفقد اهتمامه بالجنس وبأشياء أخرى كثيرة.
تيرنس: زبون غير عادي، رجل ثري يعيش في بريطانيا، متزوج من مغنيه شهيرة وهو شريكها في عملها، عمله ناجح، يكتشف أنه يميل إلى السادية وإلى الوصول إلى اللذة عن طريق اختبار الألم، ويقع في طريق “ماريا” وتأخذها التجربة معه حتى توشك أن تنغمس فيها تماما لكن ينقذها “رالف”.
أمينة المكتبة: سيدة في منتصف العمر، تتردد “ماريا” كثيرا على المكتبة لاستعارة الكتب التي تطور بها مهارتها وتنشأ بينها وبين أمينة المكتبة علاقة ودية، أمينة المكتبة هي سيدة عاشت حياة عادية من دون مغامرات ومفاجآت، تزوجت وأنجبت وتوفى زوجها بعد التقاعد بمرض السرطان، واكتشف بعد ذلك العمر الطويل وبعد أن طلبت منها “ماريا” كتبا عن الجنس أنها عاشت طوال حياتها دون أن تعرف أسرار جسد المرأة، وأسرار الوصول إلى اللذة،وعاشت طوال حياتها وهي محرومة من الوصول إلى اللذة وخائفة من الاعتراف بذلك.
ميلان: صاحب البار الذي عملت فيها “ماريا” كبائعة جنس في سويسرا، رجل لديه أسرة وأطفال، يدير عملا قانونيا بالنسبة للدولة التي يعيش فيها، لكنه متكتم خوفا من الوصمة ويحتاط للأمر، وهو طيب القلب رغم ذلك فحين قررت “ماريا” الرحيل لم يستبقيها وتعامل معها بلطف.
الراوي..
الراوي عليم، يركز في حكيه على شخصية “ماريا” البطلة ويحكي عن “رالف” من وجهة نظرها ورؤيتها له وتعاملها معه، لكنه يتدخل ليحكي من وجهات نظر شخصيات أخرى، فيحكي من وجه نظر الزبون السري “تيرنس” ويحكي حكايته ووجهة نظره في الجنس السادي مازوخي، كما يحكي عن أمينة المكتبة ويحكي مغامرة قامت بها أثناء زواجها، حيث تعرفت على أحد الرجال في محطة القطار، وأقامت معه علاقة حميمة لمدة يوم واحد، فيما عدا ذلك تدور الرواية كلها من خلال وجهة نظر “ماريا”، لكن الراوي العليم يتدخل ببث أفكار كثيرة داخل متن الرواية، ويشعر القاريء بوجوده بوضوح من خلال تلك الأفكار الفلسفية المشهور بها “باولو كويليو” نفسه، ورغم أن هذه الأفكار تبدو جذابة لبعض القراء إلا أنها كثيرة وتثقل حركة السرد، كما أن الراوي في بعض المواضع يكسر الإيهام ويخاطب القراء بشكل مباشر.
السرد..
إيقاع السرد هادئ، تبدأ الرواية بالحكي عن “ماريا” منذ طفولتها وتتبعها حتى نهاية مغامرتها، تقع الرواية في حوالي 288 صفحة من القطع المتوسط، لا تعتمد الرواية على الأحداث بقدر اعتمادها على منظومة من الأفكار التي تخص موضوع الجنس.
تقديس الجنس وتدنيسه..
يتناول الكاتب موضوع غاية في الأهمية وهو تحول الجنس من ممارسة مقدسة كانت في العصور القديمة كطقوس الصلاة والتقرب إلى الطبيعة الأم والإلهة الأم، إلى ممارسة مدنسة يتم تسليعها والتعامل معها بحسابات الأموال والبيع والشراء، ورغم أن “كويليو” كان حسن النية في عرض هذا الموضوع إلا أنه في رأيي قد جانبه الصواب في مناقشة تلك القضية، فأولا استعان بمصادر ضعيفة وقليلة في الحديث عن الجنس المقدس، ولم يكن دقيقا في تناول الموضوع، فقد استعان ب”هيرودوت” وبعض المصادر القليلة ولم يقدم بحث دقيقي وموضوعي عن الجنس المقدس في العصور القديمة، وأدعى أنه تحول إلى تجارة وبيع في الدولة الرومانية، وكان من السهل عليه أن يستعين بمصادر أكثر دقة في تناول ظاهرة الجنس المقدس أو ما اسماه “الدعارة المقدسة”، خاصة وأنه أدعى أنه قام بعمل بحث عن الموضوع تاريخيا على لسان البطل “رالف هارت”..
أخفق أيضا “كويليو” عندما تناول الموضوع بأفكاره الروحانية الهائمة التي لا تنتظم في منظومة متماسكة، فهو لم يقدم تفسيرا لما تحول الجنس من صلاة وممارسة مقدسة إلى بيع وشراء، وكان الأجدر به أن يشير إلى تحول المجتمع الأمومي إلى مجتمع ذكوري مع تحول المجتمعات من مشاعية إلى مجتمعات طبقية، مما حول الجنس من ممارسات مقدسة يتقرب بها الناس إلى الإلهة الأم إلى سلعة الغرض منها إمتاع الذكور، أصحاب السلطة الجديدة، فهو لم يشر أبدا إلى الطبقية ودورها في تسليع الجنس ومسئوليتها المباشرة عن ظهور البغاء مهنة لبعض النساء.
كما أغرقنا “كويليو” كقراء بأحاديثه الفضفاضة عن تواصل الأرواح، وعن الطاقات التي تكمن داخل تلك الأرواح، وعن الألم كوسيلة للوصول إلى الضوء المدفون داخلنا، ذلك الكلام الفضاض الذي يشعرك بلذة مؤقتة لكنه لا يشبعك تماما.
فتاة قوية..
ما يحسب للكاتب أنه صور البطلة في انفعالاتها الكثيرة، ورصد مخاوفها وقلقها في تحولها من طفلة تعيش في منطقة ريفية وحياتها بسيطة إلى مراهقة، ثم إلى فتاة، ثم تحولها، بفعل المصادفة وحدها، إلى بائعة للجسد، حيث سافرت إلى مدينة “ريو دي جانيرو” في إجازة قصيرة وعرض عليها أحد الأثرياء السويسريين أن يصطحبها إلى بلده للعمل كراقصة، وتوافق “ماريا” طمعا في الشهرة والمال والحصول على فرصة زواج جيدة، لكنها تكتشف أنها خدعت وأن العمل قليل العائد، ثم تحاول تعلم اللغة الفرنسية وتطرد من عملها، وتجد نفسها أمام الاختيار، إما تعود إلى البرازيل دون تحقيق أي شيء، أو تعمل كبائعة جسد، تختار “ماريا” بكامل إرادتها أن تعمل كبائعة جسد، رغم أنها تقول بنفسها أن هناك مهن كثيرة متاحة في سويسرا، ولا نعلم لما توافق بهذه السهولة على تلك المهنة رغم أنها لديها قابلية للتعليم، وتقرر أن تكون المدة محددة بعام في عملها ببيع جسدها، وتبدأ في اكتشاف ذلك العالم الذي لم يكن بشعا، كما في دول أخرى، نتيجة لأن هذه المهنة مقننة في سويسرا، كما أنه لا يوجد إجبار أو استعباد، كما أن الزبائن من الأثرياء والموظفين الكبار .
الحب هو التقاء أرواح..
يتحول موقف “ماريا” من القبول بشكل محايد بمهنة بيع جسدها إلى الشعور بأن هذه المهنة سيئة، بعد أن تقع في حب “رالف هارت” حين تقابله مصادفة في إحدى المقاهي الفخمة، ويطلب منها أن يرسمها لأن ضوءا يشع من داخلها، ويبدأ موقفها في التحول بعد أن كانت فقدت الإيمان بالحب وجدواه، أصبحت تحب “رالف” وتتمنى أن يحبها لكنها تؤكد لنفسها مرارا أنها لن تمتلكه وأنها تحبه وفقط، دون أية التزامات أو مطالب، وتتعمق قصة حبهما حيث يشعر الاثنان أنهما وجدا قصة الحب التي بحثا عنها، ويبدآن في التواصل الجسدي بهدف تسهيل التقاء روحيهما، وتنتهي الرواية بإصرار “ماريا” على الرحيل بعد انقضاء العام الذي حددته لمهنتها ويلحقها “رالف” ليعلن لها حبه.
الرواية تحاول تقديم صورة حقيقة عن فتاة تعمل في بيع الجسد وصراعاتها النفسية ومخاوفها، لكن الكاتب يسرف في فرض ذاته على البطلة ويجعلها نسخة شبيهة منه.
الكاتب..
“باولو كويليو” هو روائي وقاص برازيلي ولد في “ريو دي جانيرو” 24 أغسطس 1947. يؤلف حاليا القصص المحررة من قبل العامة عن طريق “الفيس بوك”. تتميز رواياته بمعنى روحي يستطيع العامة تطبيقه مستعملاً شخصيات ذوات مواهب خاصة، لكن متواجدة عند الجميع. كما يعتمد على أحداث تاريخية واقعية لتمثيل أحداث قصصه. وعين سنة 2007 رسول السلام التابع للأمم المتحدة. وتعد “الخيميائي” أشهر رواياته وتمت ترجمتها إلى 80 لغة ووصلت مبيعاتها إلى 150 مليون نسخة في جميع إنحاء العالم.
قبل أن يتفرغ للكتابة، كان يمارس الإخراج المسرحي، والتمثيل وعمل كمؤلف غنائي، وصحفي. وقد كتب كلمات الأغاني للعديد من المغنين البرازيليين فيما يزيد عن الستين أغنية.
ولعه بالعوالم الروحانية بدأ منذ شبابه كهيبي، حينما جال العالم بحثا عن المجتمعات السرية، وديانات الشرق. نشر أول كتبه عام 1982 بعنوان “أرشيف الجحيم”، والذي لم يلاق أي نجاح. وتبعت مصيره أعمال أخرى، ثم في عام 1986 قام “كويليو” بالحج سيرا لمقام القديس جايمس في كومبوستيلا. تلك التي قام بتوثيقها فيما بعد في كتابه “الحج”. في العام التالي نشر كتاب “الخيميائي”، وقد كاد الناشر أن يتخلي عنها في البداية، ولكنها سرعان ما أصبحت من أهم الروايات البرازيلية وأكثرها مبيعا.