15 نوفمبر، 2024 4:07 ص
Search
Close this search box.

رواية أرابخا .. التآمر الأمريكي وخيانة الوطن

رواية أرابخا .. التآمر الأمريكي وخيانة الوطن

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (أرابخا) للكاتب العراقي “سعد السمرمد” تحكي عن تآمر الرأسمالية العالمية، وقائدتها أمريكا على العراق وعلى بلدان العالم الثالث، وكيف أن ذلك التآمر ينفذ بتخطيط دقيق ومحكم، كما تحكي عن هموم العراقي في سنوات الحرب والحصار والغزو.

الشخصيات..

البطل: ليس له اسم، فنان تشكيلي، غادر العراق ليصبح مواطنا ألمانيا، وحقق نجاحات في الفن التشكيلي، وقام بتنظيم عدة معارض له في الدول الأوربية، شخص حزين مهموم يعاني من قسوة فقدان الوطن، وفقدان الحبيبة بعد ذلك.

أرابخا: زوجة البطل، اسمها يحمل رمزا يمتد عبر الرواية، وهو الاسم القديم لمدينة كركوك، اسم تاريخي يرجع إلى قرون أيام الحضارة العراقية العريقة، سيدة عراقية يتعرف عليها البطل أثناء دراسته في كلية الفنون الجميلة ببغداد، وهي زميلة دراسة له ويتزوجان ويعيشان معا سنوات طويلة، يختبران فيها تجارب قاسية، الحصار الاقتصادي والهجرة من الوطن، لكنها تهجره في النهاية، وتحب أستاذا ألمانيا يبهرها، وهي نحاتة نظمت معارض لأعمالها وناجحة أيضا.

فريدريك: أستاذ “أرابخا”، يعلمها أشياء كثيرة وتنبهر به، ويتجاوب مع جنونها وهوسها وتحبه في النهاية وتدخل معه في علاقة حميمة.

برير: صديق البطل، عاشا معا تجارب قاسية، حيث هربا إلى السعودية وهما طالبان في الجامعة، ثم عادا إلى العراق وخبرا تجربة السجن والاعتقال، برير شاب طيب وبسيط.

عماد: صديق البطل من أيام الشباب أيضا، كان غريبا نوعا ما وله أفكاره التي تثير أصدقاءه، وهو مثقف يعرف الكثير عن التآمر الذي يدور على بلاده، لكنه يختار أن يهرب ويستغل مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ليهاجر إلى أمريكا ويصبح مواطنا أمريكا، ويقوم بأعمال غير مشروعة تضر وطنه، ويصبح بعد الغزو وزيرا في الحكومة العراقية، ويمارس الفساد ويختلس من أموال الشعب الكثير، وينجح في النهاية إلى الهروب إلى أمريكا مرة أخرى، رغم أنه قضى شبابه في معاداتها والكشف عن تآمرها لأصدقائه المقربين.

السيدة الألمانية: سيدة تقضى بضع ساعات مع البطل في الطائرة التي تقله إلى الإمارات، للذهاب إلى ملتقي للتشكيلين الغربيين، وتتحدث معه طويلا ويحكي لها عن “أرابخا” كما تحكي هي عن حياتها.

الراوي..

الراوي هو البطل، يحكي عن نفسه ومشاعره وانفعالاته، ويحكي عن باقي الشخصيات من وجهة نظره هو، ويترك الكاتب الحرية لشخصيات أخرى في التعبير عن نفسها، من خلال رسائل يرسلها “عماد” ل”برير” والبطل، ومن خلال الحوارات التي تدور بين “أرباخا” والبطل أو بينه وبين السيدة الألمانية.

السرد..

السرد محكم، يعتمد على التقطيع حيث يتنقل الحكي بين أزمنة مختلفة، بين الزمن الحاضر حيث رحلة البطل في الطائرة، ثم فترة شبابه في التسعينات، ويحكي الراوي بتصاعد زمني محافظا على الوقت الحاضر الذي يتناوب في التواجد مع استعداء الماضي، والرواية مقسمة إلى أقسام غير معنونة تفصلها مقطوعات شعرية قصيرة، يقول الراوي أنها من كتاب يقرأه في الطائرة بعنوان “دموع السمكة”، لكن المقاطع الشعرية بمثابة جمل موجزة يتلخص فيها الأفكار التي يطرحها الكاتب في كل قسم من أقسام الحكي. تقع الرواية في حوالي 280 صفحة من القطع المتوسط، ويتصف السرد بالتصاعدية ولا يعتمد على التشويق، وإنما كأنه لعبة بازل يرتبها الكاتب لتكون في النهاية صورة متكاملة.

التآمر الأمريكي..

الروائي سعد السمرمد
الروائي سعد السمرمد

أهم ما تناقشه الرواية التآمر الأمريكي على العراق وعلى بلدان العالم الثالث، وبالأحرى الرأسمالية العالمية والمتمثلة في الدول الغربية بقيادة أمريكا، حيث يورد الكاتب على لسان “عماد” العديد من الأفكار حول ذلك التآمر، ف”عماد” يكشف لأصحابه أن البلدان الغربية سعت إلى تقليل عدد سكان بلدان العالم الثالث خوفا من خطرها، خاصة بعد هزيمة أمريكا في الحرب الفيتنامية، وقد استعانت على ذلك بأربع طرق نافعة، أولها الحروب التي تبيد شعوب العالم الثالث، وثانيها المجاعة والإفقار، وثالثها محاولة تنظيم النسل والتي أثبتت فشلها، ورابعها مرض الايدز التي استطاعت الدول الغربية أن تقلل انتشاره لديها، في حين أنه أصبح مرض بلدان العالم الثالث، حيث تفشى في الدول الإفريقية والأسيوية ولا تريد البلدان الغربية إيجاد علاج له.

كما يكشف عماد لأصحابه أن هناك أفلام سينيمائية أمريكية روجت للحرب على العراق قبل حدوثها بسنوات، فقد حكي عن فيلم أخرج في منتصف الثمانينيات ، تناول غزو العراق للكويت ثم مساندة أمريكا لها، ثم فرض الحصار الاقتصادي على العراق قبل حدوث ذلك بسنوات، وأن صناع الفيلم من الإسرائيليين، وكانوا يتعمدون تشويه صورة العرب لدى الجمهور الأمريكي. وفيلم آخر يحكي عنه “عماد” كان يشوه صورة العرب ويمهد لفكرة الحرب الأمريكية عليهم، مؤكدا أن هذه الأفلام ما هي إلا تسريب لمخططات أمريكا التي قامت بعملها بإحكام، ونفذتها بعد ذلك بمساعدة غباء الحكام العراقيين وتبعيتهم وحكام بلدان العالم الثالث.

يؤكد البطل مرارا على أن هذا التآمر الأمريكي بسبب وجود البترول في أرابخا، والذي اكتشف في العشرينات من القرن العشرين، وأن هذا البترول هو مطمع الرأسمالية العالمية والتي تفقر الشعوب وتبيدها سعيا وراء الاستحواذ عليه، ومؤكدا أيضا على أن الشعوب التي يكتشف لديها البترول تعيش أسوأ أنواع الصراعات من حروب ومجازر ومجاعات.

ورغم تلك الرؤية الثاقبة إلا أن “عماد” قد اختار طريق الخيانة وبيع وطنه، والانحياز إلى صف القوي (أمريكا) ، حيث أصبح مواطنا أمريكا ومسئولا فاسدا وسارقا، ونجا بفعلته في النهاية.

خيانة الوطن..

رغم أن البطل يتغني دوما بوطنه وفقدانه وأزماته إلا أنه انزلق إلى هاوية الخيانة، حين طلب منه “عماد” استنساخ لوحات لفنانين عراقيين من رواد الفن التشكيلي العراقي، وسرقتها مقابل حفنة من دولارات، يتباكي على وطنه لكنه لا يتردد في خيانته حين تتاح له الفرصة، حتى يخرج من ذلك الوطن ويعيش حياة أكثر استقرارا ورفاهية، ورغم أنه يؤنب نفسه كثيرا ولا يبرر خيانته، وإنما يعترف بكونها جرما في حق الوطن، إلا أن هذا لا يرفع الإثم عنه، والذي سيودي به إلى مصير أسوأ، حيث ستهجره زوجته بعد خيانته، وكأن خيانة الوطن كانت الجرم الذي فتح عليه أبواب الجحيم.

الرواية رائعة تتمتع بلغة شعرية وحوار غني بالرموز والدلالات، كما أنها تحتفي بالتراث وبالماضي العراقي العريق.

 

الكاتب..

“سعد السمرمد” من مواليد 1964 ،حصل على شهادة البكالوريوس، علوم اجتماعية قسم جغرافيا من جامعة الموصل، عضو اتحاد الكتاب العراقيين، وعضو اتحاد الكتاب العرب، نشر ثلاثة مجموعات شعرية للأطفال باسم مستعار، وله مجموعة شعرية بعنوان “الفرح القروي” ومجموعة بعنوان “ما قالته السيدة المراهقة” 2016، ومجموعة “ألواح السومري المتربة” ومجموعة “بائع الملح” تحت الطبع، يعمل حاليا مدرس في مدرسة الأفاق المسائية، وعمل في المجال الإذاعي كمقدم ومعد برامج للأطفال.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة