17 نوفمبر، 2024 5:49 ص
Search
Close this search box.

رحلة طارئة عكس الزمن.. قصة قصيرة

رحلة طارئة عكس الزمن.. قصة قصيرة

 

بقلم: أمين الساطي

لما بلغ أبو خليل الثمانين من عمره، وجد نفسه في مأوى خاص لدار العجزة، من الطبيعي أن يكون نومه متقطعاً بهذه السن، لاضطراره للذهاب باستمرار إلى الحمام خلال الليل.

في إحدى المرات، وفي أثناء عودته إلى فراشه شاهد خيالاً يمر بسرعة أمامه، في أول الأمر ظن أن تفكيره المشوّش، قد دفعه إلى تلفيق هذا الوهم، لكنه ما لبث أن شاهد هذا الشبح يقترب ويجلس بالكرسي المقابل لفراشه، فأصابه إحساس بالبرد، وبدأت الأشياء الموضوعة على الطاولة أمامه بالاهتزاز، في سنه يصبح التمييز بين الواقع والخيال وسط الليل صعباً، نظراً لكثرة الكوابيس التي يشاهدها خلال نومه، فهرع إلى نظارته ووضعها فوق عينيه، ليتأكد من ذلك، للغرابة بدت صورة هذا الشبح واضحة أمامه، إنها نسخة طبق الأصل عنه، لما كان في العشرينيات من عمره.

أخبره الشبح عن المِحنة الوشيكة التي تنتظره في الغرفة بعد ساعات، لم يشعر بالخوف من الموت، بل إنه الخوف من المجهول والقلق بما قد يحدث بعد لحظة الموت، فالصور العالقة في ذهنه حول القبر من أفلام التلفزيون مخيفة جداً. حاول أن يقنع نفسه بأنه قبل أن يفارق هذا العالم، عليه أن ينتقم من زوجته التي هي أصل شقائه في هذه الحياة، بعد أن طلقته وصادرت البيت الذي كانا يعيشان فيه، وطردته من المنزل، وتزوجت من عشيقها، ووضعته في مأوى دار العجزة.

لم يستطع النوم طوال تلك الليلة، لما طلع الفجر، غفت عيناه لعدة دقائق، فشاهد الشبح مرة ثانية، وأخبره بأن الوجود كله يتألف من عدة أكوان، بما فيها الكون الخاص بنا، هذه العوالم المتوازية شبيهة بكوكبنا تماماً، وهي مرتبطة مع بعضها، ويعيش فيها أشخاص متطابقون للأشخاص الذين يعيشون على الكرة الأرضيّة، وبالشكل نفسه، ولكن بظروف مختلفة. إن هناك نسخاً كثيرة من أبو خليل تعيش كل واحدة منها في كون مختلف، وترتبط تلك النسخ روحياً مع بعضها بعضاً. كما إن هناك قوانين مختلفة في هذه الأكوان، تعمل على المستويات العميقة، غير تلك القوانين الفيزيائية التي نشاهدها ونحسُّ بها في واقعنا الحاضر، وهذا يعني أنك لو تعرضت لموقف يكون فيه الموت نتيجة محتملة، ففي عالم موازٍ لنا، قد تكون أنت بصحة جيدة، فالزمن لا يتقدم بشكل خطٍّ للأمام، فالزمن يتشعب إلى عدة فروع، ليعرض كل واحد منها نتيجة محتملة لحادثة الموت التي تنتظرك.

إن الزمن يسير بسرعة مختلفة من عالم لآخر، فسرعة الزمن في عالمه حوالي ربع سرعة الزمن على الكرة الأرضية، ولو أن أبو خليل انتقل إلى عالم شبيهه الشبح، فسيعود عمره إلى العشرينيات، وأن الشبح الذي أمامه هو أفضل نسخة موجودة من أبو خليل، ولذلك يعتبر نفسه مسؤولاً عنه، ولقد حضر شخصياً لما علم بمعاناة شبيهه أبو خليل، نتيجة لتخاطرهما بوساطة الأمواج الصادرة عن الدماغ، لينهي عذابه في مأوى العجزة، وليأخذه معه إلى عالمه الموازي.

طلب منه أن يستعدَّ للسفر معه عبر الزمن باستخدام آلة الزمن التي جاء بها، إنه كالانتقال من الأرض إلى الفضاء، كل ما عليه أن يغمض عينيه ويسترخي، ويأخذ أنفاساً عميقة، ويتخيل أنه يمشي في صحراء صفراء قاحلة، حتى يصل بالنهاية إلى ضفة نهر، ليشاهد رجلاً لا يعرفه، ينتظره بقارب أسود، يصعد القارب، ويقوده الرجل إلى الضفة الأخرى، ينزل من القارب، ليجد نفسه يسير في حديقة خضراء كبيرة، يسمع فيها زقزقة العصافير، تنتهي بقصر كبير أبيض، يدخل من الباب إلى ردهة ضيقة تؤدي إلى قاعة كبيرة، ليشاهد في منتصفها شخصاً جالساً على كنبة، يقوم من مكانه، ويرحب به بحفاوة زائدة، إنه المسؤول عن تشغيل آلة الزمن.

في الصباح لم ينزل أبو خليل كعادته إلى المطعم بالطابق الأرضي لتناول الفطور، فذهب الممرض إلى غرفته ليتفقده، لما فتح الباب وجد الفراش خالياً، وعليه بيجامة أبو خليل وملابسه الداخلية، فاستدعى المدير المسؤول، وبحثوا عنه من دون جدوى في كل أنحاء المبنى.

اتصل مدير مأوى دار العجزة بمخفر الشرطة، ليرفع المسؤولية عنه، قائلاً: “إن أحد نزلاء المأوى المسنّين الذي يعاني من الزهايمر قد هرب عارياً من المأوى في صباح هذا اليوم، من دون أن يترك أثراً”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة