8 أبريل، 2024 10:26 ص
Search
Close this search box.

رواية أعداء قصة حب.. خراب الشخصية بعد التعرض لتعذيب وحشي

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “أعداء قصة حب” للكاتب “إسحق باشيفيس سنجر”، ترجمة “سمير أبو الفتوح” إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة الجوائز، تتناول قصة لاجئ بولندي يهودي هرب إلى أمريكا بعد تعرضه لوحشية النازية والستالينية، وترصد الرواية كيف يتخبط هذا اللاجئ في حياته التي تلي هروبه من معاملة غير إنسانية، وكيف يصبح ميتا في جسد فاقد للإرادة وللحياة.

الشخصيات..

هرمان برودر: لاجئ بولندي هرب إلى أمريكا بعد نجاته بمعجزة من الموت على أيدي النازيين، حيث اختبأ ثلاث سنوات في مخزن للتبن وظن أن النازيين قتلوا ولديه وزوجته، ليكتشف أن زوجته مازالت على قيد الحياة، بعد أن يتزوج من فلاحة بولندية كانت تعمل خادمة في بيت أبيه الغني، وهي التي خبأته في منزلها دون معرفة أمها أو أختها وكانت ترعاه وتبقي على حياته، لكنه يعيش حياة غير مستقرة في أمريكا حيث يكون له عشيقة ثم تظهر زوجته.

” بادفيجا “: هي الفلاحة البولندية التي أنقذت حياة “هرمان” وقد تزوجها وأخذها معه إلى أمريكا، لكنه لم يكن يحبها لذا اتخذ عشيقة رغم أنها كانت تعامله بطيبة وود وترعاه، وحاولت أن تكون يهودية وتتمسك بالطقوس والشعائر الدينية اليهودية لترضيه، لكنه يتركها في النهاية بعد أن تحمل بطفلة منه.

ماشا: عشيقة “هرمان”، تعمل نادلة في إحدى الكافيتريات، وهي جميلة وتمتلك جسدا جذابا مما يجعلها محط أنظار الرجال، لكنها تحب “هرمان” وتعيش معه في شقتها، كما تعيش مع أمها التي وجدتها بعد أن استطاعتا الاثنتين النجاة من وحشية النازيين، لكن”ماشا” نعيش حياة مضطربة، لا تنام أبدا، وتنتابها نوبات جنون كما أنها تغير على “هرمان” وتحثه دوما على ترك زوجته البولندية، لذا يخاف من إخبارها بأمر زوجته اليهودية التي اكتشف أنها على قيد الحياة.

تامارا: زوجة “هرمان”، أنجبت منه ولدين، وحين وقعت الكارثة في بولندا كانت مسافرة لزيارة والديها في مكان بعيد عن “هرمان”، ولم تكن علاقتهما الزوجية مستقرة حيث أنها كانت ممتلئة بالشجارات، حتى أنه كان قد هجرها قبل اعتداء النازيين. قتل طفليها على أيدي النازيين وأصبحت مضطربة نفسيا تشعر أنها ميتة وتسمع أصوات طفليها وتراهما في الليل، ولم ترغب في الحصول على الطلاق من “هرمان” رغم معرفتها أنه متزوج وله عشيقة، وقد أخلصت له ولم تدخل في علاقة أخرى طوال سنوات فراقهما، وساعدته عندما وقع في مشاكل ووفرت له فرصة عمل ورعت زوجته البولندية وهي حامل، وحين اختفى في آخر الرواية عاشت مع الزوجة البولندية وتولت تربية الطفلة معها.

الحاخام لامبر: رجل دين يهودي يعيش في أمريكا، يمتلك أموالا وعقارات ويعمل في مجال تجارة العقارات، لكنه يحب أن يبدو كاتبا ومثقفا فيكلف أناسا آخرون بتأليف الكتب والمقالات والمحاضرات له، ويعطيهم أجر مقابل ذلك، وهذا الحاخام يعمل لديه “هرمان” ويؤلف له الكتب ويكتب له كل ما يستخدمه في نشاطه الفكري والديني.

الراوي..

الراوي عليم ينقل وجهة نظر “هرمان” في الأحداث وفي الشخصيات، ويعطي “هرمان” المساحة الأكبر في الحكي وفي كشف ما يدور في عقله ونفسه، ويعطي مساحة للشخصيات الأخرى من خلال الحوار ومن خلال تفاعل “هرمان” معهم.

السرد..

الرواية محكمة البناء، تعتمد على أحداث تفصيلية متتالية، وتصور تخبط الشخصية الرئيسية ومعاناتها وفوضاها الداخلية، تقع في حوالي 344 صفحة من القطع المتوسط، وتنتهي باختفاء البطل دون أن توضح مصيره.

خراب الشخصية بعد التعرض لتعذيب وحشي..

أهم ما ترصده الرواية هو خراب شخصية “هرمان” الذي كان على وشك الوقوع في أيدي النازيين الوحشيين، وفترة انعزاله لمدة ثلاث سنوات لا يرى فيها أحدا أو يكلم أحدا إلا قليلا، ويأكل طعاما قليلا ويتحسب لأية حركة في الخارج، والتي قد تعني موته بطرق وحشية، هذه السنوات الثلاث ظلت عالقة في عقله ونفسه حتى بعد أن نجا ونجح في السفر إلى أمريكا وأصبح في أمان، فقد كان حريصا على العيش في عزلة تامة والبعد عن الجميع سواء من اليهود أو من غيرهم، وكان يزعجه أكثر تواجده في جيتوهات من اليهود الشرقيين ولا يعرف كيف يتواصل معهم، فقد تأثرت شخصيته وتخربت بالعزلة والخوف الذي عاشه.

ليست شخصية “هرمان” فقط هي المخربة التي تعرضها الرواية وإنما شخصية “ماشا” أيضا فقد خربتها الطريقة التي تعامل معها بها النازيون هي وأمها، وظلتا تتخبطان نفسيا في أمريكا، ورغم أنها استأنفت حياتها وكانت تعمل وتنفق على أمها وحتى على “هرمان” إلا أنها لم تكن متوازنة نفسيا، لا تنام ليلا وإن نامت قليلا تحلم بوالدها المتوفي وتحلم بكوابيس كثيرة، ولم تكن أبدا تجرؤ على تذكر ما حدث لها أو تحكيه ل”هرمان” كاملا، وكان “هرمان” مقتنع تماما أن لا أحد ممن تعرضوا لمعسكرات النازيين أو الشيوعيين يستطيع تذكر كل ما حدث له أو استعداءه مرة أخرى من الذاكرة.

وانتهت حياة “ماشا” بالانتحار حيث أنها بعد موت أمها لم تجد الحياة ذات جدوى، رغم أن “هرمان” كان قد وافق على هجر زوجته البولندية والعيش معها، لكنها انتحرت بالحبوب وطلبت منه أن ينتحر، لكن لا يعلم القراء ماذا حدث له، فقد حكي الراوي أن “ماشا” وأمها دفنتا بمعرفة الحاخام الذي أحبها وتمنى الزواج منها، لكنها فضلت “هرمان” عليه، كما ساعد الحاخام “تامارا” و “بادفيجا” في ولادة الطفلة وفي حياتهما بعد اختفاء “هرمان” ورفضت “تامارا” أن تتزوج أملا في أن تجتمع ب”هرمان” في الآخرة.

ويلاحظ أن الرواية تعتمد على معرفة الكاتب والشخصية الرئيسية العميقة بالديانة اليهودية وخاصة الطائفة الارذوثكسية منها، حيث تمتلئ الأحداث شبه اليومية بطقوس الديانة اليهودية التي يتراوح البطل ما بين التمسك بها وما بين نكرانها، هو وباقي الشخصيات التي فقدت إيمانها بالإله بعدما تعرضت له من تعذيب وحشي، لكنها في نفس الوقت كانت تتمسك بالدين والطقوس ربما كوسيلة لحفظ ما تبقى لهم من دافع في الحياة.

يقول “إسحق سنجر” عن رواية “أعداء قصة حب” إنه كان قد استوحى روايته هذه من اللاجئين الذين نجوا من تلك المحنة، وأن روايته، ليست قصة نموذجية للاجئ تتطابق مع حياته ونضاله كل التطابق، وإن هذه الرواية مثلها مثل بقية أعماله الروائية تقدم حالة استثنائية وأبطالًا استثنائيين وأحداثًا استثنائية، وأن شخصياتها، وما لها من خصائص سلوكية وعاطفية مميزة، وكونهم ضحايا أقدارهم، وإذا كانت الصورة العامة تتسع لهم، فإن هذا مردّه أن الاستثناء يضرب بجذوره في القاعدة، وحقيقة الأمر في الأدب أن الاستثناء هو القاعدة.

الكاتب..

ولد “إسحق باشيفيس سنجر” عام 1904 بالقرب من وارسو عاصمة بولندا، وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1935 واستقر في بروكلين، وعمل صحفيًا وصاحب عمود في جريدة “نحو الأمام” اليومية، ونشر ما لا يقل عن ثماني عشرة رواية وأربعة عشر كتابًا للأطفال واثنتي عشرة مجموعة قصصية، فضلاً عن مذكرات ومقالات وقد اجتذبت السينما بعض أعماله، ومن أهم أعماله الروائية “جميل الأبله” 1977 “إسبينوزا شارع السوق” 1961، “الجمعة القصيرة” 1964، وحاز العديد من الجوائز الأدبية المهمة مثل جائزة الكتاب القومي مرتين الأولى عام 1970 والأخرى عام 1974، وذلك قبل أن تتوج مسيرته الأدبية بجائزة نوبل للآداب عام 1987، وتوفى عام 1991.

أنه ولد في حي فقير ، وكان والده وجده لوالده حاخامين، ولذا تلقى تعليماً دينياً ملتزماً، ومع ذلك ظهر ميله إلى الأدب منذ الصغر، وبدأ يكتب القصائد والقصص وهو في الرابعة عشرة من عمره، ما سبّب الكدر والغم لوالديه كثيراً، إذ كان الأدب في نظرهما تخلياً عن العقيدة، وتعبيراً عن سوء الخلق.

قضى سنجر ثلاث أو أربع سنوات في قرية جده جوراي، ويقول عن القرية في حوار صحفي أجري معه: «كانت قرية قديمة الطراز، لم تتغير أبدا منذ عدة أجيال، إذ ما زالت التقاليد تحيا فيها، كما كانت منذ مئات السنين، ولا يوجد بالقرب منها خط سكة حديد، لأنها تقع في قلب الغابة» ، وقد ألهمته تلك الفترة بعض أعماله القصصية والروائية.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب