خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (أوثان لزجة) للكاتب العراقي “سالم صالح سلطان” تتناول مدينة الموصل في فترة زمانية طويلة نسبيا، لكنها هامة جدا في تاريخ العراق الحديث، كما أنها تتميز بأنها تحكي عن الكادحين والفقراء وعن حياتهم وسط ما يجري في العراق من أحداث مصيرية.
الشخصيات:
صلاح: البطل، يظهر في الرواية منذ أن كان طفلا وحتى يصبح في خريف العمر، يحكي عن حياته أثناء تلك السنين في تقاطع مع الأحداث السياسية التي تمر بها بلاده، فهو فقير عاش حياة بائسة وعاني مما عاني منه كثير من العراقيين، في حياته قصة حب وحيدة لامرأة لا تقبل به حبيبا، له رؤية تجاه ما يحدث في بلاده وفي منطقة الشرق بأكملها.
يوسف الجني: صديق للبطل منذ الطفولة، كان يتسكع معه في الحي الذي يسكنون فيه، يتميز بجرأة وشجاعة حيث كان يحث اصدقاءه على السرقة من الأغنياء، والتقاط فاكهة الأغنياء التي يتركونها حتى تتعفن على الشجر في حين أنهم محرومون منها، وعندما كبر أصبح يقاتل ضد الأمريكان الذين غزوا وطنه، كما كان شجاعا في الحب واستطاع أن يفوز بمن أحبها ويتزوجها رغم اعتراض والده وصعوبة زواجه منها.
بشوري: رفيق للبطل في الطفولة، مولع بالطيور، كان يشاركه في تسكعه مع “يوسف الجني”.
حمادي بن يحيى العنزروت: رغم أنه كان ينتمي لعائلة سيئة الطباع تتشاجر مع الناس في الحي وكان يتعامل بعنف مع أهل حيه، إلا أنه عندما كبر انضم للمقاومة ليدافع عن وطنه وتغير في سلوكه.
ومحمود الهاجري: شاب من حي البطل وصديق له، أحب فتاة صديقة لأخته وقام بفعل كل شيء لكي يرضيها، لكنها رغم ذلك كانت تعامله بجفاء وتستغله، ليكتشف أنها متورطة مع زوج أختها في أعمال مشبوهة تنطوي على تجهيز الأدوات والأسلحة لعمل تفجيرات في العراق، وكانت سيئة الطباع ويشك أنها كانت تقيم علاقة حميمة مع زوج أختها، وهذا جعله بائسا لا يؤمن بالحب يصاحب النساء المتزوجات.
حازم الدولجي: زوج أخت “محاسن” التي تزوج بها “محمود الهاجري”، ورغم أنه قريب من السلطة في العراق بعد 2003 إلا أنه يدير عمل مشبوه يتمثل في تنظيم تفجيرات في عدة أماكن، وقد رشح نفسه لمجلس النواب أيضا مما يشي بنوع الحكام الجدد للعراق.
وأبو عبد: صاحب مقهى في الحي، رجل طيب عاش مأساة هو أيضا لكنه كان صلبا، ثم مات وهو في السبعين من عمره، وكان ودودا مع كل الناس.
إبراهيم الأعرج: من أهل الحي يكدح لأجل عمله، ويواجه صعاب يومية وحين التحق بالتظاهرات تمت تصفيته أمام أهل الحي ومات في الشارع.
مشحوط الخياط المصري: مصري كان يعمل بالعراق ويعيش في الحي، لكنه سافر إلى أمريكا وحصل على الجنسية وعاد كجندي في الجيش الأمريكي، ورغم أنه كان متعاطفا مع العراقيين الذي عاش بينهم لكنه يرى أن أمريكا هي الخلاص بالنسبة له.
حنين: فتاة أحبها البطل في طفولته، شقراء جميلة تسكن في الحي الذي يسكن به، لكن تنتمي لأب غني يحدد لها مسار حياتها، تصبح فيما بعد مهندسة وتعمل في المصنع الذي يعمل به البطل، وحين يتقرب منها ترفضه ليس فقط بسبب شخصيته، ولكن لأنها ترفض التقرب من أي ذكر أو العيش تحت سطوته، كما أنها لم تتخلص من حصار أبيها النفسي رغم موته وتظل بدون زواج حتى عمر الخمسين، ثم تترشح في مجلس النواب بصحبه مدير لها.
راعية الماعز: سيدة ساقتها الظروف إلى أن تعيش مع خال لها بعد موت والديها، ثم ترث عنه بعض الماعز وتتحول إلى راعية لهم ولا تهتم سوى بهم، وترفض الزواج لأنها ترفض سلطة الرجل عليها.
وهناك شخصيات أخرى، فالرواية غنية بشخصيات مميزة تمثل تنوعا في المجتمع العراقي.
الراوي..
الراوي يحكي بضمير الغائب لكنه يتبنى وجهة نظر البطل “صلاح”، وأفكاره ورؤاه، ويحكي عن دواخل البطل ومشاعره، كما يحكي عن باقي الشخصيات من خلال تعامل “صلاح” معهم ومعرفته بهم.
السرد..
الرواية مميزة، تعتمد على مدة زمنية طويلة وتطور في الشخصيات، ويتخلل الحكي أفكار البطل ورؤيته لما يحدث لبلده وبلدان الشرق، تقع الرواية في حوالي 480 صفحة من القطع المتوسط.
فوضى بعد حروب وصراعات..
الرواية غنية بالأحداث والأفكار لكن أهم ما ترصده هو مدينة الموصل و أحد أحياءها في الفترة من الثمانينات وحتى الوقت الحالي، مرورا بالحرب مع إيران، ثم حرب الكويت، ثم غزو أمريكا للعراق وتأثير كل تلك الأحداث على البطل “صلاح”، والذي تم تجنيده ثم سجنه بسبب بعض المواقف، ووتصور الرواية مخالطته لمن تم سجنهم في السجن العسكري ورؤيته لمن يتم إعدامهم بسب الهروب من العسكرية في وقت الحرب، كما ترصد الرواية وبامتياز الفوضى التي تفشت في العراق بعد الغزو الأمريكي لها، وكأن الصراعات والحروب لم تكن كافية لتأتي أمريكا محدثة الفوضى العارمة في العراق، حيث ترصد الرواية التفجيرات التي تتم والتي يشتبه أن أفراد في الأحزاب الحاكمة وفي السلطة داعمين لها.
فالعراق بعد الغزو يشهد بشكل يومي تفجيرات في الشارع وإعدامات بمسدسات مزودة بكاتم صوت، ومآسي كثيرة، فكل أسرة لها فرد أو أكثر تم قتله أو تفجيره أو إصابته بمرض ما نتيجة للأحداث الدامية، ومن يحكمون هم من ينهبون البلاد ويزيدون في وضعها الفوضوي المتأزم
كما يشير الراوي إلى أن ما يحدث في العراق يتم تحريكه بأيادي خارجية، متمثلة في دول الغرب، الدول الرأسمالية الكبرى، التي تريد نهب النفط حتى آخر قطرة كما أن هناك ايادي في منطقة الشرق نفسها.
كما تشير الرواية إلى ثورات الربيع العربي، ويعتبرها الراوي- البطل لعبة من الدول الرأسمالية لتخريب المنطقة بطرق خفية، لا تحتاج إلى تدخل عسكري مباشر منها، وتكلفة مادية ومعنوية مثلما حدث في غزو العراق.
لكن أهم ما يميز الرواية في نظري أنها رسمت الشخصيات من الكادحين والفقراء الذين يعانون بشكل مضاعف، يعانون الفقر المدقع وتأثيرات الأحداث الدموية التي تجري في العراق منذ عقود عديدة، وكأن الفقر وحده لا يكفي لجلب البؤس لهم، فزاد عليه التعذيب في السجون العسكرية والقتل في الشارع والمرض والخيانة والتآمر والتفجيرات.
يكرر الراوي أكثر من مرة أن منطقة الشرق، أو المنطقة العربية تعيش في تخلف مادي ومعنوي، وأن تخلفها هذا هو سبب ما يحدث لها من مآسي، وإن كنت اختلف معه في هذه النقطة، حيث اعتقد أن تلك المآسي هي من فعل الدول الرأسمالية، التي تريد نهب ثروات منطقة الشرق، لذا تواصل تخريب المنطقة والذي بدأ منذ سنوات طويلة، والحل ليس فقط في رفض التخلف والتخلص من الأوثان، وإنما مواجهة هذه البلدان والاشتباك المباشر معها وباتحاد الشعوب.
قصة حب طويلة..
كما تحكي الرولاية عن قصة حب طويلة يتورط فيها البطل “صلاح” بإرادته، ويظل سنوات طوال يحب “حنين” والتي لا تهتم به ولا بأي رجل غيره، ورغم الفارق الطبقي بينهما إلا أنه يظل مصرا على اعتبارها حبيبة عمره وطفولته.
الرواية مميزة وتقدم رصدا اجتماعيا لمدينة الموصل، وبخاصة لأحيائها الفقيرة وللعراق بشكل عام، كما أنها تتتبع تطور الشخصيات التي تغيرها الظروف والمآسي وقد تتحول إلى النقيض. وتؤكد على أن العراق أصيب بلعنة النفط مما جعله عرضة للتناحرات والصراعات والتدخلات التآمرية منذ وقت الملكية.
الكاتب..
“سالم صالح سلطان”، كاتب عراقي، من مواليد الموصل العراق 1964، عضو اتحاد أدباء نينوي، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق،كتب سابقا في عمود الصفحة الأخيرة لجريدة الزمان الدولية. كتب في عدة أعمدة ثقافية أسبوعية في الصحف التي تصدر في مدينة الموصل، ونشر الكثير من النصوص الأدبية في الصحف العراقية والعربية..
صدر له:
- إكليل الملك- مجموعة قصصية- اتحاد أدباء نينوي 1996.
- الأسوار البعيدة- مجموعة قصصية- دار الشئون الثقافية العراق 2000.
- سكاكر البرجس- رواية- 2007.
- تسابيح الخيول- نصوص مفتوحة- الموصل 2009.
- أوثان لزجة- رواية- الموصل 2018.