14 نوفمبر، 2024 1:56 م
Search
Close this search box.

ذاكرة الهوية في أدبنا السوداني

ذاكرة الهوية في أدبنا السوداني

كتب: عثمان خاطر – السودان

• كانت الهوية بالنسبة للسودانيين من القضايا الهامة التي لم تحسمها الساحات الفكرية والثقافية والاجتماعية تاريخيا، كقضية وطنية ظلت حبيسة التحامل الانغلاقي في التناقض الإقرار بين الكتمان تارة والنسيان تارة أخرى، رغم أنها أفصحت عن نفسها بصريح العبارة أكثر من مرة وأعربت عن توجهها السياسي والثقافي في مواضع عدة، ونادت بفرضية قبولها، مع الحنق والشد والجذب السياسي بين روادها، الهوية كإنتماء وثقافة لم تصل لتشمل كافة الأقسام المجتمعية هذا من جانب الذين رفضوا الأطروحة التي تبنتها الحكومة. هنا لا يعنيني تفصيل المحاور التاريخية المتعلقة بهذه القضية، ما يهمني بشكل دقيق ربط الأحداث بالكتابة الأدبية، وأسعى للبحث عن السؤال الذي يمكن لنا من خلاله إمساك جزء ولو بسيط من الحقيقة المتعلقة بهذه القضية، والمعنى الموضوعي في الرواية والقصة القصيرة يجعلنا نفق على شيء ربما يهم الكثير.

كما أنني أتساءل عن مفهوم النص كدلالة لغوية يستجيب المواضيع العالقة في الذهن وتطرح رؤى جديدة تواكب مع مجريات الأحداث والحياة، ومجاز موضوعي في ما يخص الإنسان بشكل دقيق، والدور المعرفي الذي يقع على عاتق النص قبل الكاتب، هذا الأمر يعنينا جميعا لأننا بحاجة إلى الإدراك الجمعي. يجب أن يكون اطلاعنا للأدب ليس من أجل القراءة السطحية والرديئة كما يفعلها البعض، بل علينا توسيع مداركنا الذهنية وحدسنا العقلي والتيقن كي نفهم النص، ونبحر ما وراء المتعة والسرد واللغة.

الهدف الرئيسي من القراءة هو الوصول إلى مستوى الرقي المعرفي والقبض على زمام الأمور التي اخفاها كاتبها، وهذه الرؤية أو القراءة الجادة تجعلنا نعرف الأهمية المعرفية والجهد الذي يبذله العقل في القراءة. إن مضمون النص في الرواية يأخذ نظام سردي تتابعي أي أنه يسير في خطوط معينة بعيدة عن المجالات الأخرى، إذ أن الأدب مجال مفتوح ويعمل على أنغام الذاتية بمنولوج قصصي متزن كان أو عكس حسب الكاتب، وتكون طريقة لمس القضايا مختلفة، لأنه يتناول البُعد النفسي والتابع الفلسفي والرأي الشخصي فيه أكثر من أي مجال آخر، وفلسفة أحداثها المروية دائما تجعل المرء يبتعد عن المعنى المقصود في النص، هذا الغياب الذي يعيشه القارئ مع النص يزيل الأثر الضمني ويخفي الغاية الأسمى في القراءة.

ظللت أردد أن النص الروائي يصعب فهم قضاياه بالأسلوب الذي كُتب، أي أن ما يقرأ هو محاولة لفحص هذا المعنى الخفي، هذا النظام المعقد السهل، إذ أننا نلاحظ أن الأفكار والقضايا مخفية بشكل أو بآخر، لهذا اذا أردت القول بأن فهم المضمون (داخل النص) لا بد لك من أن تكون هناك علاقة بين القارئ والنص بالفلسفة الروائية الحديثة، واللغة وتقنيات النقد الحديثة، مع إدراك التغيرات المصاحبة للرواية تاريخيا، وهذين المحورين هما أساس البداية الأولى لدخول عالم الرواية الحديثة، الكُتاب الروائيين يميلون إلى الظروف المصاحبة للمشاعر والأحاسيس القلقة، تواقون للعذاب، المشقة، والآلام وهذا النوع من الكِتابة يغيظ النفس ويثير عاطفته، وتأخذ بُعداً آخراً مع خلق لذة مشاعرية في تعري اللغة والنص، و الخطأ الوحيد الذي يقع عليه أكثر القراء هو؛ أنهم ينساقون نحو اللذة والمتعة والجمالية السردية تاركين المغزى العام والحقيقة الباطنية من النص، النصوص ليست بساطا مريح يستريح علبها الإنسان، النصوص كالتسلق إلى السماء عارياً حتى تصل إلى الفهم المقصود منها عليك أن تقرأ بصورة مغايرة تماما.

• لماذا نكتب؟* هذا هو السؤال الجوهري أمام كل إنسان يفكر في الكتابة، عليه الإجابة قبل بدأ أي خطوة، كان السؤال عقبة أمام الكثير من القامات الأدبية على مر التاريخ، وهو ليس سؤال عادي كما يمكن الاعتقاد عليه، وكذا الحال الإجابة عليه ليس بالأمر الهين كما يعتقد البعض، هذا السؤال العميق هو البوابة الحقيقية والامنة للعبور إلى الضفاف الآخر. وكل الذين استطاعوا الإجابة عنه بعقل واثق ونظرة فاحصة قريبة هم الذين يكتبون بالصورة الصحيحة، ويمارسون الحياة الكتابية على هدف معين وحقيقة معينة، وإطلاق الخفايا الذاتية المكونة من ذوات عدة تمارس حياتها على السلاسة التي(يدركه) نحن كائنات بشرية دائما نشعر بالنقص والفقد لهذا نلجأ إلى البحث عن الشيء المفقود فينا، والكتابة إحدى الطرق التي يفكر الإنسان من خلالها ويكشف للآخر عنه، وهي بهذا المعنى تعني الخلاصة الذاتية في شيء ما، وتجعلنا نتساءل إذا كانت الغاية من الكتابة البحث عن المعنى والحقيقة والحلقة المفقودة من الإنسان لماذا إذن نحاول إخفاء الأثر الحقيقي للأشياء التي ندرك أنها ليست كما نكتبها؟ أن سؤال الهوية بالنسبة للأدب السوداني سؤال مهم جداً وتكمن أهميتها في سببين: الأول؛ إنها القضية الوحيدة الأكثر جدلاً في الساحة الثقافية والسياسية التي لم تحسم بعد. الثاني: إيماني المطلق بأن الأدب له ما يجعله قادراً على معالجة هذه القضية بسلاسة، الأدب يعد الفضاء الآمن والرحب الذي بإمكانه استغلال هذا الأمر لصالحه بكثرة قراءته ومتابعته واهتمامه لدى القراء، أما غير ذلك ستظل في غياهب السجون العقلية، بعد أن أعلنت موتها وسط دهشة الحياة الإنسانية القاسية، وغياب الوضوح والشفافية.

سؤال الهوية..

• يستحيل تجاوز سؤال الهوية في الكتابة الروائية والقصصية والشعرية، فهذه القضية المتأزمة، طيلة التاريخ بعيدة ورغم محاولتها النهوض من جديد في كتابات الثانية، إذ أن الحقيقة التي رسمتها بعض القوى السياسة في فترة ما من تاريخ حكم البلاد، أعقبت معها الصراعات المريرة طويلة الأمد مع المجتمع والقوى المدنية السياسية والجمعيات الثقافية وأعاقت حركة الكتابة بعد أن حولتها إلى أدب الهجرة والتشريد والقتل والإقصاء وانعدام الحياة الإنسانية، من النادر جدا قراءة رواية سودانية لم تتطرق إلى هذه القضايا، بعد أن ساهمت عقلية الدولة المريضة على ما عليها الرواية الآن، وهذا لا يعني أن القضايا التي تناولتها الرواية غير مهمة، بل العكس هو الصحيح. الكتابة هي ذاكرة التاريخ والثقافة، ولا بد من أن يتسلح متداولوها بالمعرفة والحقيقة التي لا مناص من قولها والكتابة عنها، السيرورة التاريخية للكتابة الأدبية بجميع فروعها ظلت تناضل عن الحقيقة المخفية والبحث عن المعنى، والإنسان والتاريخ، والحقيقة، والذاكرة، والذات والآخر المتأني.

هذه النقاط المحورية في تسلق المعنى مع عتبات الأبعاد الموضوعية لتقصي شيء ما تمثل كل ما يحتاجه الكل القابع خلف ناصية الزوايا للبحث عن نفسه. السياق السيكولوجي في الشخصية الروائية والقصصية لا بد لها من أن تنساق إلى الأطر الإيكولوجية للذات الواقعية المتمثلة في الأنا والآخر والهو، كي ترتقي إلى مستوى المطلوب من القضايا الجمعية. وقد تتناول الكتابة الإبداعية الأبعاد الفلسفية بعيدا عن ما هي عليها في الواقع وهذا لا يعني إنها تقف أمام تحدي حماية المواقع الإبداعية بقدر ما إنها تسعى لبلورة جديدة، والبحث عن المعنى بمرايا أخرى، أننا نحن نطالع أدبنا المحلي نلاحظ أن الصورة النمطية للشخصية السودانية، تلك الشخصية العادية التي أتعبته الحروب الإنسانية والصراعات الطويلة التي لا تنتهي، إذ أنها لم تنال النصيب الكامل من الحقيقة والكاريزما والقوة الفكرية التي يتميز بها، الأسلوب المهيمن علي الساحة.

أسلوب يمكن تسميتها في رسم الشخصية الجمعية بأنها متوسطة وهشة والأزمة الأكبر أو بالأحرى الإجابة عن سؤال الهوية الوطنية هي المعضلة المنسية بالطرق المختلفة المتبعة، وإن ظهرت على العلن فإنها تحمل الهيمنة الأحادية المغلفة التي لا تشمل الجميع، لا أقصد هنا أن القضية المحورية المثارة في الأمر هي مختصرة عند فئة معينة بل أعني أن من الواجب على الكتاب طالما هم يمثلون الذاكرة الجمعية للإنسان السوداني أن يكتبوا بعمق الحقيقة والوضوح والمساواة، حتى نكمل الثورة المصيرية التي في انتظارنا.

نلاحظ الاختلاف التام بين كتابات الرعيل الأول وجيل الألفية الثانية الميلادية، الفئة الاولى كتبت بالطريقة التي تسمح لها ظروفها التاريخية إذ أنها دونت المحاور بالصورة الدلالية البعيدة وهو عكس ما نراه اليوم في الساحة الأدبية السودانية هناك مزيج كامل من الجميع، خلطة سودانية كلية.

الفئة الثانية تشمل جميع الكتاب والكاتبات الذين ما زالوا يمارسون الكتابة الإبداعية، ما يجب أن يحدث مع هذا الأمر أن نفكر بكل جدية في تطوير أنفسنا من كتاباتنا وقراءاتنا، وأن نسعى في خلق ذواتنا بالصورة الواقعية المبعثرة وبشتات الفوضى المحيطة بنا. _________

* _ لماذا نكتب؟ السؤال مأخوذ من كتاب ” ما الأدب ” للأديب جان بول سارتر

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة