4 مارس، 2024 9:13 م
Search
Close this search box.

ديزي الأمير.. كتبت عن حزن واغتراب النساء وعاشت بعيدا عن الصخب

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“ديزي الأمير” كاتبة وشاعرة وروائية عراقية، قامت بتأليف كتاب “قائمة الانتظار: حكايات امرأة عراقية مغتربة” مما رفعها إلى مصاف أبرز الكاتبات من العراق.

حياتها..

ولدت “ديزي الأمير” في البصرة جنوب العراق في عام 1935 لأب عراقي هو الطبيب “ميرزا الأمير” وأم لبنانية من ضهور الشوير هي “وداد تبشراني”، تلقت دراستها الابتدائية في مدرسة البتاوين في بغداد والإعدادية والثانوية في المدرسة المركزية للبنات، بعد حصولها على شهادة البكالوريوس من كلية تدريب المعلمين من بغداد عام 1955 سافرت إلى جامعة كامبريدج لدراسة وكتابة أطروحتها عن الأدب العربي، رفض والدها دفع الرسوم الدراسية وعادت للعراق.

عملت بعد تخرجها في التعليم فدرست عشر سنوات في إحدى المدارس الإعدادية للبنات ثم في دار المعلمات بالبصرة ولما انتقلت إلى بيروت وجدت وظيفة سكرتيرة في السفارة العراقية، رقيت في نهاية المطاف إلى وظيفة مساعد الملحق الصحفي، في عام 1975 عندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عينت مديرا للمركز الثقافي العراقي، عادت إلى العراق في عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

الكتابة..

تعكس قصصها تجارب النساء أثناء الأوقات العصيبة في الشرق الأوسط بما في ذلك خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وأثناء صعود قوة صدام حسين في العراق، وتأثرت في كتابتها للنثر بالشعر العراقي.

يقول عنها الناقد “عفيف فراج” “إن الرائع في قصص ديزي الأمير يبرز برائحة فنية في رسم عالم الأحاسيس الداخلية للشخصية، وحساسية شديدة الرقة، تلتقط أبسط موجات الشعور المضطرب، وتلتقط الجرس الخافت لحزن لا يعلن عن نفسه إلاّ للأذن التي تألف الهمس، إننا نسمع في قصصها همس السواقي وليس هدير الشلالات، ومفارقاتها الدرامية تحدث الرعشة وليس الارتعاش العنيف”.

حنين غريب..

في مقالة بعنوان (ديزي الأمير والبلد البعيد الذي تحب) تقول “فاطمة المحسن”: “لم أكن أدرك معنى إيجابيا لكلمة “انتظار”، مثلما أدركته لحظة نطقتها ديزي الأمير في التلفون. كانت تقول: فرغت حياتي من الانتظار، من المواعيد من اللقاءات، أي طعم لها؟ بيتها المطل على البحر ببيروت ذكرّني ببيوت الارستقراطية العراقية، تتشابه أذواقهم أينما حلوا في بغداد أو لندن أو بيروت أو سواها، حتى في طريقة توزيع المقاعد واللوحات وتنظيم الطاولات. لم تجب وأنا أحتضن جسدها الصغير سوى بكلمات قليلة: لست على مايرام مادام العراق مريضا.. كنت أعبر معها الأزمنة في عودة وإياب، فذاكرتها تومض في مشاهد بعيدة، وتنطفئ عندما تحسب السنوات. أتمعن في وجهها الهادئ، وأتذكر صورة لها في إحدى المجلات الأدبية في السبعينيات، مثل أميرة يبرق جبينها بالضوء.. تعيدني إلى بغداد كلما حاولت أن أبعدها عنها، حنين غريب لمن عاش فترة طويلة متنقلا بين بلدين، بل مجموعة من البلدان، ربما هو حنين الشيخوخة. تحاول إقناعي بأن العراق وأهله أفضل ما خلق الرب على هذه البسيطة، وأحاول إقناعها وأنا الجاحدة بالبلدان كلها، ليس هناك من وطن يرغب بنا أو بكل هذه التباريح. لهجتها البغدادية تمازجها كلمات موصلية. كانت تقول: أي نعم أبي أصله موصلي، درس الطب في الجامعة الأميركية ببيروت وتزوج أمي التي تنحدر عائلتها من ضهور الشوير”.

وتضيف: “ديزي الأمير القاصة التي كتبت مجاميعها القصصية المعروفة (البلد البعيد الذي نحب) و(ثم تعود الموجة) و(وعود للبيع) و(البيت العربي السعيد) وعشرات القصص التي نشرتها في الصحف والمجلات الأدبية. يختلف نصها عن نصوص النساء في الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات من القرن المنصرم، فهي لم تحاول أن تلفت الأنظار أو تثير صخبا أدبيا، وكانت بعض قصصها المرتبطة بالمرأة وقضاياها، تنطوي على سخرية خفية من نمطين من النساء: المستعرضات أجسادهن وعواطفهن، والمنشغلات بأمور السياسة. كتبت زمانها الذي نأت عن أوهامه، وربما سبقته في التخلص من كليشات الموجات الأدبية. تركت بصماتها الرقيقة وصوت عزلتها ووحدتها يرنان بعيدا، في كواليس المسرح الأدبي لا في واجهاته البراقة.. قال عنها سعيد عقل في الستينيات (كلمات ديزي الأمير كصوت فيروز، شيء من الغيب يُحَب ساحرة الهنيهات السعيدات، وما همّ أنهن أحيانا مثقلات بالكآبة. من أين تجيء بهذا البث الناعم الفني في عصر القصة المواء والقراء الذين يحبون الصدم والقضم؟). الوحيدة التي أسمتها نازك الملائكة في مذكراتها “صديقتي”: هل كنت صديقتها حقا؟ كنت أسألها فتقول: (لست صديقتها بهذا المعنى، بل صديقة أختها الأصغر، فهي أكبر مني سنا، وأكثر ثقافة ونضجا. كنت في الصف الأول من دار المعلمين العالية، وكانت هي في الصف المنتهي، ولكني لن أنسى جلساتها وأحاديثها ورسائلها. امرأة صريحة، ونظرتها إلى الحياة عميقة، تشعرك دائما أنها الرئيسة، لها سلطة خفية وساحرة علينا وعلى كل الصديقات. كنت أتطلع إليها كمثال، وألتقيها كثيرا، فقد ربطتنا صداقة عائلية، نتزاور بحكم هذا التقارب، ولكنها رحلت إلى القاهرة، ولم تعد).. أجلستني ديزي الأمير في الغرفة الصغيرة التي تحوي مكتبتها والتلفزيون. وأول ما واجهتني المجموعة الكاملة لعلي محمود طه، شاعر نازك المفضل. كل الكتب طبعاتها قديمة، وبهت لون بعضها وتحول إلى الأصفر، عدد منها لكتّاب لم يبق منهم أثر في الذاكرة الأدبية”.

خليل حاوي..

وتضيف “فاطمة المحسن” في مقالتها حوار معها، حيث تحكي “ديزي الأمير” عن “خليل حاوي” الذي نُشرت رسائله الموجهة إليها تقول: “خليل من بلد أمي وجيران بيتهم الكبير الذي كنت أقصده كل صيف، وربما كنا على قرابة، وهناك التقيت به. وعندما سكنت بيروت، كنت أراه في كل مكان أمامي. لم أكن أشعر بما يشعر، ولكن مكانته الأدبية وثقافته تقربه مني كصديق، رغم اختلاف أمزجتنا. كان يحضر إلى بيت خالتي التي تحب الشعر وتحفظه، وكنا نجلس نشرب القهوة في بيتها أو في المقاهي. يدعوني إلى محاضراته في الجامعة، وكنت أستشيره في الشؤون الأدبية. كانت حاجتي إليه كأديب أكبر من قضية الحب أو العلاقة العاطفية. أتذكر أنه كان يردد دائما أنت عراقية، ولهذا أراك دائما متحفظة.. عندما رجعت إلى بغداد كان يكلمني بالتلفون من بيروت باستمرار، وأعتقد أنه على حق، فقد كنت متحفظة بسبب تربيتي العراقية. خطبني، ولم أوافق لأنه عصبي وغير مستقر.. كان يبعث رسائله أتصور من انكلترا عندما سافر هناك، ربما من أميركا، وأنا احتفظ بما لم يُنشر من الرسائل”. وعن نشرها تقول: “هي أسراره الشخصية وأحترمها لهذا السبب”.

وعن قصصها تقول “ديزي الأمير”: “قصصي تتميز عن سواها من الكتابات النسائية، بطريقتي التي لا تحوي غرابة ولا تثير العجب. كل شيء في حياتي وكتابتي طبيعي، لم أكتب كي أجعل الرجال يغرمون بي، وربما كنت محافظة بسبب تربيتي العراقية، لا أسير مع رجل وحدي إلا وأتلفت، أمر مضحك أليس كذلك؟، كانت والدتي، رغم حبها الأدب وانفتاحها، تردد أمامي: الرجال ذئاب، وكلهم يكذبون في الحب. عندما ماتت، ذهب والدي وتزوج في فترة لم نكن نتخيلها. كادت زوجته تطردنا من البيت أنا وأخي وأختي. ذهب أخي إلى أميركا، وعشت في البصرة مع أختي التي تزوجت هناك، وأصبح أطفالها أطفالي، ودخلت مجتمع المدينة عبر طالباتي، بعد أن اشتغلت مدرسة في مدرسة ثانوية للبنات. ربطتني بأهل البصرة عشرة عمر ومحبة مازالت تسكن أعماقي، صداقات لم أجدها في مكان آخر، ولكني لم أفكر بالزواج أو الارتباط، فكلمات أمي أثّرت بي”.

وعن لبنان سنوات الستينيات والسبعينيات تروي: “رحلت إلى لبنان بعد أن كتبت له مجموعتي (البلد البعيد الذي نحب)، كان بلد أمي، ولهذا لم أبارحه حتى في الحرب الأهلية، ولكن طبيعتي التي تفضّل العزلة والهدوء وتربيتي العراقية، أبعداني عن الانغمار في مجتمعه الأدبي تماما. بالطبع كانت لي صداقات مع الأدباء، وكنا نلتقي في المقاهي وفي المؤسسات والصحف والحفلات، ولكني فضلت العيش لوجدي”.

وعن الكتابة عن الحب وتصوير معظم بطلات قصصها وحيدات أو محبطات أو يعانين من سوء تفاهم عاطفي تقول: “لم أتصور الحب يوما إلاّ على نحو يرتبط بالضياع والقلق والمشاكل، ولهذا بقيت دون زواج، ولا أشعر بالندم لقراري هذا، حتى بعد أن بلغت هذا العمر دون ولد أو ابنة ترعاني”.

الغربة والاغتراب..

في مقالة بعنوان (بمناسبة رحيلها غريبة.. ديزي الأمير كتبت عن غربتنا قبل أربعين عاما) يقول “د. حسين سرمك حسن”: “مبكر وشاسع الأصداء هم الغربة والاغتراب الذي سيطر على المجموعتين القصصيتين الأوليين في حياة المبدعة العراقية ” ديزي الأمير “. فمن الناحية الزمنية صدرت المجموعة الأولى للكاتبة ” البلد البعيد الذي تحب ” عام 1969 – وأعيد طبعها لمرة الثانية في عام 1979. أما المجموعة الثانية ” البيت العربي السعيد ” فقد صدرت عام 1975وأعيد طبعها للمرة الثالثة عام 1979 . أما من ناحية سعة الهم وسيطرته على انشغالات الكاتبة، فيكفينا القول أن المجموعة الأولى قد ضمت تسع قصص من مجموع ثلاث عشرة قصة، ثم تصاعد هذا الهم في المجموعة الثانية ليكون الموضوعة المركزية في عشر قصص من مجموع اثنتي عشرة قصة!!. لكن ما هو أكثر أهمية هو تلك الحياة الموحشة الكئيبة لبطلاتها- وأغلب بطلات الأمير من النساء- والتي توصل إليها هواجس الاغتراب التي يكون فيها الفرد غريب الوجه واليد واللسان، لا يستطيع التفاهم مع من حوله، بل لا يتواصل معهم، ويعجز عن تأسيس علاقات إنسانية دافئة مع الآخرين. تصبح مقولة أرسطو التقليدية “الإنسان حيوان اجتماعي”  لعنة، حيث يدفع المجتمع ببطلة القصة إلى المزيد من العزلة، ويحشرها في زاوية خانقة تصير فردوسها المليء بالعذاب والإحباط .. والغربة والاغتراب وكلها متضمنة في سلوك شخصيات ديزي الأمير القصصية وسماتها الأساسية، سواء من اغتربت عن وطنها، بعدت جغرافيا وتأسس على البعد الشعور بالوحشة والعزلة، أو التي بعدت نفسيا عن الآخرين وهي في وطنها وبين أناسها فعاشت المحنة ذاتها.. في الختام أقول أنه صحيح أن المبدعة ديزي الأمير قد كتبت نصوصها هذه عن تجارب قد تكون عاشتها شخصيا، أو عايشتها، أو ابتكرتها، إلا أنها قدمت نصوصا تعد أنموذجا في كتابة ما أسميته من قبل “البساطة المركبة “. وهي في هذه النصوص تقدم- وقبل أكثر من أربعين عاما- وصفات نفسية قصصية علاجية لنا.. نحن المُعذبين في أرض الغربة والاغتراب”.

أصدرت الأديبة “ديزي الأمير” سبع مجموعات قصصية هي:

1- البلد البعيد الذي تحب 1964.‏

2- ثم تعود الموجة 1969.

3- البيت العربي السعيد 1975.

4- في دوامة الحب والكراهية 1979.

5- وعود للبيع 1981.

6- على لائحة الانتظار 1988.

7- جراحة لتجميل الزمن 1996.

وفاتها..

رحلت القاصة العراقية “ديزي الأمير” بصمت في هيوستن، بعد سنوات من الغياب في الثاني والعشرين من نوفمبر 2018 عن عمر 82 .

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب