كتب: أمين الساطي
لقد ترددت كثيراً، قبل أن أكتب قصتي، حتى لا تتهمني صديقاتي ومعارفي بالجنون، لكنني قررت أن أحكي عنها، لكي أخفف من الصراعات الداخلية التي تموج في صدري.
بعد تخرجي في الجامعة، توظفت في وزارة السياحة، وعلى الرغم من أن شكلي عادي، وعينيّ غير ملونتين، فلقد تقدم عدد كبير من الشباب لخطبتي، لاعتقادهم بأن راتبي الشهري قد يسهم في مصاريف بيت الزوجية. بالنهاية وافقت أسرتي على زواجي من ابن عمتي الذي يعمل في مؤسسة أبيه لتجارة المواد الغذائية، على أساس أن أحواله المادية جيدة، ولديه سيارة، وبمقدوره أن يفتح لي بيتاً مستقلاً، وإلى أن يحين الوقت بالمستقبل سأترك وظيفتي، لأتفرغ للبيت وتربية الأولاد.
الآن لقد مضى على زواجي أكثر من ثلاث سنوات، ولم أرزق بأي طفل، وما زلت في وظيفتي. بعد مراجعة الأطباء الاختصاصيين، تبيّن لي أن زوجي يعاني ضعفاً في حيواناته المنوية، وأنه غير قادر على الإنجاب. فكرت بموضوع طلب الطلاق، غير أن أهلي كانوا يرفضون هذه الفكرة، خوفاً من أقاويل الناس، ويصرون على أن هناك علاجاً لكل مرض، ما دامت النقود متوافرة، وأنه بتقدم الطب سوف تنحل هذه المشكلة مع العلاج.
أصبحت أعيش التوتر والغضب والعجز، لعدم قدرتي على تبديل واقعي، وأسقطت كل هذا الإحباط على زوجي، لأنه دمّر حياتي، وباشرت أفكر بطريقة تقودني إلى التخلص منه.
ذات مرة كنت بالسوق، وشاهدت في واجهة أحد المحال لعبة لبنت صغيرة، ترتدي فستاناً سماوي اللون، تخيلت أنني رأيتها مرة من قبل في أحد أحلامي، والآن فجأة ظهرت بالواقع أمامي، إنها مصادفة غريبة ومثيرة، لاحظت بطرف عيني بأن عينيها الزرقاوين تتحركان من تلقاء نفسيهما باتجاهي، فبادرت إلى شرائها فوراً، أحسست في تلك اللحظة، بأن هناك شيئاً غريباً يشدني إليها.
لما وصلت إلى البيت أخرجتها من علبتها، ووضعتها على فراشي، وبدأت بتسريح شعرها والتكلم معها، لقد تخيلت أنها قطعة مني، وأن السماء قد أرسلتها لتعوضني عن عدم إنجابي لابنتي. استغل الشيطان هذه العلاقة العاطفية غير السوية بيننا، فتلبس الدمية المسكونة بجني بعد أن أخرجه منها، وسيطر عليها بسهولة، وبدأت تتحرك بإيحاء من سيّدها الجديد الذي تقمَّصها. أعطى الشيطان للدمية جميع صفاتي، فاكتسبت شخصيتي، فأصبحت تكره الأشخاص الذين أكرههم، بعدها بدأ الشيطان بالتخطيط لإيجاد طريقة للنفوذ إلى جسدي لكي يستحوذ عليَّ أيضاً، أخذ بملازمتي منتظراً حتى تحين له الفرصة المناسبة، في تلك الأوقات، كنت مضطربة نفسياً، ومملوءة بالحقد والحسد، وغافلة عن ذكر الله، ما جعلني في وضع غير مستقر نفسياً، سميت الدمية سهير، على اسم أعز صديقاتي، وبدأت اهتمّ بها، وأعاملها كطفلتي الصغيرة، لقد جعلتني أعيش تجربة الأمومة اللذيذة لأول مرة في حياتي، فأقسمت بأني لن أسمح لأي شخص بلمسها، أو معاملتها بقسوة، مهما كانت الأسباب.
في المساء عندما أجلس لمشاهدة التلفزيون، كنت أضعها في حضني، وأضمّها إلى صدري، وأتخيل بأني أسمع أنفاسها الخفيفة في أذني، بينما زوجي الجالس أمامنا، يرمق سهير بنظرات البغض، إنه يغار من علاقتي الحميمة بها، لكنه يحاول أن يكتم ذلك عنا، لكنني كنت ألاحظ شرر الكراهية يتطاير من عينيه، ومن تصرفاته العدائية نحونا.
بعد أن أصبحت لي ابنة، قررت الاستقلال عن زوجي، فانتقلت للنوم على الكنبة وحدي في غرفة الجلوس، كنت أستمتع بالنوم، والدمية مستلقية على بطني، في إحدى الليالي أحسست بدغدغة أنفاس حارة على رقبتي، أرهفت سمعي لصوت قلبها، وهو يعلو وينخفض على كتفي، لم يعد عندي الجرأة لأفتح عينيَّ لأتأكد مما يحدث، حاولت أن أرفع يدي لأتحسسها، لكنها كانت مشلولة، وشعرت بحالة من الاختناق وضيق النفس، جربت أن أصرخ بصوت عالٍ لكي يسمعني زوجي، فيحضر لمساعدتي، فلم أتمكن، وعلى الرغم من تشنج أطراف جسمي، انتفضت من على الكنبة، فوقعت على الأرض، كردة فعل عفوية مني، لمنع الشيطان من النفوذ إلى جسدي.
سمع زوجي صوت ارتطامي بأرضية الغرفة، فجاء مسرعاً، فوجدني ملقاة على الأرض، واللعبة جاثمة فوق صدري. للدهشة جلست اللعبة لأول مرة، ونظرت إليه بطريقة مخيفة، ولقد لاحظ زوجي ذلك، فقال لي: “متلبسها عفريت، يجب أن نتخلص منها فوراً، ونرميها من الشباك”، وعندما اتجه نحوها، شاهدتها وهي تركض بعجلة إلى المطبخ، وعادت وهي تحمل سكينة صغيرة في يدها، واتجهت نحو زوجي مباشرةً، وعندما اقتربت منه، ركلها برجله، فارتفعت أكثر من مترين بالهواء، وسقطت على ظهرها على الأرض، وبسرعة البرق وقفت على رجليها من جديد، وركضت نحوه، وطعنته بالسكين في قدمه، وقبل أن يصرخ من الألم، طعنته مرة ثانية وثالثة في المكان نفسه، لقد ظهرت شراستها الشيطانية بشكل لا يصدق، واستدارت لتطعنه على قدمه الثانية، لم أعد أعرف ماذا أفعل.
نظرت إلى جانبي فوجدت على الطاولة تمثالاً صغيراً من البرونز لأفروديت، فحملته بيدي، وجئت من خلف ابنتي سهير وضربتها على رأسها، فالتفتت إليَّ مذهولة، وقد اتسعت حدقة عينيها، ثم غابت كلها، ليبقى فقط بياضها، وبقيت عيناها مفتوحتين وجاحظتين، وهي تنظر باتجاهي، فشعرت برعب رهيب، فمددت أصابعي، وأغمضت عينيها، ثم تطلعت إلى زوجي المسكين والدماء تنزف من قدمه، فأحسست كم أنني كنت مخطئة في حقه، طلبت على الهاتف سيارة إسعاف لتنقله إلى المستشفى، لما عدت لرفع الدمية، لإلقائها في كيس القمامة، وجدتها مقطعة إلى أجزاء صغيرة مسحوقة، وهي غارقة بالدماء، ومازالت تنزف.