23 نوفمبر، 2024 2:08 م
Search
Close this search box.

ذكريات من زمن فات “الجزء الثاني” (1) .. حين تسلل السلطان “سرًا” إلى مقر الحكم خوفًا من بطش أمراء المماليك !

ذكريات من زمن فات “الجزء الثاني” (1) .. حين تسلل السلطان “سرًا” إلى مقر الحكم خوفًا من بطش أمراء المماليك !

خاص : بقلم – عبدالناصر محمد :

كانت “مصر” على موعد مع القدر، يوم 17 محرم سنة 676 هجرية / 02 آيار/مايو 1277م، ذلك اليوم الذى لفظ فيه واحدًا من أعظم من جلسوا على عرش “مصر” أنفاسه الأخيرة؛ وهو السلطان المعظم “الظاهر بيبرس البندقداري” ركن الدين والدنيا؛ وظل خبر وفاته خافيًا على الجميع في “مصر”، إلا أسرته، رغم دفنه في مقبرته بمدينة “دمشق”، وكان سبب عدم إعلانه في حينه يرجع إلى الخوف من بطش كبار أمراء المماليك ولحين تأهيل نجله “السعيد” لتولي مقاليد حكم البلاد.

وكان “بيبرس” قد قام، في الأعوام الأخيرة من عمره وحكمه؛ بإعداد إبنه “السعيد” ليرث عرش البلاد من بعده، فكان يصحبه معه في الاحتفالات والعروض والتدريبات العسكرية، وحين بلغ، “السعيد”، ستة عشر عامًا خرج مع أبيه إلى “الشام” لمهاجمة حصون الصليبيين، ولكي يضمن “بيبرس” ولاء كبار أمراء المماليك لإبنه من بعده؛ قام بتزويجه من “غازية خاتون”، إبنة كبير الأمراء، “قلاوون،” أقرب رجل إلى “بيبرس”.

الملك “السعيد ناصر الدين بركة خان” – كما لقب بعد توليه العرش – خامس سلاطين المماليك البحرية؛ حكم “مصر”، سنة 1277م، استمرت فترة حكمه عامين، وكان شابًا طائشًا قاسيًا، بل وغادرًا، ورغم قربه الشديد من والده، السلطان “الظاهر بيبرس”، إلا أنه لم يكتسب منه القدرة والعزم والعديد من الصفات الحميدة؛ فكان منقادًا لنفوذ والدته ولأصدقائه وسُمار الليل معه؛ فلم يمض على جلوسه على العرش بضعة أسابيع حتى سمم وزير والده وزج بغيره من ضباطه في غيابات السجون وأخذ يوزع المناصب العُليا على صغار المماليك من أصحابه؛ متجاهلاً كبار المماليك مهمشًا لهم مما جعلهم يضيقون به ذرعًا وبدأوا يناصبوه العداء ويكيدوا له كيدًا.

ولما أحس السلطان منهم ذلك؛ أراد أن يشغلهم بما يلهيهم عنه فأعد حملة على بلاد الأرمن وتخلف هو ووالدته بـ”دمشق”؛ وقد فطن كبار الأمراء لحيلته فقرروا اتخاذ خطوات الإطاحة بهذا الفتى الغر الطائش، وبالفعل ائتمروا عليه برئاسة حماه، “قلاوون”، وقرروا العودة إلى “القاهرة”، ولا يزال السلطان “السعيد” ماكثًا في “دمشق”، ودخلوا “القاهرة” وأوصدوا أبوابها في وجهه؛ بل وكلفوا رجالهم بالانتشار حول جميع بوابات “القاهرة”؛ وأصدروا الأوامر لهم بالقبض عليه في حال محاولته الدخول إلى “القاهرة”.

وحين وصلت هذه الأخبار المزعجة إلى السلطان؛ قرر العودة إلى “القاهرة”، وظل يفكر في حيلة تمكنه من الدخول سرًا والوصول إلى مقر الحكم بالقلعة متحديًا قرارات كبار أمراء المماليك، وحين اقترب من “القاهرة” ظل متربصًا ومعه بعض رجاله ينتظر اللحظة المناسبة للتسلل إلى المدينة دون أن يراه أحد من خصومه، وشاء القدر أن تأتي هذه اللحظة المنتظرة، حيث هبت على “القاهرة” عاصفة ضبابية وهطلت الأمطار بشدة، وفي هذه الأثناء نجح السلطان ورجاله من دخول “القاهرة”؛ بل والصعود إلى مقر الحكم وفاجيء الجميع بوجوده ومباشرة مهامه كحاكم للبلاد.

وظن السلطان “السعيد” أن الجميع سوف يستسلم للأمر الواقع؛ وأن جيشه سوف يحميه ويمكنه من أداء دوره كسلطان للبلاد بلا أي منغصات؛ غير أن الرياح أتت بما لا يشتهيه السلطان، “التعيس”، وأصبح مثل الفأر في المصيدة؛ وأضحى وسط حلقة محكمة من عساكر كبار أمراء المماليك، وظل محاصرًا لمدة أسبوع حتى أضطر إلى النزول عن الملك والإنزواء في مدينة “الكرك”، في “سوريا”، وبعد عامين من حكم “مصر”؛ أنطوت صفحة السلطان “السعيد”، وبعد بضع شهور مات فجأة ودفن في “الكرك”، غير أن والدته نقلت رفاته ليُدفن بجوار والده، “بيبرس”، في مقبرته بمدينة “دمشق”.

وبعد ذلك استدعى، “قلاوون”، أكبر الأمراء وحمو السلطان “السعيد”، ليتولى مقاليد الأمور؛ فقام بها في أول الأمر باعتبار أنه “أتابك”، أو وصى على إبن آخر صغير لـ”بيبرس”، اسمه: “سيف الدين شلامش”، ولكن سرعان ما خلعه من الملك وتبوأ السلطان، “المنصور قلاوون”؛ حكم البلاد.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة