“رسول الناس” إصدار شعري جديد للشاعر فضل خلف جبر

“رسول الناس” إصدار شعري جديد للشاعر فضل خلف جبر

كتابات – بغداد

صدر للشاعر العراقي فضل خلف جبر ديوان جديد حمل عنوان”رسول الناس”، وذلك عن “دار شهريار” في العراق، يضم 38 نصا كتبت بين ٢٠١٣- ٢٠٢٠
وعن إصداره يقول الشاعر فضل خلف جبر عن” رحلة “رسول الناس”، التي بدأت عام 2013، تأتي إلى ختامها أخيراً، بصدور الديوان، أمر شاق للغاية أن تتأخر ولادة ديوان حين يكون جاهزاً لمعانقة حياة جديدة خارج أفق الشاعر.
فالحياة الحقيقية للقصائد تبدأ بعد أن يقطع حبلها السري، من خلال النشر، لتصبح كائنات مستقلة تمارس حياتها الخاصة في فضاء القراءة الفسيح”
يقول  د.حاتم الصكَر في تقديمه للديوان “رسول الناس محاولة شعرية جديدة تقلب منطق الخطاب السائد. هنا لا نبي جبران ولا رسول بوشكين. بل واحد من الناس يخاطب إلهاً يفتقد رحمته، وينقل إليه شكوى البشر في وطن يتمزق كجسد مستباح، متسائلا: هل أعطيتَ الحياة ليسلبها بعضنا من بعضنا الآخر؟
وكما أن البرابرة قد وصلوا دون أن يحدث شيء، فالكتب (تحمل فايروسات الكراهية وجراثيم النفاق) لذا يجمع الرسول البشري (أحزان الناس في مصهر كوني) ليعرضها في شكواه. تضرعات وشفاعات ومظالم ترينا أبنية شعرية يؤطرها الخيال. توهمنا بالصبر والتعقل لكن بناها التحتية – دلالاتها ومغازيها – تضج بالصراخ من أجل هذا العالم الذي تتحول فيه حياة البشر جحيما متواصلا لا يهدأ عذابه أو يخف.
هذا الرسول ذو الرسالة المنعكسة من القاع إلى السماء تخاطب الرب الرحيم الخالق ولكن بعتب ولهفة؛ لأن رسول الناس يأتي (من فم الجائع وشهقة المغدور). وهكذا في رحلة افتراضية من الناصرية – مدينة صبا الشاعر وفتوته- إلى الشرقاط – حيث مدينة المغدور الروائي حسن مطلك- يمتد طريق يوصل إلى رصيف دابادا، في إشارة لعمل الفقيد مطلك. ولكن الموت بالمرصاد أيضا حيث (يتربص بك الدماغ الناسف والروح المفخخة). تلك الإشارات المنتزعة من التراجيديا العراقية المزمنة يعززها الشاعر بلغة تبدي الهدوء والسخرية أحيانا، ولكن بكثير من الوجع الذي سيتكثف مقطرا بصفاء في قصائد قصيرة جدا بعنوان (أقواس). تشعر وأنت تتابع موتيفات القصائد المنتزعة من تقويم الألم اليومي المدمر بأنك ترى ما يجري من أنهار الدم والظلم والفاقة هناك، في بلد حضارته تفوق حاضره وتزدريه.
والشاعر بقصائد نثر مدججة بالصور واليوميات ينجز تلك
الرسالة التي يقول العنوان الجانبي للديوان إنها من (عابدك ورسول الناس إليك) ويهديها (إلى المهجرين والمهاجرين) وإلى الغرباء في أوطانهم) لقد فقدوا كل شيء في غربتهم الغريبة في أوطانهم والتي يتحدث عنها التوحيدي بكونها أقسى أنواع الغربة. الناس إذن هم أبطال هذا المشهد الشعري الذي تذكرنا تضرعاته ومخاطباته بتضرعات متعبدين عبر التاريخ ابتلوا بالداء وتلمسوا الدواء، صابرين رغم ذلك وبسببه أيضاً”
وفي هذه المجموعة يواصل اشتغالاته على التقاط مفردات محفورة في الذاكرة الشعبية، ليجعلها تشع حين يوظفها توظيفا فنيا ضمن سياق شعري جديد يقول في قصيدته ”  أغنيــــةُ طــائِـــرِ الحَـلَـلَّـــس”:

مَرّةً واحدةً في السَنةِ
يَهبطُ طائرُ الحَللَّسِ  في أرضِ العراقِ
يُرسلُهُ الرَبُّ من الفردوسِ الأعلى
مَعَ جيشٍ من المَلائكةِ المُسَوَّمينِ
فَيَربضُ على سَعفَةِ نَخلةٍ باسِقَةٍ
يحفُّ بهِ رَفيفُ أجنِحَةِ المَلائكةِ
وقَبَسُ الحكمةِ الأزليةِ

مَرّةً واحدةً في السَنةِ
يَخضَرُّ اليابسُ ويحيا المَيتُ
يهدأُ الغاضبُ وتفرحُ الحزينةُ
يُفكُ قيدُ الأسيرِ وتُجابُ دعوةُ المَظلومِ
يُغاثُ الغريقُ ويكرمُ مَثوى الأحياءِ
وتَهربُ الشياطينُ الى ظلماتِ جُحورِها

مَرّةً واحدةً في السَنةِ
يحبُّ الجارُ لجارِهِ ما يُحبُّ لنفسِهِ
والأخُ لأخيهِ
والحماةُ لكنَّتِها
والبائِعُ للمشتري
وصاحبُ العملِ للأجيرِ
ولا يُغَشُّ في الميزانِ
ولا يُبخَسُ في المُعامَلةِ
ولا يَجدُ الناسُ مُحتالاً في الطريقِ
ولا قاتلاً في الأحلامِ
ولا مُزيَّفاً في عِمامَةٍ
ولا ربطةً في عُنقِ خنزيرٍ
مَرّةً واحدةً في السَنةِ
تجري الأنهارُ الى المَصَبِّ
وتَخلدُ النفوسُ الى الراحةِ
ويَقولُ الرجلُ لصاحبِهِ: لكم أنا مَدينٌ لكَ للصُحبَةِ المُخلصة!
وتَقولُ المَرأةُ لزوجِها: شكراً لإكرامِ العِشرَةِ الطَويلةِ!
والأطفالَ ينثرونَ قهقهاتِهم في الطرقاتِ والحدائقِ العامَّةِ.

مَرّةً واحدةً في السَنةِ
تدخلُ أغنيةُ طائرِ الحَللَّسِ قلوبَ الناسِ
تلمسُ تلكَ الأعماقَ الخفيَّةَ
الأعماقَ المُغلَّقَةَ بأقفالِ الريبةِ وحَذَرِ الآخرينَ
يَنزعُ طائرُ الحَللَّسِ أقفالَ القلوبِ
فتَهربُ الخفافيشُ والوحوشُ الكاسِرةُ
تَهربُ الأحزانُ والأزماتُ.
تَهربُ الأحقادُ والغضبُ الجارفُ
تَهربُ الكراهيةُ والازدراءِ
يَهربُ كلُّ شيءٍ قبيحٍ
وتنمو بدلاً عنها
رياحينُ الحُبِّ وليلكُ الطُمأنينةِ
وأشجارُ فاكهةِ كما لا عَينٌ رأتْ
تنمو في كُلِّ قَلبٍ جَنَّةٌ
تَجري فيها أنهارُ المودةِ الحَسَنةِ
وتُشرِقُ فيها شموسٌ لا وَصفَ لَها
وأقمارٌ تفوقُ التَسميةَ
وتَرى الناسَ فَرحينَ بفراديسِ قلوبِهم
مَشرعينَ أبوابَها لكلِّ القاصدين.

مَرّةً واحدةً في السَنةِ
يُغنّي طائرُ الحَلَلَّسِ أغنيَتَهُ الفائِقَةَ
لِتَصطَفَّ على ايقاعاتِها السَماويَةِ
أرواحُ المُتعَبين
كما لَو أنَّ مَلاكاً أرسَلَهُ الرّبُّ
من فَراديسِ عليائِهِ
كما لَو أنَّ مَلاكاً بكامِلِ مَلائكيَتِهِ
يَهبطُ في أرضِ العراقِ
غارساً في كُلِّ قَلبٍ جَنَّةً
تَجريَ فيها أنهارُ المَودَّةِ الحَسَنَةِ
وَيصطَفِقُ فيها سَعفُ نَخيلٍ باسقٍ
وعلى سَعفَةٍ منها يُغَني طائرُ حَلَلَّسٍ جَميلٌ
تحفُّ بهِ مَلائكةُ البَهجَةِ
وقَبَسُ الحِكمَةِ الأزَليَّة”

والشاعر فضل خلف جبر  حائز على جائزة مجلة “الأقلام” للشعر في دورتها الأولى 1993صدرت له حتى الآن الدواوين التالية:مدري ياهو، من أجل سطوع الذهب، طق إصبع، آثاريون، حالما أعبر النشيد، ظهرت قصائده وكتاباته وترجماته في العديد من الانطولوجيات العراقية والعربية والعالمية، مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1998.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة