28 ديسمبر، 2024 8:11 ص

دراسة : الرواية العراقية رصدت خراب الديكتاتورية وحروبها

دراسة : الرواية العراقية رصدت خراب الديكتاتورية وحروبها

الروائي سلام ابراهيم

كتبت – سماح عادل :

يختلف السرد الروائي العراقي عن باقي السرد الروائي في الدول العربية.. بسبب إختلاف التطورات السياسية والإجتماعية في التاريخ الحديث لهذا البلد العريق، فمنذ نشأة الدولة الحديثة عام1921، امتد صراع سياسي دموي، وظهرت حركات معارضة مسلحة في جبال العراق منذ الأربعينيات، كما حدثت إنقلابات عسكرية وديكتاتورية وحروب وحصار إقتصادي طويل، ثم إحتلال عسكري.. هذه الظروف السياسية أنتجت سرداً روائياً مميزاً. بهذه المقدمة حاول الباحث والكاتب الروائي العراقي “سلام إبراهيم” تمحور احدث دراساته التي أصدرها تحت عنوان “الرواية العراقية: رصد الخراب العراقي في أزمان الديكتاتورية والحروب والإحتلال وسلطة الطوائف”.

بداية السرد العراقي :
عن بداية الرواية داخل العراق في عقد العشرينيات وصفتها الدراسة بأن غلب عليها “التيار الواقعي”، بسبب رواج الفكر الإشتراكي في ذلك الوقت، وكانت أول رواية بعنوان “جلال خالد” لمحمود أحمد السيد عام 1928 ثم تلاها ثلاث روايات لم تتمتع بالنضج الفني هي: “مجنونان” لعبد الحق فاضل 1939، و”الدكتور إبراهيم” لذي النون أيوب عام 1939، و”اليد والأرض والماء” عام 1948 لذي النون أيوب أيضاً، وقصة طويلة لفؤاد التركلي بعنوان “الوجه الآخر” لها صفات الرواية القصيرة ضمن مجموعة من القصص عام 1960، إلى أن دشنت رواية “النخلة والجيران” لغائب طعمة فرمان 1966 التي تعتبر بداية الرواية العراقية المكتملة فنياً، حيث تناولت واقع بغداد أيام الحرب العالمية الثانية بتقنية الأصوات المتعددة لمجموعة من الفقراء في حي شعبي وسط بغداد.

ثم رواية “خمسة أصوات” 1967 لنفس الكاتب وتناولت فترة الخمسينيات والتي عبرت عن الصراع الفكري والسياسي في ذلك الوقت، وتبعها فرمان برواية “المخاض” 1974 التي صورت تبدل الأحوال في عيون مغترب يعود إلى بغداد بعد خمس سنوات، ثم روايته “القربان” 1975 والتي استخدمت اللهجة العراقية في الحوار، واهتمت بتصوير الأوضاع في المناطق الشعبية، وكتبها في غربته حيث ارتحل إلى موسكو وعاش فيها بقية حياته.

وصدرت روايات لشباب الكتاب خلال تلك الفترة، أهمها روايتي “الوشم” لعبد الرحمن مجيد الربيعي، ورواية “القلعة الخامسة” لفاضل العزاوي 1972، والثانية صورت تحول موظف بسيط إلى سياسي بسبب إعتقاله على سبيل الخطأ وسجنه مع الشيوعيين، وكشفت الرواية حياة السجن وضيق أفق الشخصية الحزبية، ورغم أن هذه الرواية كانت متواضعة فنياً إلا أن أهميتها تكمن في تأسيسها لرواية “السيرة الذاتية”.

رواية “الرجع البعيد” 1980 لفؤاد التركلي اختلفت فنياً، بحسب الدراسة، عن روايات “غائب فرمان” حيث اهتمت بالبعد الداخلي للشخصيات والتي كانت مثقفة ومشاركة في الصراع السياسي بين القوى القومية والقوى الماركسية.

هجرة الروائيين :
أكدت الدراسة على أن عدداً كبيراً ممن أصبحوا روائيين هاجروا في السبعينيات لعدة أسباب، أبرزهم “فاضل العزاوي، وعالية ممدوح، وسلام عبود، وهيفاء زنكنه، وعارف علوان، وبرهان الخطيب”، ومع القمع المتصاعد هاجر عدد آخر مثل “زهير الجزائري، وسليم مطر، وعلي عبد العال، ونجم والي”، وهناك من ألتحق بالحركات المسلحة في جبال العراق مثل “جنان جاسم حلاوي، وشاكر الأنباري، وحميد العقابي، وسلام إبراهيم” – كاتب الدراسة -، ثم هاجر آخرون بعد إحتلال الكويت والحصار الإقتصادي أهمهم “فيصل عبد الحسن، وهدية حسين، وعلي بدر، وسنان أنطوان”.

نمطين للرواية العراقية :
قسمت الدراسة بين نمطين من السرد الروائي.. الأول: “سرد في ظل الديكتاتورية”، تجنب الخوض في محنة العراقيين في زمنها، وأضاف أشكالاً فنية جديدة إلى السرد العربي مستعيناً بالرموز والتاريخ القديم، ونصوص أخرى في إطاره مجدت قيم العنف، نصوص تجنبت الإقتراب من المحرمات الثلاث “السياسة – الدين – الجنس”. والنمط الثاني: “سرد مكتوب في المنفى”، رسم أبعاد الواقع العراقي بعمق، أوضح فيه معاناة العراقي ومقاومته وإنكساره، تراه الدراسة نمطاً جديداً في تاريخ الرواية العراقية والعربية، تناول “تيمات” جديدة كمعاناة المنفى وإختلاف الثقافات ومشكلة الهوية، ومعاناة الجندي في المؤسسة العسكرية بنموذجها العراقي، والنضال في حركة مسلحة قاومت سلطة ديكتاتورية، كما نقل معاناة المرأة العراقية التي نشطت في الحركات السياسية، وهز المحرمات الثلاث، وكان هذا النمط متراوح بين بنية نص تقليدية وبنية نص يخوض في أقصى أشكال التجريب.

تندرج تحت إطار النمط الأول “روايات الحرب”، التي مجدت قيم الوطنية الزائفة وقيم الموت والحرب، أسمتها الدراسة “قادسية صدام”، وأيضاً الروايات التي لجأت إلى قصص التاريخ أو الرمز مثل نصوص “محمد خضير” و”محمود جنداري” و”عبد الخالق الركابي” الذي وصفته الدراسة بأنه لجأ للغموض خاصة في روايتي “الراووق” و”من يفتح باب الطلسم”، وروايتي لطيفة الدليمي “من يرث الفردوس” و”خسوف برهان الكتبي”، ثم نصوص مبهمة لا يفهم منها شيء كروايات “طه حامد الشبيب” و”أحمد خلف”.

أما بالنسبة لروايات النمط الثاني، ترى الدراسة أنها تطورت منذ أوائل التسعينيات وبلغت ذروتها في بداية الألفية الثالثة، حيث صورت هذه الروايات عذاب العراقي وخوفه ومقاومته، وأبرز كتاب هذا النمط، “شاكر الأنباري” و”جنان جاسم حلاوي” و”عالية ممدوح” و”سلام عبود” و”نجم والي” و”زهير الجزائري” و”سليم مطر” و”فاضل العزاوي” و”حمزة الحسن” و”سنان أنطون” و”محمود سعيد” و”برهان الخطيب” و”سلام إبراهيم”.

معظم هذه النصوص كانت “سير ذاتية”، تصور تجربة الإعتقال والحرب كجنود أو ثوار اعتبرتها الدراسة سجلاً أدبياً حياً لتاريخ العراق الحديث، كتبت عن ما كانت تمتنع كتب التاريخ عن توثيقه.

جدير بالذكر أن دراسة “الرواية العراقية: رصد الخراب العراقي في أزمان الديكتاتورية والحروب والإحتلال وسلطة الطوائف” للباحث والكاتب الروائي العراقي “سلام إبراهيم”، قد نشرت في العدد الثاني من دورية “تبين” 2012، وهي مجلة فصلية متخصصة في الدراسات الفكرية والثقافية يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بقطر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة