خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “أولاد حمدان” للكاتب العراقي “راسم الحديثي” رواية ثرية بالشخصيات الحية، تتناول العراق في الستينات والسبعينات من القرن الفائت، وترصد أحوالها السياسية والاجتماعية في ذلك الوقت.
الشخصيات..
أحمد: يدرس القانون في جامعة بغداد، الابن الأكبر لعائلة حمدان، رجل هادئ رزين يواجه مصاعب الحياة بتعقل.
الوالد حمدان: كان تاجرا غنيا ثم فجأة خسر ثروته، دون أن يوضح لأولاده السبب، وترك لهم الفقر ورحل.
صباح: فتى في العشرين من عمره، أخو أحمد الأصغر، يفاجئ بموت والده وخسارة ثروته، ويقرر أن يتتبع السر وراء ذلك، وسيجعله ذلك يقترب من مافيا فساد كبيرة، وسيتعرض لمحن كثيرة في حياته تنتهي بموته ميتة بشعة.
أسماء: الابنة الصغرى لعائلة حمدان، فتاة عاقلة ورزينة لكنها تتحمل فوق طاقتها من مآسي ومحن.
الأم: سيدة طيبة جاءت من القرية حيث تزوجها حمدان وجلبها إلى بغداد، وكان بعيدا عنها لا يحكي لها شيئا عن عمله وتجارته، ستموت بعد أن تمرض مرضا شديدا، بعد أن يتم القبض على ابنها “صباح” ظلما.
علاوي: شاب تقابل معه “صباح” في أثناء بحثه عن سر والده، حيث عمل عاملا بسيطا في تهريب النفط، وكان “علاوي” يعمل معه، وحكى له حكايته، حيث أنه هارب من التجنيد بعد أن قتل الضابط الذي يراود والدته عن نفسها، والذي كان مسئولا عنه في الجيش. و”علاوي” يرى أن الحياة ظالمة وأن الفقراء لا أمل لهم في النجاة من قسوة وبطش الأغنياء.
علي: صديق ل”صباح” سوف يساعده في البحث عن ثروة أبيه وسيتم القبض عليه هو أيضا، لكنه سيأخذ حكما مخففا.
سلام: شاب خائن أرسله الفاسدون الذين سلبوا من “حمدان” ثروته لكي يورط ولده “صباح” أيضا، وسوف يقنع “صباح” بالبحث عنهم وفي النهاية سيتم القبض عليه وسيشهد “سلام” ضده شهادة زور.
عمار : ابن خال أسماء، يتعلم في بغداد في كلية التربية، ويزور بيت عمته أثناء القبض على “صباح” وسيحب “أسماء” بعد ذلك، وسيظل سنوات دون أن يخبرها بذلك، لكنه لن يستطع الزواج منها بسبب رفض والدته، انضم لأحد الأحزاب اليسارية، وكان متحمسا لها وللاعتراض على ممارسات السلطة، لكنه في النهاية يتخرج من الجامعة، ويعود قريته ليعمل مدرسا، ويتزوج وفق رغبة والدته.
حسين: شاب مناضل انضم لأحد الأحزاب اليسارية، وكان مخلصا لأفكاره ومبادئه ولرفاقه، يحب رفيقته “إلهام” ويشترك في التمردات الطلابية ضد السلطة، لكن أجهزة الأمن ستنال منه ويتم اعتقاله، والتلاعب بنفسيته حين يكتشف أن “إلهام” ما هي إلا عميلة للأمن، وأنها وشت به، وسوف يفقده ذلك قوته النفسية وينصاع لرجل الأمن، لكنه ما يلبس أن يستعيد قوته وتوازنه النفسي ويحاول التخلص من ضابط الأمن الذي يلاحقه، ويجبره على العمل معه، من خلال التطوع في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ويسافر غير عابئ بما ترك ورائه، بعد أن عرف أنه اختار الاختيار الصحيح.
- الهام: فتاة فقيرة، مات والدها وترك لها أمها وأخوين صغيرين، سيستغل أحد ضباط الأمن ذلك “الملازم سيف” وسيستدرجها إلى أن تتحول لعميلة للأمن، بعد أن يخدعها بوهم الزواج منها، ويصورها في مواقف حميمية معه حتى يضمن ولائها، ورغم أن “إلهام” ستحب “حسين” حين تلتقي به، لكنها ستكون مجبرة على التعاون مع “الملازم سيف” الذي يهددها دوما.
الملازم سيف: ضابط أمن، يجند الفتيات والشبان ليتجسسوا على الناس ويعطوه تقريرا عنهم، ويستخدم في سبيل ذلك أحط الوسائل، وحين يقوم انقلاب بعد سقوط الحكومة، كما يسميه الكاتب، ويتوهم “حسين” و”إلهام” أن “الملازم سيف” وأجهزة الأمن سقطت مع سقوط الحكومة، يكتشفان أن “الملازم سيف” مازال يعمل بنفس طريقته القديمة، وأن أجهزة الأمن كما هي لم تتغير، رغم تغير رموز السلطة التي أصبحت تسمي نفسها “وطنية”.
عبد المطلب: طالب في الجامعة هو رفيق ل”عمار” في السكن، ينتمي لحزب ديني، وحين يحضر الكاتب “صادق جلال العظم” في أحد الندوات في جامعة بغداد سيقوم “عبد المطلب” بمهاجمته، وحين يصاب “عمار” بجرح سيساعده رغم اختلاف “عمار” في اتجاهه السياسي عنه، لكنه في النهاية ابن قريته.
جاسم: لص، سيتعرف عليه “صباح” داخل المعتقل، ثم سيقابله مصادفة في سجن أبو غريب، حين يحدث سقوط للحكومة، وسيصبحان رفيقان منذ ذلك الوقت، و”جاسم” سيغير اسمه حتى لا يطلب من الشرطة بسبب أنه سجين هارب، وسيتزوج من “أسماء” رغما عنها، بعد أن يصبح تاجرا من السرقات.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن الشخصيات بالتناوب، ويحكي دواخلها ومشاعرها وانفعالاتها كما يحكي الأحداث المتتالية.
السرد..
تتميز الرواية بثراء، فالشخصيات كثيرة والراوي يحكي عنها جميعا ويعطي للقارئ خلفية عنها، مما يشعر القارئ أنها شخصيات حية من لحم ودم، وأنها تتحرك أمامه، حتى تلك الشخصيات التي لم تظهر كثيرا مثل شخصية “علاوي”، الرواية تعتمد على تقطيع السرد حيث يحكي الراوي عن شخصيات وأحداث ثم ينتقل إلى شخصيات وأحداث أخرى، ثم يعود للحكي عن الشخصيات الأولى، وهكذا إلى أن تنتهي الرواية نهاية رمزية، وإن كانت تنبع من صلب الأحداث وتطورها، لكنها يحملها رموزا ودلالات كثيرة. الرواية على قصرها إلا أنها تعطي القارئ شحنة عاطفية وفكرية عميقة، والرواية تقع في حوالي 144 صفحة من القطع المتوسط.
عراق الستينات والسبعينات..
أهم ما في رواية “أولاد حمدان” هي رصدها لعراق الستينات والسبعينات بدقة وعمق فكري، حيث يتضح ثقافة الكاتب واتجاهه الايدولوجي الواضح نحو الفكر اليساري، لكنه رغم ذلك يقدم الشخصيات بحياد الروائي، ويقدم تحليلا لما يجري من أحداث.
تبدأ الرواية بموت “حمدان” المفاجئ، ثم ثورة “صباح” وغضبه وسعيه وراء من سلبوا أبيه ثروته، ورغم تحذيرات أخوه الكبير “أحمد” ووالدته إلا أنه يصر على رأيه بنزق الفتى العشريني، ويتورط في مافيا فساد تدير عمليات مشبوهة، حيث تقوم بتهريب النفط بعلم الشرطة وأجهزة الأمن ورجال كبار في الدولة، ويظهر رجل يدعى “سلام” يدعي أنه يساعده في كشف سر والده، لكنه يتبين أنه أرسل إليه لكي يتورط مع هؤلاء الفاسدين، ويعمل “صباح” مع الذين يهربون النفط عاملا بأجر ضئيل، لكي يكتشف أي شيء عن ضياع ثروة والده، لكنه يزج به في السجن هو وصديقه “علي” بتهمة محاولة قتل صاحب مكتب التصدير والاستيراد، الذي كان السبب في إفلاس والده، ويحكم عليه بالإعدام، لنكتشف كقراء أن منظومة القضاء فاسدة وإدارة السجون أيضا، وأنه يمكن إخراجه بعد دفع رشوة، وبالفعل يسعى أحمد إلى ذلك بعد أن مرضت والدته مرضا شديدا، ورغم أنه دفع رشاوي إلا أن “صباح” يظل في السجن لثلاث سنوات حتى تسقط الحكومة، ويحطم المساجين السجن، وتحدث عملية نهب للبلاد في غياب الشرطة والحكومة.
ونكتشف أيضا فساد الأجهزة الأمنية واستخدامها لأساليب رخيصة ودنيئة لمراقبة الناس، وأنه حتى رغم حدوث انقلاب، وتغيير أوجه الحكام ورموز السلطة، ومجيء سلطة تسمي نفسها ب”الوطنية” إلا أن الأمور لا تتغير في الواقع، وتظل الأحوال على سوءها كما هي، وتظل أجهزة الأمن تترصد الناس وتجند الضعفاء والفقراء بالقوة والقهر.
كما ترصد الرواية فساد الأحزاب وعنفها، حيث يقتل شاب ينتمي لأحد الأحزاب اليسارية بيد أفراد من فصيل آخر منشق عن الحزب، وكأن العنف لم تختص به السلطة وحدها بل أحزاب المعارضة أيضا.
التقاليد البالية..
اهتمت الرواية أيضا برصد العادات والتقاليد البالية التي كان يعاني منها المجتمع في ذلك الوقت، حيث سعى “أحمد” إلى الزواج من فتاة من قريته خوفا من الارتباط بفتاة من المدينة، وحين ذهب إلى بيت خاله أبو عمار كانت زوجة خالة تتمنى أن يتزوج ابنتها الكبرى، وحين سعى للزواج من فتاة أخرى غضبت زوجة خاله، وسعت لإفساد الزواج، كما وأنها بالغت في انتقامها فأجبرت “عمار” على ترك فكرة الزواج من “أسماء”، والزواج من إحدى قريباتها لكي يتسنى لشقيقاته أن يتزوجن هن أيضا في المقابل، وقد رصدت الرواية كيف أن العادات والتقاليد البالية تتحكم في الشباب ذكورا وإناثا.
نهاية مأساوية..
يتم القبض على “صباح” مرة أخرى، والذي تحول إلى سارق بعد خروجه من السجن، وكأن السجن قد حوله وجعله مجرما بالفعل، لكنه سيقبض عليه لأنه هارب من حكم الإعدام، وسيتم إعدامه بسرعة وسط دموع وحسرة أشقاءه وأقاربه، وسوف يرضى هو بتلك النهاية، لكن الناس سوف يثورون، فيما يعرف بتظاهرة “الجثامين”، على تلك الأحكام العشوائية بالإعدام في حق شباب بعمر الزهور، وستترك جثة “صباح” أمام الطب العدلي وسط أحداث التمرد لتأكل منها الكلاب.. النهاية مأساوية ترمز إلى مدى القسوة التي عاني ويعاني منها الشباب العراقي في تلك الفترة.
رغم ان الأحداث تبدو في الستينيات والسبعينات إلا أن الكاتب اخذ نماذج من أحداث حصلت في أزمنة قريبة مثل انهيار الدولة وحصول عمليات سرقة وقتل عشوائية…اي تعامل الروائي مع الزمن بحرية…
الكاتب..
“راسم عبد القادر الحديثي” كاتب وروائي عراقي، صدر له كتاب “مسارات الحداثة في الفكر الوطني والقومي”. وصدرت له ثلاث روايات: (رواية أولاد حمدان- ورواية أصناموفوبيا- ورواية دائرة الخوف).