ذياب مشهور.. مزج لون غنائي جديد استوحاه من البيئة الفراتية

ذياب مشهور.. مزج لون غنائي جديد استوحاه من البيئة الفراتية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“ذياب مشهور” مطرب سوري معروف، يتميز بالغناء الفراتي الأصيل وقدم أغانٍ كثيرة واشتهر على مستوى الوطن العربي.

حياته..

ولد في بلدة “موحسن” بمحافظة “دير الزور” بتاريخ 15 فبراير 1946، نشأ في عائلة متدينة، فكان والده لا يسمح له بالسهر والغناء في الأعراس، ولكنه كان يغني العتابة بين أصدقائه.بدأ مشهور مشواره الفني في عام 1958 من منطقة الموحسن، وكان عمره إثنى عشر عاماً وكان متأثراً بالفنان العراقي الخضير أبو عزيز.

وبعد تأسيس نادي موسيقي في البلدة انتهز الفرصة وأخذ يغني ويصدح بالمووايل والعتابات والأغاني الشعبية الموجود حينها في مناطق شرق سوريا. ومن ثم غنى في مسرح دار السينما في مدينة دير الزور على مستوى أوسع، وتعلم على يد الموسيقار الكفيف يوسف جاسم. الذي عثر عليه في منطقته وعلّمه المقامات الشرقية وفنون الأداء.

اجتهد لتحقيق طموحه الفني فانتقل إلى دمشق عام 1969، وقدمه الموسيقار الكبير “عبد الفتاح سكر” لامتحان المطربين الذين يُصنفون في الإذاعة السورية، ووقف أمام لجنة من كبار الموسيقيين منهم “نديم درويش وعزيز غنام وعمر النقشبندي” وجميعهم أبدوا إعجابهم بأدائه.

عمل فترة مابين 1969 و1972 مطرباً في الملاهي الليلية، وذلك بسبب فقره الشديد حينها، حيث قال في إحدى مقابلاته “كنت آكل خبزاً فقط”، وحصل على الخبز من إحدى المطاعم إذ كان يطلب منهم بقايا الخبز مدعياً وجود خاروف لديه، وكان يبلل الخبز بالماء قليلاً ومن ثم يأكله.

شارك في أعمال فنية كمطرب منها المسلسل المشهور (صح النوم) و(ملح وسكر)، حيث أدى دور أحد المساجين وغنى تراثياً شعبياً فراتياً واشتهرت هذه الأغاني على مستوى الوطن العربي كـ “يا بو رديّن” من ألحان عبد الفتاح سكر.

اختار مشهور كلمة “رديّن” لأنها تُعبر عن مجتمعه ووسطه، فهي تعني “الكُمّ الواسع”، وتعني بالعربية الفصحى “ردن” وهو أصل الكم، وكان الرجل والمرأة يتغزلان ببعضهما “يا بو رديّن يا بو ردانة” في بيئته.

كما أدى مشهور أغنية “عالمايا عالمايا” من الفلكلور الفراتي أيضاً، وتعني المرأة الجميلة كاملة الأوصاف.

وقرب مشهور بين الفن الفراتي والعراقي ومزج بينهما وخلطهما، وذلك عن طريق تطوير بعض الألحان والكلمات لتتناسب مع فلكلور مناطق شرق سوريا، من بينها أغنية (طولي ياليلة)، إذ ادخل عليها كلمات ومعاني جديدة.

حيث كان قد التقى مع الفنان “دريد لحام” في العام 1972 حيث اشترك معه في مسلسل “صح النوم” وغنى بعض الأغاني مثل (طولي يا ليلة) و(ميلي علي ميلي).

ونتج عن هذا المزج لون جديد خاص مستوحى من البيئة الفراتية كأغنية “ميلي عليّ ميلي” التي يردد فيها مصطلحات كـ”نمنم” و”خانم”، فنمنم تعني الصغيرة اللطيفة، وخانم فتدل على السيدة الكبيرة الموقرة، فهي لفظة مدنية لا تتصل ببيئته.

الغناء..

له الكثير من الأغاني الجميلة التي اشتهرت على مستوى سوريا والعالم العربي في السبعينات والثمانينات منها أغنية «يا بو رديٍن يا بو ردانا» وعالماية عالماية ونمنم خانم وغيرها. وبخصوص أغنية “نمنم هانم قلبي نار” سُئِلَ عن معني كلمة “نمنم” فقال هي الفتاة الصغيرة السن والهانم هي الست الكبيرة. وأحيا حفلات غنائية في العديد من البلدان مثل أمريكا واليونان وإسبانيا وبريطانيا والفلبين وتايلاند والعديد من الدول العربي، وترك “مشهور ذياب” ساحة الغناء في أواخر التسعينيات، إذا شعر باليأس من الاستمرار في الحلم، واتجه نحو السعودية سنة 2000 ليعيش فترة من الزمن في عزلة كسرها منذ سنوات قليلة. وأعلن اعتزاله الغناء نهائيا في عام 2004.

أزمات صحية..

والجدير بالذكر أنه أمضى طفولة وصفها بـ”المرة”، ورحلة فنية صعبة جرّاء تخلي بعض الأشخاص الذين دعموه في بدايته عنه، في إشارة إلى الفنان السوري “دريد لحام” الذي عمل إلى جانبه في مسلسل “صح النوم”. وفي هذه الجزئية، أوضح مشهور أن دريد لحام لم يتخلَّ عنه، لكنه تركه يسير في الميدان لوحده.

وفي عام 2019، جرى تداول صورة لـ “ذياب مشهور”، وهو يبكي خلال احتفالية تكريمه من قبل وزارة الثقافة السورية، في ظل عدم قدرته على الصعود إلى المسرح لاستلام الجائزة بسبب تدهور حالته الصحية وصعوبة الحركة. وعانى من عدة أزمات صحية.

وخلال إحدى المقابلات التي ظهر فيها ذياب مشهور، قال باكيًا، “أنا بعت كل شي من أجل بلدي”، معتبرًا أغانيه “مباحة” لجمهوره وبلده الذي لا يملك شيئًا سوى محبتهم، وفق تعبيره.

سفير الأغنية السورية..

“سفير الأغنية السورية”، اللقب الذي أطلقه الفنان على نفسه واستُخدم لوصفه في العديد من المقابلات، برره بعمله لسنوات على نفقته الشخصية لنقل الأغنية الفراتية إلى العالم العربي بأكمله. واعتبر أن سر نجاحه هو أن أغنيته فراتية شعبية بسيطة، واضحة الكلام والملامح، وهو ما جعل أغانيه تتردد على ألسن الأطفال الصغار، وكبرت معهم.

ووجه “مشهور” انتقادات عدة لوزارة الإعلام السورية ووزارة الثقافة، أبرزها “لم ألقَ أي تكريم يُذكر من الإعلام ووزارة الثقافة، بل كانتا مشغولتين بتكريم نجوى كرم وغسان صليبا”، معتبرًا أن الجهات المسئولة تترك الفنان السوري الناجح وتعطي اهتمامها للفنان اللبناني.

كرّم سنة 2007 في المركز الثقافي العربي كسفيراً للأغنية الفراتية. كما كرمته وزارة الثقافة السورية في وقت سابق من شهر أكتوبر من 2019  بمناسبة يوم الثقافة.

تجديد أغنية..

استضيف “ذياب مشهور” في الإذاعة عبر برنامج “مع الكبار” تقديم “يامن ديب” وصرح حينها عن عدم رضاه عن تجديد فرقة “تكات” لأغنية “يابو ردين” وتغييرها المقام من العجم” إلى “الكرد” وأنه لا يملك حقوق محفوظة للأغنية حتى يحاسب من يقوم بغنائها.

ووجهت الكثير من الانتقادات إلى فرقة “تكات” على الرغم من إعجاب البعض بإعادتهم إحياء الأغاني القديمة والتراثية إلا أنهم أيضاً اتهموا بتشويه هذه الأغنيات بسبب تغييرهم للمقام وجعل كل الأغنيات على مقام واحد “الكرد”! والمتعارف عليه أن التجديد عادة يكون من خلال التوزيع وتغيير المقام هو تغيير للحن الأغنية بالكامل وهو مايفقدها هويتها وقيمتها الأصلية.

وفاته..

وكان الفنان السوري “ذياب مشهور” قد تعرض للإصابة بجلطة دماغية مفاجئة، نقل على إثرها إلى المشفى، في فبراير الماضي. ووافته المنية 24 سبتمبر 2022 عن عمر ناهز 76 عاماً.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة