خاص: إعداد- سماح عادل
“رشاد محمود أبو شاور” قاص وروائي فلسطيني..
حياته..
من مواليد قرية ذكرين قضاء الخليل، فلسطين. وهاجر مع أسرته بعد النكبة إلى بيت لحم ثم إلى أريحا، لجأ والده سياسيًّا إلى دمشق عام 1957، فلحق به وعاش فيها حتى 1965، ليعود إلى أريحا مرة أخرى حتى نكسة حزيران 1967، وقد انتمى لأحد الفصائل الفلسطينية أثناء إقامته في دمشق.
انضم لصفوف المقاومة الفلسطينية وتولي عدة مناصب في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. عمل في مجلس الإعلام الموحد نائباً لرئيس تحرير مجلة الكاتب الفلسطيني الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت. عضو في جمعية القصة والرواية وعضو في المجلس الوطني الفلسطيني منذ سنة 1983.
الكتابة..
كتب الرواية والقصة القصيرة والمسرح والمقالات الأدبية والنقدية والسياسية. وصدر له مجلد يضم مجموعاته القصصية الخمس الأولى. كما أصدر مذكرات العدوان على لبنان في كتاب بعنوان “آه يا بيروت”.
نشرت قصصه القصيرة منذ 1968 في مجلة الآداب البيروتية، وفي المجلات الثقافية العربية، والصحافة العربية اليومية، ومن أعماله الروائية: “أيام الحب والموت، البكاء على صدر الحبيب، أرض العسل، الرب لم يسترح في اليوم السابع، شبابيك زينب، وسأرى بعينيك يا حبيبي”. وقد أعيدت طباعة هذه الأعمال عدّة مرات، واختيرت رواية “العشاق” واحدة من أهم مائة رواية عربية، وترجمت روايته “البكاء على صدر الحبيب” إلى الروسية.
قوة القصة..
في مقالة بعنوان (رشاد أبو شاور: قوة القصة القصيرة وتوهجها) كتب “راسم المدهون”: “حضور الكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور في القصة الفلسطينية جاء أولًا من خلال مجلة “الآداب” اللبنانية الشهيرة التي واظب على نشر قصصه فيها، والتي كانت في مرحلة بداياته الأدبية مساحة الضوء الساطع التي تقدم الإبداعات القصصية والشعرية، وتمنحها مع كل عدد قراءات نقدية يكتبها بعض أهم الشعراء والنقاد العرب، حيث كان النشر فيها يحقق لصاحبه شهرة سريعة وواسعة، ويؤهله لأن يكون حاضرا بقوة في مجال كتابته وإبداعه.
ويضيف: “في تجربة أبو شاور القصصية حضور رشاقة الجملة، بل لأقل بدقة أكثر “رشاقة المشهد القصصي”، الذي ينحاز للبسيط والمألوف في حياة الفلسطينيين، ولكنه يذهب نحو هذا البسيط والمألوف بحدقة مختلفة ترقبه وترى صورته الحقيقية في أتون التراجيديا الفلسطينية وما تؤثثه النكبة من مفردات تلك التراجيديا: هي قصص الناس البسطاء، العاديين والذين نحس كل مرة أننا نراهم في يومياتنا، بل أننا نعرفهم ونكاد نعثر على أسمائهم، لكننا سرعان ما ننتبه إلى أن زوايا رؤية الكاتب لهم مختلفة وتكتشف حقيقتهم وأحلامهم ناهيك عن آلامهم وعذاباتهم.
أتذكر مجموعته الأولى “ذكرى الأيام الماضية”، فأتذكر فورا قصته القصيرة كثيرا لا أريد أن أقول القصيرة جدًا كي لا يختلط مفهومي مع مصطلح القصة القصيرة جدًا الدارج هذه الأيام، وهي قصة أتذكر اليوم أنني قرأتها أكثر من مرة في صباحات عام 1972 عبر أثير إذاعة “صوت فلسطين”، وكانت في كل مرة تجد أصداء طيبة لدى المستمعين.
لافتة أيضا مجموعة رشاد “بيت أخضر ذو سقف قرميدي”، التي يأخذني عنوانها في كل مرة إلى “بيت الأحلام” الجميلة والهانئة، والتي تشير إلى عوالم مشتهاة، وإن تكن مفقودة، بل هي كذلك لأنها ببساطة مفقودة وتشبه نقطة ضوء بعيدة في نفق حياتنا المظلم والمسكون بالقلق والتوتر، وهي قصص تمتحن الجدّة والعمق في البسيط المختلف والمشحون برمزيات تنقلنا إلى فضاءات إنسانية مشبعة بمشاعر دافئة وحميمة”.
العشق..
في حوار معه يقول “رشاد أبو شاور”: عن حضور العشق في أعماله: “نحن جيل عذب كثيرا، وحُرم من كل شيء ولكن عليه ألا يندم أبدا. كل ما أكتبه هو دعوة للحب. دعوة لحب الوطن. الشجرة. حب قاسيون هذا الذي يرتفع أمامنا والذي كنت أصعد إليه أنا والشاعر فواز عيد قادمين من جوبر، كان فواز يكتب بعض قصائده وهو ذاهل وشارد وأنا أتطلّع إليه. يكتبها بروحه قبل قلمه، شيء منها لدمشق. المكان. حب الحياة بشكل عام. حب الناس. إن حب الناس للإنسان الكاتب وللمثقف أكبر نعمة. كنت في مخيم اليرموك عندما أمشي. أمشي ملكاً. كل الناس تُسلّم علي وأنا أسلم عليهم، الناس البسطاء والخضرجي والسمان. ماذا أريد أكثر من هكذا نعمة.
أنا ابن الناس. ابن الحياة. ابن المخيم. فليعلم القراء أن قصة سفر العاشق تدور أحداثها في جوبر، أساسها واقعي، ساحة في جوبر منتصف البلدة وأنا كنت من سكانها، إذ عشت فيها عشر سنوات. في هذه الساحة كان هناك رجل ينادونه أبو فهد، طويل ومهيب وخشن. كان في الشتاء يسلق الشمندر والذرة، وفي الصيف أشياء أخرى ويبيعها تحت شجرتين كبيرتين في الساحة. من مراقبتي له أحسست أن أبو فهد يصبح غير أبو فهد حين تنزل معلمة من الباص وتمر أمامه في طريقها إلى مدرسة البنات، قلت في نفسي: والله أبو فهد يحب المعلمة. وضحكت!.
حكاية حب أبو فهد للمعلمة بقيت سنين في داخلي وعقلي، وفي يوم ما كتبت قصة أبو فهد “سفر العاشق”، إذ يظل يراها وعندما تأتي إليه يجهز لها أحسن الأشياء مما يبيعه وهي ببراءة تعامله أنه رجل شهم وحسب. في يوم من الأيام لم يعد يراها. غابت يومين. أسبوع. فذهب إلى المدرسة يسأل عنها، حيث لم تعد روحه تتحمل غيابها. دخل إلى المديرة وسألها: عندكم معلمة صفاتها كذا وكذا. هو لا يعرف حتى اسمها.
قالت المديرة: انتقلت إلى حلب.
سألها بحسرة: أين في حلب؟
فقالت: في المكان الفلاني. أعطته اسم المكان والمدرسة.
رجع إلى البيت، استحم وارتدى ألبسة جديدة وهيّأ نفسه، وقال لأم فهد: “افرشي لي بدي نام وبعدين عندي مشوار مهم”. تمدّد في فراشه، وغطّ في نوم عميق، عندما جاءت أم فهد توقظه وجدته مفارقاً الحياة. هذه هي صوفية الحب الذي تحدثت عنه في قصصي ورواياتي”.
وعن وجود عشق يحرك نار الكتابة عنده يقول “رشاد أبو شاور”: “العشق للناس والحياة، امرأة واحدة فقط بصراحة لا. كان ينبغي لي أن أحب، لكن للأسف الشديد مضى العمر وانشغالاته بين الكتابة والعمل المقاوم، ولما أدركت ما جرى صرت أكتب عن الحب والعشق، وأخلق شخصيات ميدانها الحب المشتهى الذي تمنيته في حياتي.
في كل ما كتبَ نفترش ياسميناً من عشق، أساطير للحب، لأن الإنسان بدون ذكريات حميمة، بدون انتماء للمكان والزمان يصبح كائنا بيولوجيا لا قيمة له. مثله مثل الإنسان الذي لا عقل له. والحب ليس فقط حب الرجل لامرأة أو امرأة لرجل. بل نجد حباً للأمكنة. للحظات تمر في الحياة كلها.
الحبُ يجعلنا نليق بمن نحب. هذه ليست أشياء نظرية، أنا ككاتب أخذت قصصي من الحياة. من الناس. من التجارب. من الوقائع. من الأشخاص، سألني أحد الأصدقاء: قرأت مجموعتك القصصية “سفر العاشق”، كأنك تكتب عن كل شيء أحببته ومضى؟!.
قلت له: صحيح، لأنني وصلت إلى مرحلة من العمر أنظر خلفي فأتحسّر على أشياء كثيرة، العدو الصهيوني سرق منا كل شيء. حرمنا أن نعيش حياة طبيعية، أن ننمو في وضع طبيعي، أن يكون لي بيت، أتزوج بشكل طبيعي. أربي أسرة بشكل عادي مثل باقي البشر. كل هذا حُرمت منه. حتى أحياناً يقول الواحد منا للآخر: نسيت أن أحبْ.. صار عمري خمسين. ستين سنة. يا الله “نسيت أحبْ”.
الوطن والكتابة..
عن الكتابة والمثقف والحرب على وطنه يقول “رشاد أبو شاور”: “حياتنا شديدة الغنى. أستغرب من الذين يكتبون رموزا وفلسفة وأشياء من هذا القبيل متعالين عن الواقع. ليس لهم علاقة به. الروائي الكبير تولستوي كتب “الحرب والسلام”. وديستوفسكي كتب “مذلون مهانون” و”الأخوة كارامازوف”، في ما كتبه هؤلاء كانت الحياة تغلي، ترى روسيا فيها، لذلك عندما أقرأ لروائي عربي في أي بلد عربي ينبغي أن أرى الحياة فيما يكتب، عندما يكتب عن سورية أرى سورية، اللاذقية. درعا. حلب. دمشق، وعندما تكتب لي عن الجزائر أرى الجزائر والخصوصية المحلية.
ما قيمة نجيب محفوظ وزقاق المدق الذي لا يتجاوز الخمسين متراً دون تخليد المكان، محفوظ صنع منه شيئاً عجيباً وغريباً. مشكلتنا أن الكثير من الروائيين والقصاصين العرب يتعالون على الواقع.
أنا من الكتّاب الذين لا يتعالون على الواقع، من خلال الحكاية أصل للفلسفة، وتقول الفلسفة نحن أناس شرقيون والقص الشرقي عندنا جميل جداً وهو مفعم بالفلسفة والأمثال. والكاتب يجب أن يكون مثقفاً غير عادي وأصيلاً وصادقاً ومستعداً لدفع ثمن كل هذه الأشياء معاً، بالتأكيد في سورية يرد في خاطركِ من كانوا يملؤون الدنيا بحضورهم. أين ذهبوا الآن؟. هؤلاء ليسوا أصلاء، هؤلاء انتهازيون فقدوا البوصلة، هؤلاء بالمناسبة يعرفون الصح. لكنهم يبيعون ويشترون. يذهبون إلى مصالحهم، أولئك قالوا إن سورية ذاهبة، هم جرذان السفينة الذين بالنهاية يأكلون خشب السفينة ويسهمون في إغراقها، ولكن الحياة عادلة في فصلها الأخير، جرذان السفينة ينتهون وتبقى السفينة، لذلك الآن سفينة سورية صامدة. موجودة وتبحر نحو النصر الأكيد، وهؤلاء انتهوا وفقدوا كل شيء. لن أذكر أسماء بل أقول بعضهم ذهب إلى الخارج. وراهن أن يصبح صاحب مال وشأن، وعندما تنتهي سورية يقفز راجعاً ويأخذ المناصب المهمة، لقد خسروا كل شيء. انبتوا. المنبّت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى”.
وفاته..
توفي “رشاد بو شاور” بتاريخ 28 سبتمبر 2024.