12 يناير، 2025 10:19 م

رواية “أحمر حانة”.. كسرت التابوهات ولم تبتعد عن هاجس الحرب

رواية “أحمر حانة”.. كسرت التابوهات ولم تبتعد عن هاجس الحرب

 

خاص: قراءةياسين شامل

لم يكن انتشار الرواية العراقية بالمستوى المطلوب قبل التغيير، وحتى الإشارة إليها في كتب النقد العربية كان بصورة مقتضبة، والسبب لانحسارها وعدم انتشارها هي الظروف السياسية والاقتصادية، وتلك القيود التي تعيق كتاب الرواية أو تعطلهم في الوصول إلى مبتغاهم في إصدار أعمالهم الروائية، لكن بعد التغيير اختلفت الحال، وقد تجرأ الكثيرون على كتابة الرواية ونشرها، وكذلك غيرها من المنجزات الثقافية.

في رواية “أحمر حانة” للكاتب “حميد الربيعي” التي جاءت بعد التغيير، أستطاع الكاتب أن يأخذ المتلقي في رحلة الأحداث المرتبطة بالمكان الذي خبره جيداً، وأفرز قدرة على توجيه سبل التلقي لدى القارئ، ويرتقي بتلك الممكنات، ومغايرة التقاليد إلى حد ما، ليضعنا أمام تقاليد جمالية، جعلت من الرواية علامة بارزة في السرد العراقي ما بعد التغيير، وإذا صح القول إنها تؤسس مع روايات عراقية أخر لـ “رواية عراقية جديدة”.

يمكن أن تكون رواية “أحمر حانة” رواية معاصرة، اخترقت المألوف حيث “توجهت هذه الرواية “أي الرواية المعاصرة” نحو التعبير بشكل واضح عما كان مكبوتاً من ممنوعات، وطرح المواقف بحرية وأكبر، بما في ذلك التحرش بقوة بالتابوهات المحرمة في الدين والسياسة والجنس”.

رواية “أحمر خانة” قد تجاوزت هذه التابوهات الثلاث بشكل أو بآخر، من خلال الرؤية التي يعمل عليها الكاتب. نجد الكثير من التوظيف الايروتيكي في العبارات الجنسية النارية تعبر عن جوع جنسي وحرمان في ظروف قاسية، مثل “جأر من دهشة الحر، جال ببصره في غرفته، كان الظلام يخيطها مثل كيس مغلق إلا من وهج نار بين الفخذيين. عندها دنا، كمن اهتدى بعد تيه إلى واحة، لامسها بوجل، بيد أنه ألتاع من شدة السخونة، نار حارقة يتعالى لهيبها، فإن لم يطفئها بركوبي ستحترق الدار”. ص155

هكذا نجد رواية “أحمر حانة” تكسر التابوهات بقوة في أحداثها من خلال الشخصيات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة بلغة سردية موحية، ورمزية واضحة، لتحيلنا إلى واقع متخيل مؤلم في بلد مرت عليه حروب ثلاثة، وما رافق يوم سقوط بغداد من سلب ونهب “الفرهود” كما يذكره في الرواية، ثم جاء التناحر الطائفي والقتل على الهوية، وبعد ذلك التفجيرات والاغتيالات المتتالية. في واقع يستشري الفساد فيه.

الراوي يوغل بالسرد، وينتقل من مكان إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، كي لا ينفلت التواشج في أحداث الرواية يراد لهذا السرد المتنوع الذي لا يخلو من الغرائبية، قارئ حساس لمتابعة الأحداث والربط فيما بينها، والتأمل لإدراك إحالاتها، وربطها بالواقع الراهن.

تنعكس تلك العلاقات المشبوهة في البيوت والأزقة والحدائق والسينمات، وفي أمكان أخرى، على واقع ملتبس مرير.الرواية تعج بالأحداث، فالكاتب يستخدم  المكان بقدرة كبيرة، ونصب الحرية وجدارية فائق حسن، بذكاء كي يعطي مدلولاتها من خلال الحدث المرافق لها.

نجد في رواية “أحمر حانة” قد استخدم الكاتب فيها التاريخ والتراث، فقد استحضر “ابن الأثير” و”الجاحظ” ، واستحضر “أهل الكهف، وكلبهم” “إخوة الكهف خمسة، يتبارون في بياض البشرة والطول، لكنهم جميعهم ذوو لحى، مقصوصة الأطراف وتلتم عند الذقن مشكلة شعيرات عنزة عجفاء” ص3، “الكلب يلوي ذيله” ص3  شخصيات من غيهب الغيب، هم “أهل الكهف” ليحرك هذه الشخصيات مع غيرها ومع الشخصيات الأخرى في الزمان والمكان المعلومين، بدراية كي تؤدي أدوارها في التشكل البنائي للرواية، كما رسمها “حميد الربيعي” مسبقاً بجهود غير عادية، من خلال تجربة معرفية وحياتية كبيرتين.

هذه الرواية لا تبتعد عن هاجس الحرب، فالراوي لا يمل من ذكر الحرب التي مرت على البلاد وما خلفت من موت ودمار، والعمل على إشعال الحرب لعبور الجسر حتى آخرها “لن أطرق أيما حديث معه، سنعبر حافة الجسر، عندئذ ستظهر الجموع، أسلمه القيادة فاسحاً الدرب لبدء الزحف

–       اطمئن، حتماً سيأتي الجنرال.” ص196

“أحمر خانة” رواية جديرة بالقراءة فهي تشكل خطوة جيدة وجديدة في السرد العراقي، وتستحق تسليط الضوء عليها من قبل المختصين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-     أحمر حانة ـ رواية ـ حميد الربيعي- دار صفصافة – 2017.

2-     جماليات الرواية العراقية – د. نجم عبد الله كاظم- دار شهريار – 2018.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة