13 أبريل، 2024 7:04 ص
Search
Close this search box.

رواية أحببت حمارا..  قوة النساء في مواجهة خلل الحكم الذكوري

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (أحببت حمارا) للكاتبة العراقية “رغد السهيل” رواية تبرز صوت النساء في العراق في سرد يعتمد على الفانتازيا والحكي الغرائبي، والسخرية المرة من الأوضاع في المجتمع، ورغم التجديد في شكل السرد والاعتماد على الغرائبية إلا أن هذه القراءة ستركز على انتصار الرواية للنساء وصوتهن.

الشخصيات..

الدكتورة أمل: البطلة، أستاذة في الجامعة في كلية العلوم، تعيش وحيدة بعد موت جدتها وهجرة أخيها إلى خارج العراق، تشاهد أوضاع المجتمع السيئة وحكايات صديقاتها من حولها، وتشعر بالوحدة وهي تتفرج على مآسي كثيرة تحدث للناس، وسوف يتم اتهامها بالجنون من قبل رئيس القسم لكي يحقق مصالح شخصية.

شريفة: صديقة للبطلة، أحبت رجلا يوما ما لكن أهلها رفضوا تزويجها منه، وأجبروها على الزواج من ابن عمها الذي لم يحظ بتعليم مثلها، ورغم أنها متفوقة في دراستها وتقوم بعمل أبحاث علمية هامة إلا أنها تزوجته بالإجبار، وكان يضربها بوحشية حتى أنها ماتت جراء ذلك الاعتداء عليها، وهو تم الإفراج عنه لأنه ادعى أنه قتلها بسبب الشرف.

فهيمة: صديقة للبطلة،عاشت وربت أشقاءها بعد موت والدها ومرض والدتها ثم موتها، ثم تزوجت وهي أكبر قليلا وأنجبت طفلة لتعيش مع حماة ترفضها وتتفنن في إفساد حياتها، وفي النهاية تستطيع السفر للحاق بزوجها الذي هاجر بعد اختطافه.

ليلى: صديقة للبطلة، متزوجة ولديها أولاد، اضطرت لاستئصال الرحم بسبب ورم وتعاني من فقدان ثقتها بنفسها بسبب ذلك.

عم زكي: بائع خضار يجلس بالقرب من بيت البطلة، ولديه حمار يعتني به جيدا، ويعرض “عم ذكي” حراسة البطلة والاهتمام بها وحين يقتل غدرا برصاصات في صدره يتشرد أولاده وتسجن زوجته، بعد أن تزوجها أخوه بالإجبار وأرسل الأطفال المرضى إلى مستشفى فتقتل أخو زوجها.

أم مظلوم: سيدة فقيرة انقلبت حياتها بعد موت زوجها، ولديها طفلين وليس لديها أوراق ثبوتية لهما، تضطر إلى أن تقلب في القمامة لتعيش ثم تعثر على رأس زوجها في القمامة فتقرر أن تبيع الحلوى بدلا من ذلك، وتعيش مع سيدة طيبة هي “أم صابر”، ثم تذهب للعمل في مكان بعيد عملا شاقا لكي تستطيع إلحاق أولادها بالمدرسة.

أم صابر: تعيش في بيت متهالك ولها طفلان يعملان في التسول وتعمل هي في بيع الألعاب، تعيش فقر شديد إلا أنها صابرة وقوية وتساعد من يحتاج لمساعدة، فقد آوت “أم مظلوم” في بيتها كما أنها أشفقت على فتاة اسمها “لطيفة” وأصبحت ترعاها، وهي تحلم بأن تستطيع تعليم أبناءها.

لطيفة: فتاة تعيش في الشارع لا تتحدث إلا الانجليزية، تحمل بطانية وصابونه وتحب الروائح الجيدة، ترعاها “أم صابر” وهي تحاول تعليم الأطفال من حولها اللغة الانجليزية.

لهيب: محامية من أسرة ثرية، تشعر بالغبن نتيجة فساد النظام القضائي فتتجول في الشوارع مع كلبها وينتهي أمرها بالموت.

هناء: سيدة تعيش في مستشفى الأمراض العقلية، باعت ابنتها نتيجة للفقر الشديد وجعلها ذلك تفقد عقلها.

هيلة: فتاة باعها ابن عمها لتعمل بعد ذلك في البغاء رغما عن إرادتها، بعد أن فشل في بيع أخته “دموع” التي أحرقت نفسها قبل أن يزوجها من رجل كهل، و”فاضل” ابن العم يبيع ابنة عمه ويوهم أباها أنها ماتت في انفجار من تلك الانفجارات اليومية، ويأخذ النقود التي باعها بها ليفتح بها محل.

الراوي..

الراوي هو البطلة “أمل” التي تحكي من بداية الرواية عن حكايتها الغرائبية حين أحبت حمار “العم ذكي”، وهي تحكي بضمير المتكلم، لكن هناك راوي آخر هو سيدة تركت ملفا لدى “العم ذكي” وأعطاه للبطلة “أمل” هذه السيدة كانت تحكي حكايات النسوة اللاتي يعشن حياة بائسة، هذا الراوي يحكي بضمير الغائب، لتكتشف “أمل” في النهاية أن الملف كتبته “الخاتون” وهي شخصية في حكاية “أمل” تلاحقها وتقول لها كلاما ملغزا.

السرد..

يعتمد السرد على التجديد في الشكل، ورغم أن السرد يبدو من بداية الرواية غير مترابط ومتشظي، إلا أن القارئ يكتشف مع الاستمرار في القراءة أن السرد بنية محكمة التماسك تعتمد على التقطيع ما بين حكي “أمل” وحكي “الخاتون” في الملف، الذي تسميه الرواية “ورقة”، ويتخلل الحكيان مقطوعات تقولها “الخاتون” محملة برموز مستمدة من التاريخ ومن تراث بغداد العريق، الرواية تقع في حوالي 280 صفحة من القطع المتوسط، وهي ثرية بالشخصيات وبالحكايات عنها، كما أن القالب الغرائبي الذي وضعت الكاتبة الرواية فيه أعطى للرواية معنا ساخرا من نوع السخرية التي تكشف الأوضاع البائسة.

قوة النساء في مواجهة خلل الحكم الذكوري..

رغم أن الرواية تمتلئ بالمميزات إلا أنني سأركز على كيفية تناول الرواية لقوة النساء، فقد استعرضت الرواية شخصيات نسائية تعتبر نماذج للنساء الذين يعشن في العراق، السيدة التي تربي أشقاءها وترفض الزواج مثل “فهيمة”، والسيدة التي يجعلها استئصال الرحم تشعر بالتهديد طوال الوقت،” ليلى” خاصة في مجتمع يشجع على تعدد الزوجات، والسيدة التي تموت نتيجة لعنف الرجل “شريفة” ونتيجة للأعراف البالية التي تقضى بتزويج الابنة من ابن عمها، رغم اختلاف الشديد بينهما في التعليم والثقافة والميول، كما وأنها رغم موتها غدرا إلا أن زوجها تجرأ على اتهامها في شرفها حتى ينجو بجريمته.

الرواية تقول وبقوة أن النساء هن ضحايا العنف الذكوري والوحشية الذكورية التي استمرت عبر القرون، بعد أن اختطفت المجتمعات الأمومية وأصبح الذكر يحكم ويشيع الفوضى والفساد في العالم، وهي رواية حافلة بالرموز التي توضع في قالب غرائبي، فالغول هو الحاكم الظالم الذي أكل آذان الرجال وحتى الأجنة وترك الرجال بلا آذان أو بآذان مشوهة صماء، فلا يسمعون النساء ويخربون البلاد بعنفهم ووحشيتهم، ثم بالفساد والاتجار بكل شيء،  ومن تتحمل العواقب المضاعفة هن النساء فتصبح بعضهن متسولات أو تعيش بصمود وصبر مثل “أم صابر” و”أم مظلوم” اللتين تتحايلان على العيش وتبيعان أي شيء فقط لتربية أبنائهن.

إمعانا في السخرية تتخيل الكاتبة أن الرجال في العراق، الرجال الذين يحكمون، يقررون ذهاب النساء إلى القمر وتجهيز الأدوات اللازمة لكي يطرن إلى القمر، ويصرفون على ذلك مبالغ طائلة رغم أن معظم النساء لا يردن ذلك، ويقرر الرجال أن من ترفض الطيران إلى القمر فهي ترتكب ذنب يعادل ذنب الزنا، وترفض من المجتمع وتعاقب أشد العقوبة، ورغم ذلك لا يفلحون في تجاربهم فمرة يستخدمون ريش الدجاج ومرة ريش العصافير، لكن تجربة تسفير النساء إلى القمر لا تنجح وتتمرد بعض النسوة على ذلك فيقمن بعمل مظاهرات ومنهن من تدعي الجنون. والمحزن في الأمر أن النساء الفقيران لسن فقط اللاتي يعانين من توحش الرجال ولامبالاتهم، وإنما الغنيات أيضا مثل “لهيب” و”لطيفة” فالحروب التي صنعها الرجال تدفع ثمنها النساء مضاعفا.

كما أشارت الرواية خلال الحكي لحال العراق وبغداد بالأخص، حيث الانفجارات اليومية التي تقتل الأبرياء والتي لم تسلم منها الحيوانات وحتى الحمير، والقتل بالرصاص في الشارع واضطرار الناس إلى عمل هويات مزورة ليفلتوا من قبضة السلطة الفاسدة، أو يستطيعون الاستمرار في العيش، وأيضا النفايات المنتشرة في كل مكان حتى أنها أصبحت تنذر بالخطر والذباب المستوطن والغربان، والتشوهات الخلقية في الأطفال نتيجة لتجريب أمريكا لأسلحة مشعة وخطيرة في غزوها للعراق وبعد ذلك.

الوضع مليء بالمآسي والأطفال يتسولون في الشوارع نتيجة لأوضاع أهاليهم المأساوية ويقتلون بدماء باردة، لكن رغم ذلك المناخ المشبع بالفوضى والكوارث إلا أن البطلة تفكر بشكل إيجابي ولا تستلم لليأس، مثل معظم الشخصيات النسائية في الرواية، فهي تفكر في تعليم الأطفال الموزعون في الشوارع واستخدام حمارها لأجل ذلك، رغم أن البلاد منهارة إلا أن النساء يفكرن دائما في إعادة البناء وفي الإصلاح وينجحن في ذلك مع الإصرار والتصميم.

الكاتبة..

“رغد السهيل” هي “رغد غالب علي السهيل” كاتبة عراقية، من مواليد بغداد- العراق، حاصلة على: ( البكالوريوس في الأحياء المجهرية- كلية العلوم- جامعة الكويت 1989- الماجستير في الأحياء المجهرية تخصص علم الفيروسات والمناعة- كلية الطب- الجامعة المستنصرية- بغداد 1993– الدكتوراة في علم المناعة- كلية العلوم- جامعة بغداد- 2003)

وهي باحث علمي في الهيئة العامة للزراعة والأسماك في الكويت عام 1989، و عضو هيئة تدريسية بدرجة أستاذ في قسم علوم الحياة/ كلية العلوم/ جامعة بغداد، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو جمعية الميكروبيولوجين العراقية، و عضو جمعية الثقافة للجميع- منظمة ثقافية.

أصدرت:

1- ضحكة الخاتون- مجموعة قصصية – 2011- دمشق- سوريا.

2- سايكو بغداد- مجموعة قصصية- 2013 – القاهرة.

3- أحببت حمارا- رواية- 2015 – لبنان.

4-  كللوش- مجموعة قصصية- وصلت للقائمة الطويلة في مسابقة الملتقى.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب