15 نوفمبر، 2024 1:16 م
Search
Close this search box.

“رجوع الموجة”.. تحكي عن حب مأساوي وبداية تحلل الرباط المقدس

“رجوع الموجة”.. تحكي عن حب مأساوي وبداية تحلل الرباط المقدس

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “رجوع الموجة” للكاتبة “مي زيادة” تحكي عن قصة حب ووفاء في قالب رومانسي مأساوي.

الشخصيات..

مارغريت: البطلة، امرأة تنتمي للطبقة الوسطى في فرنسا، فجعت في ابنتها “ايفون” التي ماتت وهي طفلة، ثم بعد ذلك صدمت في زوجها الذي أحب صديقتها وقررت أن تهجره.

ألبير: زوج “مارغريت” الأول الذي خانها مع صديقتها، رجل بائس يعيش حزنا كبيرا.

روجر: زوج “مارغريت” الثاني حيث طلقت من زوجها وتزوجت مرة أخرى من ابن عمها الذي كان يحبها، وأنجبت منه ابنها “مكسيم” الذي يعمل طبيبا.

مدام موستل: والدة “مارغريت” والتي أقنعتها بالانفصال عن “ألبير” بعد خيانته والزواج من ابن عمها.

مدام فارز: صديقة ل”مارغريت” و”ألبير”، أرملة ولديها ابنه وابن في عمر المراهقة، تمنت أن يحبها “ألبير” مثلما يحب “مارغريت” بعمق.

الراوي..

الراوي عليم، لكنه يركز بشكل أساسي على البطلة الرئيسية “مارغريت” وعن مشاعرها وصراعها النفسي إزاء “ألبير” و”روجر” وإن كان يتعاطف أكثر مع “ألبير”.

السرد..

السرد به درامية عالية.. وبعض المبالغة في تصوير مشاعر وانفعالات الأبطال، لكنها مقبولة بالنسبة للزمن الذي كتبت فيه الرواية والتي يرجح أن تكون في العشرينات من القرن الفائت، الرواية تتحدث عن الرومانسية التي تنتهي بمأساة، وتقع في حوالي 173 صفحة من القطع المتوسط .

 

الحب والمأساة..

تحكي الرواية عن قصة حب تتعرض لمأساة تحول مسارها، حيث فقد “ألبير” و”مارغريت” ابنتهما الوحيدة “ايفون” وهي طفلة مما سبب حزن “مارغريت” وانغلاقها على نفسها ومهد الطريق لصديقتها “بلانشي” اللعوب لتغوي “ألبير” الذي استجاب لها، وأصبحت “مارغريت”  تعاني من موت طفلتها ومن خيانة زوجها، واشتعل غضبها، كما ساعدتها أمها على إشعال هذا الغضب حتى وصل بها إلى الانفصال عن زوجها، وأقنعتها بعد ذلك بالزواج من ابن عمها “روجر” الذي يحبها كثيرا.

تعيش “مارغريت” مع “روجر” الذي لا يدخر جهدا لإسعادها والحنو عليها والذي يعاملها معاملة طيبة وتنجب منه طفلها “مكسيم”، في حين يسافر ألبير فترة من الزمن، ثم يعود إلى باريس ويتقابل بالمصادفة مع “مارغريت” على قبر ابنتهما، وتبدأ صراع من نوع آخر حيث تكتشف أنها لازالت تحب “ألبير” وهو أيضا يسعى لاستعادتها، وتظل تقاوم رغبتها في الرجوع إليه خاصة، حين يبذل “روجر” كل جهوده لإسعادها ويقرر بعد أن رأي “ألبير” مصادفة في الطريق ألا يتركها تعود إليه.

وبعد محاولات من “روجر” لاستمالة زوجته إليه والذي كان يشك في عمق حبها له، ومحاولات من ألبير لاستعادتها، تظل “مارغريت” في حالة صراع، وتتدخل مدام “فارز” في الأحداث حيث يلجأ إليها ألبير للتخلص من وحدته لكنه يعتبرها صديقة، ولا يستطيع التخلص من حبه ل”مارغريت” ثم يمرض “ألبير” مرضا شديدا وتعود إليه “مارغريت” قبل أيام من احتضاره نادمة باكية لأنها تركته وتزوجت بغيره، ثم تنتهي الرواية بمأساة موته.

الرابط المقدس والزواج الكنسي..

تناقش الرواية دون تعمد أو مباشرة مسألة الطلاق في الديانة المسيحية، وكيف أن الزوجة التي تزوجت في الكنيسة تظل طوال عمرها زوجة للرجل الذي اقترنت معه بإكليل، فيما يعرف بالرباط المقدس، ورغم أن “مارغريت” انفصلت عن زوجها وطلبت الطلاق- ولا تذكر الرواية تفاصيل عن تلك الإجراءات- وتزوجت من “روجر” بشكل شبه عرفي مجتمعيا إلا أنها، في صراعها النفسي، تقتنع تماما أنها زوجة ألبير لأنه هو الذي تزوجها في الكنيسة، وتطلب من “روجر” أن يتزوجها في الكنيسة لكنه يرفض، معتبرا أن زواجه منها يعتبر اتحادا شرعيا، ولا يحتاج إلى توثيقه في الكنيسة، تكشف تلك الأحداث وإن بشكل غير مباشر عن ارهاصات التخلص من الزواج المقدس في الغرب، وبداية ظهور حالات الطلاق والزواج من آخر، رغم أن الدين المسيحي كان لا يبيح سوى الزواج لمدى العمر، وكيف أن الغربيين وتحديدا في فرنسا كانوا مازالوا في طور تقبل فكرة الطلاق من ذلك الزواج المقدس والاقتران بزوج آخر، وربما تكون الكاتبة العربية هي التي يتملكها ذلك الهاجس وأسقطته على شخصية “مارغريت” الغربية، حيث أن الدين المسيحي في الشرق لم يقر الطلاق إلا في حالات نادرة واستثنائية حتى الآن مثلما فعل الغرب.

تتميز الرواية أيضا بأنها تنقل تفاصيل حياة أفراد الطبقة الوسطى في العشرينات من القرن العشرين في فرنسا، وكيف يمارسون تفاصيل حياتهم اليومية وإطار أفكارهم ومبادئهم المحافظة.

الكاتبة..

“مي زيادة” شاعرة وأديبة فلسطينية، وأحد رواد النهضة الأدبية البارزين في تاريخ الأدب النسوي العربي في النصف الأول من القرن العشرين.

ولدت “ماري إلياس زيادة” في الناصرة بفلسطين عام ١٨٨٦، لأب لبناني وأم فلسطينية. ارتحلت مع ذويها إلى مصر، واستقرت هناك بعد أن عمل والدها محرِّرًا لجريدة المحروسة. استطاعت إجادة العديد من اللغات كالإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، والإيطالية، والعربية، كما درست وطالعت كتب الفلسفة، والأدب، والتاريخ العربي والإسلامي.

انفتحت على أجواء النهضة الثقافية والحضارية الموجودة في القاهرة آنذاك، فكانت تعقد ندوة أسبوعية باسم «ندوة الثلاثاء» وكان يحضرها الكثير من أدباء وشعراء ونقاد عصرها، وكان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد، وأحمد شوقي، وعباس العقاد، وطه حسين، وشبلي شميل، ويعقوب صروف، وخليل مطران، ومصطفى صادق الرافعي، وغيرهم، وقد أغرم الكثير منهم بمي، إلَّا أن قلبها لم يمل سوى لشخص واحد هو جبران خليل جبران، الذي ظلت مأخوذة به طوال حياتها، وتبادلا الرسائل مدة عشرين عامًا برغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة!

نشرت العديد من الكتب، تأليفًا وترجمةً، حيث نشرت أول ديوان شعر بالفرنسية تحت اسم «أزاهير الحلم»، وصدر لها بالعربية مجموعة كتب: ﮐ «باحثة البادية»، و«كلمات وإشارات»، و«المساواة»، و«ظلمات وأشعة» … إلخ. كما ترجمت ثلاث روايات منهم رواية «ابتسامات ودموع» لمكس مولر، بالإضافة إلى ذلك، نشرت العديد من المقالات والأبحاث في كبريات الصحف والمجلات الأدبية والفكرية مثل: المقطم، والمحروسة، والزهور، والأهرام، والهلال، والمقتطف.

عاشت الاثنتي عشرة سنة الأخيرة من حياتها في مأساة حقيقية، حيث فقدت ثلاثة من أقرب الأشخاص إليها واحدًا تلو الآخر، هم والدها الذي توفي عام ١٩٢٩، والحبيب جبران خليل جبران الذي تلاه في عام ١٩٣١، وقضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية وذلك بعد وفاة الشاعر جبران خليل جبران فأرسلها أصحابها إلى لبنان حيث يسكن ذووها فأساءوا إليها وأدخلوها إلى «مستشفى الأمراض العقلية» مدة تسعة أشهر وحجروا عليها فاحتجّت الصحف اللبنانية وبعض الكتاب والصحفيون بعنف على السلوك السيئ لأقاربها، فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها وأقامت عند الأديب أمين الريحاني عدة أشهر ثم عادت إلى مصر.

عاشت صقيع الوحدة وبرودة هذا الفراغ الهائل الذي تركه لها من كانوا السند الحقيقي لها في الدنيا. وحاولت أن تسكب أحزانها على أوراقها وبين كتبها. فلم يشفها ذلك من آلام الفقد الرهيب لكل أحبابها دفعة واحدة. فسافرت عام 1932 إلى إنجلترا أملاً في أن تغيّر المكان والجو الذي تعيش فيه ربما يخفف قليلاً من آلامها. لكن حتى السفر لم يكن الدواء. فقد عادت إلى مصر ثم سافرت مرة ثانية إلى إيطاليا لتتابع محاضرات في «جامعة بروجيه» عن آثار اللغة الإيطالية. ثم عادت إلى مصر. وبعدها بقليل سافرت مرة أخرى إلى روما ثم عادت إلى مصر حيث استسلمت لأحزانها. ورفعت الراية البيضاء لتعلن أنها في حالة نفسية صعبة. وأنها في حاجة إلى من يقف جانبها ويسندها حتى تتماسك من جديد.

توفيت “مي زيادة” في مستشفى المعادي بالقاهرة عن عمر 55 عاماً عام 1941. وقالت هدى شعراوي في تأبينها «كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة». وكُتبت في رثائها مقالات كثيرة بينها مقالة لأمين الريحاني نشرت في «جريدة المكشوف» اللبنانية عنوانها «انطفأت مي».

تقول مي: « أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي، ودراساتي وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة “الأيدياليزم” أي المثالية التي حييتها جعلتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس».

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة