المؤلف/ د. شاهر إسماعيل الشاهر
أستاذ العلاقات الدولية في جامعتي دمشق والفرات
تعد الدولة من أهم المنظمات السياسية الموجودة في المجتمع، ولا يمكن مقارنة أهميتها وسيادتها بأهمية وسيادة أية منظمة أخرى، وذلك نظراً لسلطتها العليا التي تمارسها مع الأفراد والمنظمات، ونظراً للوظائف المهمة التي تقدمها لأبناء المجتمع، ومنذ أن بدأ الاهتمام بموضوع الدولة باعتبارها تنظيم سياسي أو سلطة سياسية أو كنظام اقتصادي وإداري .. الخ
وربما نجد ثمة خلط بين مفهومي السلطة والدولة في التداول بين رجال الإعلام والسياسة وبعض المفكرين، على الرغم من أن الإدراك المعرفي يفترض وضع مساحة لتحديد معايير السلطة، ومعايير الدولة، باعتبار أن العلاقة بين السلطة والدولة علاقة تركيبية، فالسلطات الحاكمة قد اتخذت أشكالاً عدة عبر حركة التاريخ، وتبنت قيما ومفاهيم قد تعتبر متناقضة، لكنها في الأغلب لم تتبنى فهما لموقعها في مساحة الزمن، ومن هنا كانت السلطات الحاكمة تتبدل، أو تعيش مراحل تغير، بعضها يطول، والآخر يقصر، وكما انه لا يمكن أن يتم تفسير الدولة بالسلطة، فالسلطة لا تعني الدولة بالضرورة، كما أن الدولة ما كانت أبدا تلك الفكرة المتهافتة التي تفسرها بعض النظريات ضيقة الأفق والتي سعت إلى تبني أفكار غير منهجية في محاولة منها لإرضاء الحاكم ففسرت الدولة باعتبارها (مساحة من الأرض تسكنها مجموعة بشرية وهذه الأخيرة يقودها حاكم)، فهذا التفسير من التهافت بحيث أنه لا يمكن أن ينطبق على أدنى معايير الدولة. وإذا كان الأمر كذلك فكل عائلة أو عشيرة يمكن أن تصبح دولة. وهذا التفسير هو في الحقيقة يجافي ما اتفق عليه المؤرخون وعلماء السياسة والاجتماع في تفسير مفهوم الدولة.
إن دولنة المجتمع تعني هيمنة الدولة على مختلف أبعاد الوجود الاجتماعي، مما يولد نوعاً جديداً من الاستبداد السياسي نعته توكفيل بالاستبداد الناعم. فالسلطة، هي التي تعمل على تقوية الدولة أو انهيارها، بينما انهيار السلطة لا يعني انهيار الدولة متى ما كانت قوية وقادرة على حماية نفسها ومكتسباتها.. كما أن بناء السلطة لنفسها لا يعني بناء الدولة، فقد تنجح السلطة في بناء نفسها وتحكم قبضتها وتفرض هيمنتها على المجتمع، ولكنها تفشل في بناء دولة قوية ذات عزة ومنعة وسؤدد وسيادة.
أما المواطنة فهي مفهوم مشتق من الوطن، يرتبط في تطبيقاته بالدولة الحديثة، التي نتجت عن عصر الأنوار الأوروبي، والثورة الصناعية، والثورات الاجتماعية التي شهدتها القارة الأوروبية منذ أواخر القرن الثامن عشر، وتحديداً مع الثورة الفرنسية عام 1789. فالمعنى كما هو مستخدم الآن، وافد من خارج الإطار المعرفي العربي.
وتعتمد المواطنة على تكريس الحقوق العامة والحريات الفردية أهمها الحقوق المدنية والسياسية وحرية الرأي والتعبير، وعلى المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والشفافية، وترمي المواطنة إلى عدم اختزال الوطن في حزب أو قبيلة أو طائفة وأنه لا وجود لأقلية في المجتمع، بل مواطنون متساوون ومساهمون في صنع القرار الوطني. وفي ظل دولة المواطنة، يعيش المنتمون للدولة، تحت خيمة الوطن، يتمتعون بذات الحقوق، ولا يعود للتشكيل الديموغرافي أو الانتماء الديني أو المذهبي أو القبلي، أو الإثني، قيمة تضفي تميزاً في الحقوق على الآخرين. والمواطنة بهذا المفهوم، تعطي للاختلاف والتنوع شكلاً إيجابياً، يضيف قوة للمجتمع ولا يأخذ منها .
المصدر/ المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية