15 نوفمبر، 2024 1:19 م
Search
Close this search box.

رؤى إيرانية حول الاتفاق النووي في ظل إدارة ترامب المتشددة

رؤى إيرانية حول الاتفاق النووي في ظل إدارة ترامب المتشددة

إعداد/ د. حسن أحمديان
تبحث الورقة الجدال الحالي الدائر بشأن العلاقة بين إيران والولايات المتحدة بالتركيز علي الاتفاق النووي، وتستعرض بالتفصيل المواقف الإيرانية المختلفة بشأنه، وترسم عددًا من السيناريوهات حول مستقبل هذه القضية وفق النقاشات الدائرة في الساحة السياسية الإيرانية.
مقدمة
لم يناهز عمر الاتفاق النووي العامين عندما اختارت الولايات المتحدة رئيسًا يعارضه بل ويعارض فكرة التعاطي مع دولة تتحدى الولايات المتحدة كإيران. وتغيرت بدخول دونالد ترامب البيت الأبيض رؤية واشنطن إزاء طهران والاتفاق النووي وسياسة إيران الإقليمية. ومن أقصي ما أتت به الولايات المتحدة من إمكانية للتعاطي مع إيران متمثلة بإدارة الرئيس أوباما إلي أقصي ما كان ممكنًا الإتيان به لمجابهة ذلك النهج متمثلًا بالرئيس ترامب، بقي النقاش حول الاتفاق النووي محوريًّا في العراك السياسي المتصاعد في الولايات المتحدة. إلا أن ذلك النقاش لا يدلنا بالضرورة علي واقع ما يدور بين الدولتين: إيران والولايات المتحدة. فإن ركزنا علي أسباب عداء ترامب للاتفاق النووي، نجده جزءًا من معارضته سياسات سلفه -في الاتفاق النووي وخارجه- باعتباره أحد مفاتيحه إلي البيت الأبيض. لذلك، فهو يحاول ضرب الاتفاق الذي اعتبرته الإدارة السابقة من أهم إنجازاتها الخارجية. ومع صعود حظوة شخصيات واضحة العداء لإيران، مثل مايك بمبيو وجون بولتون في الإدارة الجديدة، تصاعدت موجة التكهنات حول احتمال نشوب حرب بين الدولتين. نحاول في هذه الورقة إيضاح الواقع الحالي بين إيران والولايات المتحدة بالتركيز علي الاتفاق النووي بناءً علي النقاشات الإيرانية حوله.

تنصل واشنطن
مع بدء حقبة رئاسة ترامب في الولايات المتحدة باتت الضبابية تعم المشهد السياسي في واشنطن إزاء طهران؛ فبالإضافة لعداء الرئيس ترامب لإيران، كانت الأصوات الداعية للإبقاء علي الاتفاق النووي إطارًا للعلاقة، تمثِّل الأغلبية في الإدارة الجديدة. إلا أن خروج الشخصيات المعروفة برؤيتها الاستراتيجية من إدارة الرئيس ترامب وصعود شخصيات تتسم بالعداء الأعمي لإيران، يأتي بالكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل الاتفاق النووي والعلاقات الإيرانية-الأميركية بالتالي. ولتحليل الموضوع بناءً علي النقاشات الإيرانية، نبدأ بأسباب تراجع إيران عن برنامجها النووي ورؤية إيران للتطور الحادث بناء علي ذلك التراجع.

يُعد تراجع إيران عن برنامجها النووي تراجعًا غير مسبوق؛ فقد قبلت طهران شروطًا غير مسبوقة لقاء رفع العقوبات المُشِلَّة (crippling sanctions) المفروضة في إطار مجلس الأمن الدولي(1). وقبلت طهران بعدم تخزين أكثر من 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصَّب ونقل الفائض إلي روسيا، وخفض أجهزة الطرد المركزي إلي حدود دنيا، والقبول بآليات رقابية صلبة(2). لكن، لماذا؟ ثمة نقاشان رئيسيان يجيبان علي السؤال: الأول: يركِّز علي تراجع الولايات المتحدة عن سياسة تغيير النظام (regime change) من خلال خطب رئيسها في الأمم المتحدة(3) ورسائله المعنونة إلي المرشد الأعلي الإيراني(4) كمحفز رئيسي لإيران لخوض المفاوضات والقبول بالاتفاق بالتالي. والثاني: اعتبر رفع العقوبات محفزًا رئيسيًّا دفع صانع القرار الإيراني للتراجع عن برنامج إيران النووي. خاصة وقد ضمته شروط المرشد الأعلي للرئيس روحاني لقبول الاتفاق(5)، كما ورد في شروط البرلمان الإيراني(6) والمجلس الأعلي للأمن القومي في إيران. وأيًّا من الإجابتين أخذنا، يتضح اليوم أن إدارة الرئيس ترامب تحركت إلي ما وراء النقاشين. فقد عادت، وبشكل معلن، إلي سياسة تغيير النظام(7)، وحالت بسلوكها الضبابي إزاء الاتفاق النووي بين الشركات والمصارف الدولية والسوق الإيرانية(8). ويبقي السؤال: ما سياسة الإدارة الجديدة إزاء الاتفاق النووي محوريًّا؟ وتدور نقاشات مهمة حول هذه المسألة في الداخل الإيراني كما في الولايات المتحدة.

ثمة تفسيران لسياسة إدارة الرئيس ترامب إزاء الاتفاق النووي: الأول: يركِّز علي الضبابية وغياب اليقين (uncertainty) باعتبارها أداة يُراد من خلالها منع إيران من قطف ثمار الاتفاق الاقتصادية. أي إن الإدارة الأميركية لا تريد الخروج من الاتفاق بل إفراغه من المضمون. وما إتيان ترامب بشخصيات متشددة، حسب هذه الرؤية، إلا محاولة منه لزيادة مستوى الضبابية(9). أما الثاني فيرى أن الرئيس ترامب في طريقه إلي الخروج من الاتفاق النووي وأنه سيبدأ بإعادة فرض العقوبات علي إيران وثمة مؤشرات أعلنها ترامب ذاته في هذا الاتجاه. وسيؤدي، وفق هذه الرؤية، إعادة فرضه عقوبات علي إيران إلي انهيار تلقائي للاتفاق. ورغم وجود هذين التفسيرين لسلوك ترامب إزاء الاتفاق، إلا أن ثمة إجماعًا في طهران حول طبيعة إدارته العدائية تجاه إيران. إذن، لقد أسقطت إدارة ترامب كل المحفزات التي أدخلت إيران الاتفاق من خلال تغيير سياسة إسقاط النظام والضبابية واحتمال العودة للعقوبات (snapback).

تشبث طهران
مع ترهل الاتفاق النووي وتبعثر المحفزات، يتردد السؤال حول أسباب بقاء إيران في اتفاق أفقدها برنامجها النووي دون مقابلٍ كان مأمولًا منه. ثمة إجابتان يمكن رصدهما من النقاشات الإيرانية:

الأولي: تركز علي الإنجازات الاقتصادية؛ فرغم الصعوبات المتتالية التي وُضعت أمام إثمار الاتفاق، ترى هذه المجموعة التي يمكن وضعها في خانة الأقلية في إيران أن إنجازات الاتفاق النووي، وإن أتت دون المتوقع، أوقفت مفعول قرارات مجلس الأمن الجماعية والعقوبات النفطية؛ فقد ذكر مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مثلًا أننا سنبقي ملتزمين بالاتفاق ما دامت فوائده مستمرة(10). إذن، ثمة إنجازات اقتصادية ولو أتت دون المتوقع بأشواط.

الثانية: وترى أن السبب الرئيسي وراء بقاء إيران هو أن عودة واشنطن لسياسة تغيير النظام تفتقر للدعم الدولي وتراجع إيران عن التزاماتها في الاتفاق النووي سيُهدي واشنطن الحجة الدولية لإحداث إجماع دولي ضد طهران. لذلك، تعتبر هذه المجموعة البقاء خير الشرَّين.

لكن لا يمكن تلخيص أسباب بقاء طهران في الاتفاق في هذين الاتجاهين فقط، ولا يمكن تحليل إبقاء إيران علي التزاماتها في الاتفاق النووي دون التعريج علي فوائده الجانبية. ولم تكن تلك الفوائد جزءًا من الاتفاق لكنها أتت ثمارًا للعملية التفاوضية وتعتبر نتائج جانبية للاتفاق. ويأتي علي رأسها الطبيعة التعددية للعملية التفاوضية والاتفاق الذي أفضت إليه تلك العملية؛ فقد كان لهذا الواقع أثر إيجابي أدى للرقي بالثقة بين الأطراف؛ إذ جرى إدخال مؤسسات دولية لضمان عمل الأطراف بالاتفاق كما جرى تأسيس اللجنة المشتركة للبتِّ في الخلافات التي قد تبرز بينها. ارتفعت الثقة المتبادلة إذن نتيجة مَأْسَسَة الاتفاق النووي في إطار المنظمات الدولية، وأحدثت عملية المأسسة شيئًا من الضمان أمام الأجندة المستقلة للدول الموقِّعة تجاه الاتفاق النووي. فقد استطاعت طهران المتنازلة عن مشروعها النووي الثقة بالاتفاق من خلال عملية المأسسة.

بالإضافة لذلك، ثمة تغيير آخر أتي به الاتفاق النووي يمكن اعتباره أحد أهم إنجازات الاتفاق النووي بالنسبة لإيران: انحدار مستوى فوبيا إيران. فقد جرى ترسيم وتضخيم خطر إيران النووية علي مدى أكثر من عقد استمرت فيها العملية التفاوضية. كما استخدمت سياسة إيران الإقليمية لتكميل الصورة وزيادة الفوبيا. وقد كسر الاتفاق النووي تلك الصورة وازداد قبول المجتمع الدولي بصورة إيران المفاوضة والمسؤولة نتيجة للاتفاق النووي. أي إن العملية حدَّت من فوبيا إيران وأزالت صورة إيران الأمنية وأحلت بدلها صورة سياسية-اقتصادية معقولة يمكن التعاطي معها. لكل تلك الأسباب بقيت إيران في اتفاق تدرك اليوم أنه لن يعمل كما كان متوقعًا.

أهداف متعددة
لقد أوقف الاتفاق النووي عجلة إيران النووية، ورغم الإبقاء علي أجزاء من ذلك البرنامج، إلا أن الرقابة الصارمة وغير المسبوقة عليه تضمن إبقاءه سلميًّا كما تضمن الكشف عن أية عملية قد تقوم بها طهران للتنصل من التزاماتها في الاتفاق. لماذا إذن تعادي إدارة الرئيس ترامب الاتفاق؟ وهل تستهدف هذه الإدارة الاتفاق النووي فقط أم أن المطلوب شيء آخر؟

ثمَّة رؤيتان في إيران تختلفان في الإجابة علي هذه الأسئلة: تركز الرؤية الأولى علي معاداة ترامب للاتفاق باعتباره جزءًا من هاجس الرجل لضرب إنجازات سلفه. أي إن الاتفاق النووي يقع اليوم ضحية لعملية محاولات ترامب -علي أكثر من صعيد- لتقزيم إنجازات الرئيس السابق، باراك أوباما(11). لذلك، ليس بمقدور إيران، وفق هذه الرؤية، تغيير المسار؛ إذ إن ترامب يحمِّل الاتفاق أعباء المشادات الداخلية للولايات المتحدة والتي ينحدر بعضها إلي مستويات شخصية.

بينما تجيب الرؤية الثانية بالتركيز علي أن الرئيس ترامب لا يستهدف الاتفاق النووي فقط، بل المستهدف هو النظام في إيران(12)، وما كلامه حول ضرورة تعديل الاتفاق وضرورة الإتيان باتفاق مكمِّل إلا محاولة لذرِّ الرماد في العيون. لذلك، علي إيران، وفق هذه الرؤية، التركيز علي واقع السياسة الأميركية المستهدِفة للنظام لا علي كلامها المعادي للاتفاق النووي. ويزداد القبول بهذه الرؤية بشكل متدرج في الداخل الإيراني مع ازدياد التركيز الأميركي علي إيران وتزايد عدد الصقور المعادية لإيران في الإدارة الجديدة.

وواقع الحال أن الإدارة الجديدة، ومن خلال ربطها الملفات الخلافية ببعضها البعض، تُحدث خللًا في العملية التي بدأتها الإدارة السابقة من فصل الملفات بغية حلها سلميًّا. فقد عزلت الإدارة السابقة الملف النووي عن باقي الملفات الخلافية -كالسياسة الإقليمية لإيران أو برنامج إيران للصواريخ البالستية- للحد من تأثيرها علي المفاوضات النووية. والواضح أن هذا التأثير كان سيأتي سلبًا علي تلك العملية. تتراجع اليوم إدارة الرئيس ترامب عن تلك الاستراتيجية للتعاطي مع إيران بل وتربط الملفات الخلافية ببعضها بغية زيادة الضبابية إزاء إيران علي المستوى الدولي. ويبدو الهدف من ذلك، التشبث بأي سلوك خلافي يصدر من إيران وإبراز إيران من خلاله تهديدًا للأمن والسلم الدوليين. أي إن التزام طهران بالاتفاق النووي لن يضمن -في هذه الحالة- عدم طرحها كتهديد إثر قيامها بأعمال لا تمتُّ للاتفاق النووي بصلة. يستبدل ترامب إذن استراتيجية ربط الملفات بغية تعقيد الوضع لإيران بعزل الملفات بغية التوصل لحلول مستقلة.

نحن إذن إزاء عملية استهداف للاتفاق النووي من خلال استهداف أجزاء أخرى من القوة الردعية لإيران في الداخل وفي الإقليم. إلا أن الأخبار السارة لطهران تكمن في واقع أن المجتمع الدولي ليس في طور القبول بالاستراتيجية الأميركية تجاه طهران، ولا ترى أغلبية الدول الموقعة علي الاتفاق النووي ضرورة لإعادة التفاوض بل ولا ترى أن الاتفاق النووي بحاجة لتعديل. كما ترى تلك الدول أن الاتفاق النووي يضمن الهدف الرئيسي الذي وُقِّع من أجله: منع إيران من إنتاج قنبلة ذرية.

خيارات أميركية
يتضح من سلوك شركاء الولايات المتحدة في الاتفاق النووي أن رئيسها لا يحظي بحظوة سلفه في توجيهه للسياسة الدولية إزاء إيران. فما الخيارات الأميركية في ظل الوضع الموجود من صعود المتطرفين في الداخل ورفض الحلفاء للسياسة الأميركية في الخارج؟ ثمة ثلاثة خيارات أمام الإدارة الأميركية يجري تداولها ومناقشة تبعات كل منها في إيران والولايات المتحدة والأطراف الموقعة للاتفاق:

الخيار الأول: هو أن يتراجع الرئيس الأميركي عن قراره إلغاء الاتفاق النووي والاستمرار به دون تغيير كبير. وقد يحدث ذلك عبر فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات خارج الاتفاق النووي علي إيران تُرضي الرئيس الأميركي دون تحريض إيران علي الخروج من الاتفاق. وسيؤدي تراجع ترامب -وهو خيار مستبعد بعد إعلان الرئيس المكرر لتحبيذه إلغاء الاتفاق إن لم يجر تعديله- إلي إبقاء الاتفاق حيًّا دون تفعيله بشكل كامل لكي لا يأتي بأرباح اقتصادية كبيرة علي إيران.

الخيار الثاني: هو إعادة فرض عقوبات علي إيران وخروج الولايات المتحدة العملي من الاتفاق النووي. يري الكثير من المحللين في إيران والولايات المتحدة أن اتخاذ إجراء كهذا سيأتي علي مصداقية الولايات المتحدة وسيُحدث شرخًا بينها وشركائها -الذين سوف لن يتبعوا بسهولة قيادة واشنطن لإعادة فرض العقوبات خاصة في حال استمرار التزام إيران بالاتفاق-. كما أنه سيُحدث خللًا في العلاقات الأوروبية-الأميركية، أو هكذا يأمل الاستراتيجي الإيراني.

الخيار الثالث: هو استمرار الضبابية عبر الالتزام المعلن بالاتفاق النووي من جهة ومنع الشركات والمصارف الدولية من العمل في السوق الإيرانية من جهة أخرى. وكان لاستمرار المنسوب العالي للضبابية حتي الآن أثر بالغ علي الحد من قدرات طهران في الاستفادة من الأبعاد الاقتصادية للاتفاق النووي. ويعتبر البعض في إيران أن الخيار الأكثر احتمالًا هو الخيار الثالث.

ورغم أن لا خيار سوى الأقل احتمالًا (تراجع ترامب عن تهديداته وعمله بالاتفاق النووي) يمكن عدُّه مطلوبًا في طهران، إلا أن حقائق التغييرات التي أحدثها الاتفاق النووي تضع إيران في وضع أفضل مما قد يأمله ترامب وتبحث عنه الصقور المحيطة به. تعلم طهران أن العودة بإيران إلي الخانة الأولي مهمة شبه مستحيلة للإدارة الأميركية؛ فالمجتمع الدولي -الصين وروسيا علي الأقل- سوف لن يحذوا حذو واشنطن في الضغط علي طهران. أي إن شركاء واشنطن أصبحوا أبعد من الموقع المطلوب أميركيًّا مما كانوا عليه قبل ذلك. والواضح أيضًا أن وضع إيران اليوم أفضل بكثير من حقبة العقوبات المشلة وإعادتها لتلك المرحلة غير وارد ما دام التزام طهران بالاتفاق مستمرًّا.

احتمالات مستقبلية
تنازلت إيران عن المطلوب لأسباب ذُكرت في الجزء الأول من الورقة وقبلت بالمقبول للأطراف الموقعة علي الاتفاق النووي. إلا أنها اليوم تواجه واقعًا غير مقبول يجري العمل به؛ فالخيارات الأميركية الأكثر احتمالًا تخرج عن سياق المقبول إيرانيًّا. فما خيارات طهران؟ وهل أصبح الخروج من الاتفاق مطروحًا علي الطاولة أم أن المعمول به من قبل الإدارة الأميركية سيصبح مقبولًا في طهران؟ وما تداعيات تلك الخيارات؟

ترتبط الإجابة بشكل مباشر بما قد ستقوم به الإدارة الأميركية؛ سيكون خروج إيران من الاتفاق مستبعدًا إن رجَّحت واشنطن خيار استمرار الضبابية المحيطة بالاتفاق النووي. فقد آثرت طهران البقاء في الاتفاق رغم الإشكاليات التي ألمَّت به منذ تولي الرئيس ترامب الحكم في واشنطن. لكن ماذا إن خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق؟ في تلك الحالة سيكون أمام إيران ثلاثة سيناريوهات يجري تداولها في النقاشات الدائرة في إيران وباقي الدول الموقِّعة علي الاتفاق:

الخيار أو السيناريو الأول: هو خروج إيران من الاتفاق مباشرة بعد خروج الولايات المتحدة. في هذه الحالة ستحسم طهران موقفها وتقوم بردة فعل تؤدي إلي عودة الأمور إلي ما كانت عليه قبل الاتفاق. وكان رئيس وكالة الطاقة الذرية في إيران، صالحي، قد لوَّح بالعودة للتخصيب علي مستوى قبل الاتفاق (20 بالمئة) في غضون أربعة أيام إن قامت الولايات المتحدة بإعادة فرض العقوبات(13). ويعني ذلك أن الطرفين سيتحركان باتجاه مواجهة ما -قد ترقي إلي مواجهة عسكرية- بعد خروج الاتفاق النووي وخيار تعديله من علي الطاولة وبعد أن برزت صعوبة العودة للمفاوضات، في ظل انعدام الثقة بها، إطارًا لحل النزاع.

الخيار أو السيناريو الثاني: وهو الأقل احتمالًا، يتلخص في عودة إيران عن بعض التزاماتها في الاتفاق والإبقاء عليه إطارًا للتعاطي مع المجتمع الدولي أو مجموعة 4+1 بعد خروج الولايات المتحدة. وستعلِّل طهران ذلك بعدم التزام واشنطن بالاتفاق. إلا أن هذا الخيار يبدو غير واقعي؛ إذ من المتوقع أن يعارض الاتحاد الأوروبي مثلًا أي تعديل للاتفاق، وسيؤدي هذا الإجراء بالتالي إلي انهيار الاتفاق النووي بشكل سريع إن تمسك الطرفان بمواقفهما.

الخيار أو السيناريو الثالث: بقاء إيران في الاتفاق دون تغيير قد يأتي عليه، وقد يحدث ذلك لأسباب متعددة. ستشترط طهران في هذه الحالة مثلًا ضمان عمل باقي الدول الموقعة علي الاتفاق بحذافيره إلا أنه بات من الواضح أن الشركات والمصارف الكبرى سوف لن تجازف بالعمل الاقتصادي في إيران إن كانت ستواجه عقوبات أميركية. إذن، لماذا قد تقبل طهران بالبقاء في الاتفاق إن كان المردود الاقتصادي غير مضمون؟ ذلك سؤال يجيب عليه المدافعون عن هذا الخيار في داخل النقاشات المتداولة اليوم في طهران.

وللإجابة علي سؤال: أي من الخيارات الثلاثة سيجري ترجيحه في الختام؟ علينا النظر إلي ثلاثة نقاشات تدور حول الموضوع في الداخل الإيراني:

أولًا: هل علي إيران أن تقوم بردة فعل أم أن تكون فعالة وأن لا تنجر خلف الخروج الأميركي الذي سيستهدف وضع إيران في قفص المتهم؟ ترى الأغلبية أن عدم الانجرار خلف التحرك الأميركي هو الخيار الأمثل. أي إن الرد يجب أن يكون مدروسًا بدقة. لذلك، من الأرجح أن تتريث طهران في اتخاذ أية خطوة عقابية والأحرى أنها سوف لن تُسرع في الرد علي واشنطن.

ثانيًا: بات واضحًا في طهران أن الولايات المتحدة تبحث عن تضخيم “التهديد الإيراني” والعودة بأجندة فوبيا إيران بغية إحداث إجماع دولي للضغط علي طهران. لذلك، يبدو أن التريث سيكون خيارًا مرجحًا لدراسة تبعات أية خطوة للرد علي واشنطن وما إن كان ذلك سيزيد من فوبيا إيران في المجتمع الدولي.

ثالثًا: ثمة نقاش أكاديمي يركز علي الاحتمالات المستقبلية في ظل المرحلة الانتقالية في النظام الدولي. ومن الأمور المرتبطة بالاتفاق النووي والسياسة الأميركية، أنَّ تراجع موقع الولايات المتحدة في النظام الدولي عملية مستمرة جرى تسريعها بانتخاب الرئيس ترامب. لذلك، ثمة ميل إيراني للمساهمة في تلك العملية عبر إبعاد نفسها عن موقع يمكِّن واشنطن من نسج تحالف دولي ضدها واستعادة دورها القيادي علي المستوى الدولي. أي إن الخروج المتسرع من الاتفاق يصبح مستبعدًا إن أخذنا المحفزات والأخطار المترتبة علي هذه الخطوة بعين الاعتبار. ومع تمسك طهران بالاتفاق -ولو لحين- سوف تواجه واشنطن مشاكل جمة في ممارسة دورها القيادي علي المستوى الدولي. أو هذا ما تعوِّل عليه طهران.

_______________________________

د. حسن أحمديان – أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة طهران

مراجع
1- Caro Morello and Karen DeYoung, “International Sanctions against Iran Lifted,” The Washington Post, 16 January 2016, (accessed 11 April 2018):

https://www.washingtonpost.com/world/national-security/world-leaders-gathered-in-anticipation-of-iran-sanctions-being-lifted/2016/01/16/72b8295e-babf-11e5-99f3-184bc379b12d_story.html?utm_term=.e188e10bea62

2- See “Joint Comprehensive Plan of Action,” Vienna, 14 July 2015, (accessed11 April 2018):

https://www.state.gov/documents/organization/245317.pdf

3- “أوباما: به دنبال تغيير رژيم در إيران نيستيم” ديپلماسي إيراني، 2 مهر 1392، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1921863/اوباما+به+دنبال+تغيير+رژيم+در+ايران+نيستيم.html

4- “پشت پرده خبر ارسال نامه اوباما به رهبر انقلاب” تسنيم، 24 آبان 1393، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

https://www.tasnimnews.com/fa/news/1393/08/24/556381/پشت-پرده-خبر-ارسال-نامه-اوباما-به-رهبر-انقلاب

5- “الزامات و شرايط رهبر معظم انقلاب براي اجراي برجام؛ تضمين كتبي رئيس جمهور أميركا و اتحاديه اروپا و لغو تحريم ها” خبرگزاري تسنيم، 29 مهر 1394، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

https://www.tasnimnews.com/fa/news/1394/07/29/895081/الزامات-و-شرايط-رهبر-معظم-انقلاب-براي-اجراي-برجام-تضمين-كتبي-رئيس-جمهور-آمريكا-و-اتحاديه-اروپا-و-لغو-تحريم-ها

6- “رئيس جمهور قانون شروط مجلس براي اجراي برجام را ابلاغ كرد” خبرگزاري مهر، 25 مهر 1394، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

https://www.mehrnews.com/news/2942998/رئيس-جمهور-قانون-شروط-مجلس-براي-اجراي-برجام-را-ابلاغ-كرد

7- “3 برداشت از بازگشت سياست تغيير حكومت در إيران/ منتقدين: پشتيباني از حكومت روحاني بهتر از تغيير رژيم است” فردا، 10 تير 1396، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

https://www.fardanews.com/fa/news/690434/?-برداشت-از-بازگشت-سياست-تغيير-حكومت-در-ايران

8- “سخنان ترامپ فضاي سرمايه گذاري در اقتصاد إيران را غبارآلود كرد” خبرگزاري تسنيم، 22 مهر 1396، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

https://www.tasnimnews.com/fa/news/1396/07/22/1545549/سخنان-ترامپ-فضاي-سرمايه-گذاري-در-اقتصاد-ايران-را-غبارآلود-كرد

“تحليل انديشكده‌هاي آمريكايي از رفتار ترامپ با برجام” پارس تودي، 24 مهر 1396، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

http://parstoday.com/fa/europe_and_america-i102467

9- “اقتصاد وتجارت إيران در عصر ترامپ به روايت حميد بيگلري” اقتصاد وما، 1 آذر 1395، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

http://eghtesadoma.com/fa/news/1649/اقتصاد-و-تجارت-ايران-در-عصر-ترامپ-به-روايت-حميد-بيگلري

10- “معاون وزير خارجه إيران: تا زماني كه از برجام سود ببريم به آن پايبنديم” اسپوتنيك، 23 فبراير 2018، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

https://ir.sputniknews.com/world/201802233328905-ايران-برجام-پايبندي/

11- “پنج دليل تنفر ترامپ از توافق هسته اي إيران” آنا، 21 مهر 1396، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

http://www.ana.ir/news/294311

12- “فاز بعدي سياست تغيير نظام در إيران چيست؟” مشرق، 18 دي 1396.

https://www.mashreghnews.ir/news/817698/فاز-بعدي-سياست-تغيير-نظام-در-ايران-چيست-عكس-و-فيلم

13- “آمادگي براي برگشت پذيري هسته اي ايجاد شده است” مشرق نيوز، 19 فروردين 1397، (تاريخ الدخول: 11 أبريل/نيسان 2018):

https://www.eghtesadnews.com/بخش-ساير-رسانه-ها-61/206966-آمادگي-براي-برگشت-پذيري-هسته-اي-ايجاد-شده-است

المصدر/ الجزيرة للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة