7 أبريل، 2024 11:05 م
Search
Close this search box.

رواية أيام الهجران.. دناءة الطرف المنسحب تخفف من وطأة الهجر

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “أيام الهجران” للكاتبة الإيطالية “إيلينا فيرانتي” ترجمة “شيرين حيدر”، دار الآداب، تحكي عن هجر الزوجة وتأثيره عليها خاصة عندما تقضي سنوات طويلة في زواجها، وتدخل في عمر الأربعين وتتحدد حياتها وفق ذلك الزواج، فتجد نفسها وقد تهدمت حياتها بغتة.

الشخصيات..

أولغا: الزوجة، البطلة، تحكي الرواية، وعن ما يحدث لها، وكيف أنها تنقلت في حالاتها النفسية حتى تعبر بتلك المحنة التي ألمت بها.

ماريو : الزوج، تنشغل الزوجة بالحكي عن نفسها وتهمل الحكي عنه، فلا نعرف سوي تفاعل “ماريو” معها وعلاقته بها سواء قبل الزواج أو بعده أو بعد الهجر، وتترك له الراوية بعض الجمل ليعبر عن نفسه بها.

كارلا: العشيقة، شابة صغيرة، كانت ابنة لجارة تسكن بجوار منزل الزوجان، ثم هجر الزوج “أولغا” لأجلها عندما وصلت إلى سن الرشد، ولا تسمح الراوية لها بالظهور بأي شكل ولا حتى من خلال الحوار.

كارانو: جار الزوجة، موسيقي، كانت تراه غريب الأطوار، لكنها بعد أن رأته وهو يعزف وكان بارعا بدأت تشعر بالألفة نحوه.

الراوي..

الراوي هو البطلة، الزوجة، التي تحكي عن نفسها ومشاعرها المتقلبة وتأثير الهجر عليها نفسيا وجسديا وعلى مستوى حياتها كأم، لا تترك مساحة للشخصيات الأخرى في التعبير عن أنفسهم إلا من خلال رؤيتها لهم وتصورها عنهم وعلاقتها بهم، فهي البطلة الوحيدة للرواية والشخصيات الأخرى شخصيات ثانوية تتفاعل معها.

السرد..

الرواية محكمة البناء، تعتمد على السرد التصاعدي، حيث الأحداث تبدأ بلحظة الهجر ثم تتوالى، فيما يخص الزوجة فقط، ما بين رد فعلها المتماسك والهادئ أولا ثم انهيارها النفسي ثم تعافيها، والنهاية سعيدة، لأنها تستطيع في النهاية التغلب على محنتها وعلى هجر زوجها وترسم ملامح حياتها مرة أخرى.

لحظة الهجر..

تبدأ الرواية بلحظة الهجر، لحظة عادية هادئة، بعد أن يشارك “ماريو” زوجته “أولغا” في تجهيز العشاء وبعد تناوله يخبرها بهدوء أنه سيرحل، ودون مشاجرة أو عنف يترك المنزل مغلقا الباب ورائه في هدوء، في البداية لا تفهم أولغا الأمر وتخفف على نفسها وقع الصدمة عائدة لمواقف مشابهة مرت بها مع زوجها، لتؤكد لنفسها أنها حالة نفسية مؤقتة وسيعود.  وتتذكر يوم أن تركها وهما مازالا في بداية علاقتهما ثم عاد متعللا بأنه كان يمر بحالة ذهنية سيئة، ثم مرة أخرى بعد الزواج وإنجاب الأطفال حين فكر في هجرها ثم عاد إلى صوابه وأخبرها أنه مرة أخرى مر بنفس الحالة الذهنية المربكة وأنه تحرر منها.

وتنتظر “أولغا” علها تكون حالة من حالاته الذهنية المربكة خاصة وأنه لم يخبرها بشيء، ومن جانبه كان “ماريو” شريرا حين لم يخبرها بالأمر بصراحة، وتركها تتخبط وتتوقع أشياء غير حقيقية وتحاول أن تفهم هجره لها، تعامل بانتهازية ولم يخبرها بالأمر بصراحة وبوضوح.

تتعامل “أولغا” مع الأمر بهدوء ورزانة في انتظار أن يعود مجددا كما عاد في السابق، لكنه بدلا من ذلك يقوم بزيارات لها وللأولاد ويحاول فيها تجنبها، كما يردد أقوال عن حياته تجعله يبدو مملا ومنفرا بالنسبة لها وهي ما زالت في مرحلة الهدوء، لكن حين تطول الأيام ولم يعد تبدأ في الشعور بالذعر.

الذعر..

تتذكر تلك السيدة التي هجرها زوجها وهي طفلة في الثامنة، وكيف تغيرت أحوالها كثيرا وأصبحت امرأة أخرى، وكيف أنها حاولت الانتحار مرة لتعيد زوجها إليها ثم في النهاية قتلت نفسها غرقا. تقاوم “أولغا” تلك الصورة الذهنية التي كونتها عن المرأة المهجورة التي تنهار لكنها تجد نفسها تنهار، تبدأ في كتابة رسائل لزوجها ليلا لكي تفهم ماذا حدث ليؤدي إلى تلك النتيجة، وتركها زوجها تتخبط ولا تفهم لما هجرها.

وكان الأصدقاء المشتركون سيئون حيث التزموا جانب الحياد ولم يدعموها بل وتعمدوا إخفاء معلومات عن زوجها، وظلت تشعر “أولغا”  بالتخبط وانتابتها لحظات شرود نتيجة لاضطراب نومها وانشغالها بالكتابة وتذكر ما حدث طوال 15 سنة من الزواج. ثم تفاقم الوضع حين وجدت نفسها تذهب لبيت جارها الذي لم تكن تحبه وتراه غريب الأطوار، وازداد الأمر سوء حين مرت بينهم لحظات حميمية فاشلة زادها ذلك نفورا منه.

انحباس..

ثم مرض ابنها ومرض الكلب ووجدت نفسها في أقصى درجات الشرود، تنتابها الذكريات وصور الماضي بدء من طفولتها والسيدة التي ماتت بسبب هجر زوجها لها، وحتى تذكر لحظاتها مع “ماريو” وكيف كان يشاركها في الحياة، وتذكر تعلقه بابنة الجيران حين وجدته يقبلها. ثم تفكيرها في الأعباء التي تحملتها فجأة، مسؤولية الأطفال ومسؤولية إدارة المنزل ومحنة نقص الأموال، خاصة بعد أن غضب منها زوجها لإلحاحها على فهم أمر الهجر وتركه لها تماما حتى دون زيارات باردة.

تقاوم “أولغا”  شرودها وتخبطها وانهياراها خاصة حين يصل الأمر إلى ذروته، حين تفشل في فتح باب الشقة الذي جهزته مؤخرا وجعلته أكثر أمانا، مع مرض ابنها ومرض الكلب وشعورها بالأزمة، حتى أن القارئ يتعاطف معها ويشعر هو أيضا أنه محبوس معها في شقتها.

ثم تنفرج الأزمة وينفتح الباب حينما تستعيد بعضا من قوتها النفسية، وتتذكر أثناء ذلك أنها واجهت نفس الموقف حين فشلت في فتح باب بيت الجارة التي كانت صديقه للأسرة، حين منحتها المفتاح لقضاء عطلة ولم يذهب معها زوجها، وكيف أنه سخر منها حينما قضت ليلا كاملا في السيارة أمام البيت.

لأجل أخرى..

وتكتشف “أولغا” أن “ماريو” هجرها لأجل تلك الفتاة ابنة الجارة، التي كان يقوم بدور الأب معها ويذكر لها دروسها، لتكتشف أنه غافلها 5 سنوات، وأنه ربما كان على علاقة بالفتاة كل تلك السنوات من وراءها، ويزيدها الأمر إحباطا حينما تكتشف أن “ماريو” دخل المنزل دون علمها وسرق أقراط أمه التي منحها لها، ليعطيها لتلك الفتاة وتتعامل بعنف مع “ماريو” وتضربه مما يؤزم العلاقات بينهما.

لكنها تحاول أن تبحث عن سبل للتعافي، تبحث عن عمل لكي تغطي نقص الأموال، وتترك طفليها يذهبان لوالدهما ويتعاملان مع العشيقة والأب في منزلها، ورغم بعض المشاغبات من قبل الأبناء واقترابهم من العشيقة ووجود مقارنة دائمة بين ما تفعله معهما وما تفعله هي، إلا أن “أولغا” تتحمل كل تلك المضايقات، وتتحمل تقلبات الطفلين ولا تعود تهتم ب”ماريو” حتى حين تتكشف انتهازيته شيئا فشيئا.

التحرر..

ثم يعترف لها “ماريو” أنه لن يتحمل عبء الأطفال خاصة وأن عشيقته تدرس وغير متفرغة، مما يجعلها توقن بمدى انتهازيته وأنانيته وتتحرر تماما من تعلقها به ومن وهمها أنها خسرت زوجا وحياة، لتعي أنه ما كان إلا وصمة لطخت الجدار واستمرت لسنوات عدة.

ثم وعلى الجانب الآخر يتصادف أن تذهب لحفلة موسيقية وترى الجار وهو يعزف وترى مدى براعته كعازف، فتتحول نظرتها له مع محاولاته المتعددة للاقتراب منها فتقترب منه وتبدأ معه علاقة. وهكذا تستعيد “أولغا”  تماسكها بعد الانهيار وتتعافى تماما من الهجر بعد أن وصلت إلى مرحلة الانهيار القصوى.

الكاتبة صورت ببراعة مشاعر المرأة في سن الأربعين التي تشاهد حياتها وهي تنهار، خاصة وأن حياتها رسمت وتحددت مع زواج وأبناء، وكيف أن ذلك صعب عليها وكانت بارعة في رصد التفاصيل الدقيقة ورصد مشاعر البطلة وانفعالاتها وتقلبات أحاسيسها وأفكارها، ورغم أن موضوع هجر الزوج لزوجته ورغبته في أن يبدأ حياته مع شابة حين يصل إلى ما يعرف بمرحلة منتصف العمر أمر به شائع تناوله في الغرب، خاصة في الأفلام إلا أن تناول الكاتبة كان مميزا حيث نقلت بدقة رد فعل الزوجة الأربعينية والتدرج ما بين الانهيار والتعافي، معتمدة على رصد المشاعر والأحاسيس وعلى لغة سلسلة ومحملة بالدفقات الشعورية.

 الكاتبة..

“إيلينا فيرانتي” هو الاسم المستعار لروائية إيطالية، ولدت سنة 1943 بنابولي. أعمال فيرانتي المنشورة بالايطالية ترجمت لعدة لغات ولاقت نجاحا لافتا. أشهرها “صديقتي المذهلة”  أو ما يعرف بالرباعية النابوليتانية والتي حولتها شبكة HBO لمسلسل. أدرجت مجلة تايم “فيرانتي” ضمن لائحة أكثر الشخصيات تأثيرا لعام 2016.

تقول فيرانتي «الكتب بمجرد أن تكتب فهي لا تحتاج لكاتبها» تتمسك فيرانتي بسرية هويتها وتعتبرها عاملا أساسيا في عملها كما تشدد أن بقاء هويتها سرية ضروري في عملها ككاتبة منذ نشرها لأول أعمالها سنة 1992. و هذا ما أدى لنظريات وتأويلات عديدة حول هويتها الحقيقية.

ففي مارس 2016، قام الروائي “ماركوا سانتاقاتا” والذي يشغل منصب بروفيسور بجامعة بيزا بدراسة فيلولوجية لكتابات “فيرانتي” بغرض معرفة هويتها، وخلص بحثه إلى أن “فيرانتي” هي “مارسيلا مامو” بروفيسورة درست بجامعة بيزا والتي نفت ادعاءات سانتاقانا بشدة. في أكتوبر 2016، قام المحقق “كلاوديوا قاتي” بنشر مقال على ايل سول 24 خام وفرانكفورتر الجماينه تسايتون. والذي اعتمد على السجلات العقارية، فخلص بحثه إلى أن فيرانتي هي مترجمة ايطالية معروفة تدعى أنيتا رجا. تصدى الوسط الأدبي بنقد لاذع للمقال باعتباره تعدي سافر للخصوصية.في سبتمبر 2017، قام فريق من الباحثين، وعلماء في الكمبيوتر، ولغويين في جامعة بادوا، بتحليل 150 رواية كتبتها 40 روائي إيطالي من بينها 7 كتب لفيرانتي. حسب البحث يرجح أن هوية “فيرانتي” ترجع لكاتب يدعى “دومينيكوا ستارنوني” زوج “أنيتا رجا”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب