13 أبريل، 2024 7:32 ص
Search
Close this search box.

رقة آسرة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

قصة قصيرة

خاص : بقلم – نادية شكري

مصر

احتوتني عينا المها وهو يحادثني. أنصت إليه، تاهت مني بوصلتي في بحريهما الرائقين.. أستطيع الآن أن أكتب ما هو الحب، أن أغزل، أن أنحت في أعتى الصخور وأن أرقص وأن أعلم كل من في الأرض ما هو الحب.

لملمت مشاعري وأنا أحسني أتكوم خلف استطالات أهدابها الحلوة. ضممته بشده إلى صدري. يتبسم في تخابث طفولي ماكر، مغمض العينين يتصنع النوم، تضحك ملامحه كعادته عند عودتي من عملي، يجري نحوي، يغوص داخل صدري، يغمض عينيه ويدعي النوم حتى أنه يرمي بذراعيه اللينتين خلفي، فأرتمي على المقعد ونغيب في جسد واحد كما كنا قبل أن أضعه منذ أعوام قليلة، تروح أنامله تعبث في شعري المهوش، تلتف أذرعي حوله تحتويه. قال والدمع يجتهد في الثبات فوق شاشه عينيه :

  • كل يوم سأسمع صوتك صح ؟

أومأت له برأسي وأغرقت وجهه بدموعي، فسالت دمعته المختبئة خلف جأش طفل. قال وقد تجمعت ملامحه وصوته يخنقه النشيج :

  • أنا لا يكفيني الخميس ونصف الجمعة، أريد أن أبقى معك.

أدرت وجهي وأخذت أهدهده بين ذراعي وأنا أقول :

  • مؤقتًا يا عيوني ألم نتفق قبلاً ؟

كيف لا تزال باقية فيه رائحة الوليد ؟ هل يشم المرء رائحته ؟

تحركت عصافير قلبي، تفر من أعشاشها داخل أقبيتي.. لم أكف عن تقبيله.. كان يضمني إليه في رقة آسرة. يبتعد برأسه عني حتى يرى وجهي دون أن يسحب جسده عن صدري. يتصفح ملامحي وصهد أنفاسي وصهد أنفاسه يغبش نظاراتي فيبدأ العبث بقطرات الماء ويضحك وأضحك وأنا على جلستي أخشى الحركة حتى لا يزيد النزف كما أوصتني صديقتي الطبيبة. ذكرني هو أن أتناول الدواء في مواعيده. ابتسمت وأخذت أجري في حلم داخل غابات كثيفة عبر حدقتيه الجميلتين.. ما كل هذا السحر ؟ لماذا لا توجد غابات لدينا ؟

أحمله فوق كتفي وأجري به.. أجري ولا أدري إلى أين، كما لا أدري أين راح وزني، أجري كنسمة وحين يفاجئنا المطر يصرخ جزلًا، زخات رقيقة لينة أخذت تشتد، تفرق خصلات شعره الأسود الفاحم.. تتسللني القطرات ممتزجة برائحته في تآلف تستقر بعد أن أغرقت وجهي بين حنايا أنفي ومسارب صدري.

من نافذتي رأيته يسير متباطئًا. يقف تملأ عيناه صورتي وهو ينظر لي، رأسي مستندًا إلى إطار الشرفة يلوح لي، أحرك كفي ألوح له، يدخل السيارة، يجلس بجوار والده لا تكف كفه الصغيرة عن التلويح لي حتى أبتعدت السيارة وتاهت ناحية الخط الذي يفصل الأرض عن السماء. كانت نافذتي هي التي تبتعد إلى الوراء، تقترب من نقطة نهاية العالم. من حولي ألمح الكثبان الرملية الصفراء وبقايا صخور جبلية شائهة وعرة تطل بروزاتها عبر أطراف الشارع الذي يمهدون بعضه في محاولات عشوائية. سقطت عيني فوق الأكوام الرملية فلمحت صورتي تتحرك وسطها في استدارات وحشية ناعمة، تظهر لها سيقان صفراء ضخمة تئن من أعباء الاستدارات الثقيلة التي وجدتها تقترب في اتجاه النافذة.. وكانت رائحة صغيري معي لا تزال.

تمت

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب