17 سبتمبر، 2024 5:59 م
Search
Close this search box.

دراسات في التاريخ الشفهي والمحلي للتركمان في سوريا والأناضول

دراسات في التاريخ الشفهي والمحلي للتركمان في سوريا والأناضول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قائد الغُرِّ المحجَّلين وإمام الأنبياء والمرسلين وحبيب رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلينا معهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :

المقدمة :

إنَّ كتاب دراسات في التاريخ الشفهي والمحلي للتركمان في سوريا والأناضول قد وُضِع بين يدي القارئ لتعريفه ولو نبذة يسيرة عن حياة وثقافة وتراث وعادات وتقاليد المجتمع التركماني العريق منذ قدومهم من آسيا الوسطى واستقرارهم في سوريا والأناضول منذ قرون ، وكذلك عمَّا وجدوه من الشدائد والصعوبات والعقبات في سُبُلِ الحياة الكريمة والاستقرار , وليس ذلك من باب التعصب أو التمييز العرقي أو القومي أو الطائفي ربما كما يظنُّ أو يفهم البعض معاذ الله , فقد قال الله تعالى : ( تلك أمةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون ) وكلنا يؤمن بأن أمة الإسلام واحدة من العرب والكرد والتركمان وغيرهم من الشعوب والأقوام المسلمة وعقيدتنا ( إنما المؤمنون إخوة ) قال الله عزَ وجلَّ : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فالغاية من خلق البشر هي التقوى والتعارف بين الشعوب والقبائل وليست عمل الحروب أو الغزوات أو فتح جبهات القتال فيما بينهم ، وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ” كُلُّكم لآدم وآدم من تراب ” وقال عليه الصلاة والسلام : ” لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى “.
فنحمد الله تعالى ونشكره على نعمة الإيمان والإسلام ومن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام , ونسأله جلَّ وعلا أن يجعلنا إخوة متحابين فيه ومن عباده الصالحين الصادقين , إنه أكرم مسؤول وخير مجيب ، والحمد لله رب العالمين.
في 7/7/2023م
الدكتور مختار فاتح بي ديلي
طلعت حكمت علي

دراسات في التاريخ الشفهي والمحلي للتركمان في سوريا والأناضول
الدكتور مختار فاتح بي ديلي
طبيب – باحث في الشأن التركي وأوراسيا

التمهيد :

يقال إن الجغرافيا قدر، وهذا القدريختلف كثيراً في الشرق الأوسط باختلاف الحدود ، حيث إن التنوع العرقي واللغوي والطائفي والثقافي وخاصة في الجزء الشمالي من سوريا كان أحد أعمدة التنافس بين القوى الإقليمية والعالمية بعد أحداث عام 2011م , وسوف نتكلم في هذا البحث عن إحدى أهم وأكثرالاثنيات جذوراً من حيث التاريخ في هذه المنطقة ألا وهم التركمان ، كما أننا سوف نقوم بتحليل التاريخ القديم والمعاصر للاستيطان التركماني في شمال سوريا خلال فترات النضال الوطني والانتداب والاستقلال وإجراء تقييم عام من خلال النظر في البنية التحتية والاستراتيجية للمستوطنات التركمانية في إطار أنشطة السكان والتأثير والخلفية الاجتماعية.
ونتيجة لذلك تتزايد أهمية كل من الشمال السوري والتركمان بالنسبة لتركيا , وفي معظم الأحيان تعتبر حدود البلدان هي أيضاً حدود حياة الناس الذين يعيشون فيها ، فالحدود التي رُسِمت قبل قرن في الشرق الأوسط عملت على تقييد حياة الشعوب في المنطقة من قبل القوى الخارجية , ولقد شهدنا خطواتها ولأكثر من ربع قرن كيف أن الرسومات الحدودية المرتبة من الخارج أدت إلى قلب حياة السكان المحليين رأساً على عقب.

وتعد دراسات التاريخ الشفهي والمحلي طريقة بحث برزت إلى الواجهة في تخصص التاريخ متأخراً ، ومثل هذه الدراسات منتشرة ومقبولة في الغرب من خلال البحث العلمي التاريخي ، وفي المقابل برزت دراسات في التاريخ الشفهي والمحلي في تركيا منذ التاريخ القديم والمعاصر ، ومن أبرزهؤلاء الباحثين الأتراك علي رضا يالكين الذي له دراسات مهمة حول الموروث الشعبي التركماني والذي كتب أبحاثه مستنداً إلى الأحاديث وشهادات أبناء المنطقة من وجهاء ورؤساء القبائل التركمانية ، وكذلك من الشعراء الشعبيين الذين سطروا الأحداث التاريخية في أشعارهم وتناقلتها أجيال بعد أجيال الذين يتغنّون بها عبر التاريخ وإلى الآن.

الكلمات المفتاحية: التاريخ الشفوي والمحلي ، علي رضا يالكن ، التركمان ، حلب ، الفولكلور

Abstract
It is said that geography is destiny, and this destiny differs greatly in the Middle East with different borders, as the ethnic, linguistic, sectarian and cultural diversity, especially in the northern part of Syria, was one of the pillars of competition between regional and global powers after the events of 2011 AD, and we will talk in this research about one of the most important and deeply rooted ethnicities In terms of history in this region, namely the Turkmen illusion, we will also analyze the ancient and contemporary history of the Turkmen settlement in northern Syria during the periods of national struggle, mandate and independence and make a general assessment by looking at the infrastructure and strategy of the Turkmen settlements in the framework of the activities of the population and the influence and social background. Therefore, the importance of both northern Syria and Turkmen for Turkey is increasing, and in most cases the borders of countries are also considered the limits of the lives of the people who live in them. From a quarter of a century ago how arranged border drawings from the outside turned the lives of local residents upside down.
Oral and local history studies are a delayed research method in the discipline of history. It is accepted that it emerged and spread in the West with scientific historiography. This oral and local history in Turkey against acceptance has become a hot topic in the early stages. Ali Riza Yalkin one of the most important representatives of the oral and local history shaped around a particular scientific methodology in Turkey. Working mainly on ethnography, folklore and traditions, Yalkın often shared his findings on oral history. Although Yalkın’s work is not widely used by historians, it is a very rich resource because of the different contents he comes into contact with. In this context, oral and local history studies in Turkey, where the investigation has been investigated and the importance of doing that Yalkın. In addition, the operation of the Yalkın origins of oral and local history research in Turkey has been the subject of scrutiny.
Keywords: Oral And Local History, Ali Rıza Yalkın, Turkmens, Aleppo, Folklore.

من هو علي رضا يالكين ؟

ولد علي رضا يالكين في بلدة أوسترومكا في سالونيك اليونانية في شهر أكتوبر من عام 1888م وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية هناك درس وتخرّج من مدرسة المعلمين في إسطنبول ثم عمل مدرساً في مدرسة ابتدائية ومديراً في مقاطعات مثل مرسين وتكيرداغ , وعندما صدرقانون اللقب استخدم لقب يالمان ثم غيّره لاحقاً إلى ” يالكين “.
بدأ يالكين حياته في التنقل بين مدن قونيا وهاتاي وغازي عنتاب بسبب ظروف مهنته حيث جذب انتباه الفولكلور والإثنوغرافيا , كما بدأ بكتابة مقالات في صحيفة “باباليك” في مدينة قونيا ونشر سلسلة من المقالات عن حياة كاراجا أوغلان والتي يمكن اعتبار هذه الدراسة أول دراسة مهمة في حياته ، ثم عُيّن مديراً لمتحف أضنا في عام 1933م.
زار يالكين التركمان في جبال طوروس لتعميق دراسته وأجرى دراسات ميدانية في التاريخ الشفهي والمحلي ثم عُيّن مديراً لمتحف بورصا في عام 1940م وأنشأ متحف الإثنوغرافيا والفولكلور.
ومن ثم تم تعيينه في المديرية العامة لمتاحف أنقرة في عام 1944م ثم عُيّن في مديرية متاحف بورصا مرة أخرى في عام 1949م.
تقاعد يالكين في عام 1950م واستقر في توزلا بإسطنبول ونشر العديد من المقالات عن عمله في الصحف , وتوفي رحمه الله تعالى في 1 نوفمبر 1960م عن عمريناهز 73 عاماً. قام في أعماله بتجميع ونسخ الكثير من البيانات حول التاريخ الشفوي والمحلي ونقلها إلى الأجيال القادمة من خلال منع ضياعها. في سياق دراسات التاريخ الشفوي والمحلي ، فإن مقدمة فؤاد كوبرولو ، الموجودة في المجلد الأول من العمل الذي كتبه يالكن بعنوان “القبائل التركمانية في الجنوب” الذي كتبه يالكن ، يعبر عن أهمية الدراسات (1).
ويؤكد كوبرولو صراحة أن معلومات التاريخ الشفهي والمحلي التي تم الحصول عليها نتيجة للدراسات الميدانية حول الفولكلور والإثنوغرافيا في جنوب شرق الأناضول. يذكر يالكن أيضًا في مقدمة المجلد الأول لعمل القبائل التركمانية الجنوبية حول هذا الموضوع نتيجة الملاحظات التي توصل إليها في دراساته الميدانية التي قام بها بين تركمان منطقة طوروس وتركمان مناطق في ريف حلب الشمالي لمدة 10 سنوات وذلك منذ فبراير 1922م.
…………………………………………………………………………………………..
10(1) علي رضا يالمان ، القبائل التركمانية في الجنوب ، منشورات وزارة الثقافة ، أنقرة 1977 ، ص. 9-

منهاج يالكين في دراسات التاريخ الشفهي والمحلي :
أجرى علي رضا يالكين دراسات وأبحاثاً قيمة في التاريخ الشفهي والمحلي حول القيم والعادات والتقاليد التركمانية التي لم تكن مدونة في الغالب , حيث لا يمكن القول إن التركمان الذين كانوا في وضع بدوي قد تركوا التدوين والعديد من الأعمال المكتوبة بسبب أنماط حياتهم البدوية ، فقد عاشوا من خلال تطوير عناصر الثقافة الشفهية المتوارثة بين القبائل التركمانية ، لذلك كان لابد من تحديد العناصر الإثنوغرافية والتاريخية والفنية إما شفهياً أو من خلال عرض الملاحظات , وهذا ما دفع يالكين باستبدال البحث القائم إلى البحث الميداني واتباع منهج علمي لتقييم وتوثيق عناصر التاريخ الشفهي والمحلي التي حصل عليها نتيجة رحلته في البحث الميداني ، حيث إن منهجه هذا ومصدر معلوماته شفاف ومفتوح للنقد من قبل الآخرين , فقد ذكر يالكين مصدر حصوله على المعلومات أثناء وصفه لعناصر التاريخ الشفهي والمحلي مبيناً اسم القبيلة والأشخاص والوقت والمكان الذي حصل فيه على المعلومات ونقلها إلى القراء , وهذا مهم جداً من حيث معرفة مصدر المعلومات وزيادة موثوقيتها ووضعها على أساس علمي واجتماعي.
استشهد يالكين بالعديد من المصادر في معلومات التاريخ الشفهي والمحلي التي نقلها ، فعلى سبيل المثال ما نقله عن تركمان إيلبايلي عن قره حسن أفندي وعمر آغا ، والمعلومات التي نقلها عن تركمان باي ديلي عن وجهاء التركمان المحليين في المنطقة أمثال محمد مصطفى باشا وأحمد مصطفى باشا وأحمد عيسى وبوزان الجمعة من قبيلة البكمشلي ، والمعلومات التي نقلها عن تركمان بيريلي عن حنيف آغا وفاسيف بيكو الذين استقروا في مناطق متفرقة ، وكذلك نقل معلومات القبائل التركمانية عن ديمشكلي ( شاملي ) إدريس آغا وبراقلي إدريس طورون قادر , والمعلومات التي نقلها عن التركمان الآخرين عن عمر آغا وحسن باي ( بيك ) وخليل آغا وعقيل خوجه وابن داود , وأثناء عمله في مدينة كيليس استفاد من اثنين من كبار السن هما إدريس آغا من قرية إسبانك وطورون قادر آغا من قرية ملك ، وحصل منهما على مزيد من المعلومات بسبب تجاربه ، فقد ذكر على سبيل المثال أن هناك معلومات تفيد بأن التركمان كانوا موجودين حول حسن داغي الذين يطلقون عليهم اسم ” إيزيلي ” وهذا ما أخبر عنه علي آغا ابن هاس كوسه.
لم ينقل يالكين أسماء الذين تلقى منهم المعلومات فحسب ، بل جعل المعلومات الدقيقة والموثوقة من خلال إعطاء تفاصيل الزمان والمكان(2) , وأثناء نقله للمعلومات استفاد بشكل خاص من كبار السن نظراً لأن الاستماع إلى معلومات التاريخ الشفهي والمحلي عن مصادر مباشرة والاستفادة
…………………………………………………………………………………………….
(2) يقول يالكن ، الذي جاء إلى قبيلة بولاجالي ، إنه وصل إلى هنا في 18 يوليو 1928؛ وجاء إلى قبيلة كيشافلي يوم الجمعة 20 يوليو 1928 في حوالي الساعة 17.00 ، وأن محمد آغا ، أحد أغنى قبيلة المنطقة ، قضى يومًا في منزله.

من خبراتهم في الحصول على معلومات الأزمنة السابقة ربما كانت الفكرة الرئيسية للباحث في هذا السياق.غير أن الباحث يالكين قد تواصل أيضاً مع من كان يعرف الأغاني الشعبية بين القبائل التركمانية ومعرفة معاني تلك الأغاني منهم ، لأن الأغاني الشعبية كانت من أهم المصادر للتواصل بين التركمان الذين كانوا تحت تأثير الثقافة الشفهية بسبب طبيعتهم البدوية , لهذا السبب أعطى يالكين أهمية خاصة لتسجيل الأغاني الشعبية ونقدها بين الحين والآخر ومقارنتها مع بعضها البعض.

قام يالكين في أعماله بجمع ونسخ الكثير من البيانات والمعلومات حول التاريخ الشفهي والمحلي ونقلها إلى الأجيال الأخرى القادمة للحفاظ عليها من الضياع. وفي سياق دراساته التي كتبها ونشرها يالكين في كتابه بعنوان ” القبائل التركمانية في الجنوب ” فإن مقدمة فؤاد كوبرولو في المجلد الأول منه تعبر عن أهمية هذه الدراسات مضيفاً أن هذا العمل قد أُنشِئ باستخدام الموروث الشعبي والتاريخ الشفهي والمحلي حول الفولكلور والإثنوغرافيا في جنوب شرق الأناضول نتيجة للدراسات الميدانية , كما يذكر يالكين في مقدمة المجلد الأول من كتابه المذكور أنه ابتكر هذا العمل بناءً على الملاحظات التي توصل إليها نتيجة للدراسات الميدانية التي امتدت لعشر سنوات ابتداءً من شهر فبراير من عام 1922م في المناطق التي يعيش فيها التركمان مابين جبال طوروس والمناطق التركمان في سوريا على الحدود التركية السورية.ولم تقتصر دراسات يالكين الميدانية في التاريخ الشفهي والمحلي قائمةً على الزمان والمكان فحسب ، بل أيضاً أنه عندما ذهب إلى مدينة كيليس أتيحت له الفرصة للتعرف عليهم عن قرب وبشكل أفضل وأكثر.

وعندما قام بزيارة قبيلة إيلبيلي وهي زيارته الثالثة إلى المنطقة في 8 مايو من عام 1931م واستمرت عشرة أيام للبحث والدراسة أكّد من خلالها إلى أن الدراسات التاريخية والفولكلورية التي يذكرها في أعماله تستند إلى أبحاث ميدانية تحتوي على عناصر تتعلق بالتاريخ الشفهي والمحلي , حيث قدم معلومات مستفيضة وقيمة وليس عن التاريخ الشفهي والمحلي فحسب ، وإنما قدم دراسة عن الإثنوغرافيا والفولكلور والثقافة والموسيقى والعديد من المجالات الأخرى أيضاً ، وهذا مايجعله استثنائياً في الدراسات الميدانية التي أجراها بمنهج علمي في فترة يمكن اعتبارها مبكرة لأنه سجل العناصر الثقافية الغير الملموسة أو المدونة التي من المحتمل أن تضيع وذلك بمنهجية نقدية بقيت حتى هذا اليوم , وكان يالكين له لقاءات مباشرة مع وجهاء وزعماء القبائل التركمانية لمقارنة ومطابقة المعلومات التاريخية الشفهية والمحلية المتوارثة في موروث الشعب التركماني بالمعلومات التي حصل عليها نتيجة لدراساته الميدانية.

ومن أبرز أعماله :

– أوغوز بهليفان ( جريدة طرسوس 3 نوفمبر 1927م )
– قراجه أوغلان ( جريدة طرسوس 16 مارس 1928م )
– القبائل التركمانية في الجنوب ( 1931-1939م )
– الطوابع التركية في الأناضول من أولوداغ إلى طوروس ( 1934م )
– أسلوب الصيد جوكوروفا في الموروث الشعبي ( 1937م )
– عازفو التركمان في الجنوب ( 1940م )
– احتساب المهجع والإثنوغرافيا في منطقة قره تبه لي في جبال طوروس ( 1950م )

التراث الشعبي التركماني :

لقد كانت هجرة التركمان من تركستان الشرقية وآسيا الوسطى نحو الشرق قبل آلاف السنين بجحافل هائلة ، ونظراً لاتساع الرقعة التي حكمها التركمان في أقطار آسيا أدت إلى امتزاج قصص التركمان بقصص شعوب الشرق والمناطق التي حكموها بالعدل والإنصاف , كما أنها شملت ميداناً واسعاً عكست حياة الإنسان التركماني بكافة مظاهرها ، وكانت تلك القصص قد دُوِّنت بحق تدويناً صادقاً لفترة مهمة من تاريخ الشعب التركماني النبيل.
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن معظم القصص القديمة في الموروث الشعبي لم تكن تكتب اعتباطاً وإنما كانت نابعة من حاجة الجمهور الواسع إلى ذلك لتؤمن لهم ماكانوا يفتقرون إليه من الأمن ولأجل الإلهاء عن حاجاتهم المعيشية وبالتحديد عن جوعهم المادي وضعفهم المعنوي ، وهذا مادفع بعض الحكام آنذاك إلى تشجيع هذا النوع من الأدب وذلك بما أغدقوا على القصاصين والرواة من جزيل العطايا والهدايا.

ولعل من أقدم القصص التركمانية المدونة ما وصل إلينا عن طريق (داده قورقوت) (3) والقصص الشعبية التي تروي بطولات التركمان وحروبهم وفروسيتهم الرفيعة ، وكذلك الأنواع الأخرى من القصص العاطفية كقصص الحب وغيرها, وإذا ألقينا نظرة إلى تلك الحكايات القديمة فإننا نجد معظمها تمتاز بأجوائها القبلية البسيطة وبصور الحياة البدوية التي عاشها التركمان في تلك الحقب التاريخية , كما نجد فيها ملامح حية عن واقع التركمان وبطولاتهم وتحملهم للظروف القاسية وذلك بسرد غزواتهم وحروبهم وهجراتهم المتعاقبة , وفي الحقيقة إن هذه القصص تعتبر أفضل مرآة تعكس ماكان عليه أجدادنا التركمان وسجلاتهم الحافلة بأعمالهم البطولية وآثارهم المميزة.

وينقسم الموروث الشعبي التركماني إلى قسمين :
1- الأدب الشعبي مجهول المؤلف : وهو الأدب الذي لايُعرف منشؤه ولا زمان إنشائه ، لذلك يعد تراثاً عاماً للشعب.
ومن فنون هذا الأدب الحكايا الشعبية مثل : القصص الشعبية والنوادر والنكت والقصص التعليمية والتربوية والأخلاقية والأساطير والحكم والأمثال الشعبية والأغاني والخوريات والاصطلاحات الأدبية والرثاء.
2- الأدب الشعبي معروف المؤلف : وهو الأدب الذي أنشأه مؤلف معروف وينقسم إلى قسمين :
أ- السير : وهي لون من القصص الطويلة التي تتراوح بين النثر والشعر نظمها شعراء معروفون في الأدب التركماني ويطلق عليهم اسم ( العاشق ) ويسمى ( عاشق أدبياتي ) أي أدب العشاق ، وهي ما تدورأحداثها حول البطولات والفروسية والحب وتشتمل على أشعار ملحمية , ولما كان ممتهنو هذا الفن يتغنون بآلة موسيقية ( صاز ) أي آلة البزق الخاصة بالتراث التركماني أُطلِق عليهم ( شعراء الصاز ).
وقد تطور هذا النوع من الأدب الشعبي في المقاهي الشعبية ومضافات القرى وخاصة في ليالي الشتاء الطويلة وليالي شهر رمضان المبارك , حيث تأثر كثيراً بالحضارة الإسلامية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر , لذلك نجد فيها كثيراً من الألفاظ والكلمات العربية ، ومن أشهر هذه السير ( كور أوغلو ) و ( كرم وأصلي ) و ( أرزي وقنبر ) و ( ليلى ومجنون ) وغيرها.
…………………………………………………………………………………………
(3) كتاب دده قورقوت أقدم ملحمة أسطورية لدى لأتراك الأوغوز في تركيا، وأذربيجان، وتركمانستان، وكازاخستان قيرغيزستان
‌ب- الأدب الديني : وهو الأدب الخاص الذي نشأ في ظلال المشاعر الدينية المستمدة من روح الدين الإسلامي الحنيف ، فبعد اعتناق التركمان للدين الإسلامي ساير الأدب التركماني القديم الدين الجديد لينتج عنه نوعاً من الأدب المحدث بالصبغة الإسلامية ، ويصنفه بعض الباحثين إلى:
أ- أدب الديوان : وهو نوع قد بقي حكراً على الطبقة الحاكمة من السلاطين والحكام والوزراء وأتباعهم.
ب- أدب التكايا : وهو ما نشأ في زوايا التكايا التي كانت تُعَد المحفل الأدبي والتوجيهي للمتصوفين ، ومن فنون هذا الأدب الأنفاس البكتاشية والصوفية والمدائح النبوية.
ويشكل التاريخ الشفهي والمحلي حول منهجية علمية معينة في تركيا , وإن الباحث التركي علي رضا يالكين هو أحد أبرز المهتمين في هذا المجال , فقد عمل على الإثنوغرافيا والفولكلور والتقاليد التركمانية القديمة وغالباً ما شارك نتائج أبحاثه حول التاريخ الشفهي والمحلي للتركمان , على الرغم من أن عمله لا يستخدم كثيراً من قبل المؤرخين إلا أنه يُعد مصدراً غنياً جداً بالمعلومات التاريخية بسبب المحتويات المختلفة التي كان يتعامل بها ,
وفي هذا السياق تم البحث عن أهمية تحليلاته في دراسات التاريخ الشفهي والمحلي في الأناضول.

القبائل التركمانية في سياق التاريخ الشفهي والمحلي :

بدأ الباحث يالكين بتكثيف عمله عن التركمان في الربع الثاني من القرن العشرين من الناحية التاريخية والجغرافية والإثنوغرافية…. إلخ , وهذه المعلومات لاتخص الفترة التي أُجرى فيها البحث فحسب ، بل تقدم أيضاً معلومات حول الرموز الثقافية للأتراك التركمان التي تعود إلى عصورهم القديمة ، لأن عناصر التركمان الرحل في الأناضول كانوا أقل تأثراً بالمجتمعات والثقافات الأخرى من الأتراك المستقرين في الأناضول.
في الحقيقة صعوبة الوصول إلى المناطق الجغرافية التي يعيش فيها التركمان ولا سيما الجبال والسهول قد جعلت من السهل على التركمان العيش في عزلة أكبر وترسيخ روابطهم العرقية والدينية والثقافية بشكل أفضل.
لكن الأتراك المستقرين في الأناضول عاشوا مع مجتمعات كثيرة مختلفة في مدن سهلة من حيث الجغرافيا والمواصلات وتأثروا بثقافات عديدة بالمقارنة مع التركمان الرحل ، لذلك تكشف تحقيقات ودراسات يالكين حول التركمان عن الاستمرارية التاريخية والثقافية التي تعود إلى العصور القديمة جداً وكذلك الوضع في الوقت الحالي.
سافر يالكين عبر الأناضول إلى حلب ومنطقة باير بوجاق والرقة وتل الأبيض وقرى جبال طوروس وجمع معلومات عن جغرافيتها وتاريخ القبائل التي تعيش فيها ، وأثناء سرد المعلومات عن القبائل التركمانية قدم معلومات عن أنساب التركمان في تلك المناطق مع مقارنة المعلومات التاريخية والمعاصرة لسلالات الأنساب للقبائل التركمانية شفهياً ومحلياً على وجه الخصوص.

وحصل يالكين على هذه المعلومات شفهياً من زعماء القبائل التركمانية بشكل مباشر ، حيث سرد التركمان الذين يعيشون في جبال طوروس ومناطق حلب وباير بوجاق والرقة على أنهم من قبائل باي ديلي وإيلبيلي وبيريلي وبراق وقبائل تركمانية أخرى , بالإضافة إلى ذلك ذكر يالكين القرى التي استقرت فيها هذه القبائل التركمانية من بايديلي ( القبائل الإثنا عشر ورؤساؤها ) بالتفصيل.

وقد تمت دراسة القبائل الخمسة من باينديرلي والقبائل الإثنا عشر من براق والقبائل الخمسة من بيريلي والقبائل السبعة من إيلبيلي وسبعة قبائل مختلفة أخرى بما في ذلك أسماء القرى والبلدات وأسماء زعماء تلك االقبائل.
ونتيجة لدراسات التاريخ الشفهي والمحلي فقد تم تحديد أسماء زعماء 29 قرية تركمانية وتسعة منها تنتمي إلى قرية إيلبيلي.

يحاول يالكين تأكيد علمه من خلال سؤاله لخليل آغا عما إذا كانت هناك قبيلة تسمى شامان أو شاهمان بين القبائل التركمانية ؟ فيجيبه خليل آغا : نعم إن هناك سهلاً تركمانياً في سوريا اسمه شاهمان ولكنهم فقدوا أصالتهم وابتعدواعن التدين واستعربوا وفيما بعد أسسوا في دمشق وبغداد ، كما أنهم يعرفون ويذكرون أسلافهم السبعة ويقولون بأن أجدادهم من الأتراك ولكنهم استعربوا فيما بعد باستخدام التاريخ الشفهي والمحلي.(4)
كما نقل الباحث يالكين معلومات حول أصول القبائل التركمانية وعلى سبيل المثال ووفقاً لما سجله أبو الهدى أفندي عن قبيلة إيلبيلي يقول بأنه يبلغ عددهم 80 ألف خيمة من 36 فرع.
…………………………………………………………………………………………….
(4) على سبيل المثال ، وفقًا لما سجلته أبو الهدى أفندي عن قبيلة البيلي ، يبلغ عدد سكان التركمان 80 ألف خانه ومقسمون 36 فرع. ويلتقى يالكن بعبدال ، يسأله عن شجرة نسبه ويسجل ما يقوله. بتعبير قره حسن بك ، تُروى أنساب البيلي في سياق التاريخ الشفوي .

بالإضافة إلى الأحداث التاريخية والحروب والهجرات والإسكان والجغرافيا في الفترات التاريخية الماضية ، فعندما ذهب يالكين إلى قرية إسبانك ( بولاتيلي بوجاغي ) نقل المعلومات التي تلقاها من الرجل المسن إدريس كاهيا الذي يذكر أن قريتهم تتألف من 40 أسرة وأنه يطلق على قبيلتهم دمشقلي , ويذكر أنه قبل 400 عام كانت قبيلتهم مؤلفة من 700 خيمة متوزعين في منطقة سيواس وكانوا يعيشون مع قبائل ريشفان التركمانية , ثم بعد ذلك انهارت علاقاتهم مع قبائل ريشفان بعد أن قتلوا 400 قطيع الذي تسبب بترحيل 500 تركماني وإسكانهم في دمشق حيث كان أول مبنى لهم فيها , ويقول إن قبيلته انتشرت في سيواس وقونيا وأنقرة ودمشق وأن جزءاً منها قد هاجروا إلى مدينة يوزغات بسبب المجاعة في عام 1873م.

ووفقاً لما ذكره علي آغا ابن حاسي حسن باي ( بيك ) من قبيلة قره حاجي أن قبيلته قره حاجي استقرت في 24 قرية في شمال أضنا شرق النهر وتعيش مجموعة أخرى منهم على شكل يوروك رحل.

ويعتبر محمد بيك وحجي حسن بيك وإسماعيل كاهيا ابن أر أوغلو من أهم الأشخاص الذين تحدث معهم يالكين أيضاً في هذه القبيلة التي استقر جزء منهم في عاكف باشا وظل الجزء الآخر مثل البدو الرُّحَّل لأنهم رفضوا الاستقرار ، كما حصل يالكين على معلومات عن التاريخ الشفهي والمحلي عن الأصول اللغوية والخلفيات التاريخية لأسماء القبائل التركمانية وطلب من التركمان مراراً تأكيد هذه المعلومات التي حصل عليها. بالنسبة لأصل الاسم قاجار التقى يالكن مع عادل آغا من قبيلة قاجار. أفاد عادل آغا أن قبيلة قاجارتم تكليفهم بمهمة عسكرية ،هاجموا العدو أولا ثم تظاهروا بالإنسحاب المزيف(5) وهكذا يقول إنهم يدعون بهذا الاسم لأنهم نصبوا كمينا للعدو عن طريق سحبهم للكمين. يقدم يالكن معلومة عن قبيلة هوناملي والذين يعرفون بكزيلباش وأن قبائل سنية تركمانية أخرى أهانتهم بسبب مذهبهم وتسميتهم بهور ناملي وعلى الرغم من أن اسم القبيلة مأخوذة من هنا ، فإن يالكن تذكر أيضًا أن القبيلة ترى نفسها أعلى من القبائل الأخرى لأنها تدعي أنها أتت من موطنهم الأصلي في بلاد خراسان.(6)
……………………………………………………………………………………………….
(5) الانسحاب المزيف ، وهو أسلوب عسكري قديم يستخدمه الأتراك بشكل متكرر منذ القدم.
(6) كمثال أخر عن تسمية اسم القبيلة ، حصل موسى بوزلودوغان على أصل اسم الهضبة نتيجة لبحوث التاريخ الشفوي يُسجل أن هذا الاسم أطلق على الهضبة لأن رجلاً اسمه موسى قاتل وهُزم هنا.

القبائل التركمانية التي تم إسكانها في ريف حلب :

كاجيلو وأحفادهم الذين يتبعون حمزة كيتهودا ابن كوسه أوغلو شرقلوصي الذي كان خاضعاً لدوردو كيتهودا , وقره أفشار الذي كان خاضعاً لحميدي كيثودا ، وحماه دوغر أوغلو الذي كان خاضعاً لمصطفى كيثودا ، وحماه دوغري الذي كان خاضعاً للدرويش كيثودا ، وجاركش أوغلو
الذي كان خاضعاً لبوزلو خليل كيتهودا ، وبوزلو الذي كان خاضعاً لأبي درده كيتهودا ، وقنك عساف الذي كان يخضع لمحمد كيثودا ، ودوندارلي أميري الذي كان يخضع لإينالو سليمان والذي كان خاضعاً للدرويش كيتهودا ، وشام بكميشلو الذي كان خاضعاً لعبد الله كيتهودا ، وبكميشلو الذي كان خاضعاً لقوجه لغانم كيتهودا ، وديملكلو الذي كان خاضعاً لقاسم كيتهودا ، وديملكو حاجدارالذي كان خاضعاً لابن بير بوداق ، وغايرغين الذي كان يخضع لديملكو ، وشيخلي المعروف أيضاً باسم اوغورلو شيخ اوغلولاري أبناء شيخ حاميش بن موسى الملقب بهاميش شيخ دوغار الذي كان خاضعاً لميرزا ​​، ودوغر سيف وقره طاه تيمور التابع لمحرم كيتهودا ، وفرعها الآخر الخاضع لكوسه كيتهودا ، وكيزيل علي توتيمورلو الذي كان خاضعاً لخليل كيثودا ، ودوكوزجو نهاربندلو الخاضع لمراد كيثودا ، وغونش أبناء أبي مشعل أبالو الذي كان خاضعاً لإدريس كيتهودا ، وأميري سسينجارلوم وأميري جاريك وأميري يوسون وأميري كركوز وباينديرالذين كانوا يخضعون لرستام كيتهودا ، وبايندير الذي كان خاضعاً لحاجي أحمد كيتهودا ، وساجان التابع لأحمد كيتودا وفرعه الآخر الخاضع لأمير الحاج ، وقره شيخلي الذي كان خاضعاً لموسى بن قيزيل إدريس ، وحمدانلي من قرة شيخلي الذي كان خاضعاً لأبناء طشقين ، وياديغارلا من قره شيخلي الخاضع لعيسى ، وياديغارلا من قره شيخلي والذي كان خاضعاً لإسماعيل كيتهودا ، وقره شيخلي دورابيغلو ، وقاديرلي الذي كان خاضعاً لحسين كيتهودا ، وبوز قويونلو بالابانلو وبوز قويونلو وأحفاده الذين كانوا يخضعون لفيرز كيتهودا ، وقيس الذي كان يخضع لوالي كيتهودا ، وأريلي الذي كان يخضع لأحمد كيتهودا ، وعربلي موسى وعربلي إبراهيم من بي ديلي الرحل ، وكيليجلو وأحفاده الذين كانوا خاضعين لحمزة كيتهودا الذين تقرر توطينهم في عام 1691م ، وكوسه أوغلو شرقلي الذي كان خاضعاً لدوردو كيتهودا ، وقره أفشار الذي كان خاضعاً لحميدي كيتهودا ، وحماه دوغر أوغلو الخاضع لمصطفى كيتهودا ، وقينيق الذي كان يخضع لمحمد كيتهودا ، وبوزلو المعروف أيضاً باسم شركس أوغلولاري ، وإينالي الذي كان خاضعاً لدرويش كيثودا ، ودوندارلي أميري الذي كان خاضعاً لسليمان كيتهودا ، وديمشقلي بكميشلي الذي كان خاضعاً لعبد الله آغا ، وحماه دوغري الذي كان خاضعاً لدرويش كيتهودا ، وكارا توتيمورلو التابع لمحرم كيتهودا ، وحي خاضع لسيطرة كوسه كيثودا ، وأبالو الخاضع لمشعل كيتهودا ، وأميري سينجارلي وأميري جاريك وأميري يوصون الذين كانوا يخضعون لإبراهيم كيتهودا.
وأما التركمان الذين تم إسكانهم في محافظة الرقة وريفها هم بكميشلو وقره شيخلي وقره شيخلي همدانلي وقره شيخلي ياديغار وقره شيخلي دورابغلي وديمليكلي وديمليكلي حاجيلار وغايرغين قرقين وابن ديمليكل وديملوكلي وعرابلي موسى وعرابلي إبراهيم وبوز قويونلو والمناطق الخاضعة لبيديلي وبالا بانلو وبوز قويونلو وفيرز كيتهودا وبايندير والتي تخضع لرستام كيتهودا وقاديرلي وبايندير وساجانو دوغار وأريلي وغياث ودوغاري سيف وإيهولو الخاضعين للأمير الحاج ، ويبلغ مجموع هؤلاء ثلاثين ألفاً ويتألف السكان الذين يدفعون الضرائب من 2400 عائلة.

الأغاني الشعبية التركمانية في سياق التاريخ الشفهي والمحلي :
على عكس اليوم فقد تطورت أدوات التواصل الشفهي في المجتمعات البدوية للتركمان الرحل حيث تهيمن الثقافة الشفهية على الثقافة المكتوبة لدى القبائل التركمانية من خلال تعابيرهم اليومية إلى ملاحمهم وأحزانهم وأفراحهم وبطولاتهم وتاريخهم … إلخ , وعبرت عن الكثير من المشاعر والأفكار بالأغاني الشعبية التي هي إحدى هذه الأدوات.(7)
لم يؤد الاستخدام المكثف للأغاني الشعبية بين التركمان إلى تدريب العديد من الشعراء الشعبيين المهمين فحسب ، بل جلب أيضاً العديد من سجلات التاريخ الشفهي والمحلي إلى يومنا هذا.
بما أن الأغاني الشعبية تحتوي على العديد من الموضوعات والأفكار التاريخية فهي تعكس وجهات نظر مختلفة ، فقد عبر يالكين عن علاقة الأغاني الشعبية بالتاريخ الشفهي والمحلي من خلال العبارات التالية التي قدمها الكاتب التركماني الشعبي الشهير دادال أوغلو الذي كان متأثراً بالتاريخ أكثر من الغناء الشعبي في مقطوعات فردية ، وأستطيع القول إن معظم الحكايات التركمانية الشعبية في جنوب الأناضول تعتبر من قصص هذا الشاعر الشعبي الكبير مثل قصة غانج عثمان وقصة الصراع بين رمضان أوغلولاري وكوزان أوغلولاري والحرب بين جوبان أوغلولاري وقهرمان أوغلولاري وقصة ملاحم خان محمود وكامبر يانيك والحدث المأساوي لغازي محمود وغيرها من القصص التي يرويها دادال أوغلو , فالأغاني الشعبية هي المصادر الغنية بالجودة والكمية التي تقدم أكبر قدر من المعلومات حول التاريخ الشفهي والمحلي للقبائل التركمانية.
……………………………………………………………………………………………
(7) بالإضافة إلى تنوع الموضوعات ، نرى أن طرق غناء الأغاني الشعبية قد اكتسبت أيضًا تنوعًا بين التركمان يالكين ، في بحثه الميداني حول هذا الموضوع ، يحسب ثلاثة أنواع من البوزلاغ كأصنافها ، أوروم بوزلاغ ، دودم بوزلاغ ويلري بوزلاغ

هناك العديد من الأحداث التي ورد ذكرها في الأغاني الشعبية التي مرت عبر التاريخ وكانت تعبيراً فنياً عن المشاعر والأفكار التي وصلت إلى هذا اليوم ، وضمن هذا التنوع في الأغاني الشعبية من الممكن العثور على نمط الثقافة والحياة الاجتماعية والتاريخ والعادات والتقاليد للتركمان على مدى القرون , وعلى سبيل المثال يمكن ذكر ” الأغنية الشعبية لدالي بوران ” التي تحتوي على تاريخ المنطقة ضمن موضوع قصة حب فردي عندما قام عباس باشا بتفريق التركمان في منطقة الجولاب ووقوع شاب تركماني يدعى دالي بوران في حب فتاة تُدعى ليلى (8)، فجاء قراجه أوغلان إلى الواجهة في هذه الأغاني الشعبية ، بالإضافةً إلى سرد قصة حب كرم من خلال الأغاني الشعبية , ومن الملاحظ أيضاً أن أغاني الحب تتحول أحياناً إلى أغاني عاطفية ، وهذه حال عدد لا بأس من الأغاني الشعبية التي توفر لنا نتائج مهمة حول الحياة الاجتماعية للتركمان مما اقتبسها الباحثون الأتراك (9).وهناك أيضاً العديد من الأغاني الشعبية حول الحروب وأحداث الهجرة والإسكان التي عاشها التركمان في تاريخهم ، بالإضافة إلى نقل هجرات وخبرات التركمان في جنوب الأناضول وعلى جبال طوروس وصحراء الرقة عبر تاريخهم إلى الأجيال القادمة بأغاني شعبية والتي كانت مصدراً للباحثين في التاريخ الشفهي والمحلي (10).
إن كثيراً من عناصر التاريخ الشفهي والمحلي التي حُصِل عليها عن القبائل التركمانية تم جمعها من خلال الأغاني الشعبية والتي من أهم العناصر التي تحتوي على الثقافة الشفهية للتركمان الرحل , فمن خلالها يمكن الوصول إلى كثير من المعلومات حول الحروب التي خاضها التركمان في الماضي الذي ويجعل الحروب الموصوفة في تاريخ التركمان مهمة وحقيقة باعتبار أن السجل المكتوب حولها محدود بسبب اعتمادهم على الثقافة الشفهية , وهذا يعني أنه يمكن كتابة تاريخ كل من القبائل التركمانية في جبال طوروس وصحراء الرقة وريف حلب ومنطقة باير بوجاق بالتفصيل ويجعل البيانات الشفهية استثنائية بالمقارنة مع المصادر المكتوبة الحالية , ومن الحقائق التي يجب أن لا تُنسى أن البيانات اللفظية المتعلقة برهانات الحروب ذات القيم الملحمية يمكن نقلها بطريقة ملحمية مبالغ فيها ، وبالتالي لا ينبغي نسيان الحاجة إلى إخضاعها لدراسات وأبحاث دقيقة.
…………………………………………………………………………………………….
(8) واحدة من أكثر الأغاني الشعبية التي تدور حول الحب والتي تلقي الضوء على التاريخ الفردي والاجتماعي هي الرثاء التي اقتبسها يالكن من هضبة موسى بوزلدوغون في 15 يوليو 1928. في الحادثة التي رواها تركماني يدعى مافي علي آغا ، تم نقل الأحداث التي مرت بها سيدة تدعى شفاء هانم، زوجة شاكر أفندي. أحب شفاء شابًا تركمانيًا ، لكنه لم يستطع الاقتراب منه. عندئذ تفتري عليه شفاء هانم ويحكم على الشاب بالإعدام. على الرغم من أن الناس في المخيم يعرفون أن الشاب بريء ، إلا أنهم لم يتمكنوا من التحدث وافصاح عن الحقيقة ، روى مافي آغا الرثاء واصفا هذا الحدث.
(9) لإعطاء مثال متعلق بالموضوع ؛ قره داغن ياغمورو ، غيجه مادم جامورو ، فاطمنن مماسي صاري بورصا هامورو ، باغن فيرديم اوزوني,جيبك دايمش غوزومه,فاطمنن غوزلرى,بانجار سوكتو اوزومه,باغاه كيرديم هورمايا .
(10) توجد العديد من الأغاني الشعبية عن الحروب وأحداث الهجرة في تاريخ التركمان.
فهناك أغاني شعبية تركمانية حول حروبهم مع قبيلة بني سعيد العربية والتي جرت أحداثها في عام 1860م تشير إلى شخص يُدعى ملا عثمان من قبيلة بايديلي التركمانية والصراع القبلي بين محمد باي (بيك) وقبيلة بني سعيد العربية في عام 1811م وكانت المشكلة التي واجهها الحاكم المسمى جمال محمد باشا مع قبيلة بايديلي التركمانية في أورفا بين عامي 1737 – 1738م موضوعاً لأغنية شعبية تركمانية.
وفي حادثة تاريخية أخرى تذكرنا الأغنية الشعبية التي كتبها دادال أوغلو إلى عباس باشا الذي جاء من مصر إلى الإسكندرون ومحاولته الاستيلاء على الأراضي التركمانية.

التركمان والعثمانيون في سياق التاريخ الشفهي والمحلي :

لقد ذهبت قبائل بايديلي التركمانية وبعض القبائل الكردية الذين أمروا بإعادة توطينهم في الرقة إلى الأماكن المخصصة لإعادة توطينهم ، حيث قام محافظ دياربكر بتكليف الوزير علي باشا بالتأكد من ذهاب هذه القبائل إلى أماكن إسكانهم ، لأن بعض القبائل التركمانية التي أرادت الاستقرار في هذه المنطقة أبقت الولاية مشغولة للغاية بحوادث السلب والنهب وقطع الطرقات التي تسببت فيها هذه القبائل.
وعلى الرغم من أن الحكومة العثمانية لم ترغب في تقديم تنازلات للقبائل التي قاومت الاستيطان في البداية إلا أنها تخلت مع مرور الوقت عن هذه السياسة الصارمة وبدأت في تقديم تنازلات لبعض القبائل والعفو عن أبناء قبائل أفشار الذين استقروا سابقاً في الرقة وسمح لهم بالاستقرار في غازي عنتاب ومرعش مع مراعاة خدماتهم المقدمة للدولة.
بدأت العلاقات الإيجابية بين الإمبراطورية العثمانية والتركمان تتغير خلال فترة التأسيس مع لا مركزية الأتراك العثمانيين وتكيفهم مع الحياة المستقرة وتحقيق المثل الأعلى للإمبراطورية ، ووفقاً لذلك يتم تعريف التركمان حول محورين رئيسيين.
كان التركمان قبائل بدو يصعب تحصيل الضرائب منهم وبالتالي حاولوا توطينهم وإسكانهم حتى إن استدعت ذلك استعمال القوة , وكان النفي هو إحدى طرق إعادة التوطين الممنهجة في عهد الإمبراطورية العثمانية عندما تراه ضرورياً ، حيث إن الدولة لم تفرض بعض الضرائب على الناس فحسب ، بل أمرت أيضاً الالتزام بالذهاب والاستقرار في الأماكن المحددة عند الضرورة ، أي الذهاب إلى المنفى دون أي اعتراض للحكومة العثمانية المركزية (11).
………………………………………………………………………………
(11) كتاب إسكان العشائر التركمانية في عهد الامبراطورية العثمانية للكاتب جنكيز اورهانلي ترجمة الاستاذ فاروق مصطفى.

منذ القرن السابع عشر شكّل التوطين المنهجي لقبائل البدو إحدى سياسات إعادة التوطين التي اتبعتها الدولة العثمانية , وبينما كان تركمان البدو يتجهون إلى مراعيهم الصيفية ومن ثم العودة إلى مقرهم الشتوي في أماكن أخرى وعند هذه التنقلات كان يحصل إتلاف محاصيل السكان المستقرين في المنطقة وبالتالي كانت تحصل اضطرابات داخلية بين السكان المحليين واالتركمان الرحل بسبب استغلال ضعف إدارة الدولة في بعض الأحيان.

وكشفت تحركات تركمان البدو المتجول عن ضرورة إبقائهم تحت سيطرة الدولة من خلال إعادة توطينهم وإسكانهم في المناطق المقررة مسبقاً للإسكان ، حيث استقر في أواخر القرن السابع عشر49 قبيلة من التركمان في مناطق مختلفة من ريف حلب والرقة وريفها.

كما يُفهم من سجلات الإسكان أن عدد التركمان الذين استقروا في قرى سنجق حمص بلغ 1066 عائلة ووزعت عليهم 570 هيكتاراً من الأراضي , فعندما نحصي معدل كل عائلة على أنها 7 أفراد بشكل متوسط ​​يتضح أن إجمالي ذلك هو 7462 شخصاً قد استقروا في 36 قرية و 17 قرية صغيرة في سنجق حمص , وبلغ عدد التركمان الذين استقروا في حماة ومعظمهم في قرى ناحية بارين 1532 عائلة وخصص لهم 672 هيكتاراً من الأراضي ويقدر تعداد التركمان في حماة الذين استقروا في 24 قرية و 14 قرية صغيرة بـ 10724 نسمة.

حيث إننا نلاحظ من خلال هذا التوطين تفكيك قوة المجتمع وذلك من خلال وضع أشخاص معينين وليس كل أفراد القبيلة وإسكانهم في قرى أو مناطق لا ينتمون إلى قبائل تلك المناطق , وعلى سبيل المثال فقد استقر بعض أبناء قبيلة الأبالو في حمص ، بينما استقر الجزء الآخر منهم في حماة نظراً لأن الأماكن والمناطق الغير مستوطنة تصبح عشاً لقطاع الطرق وتصبح المنطقة غير أمنة أومستقرة , لذلك فقد تم إرسال أوامر صارمة في تاريخ 27 سبتمبر من عام 1720م بنقل القبائل التركمانية من أماكن متفرقة إلى مستوطناتهم الجديدة.

يقول خليل آغا : بما أن توطين التركمان كان مهمة صعبة وشاقة للغاية فقد تمت محاولة الاستفادة من رؤساء القبائل التركمانية في هذا الصدد , وعلى سبيل المثال فقد تم تعيين شاهين باي ابن فيرز باي التابع لقبائل بوز قويونلو والذي كان له مكانة عالية ومحترمة جدًا بين قبائل تركمان حلب ، وتم تعينه رئيساً لإعادة التوطين في عام 1693م لأولئك الذين استقروا في الرقة.

وتمت الإشارة إلى القبائل التركمانية التي أعيد توطينها في نهاية القرن السابع عشر واحدة تلوى الأخرى في سجل التحرير في حلب بتاريخ 1673م من خلال كتابة الملاحظة فوق أسمائهم وباللون الأحمر.
وهناك تعريف آخر للقبائل التركمانية بأنهم عبارة عن مجتمع بدوي ذات خصوصية اجتماعية وثقافية تختلف عن خصوصية سكان المدن والأرياف حيث سيطرت عليهم الثقافة الشفهية والبدوية.

ومن منظور التركمان فإنهم يرون بأن العثمانيين وحكومتهم المركزية يحاولون إجبار التركمان على التخلي عن عاداتهم وتقاليدهم التي اعتادوا عليها طوال حياتهم ، ومحاولة العثمانيين الحصول على نصيب من ممتلاكات وإنتاج المحاصيل ومواشي التركمان من خلال الضرائب رغم أنهم ليسوا شركاء في أي من أعمالهم فيما بينهما.

حسب الباحث يالكين تعتبر وثيقة الإسكان العثماني عام 1691م خطأً فاصلاً في حياة تاريخ قبائل البيديلي التركمانية في سوريا ، فهذه القبائل والتي تنتسب لنسل يلدزخان هي أحد فروع القبائل التركمانية الأوغوزية العريقة.

وحسب ما نقله أجدادنا ومن بعدهم من التراث الشعبي التركماني المتوارث من الأدب والشعر والقصص كقصص دادا قورقوت وغيرها ، فإن تركمان سوريا لقوا المصير المشؤوم عند إسكانهم قسراً في صحراء الرقة ومن ثم في ريف حلب والمناطق الأخرى في سوريا لأنهم تُركوا لمصيرهم المحتوم من صعوبة العيش في تلك المناطق بسبب صعوبة التأقلم من الناحية المعيشية والاجتماعية والتوترات والخلافات مع القبائل العربية والكردية أحياناً بسبب الأراضي , وسوف نذكر لكم بعض الحوادث الموثقة من الأرشيف والوثائق العثمانية وبعض قصص القبائل التركمانية التي هاجرت من أواسط آسيا الوسطى متوجهين نحو الأناضول ومن ثم إلى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين قبل وبعد الإسكان.

عندما هاجر التركمان في منطقة خراسان في جنوب شرق بحر قزوين إلى بعض مناطق إيران ومن إلى الأناضول بعد هزيمة دولة أكويونلو على يد الدولة العثمانية في حرب (أوتلوق بيلي) , تختار قبائل البيديلي التركمانية من بين التركمان فيرز باي ، أحد أبناء سيد صالح الدين ، كزعيم لهم. اكتسب إسم وحياة فيروز باي ، معنى ملحميًا بين التركمان والقبائل التركمانية الأخرى ، وأصبح قائدًا لكل القبائل التركمانية.

عندما هاجر التركمان في القرن الخامس عشر ، من المناطق الداخلية لتركستان واستقروا في منطقة خراسان ، ومن ثم قرروا الهجرة إلى الأناضول في نهاية القرن السادس عشر ، تحت قيادة الزعيم فيرز باي . قسم من قبائل التركمان ، لم يرغبوا في مغادرة وطنهم في خراسان فتركهم فيرز باي ، وغادروا مع بعض الجماعات التركمانية خراسان متجها نحو الأناضول سالكين طرق وجبال وعرة تم ذكرها في الأغاني والموروث الشعبي التركماني ، وصلوا الأناضول وكانت تقدر عدد خيامهم (ما بين 400 و 500 ألف) تحت قيادة فيرز باي ، مع 87000 خيمة ويقال في بعض المصادر الاخرى 84000 خيمة ) ، يقدرون بين 400 و 500 ألف شخص تقريبا ويدخلون الأناضول ويستقرون في منطقة تسمى مقاطعة يني إيل في جنوب يوزغات وسيواس .

إن معظم المعلومات التي نقلها الباحثون الأتراك في سياق التاريخ الشفهي والمحلي لايذكرون العثمانيين بشكل إيجابي للغاية من قبل التركمان , وأجمل تفسير لعلاقة التركمان بالعثمانيين هو التفسير الذي قدمه عمر آغا بعد الأغنية الشعبية التي قرأها على الباحث يالكين ، حيث قدم له معلومات تستند إلى التاريخ الشفهي والمحلي عندما طلب منه الباحث يالكين معلومات عن قبيلة قولاش في الأغنية الشعبية فقال : إن القبيلة جاءت من خراسان إلى الأناضول ولكنها اختفت فيما بعد لأنهم لم يتمكنوا من التعايش مع السلاطين العثمانيين.

وأعرب يالكين عن أفكاره بشأن هذا الوضع بعبارة : ” إذا فكرت في مدى قسوة حكم السلطنة العثمانية للقبائل التركمانية هنا فإنها بلا رحمة أو شفقة وسوف تعرف العلاقة بين الطرفين “.
فهذا مثال جيد يشير إلى التوتر في العلاقات بين التركمان والمركز منذ العهد العثماني ، ويعطي عمر آغا مثالاً آخر على حادثة أخبره بها أحد الآباء عن موضوع حدث في السابق ناصحاً أولاده قائلاً : ” لا تكن صديقاً للعثمانيين ولا تشتري إلا بعد الرؤية ، ولا تفصحوا أسراركم للنساء ” وكان دادال أوغلو أيضاً ضد الإدارة العثمانية مثل العديد من التركمان (12).

ويروي يالكين أغنية شعبية سمعها في قرية قره أوميرلي الواقعة جنوب جبال بينبوغا أنه كان أحد الأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقة بين التركمان والإمبراطورية العثمانية هو فرض العثمانيين الضرائب على القبائل التركمانية , وفي هذا السياق نقل التركمان معارضتهم لفرض الضرائب على قبائلهم من خلال الأغاني الشعبية التي كانت من أهم أدوات التاريخ الشفهي والمحلي , كما نقل يالكين عن عمر آغا أيضاً وجهة نظر التركمان حول المسؤولية الضريبية التي فرضها العثمانيون عليهم , ووفقاً لذلك فقد قرأ الرجل المسن قاديرأوغلو قبل أن وافته المنية ما يلي : ” البعض يزرع حديقة بالمجرفة ، والبعض يسحب القش بكيس ، والبعض يزرع نبات السندار مرة أخرى ، ولا شيء للدولة من ذلك ” كما تم التطرق إلى جهود العثمانيين لتوطين التركمان من أجل الحصول على الضرائب بسهولة أكبر والتي قوبلت بمعارضة شرسة من قبل التركمان.
ذهب الباحث يالكين إلى كثير من القرى الحدودية السورية التركية مثل قرية حمام التركمان والدادات في أقجه قلعة وقرى في منطقة جرابلس مثل قرية طاشلي هويوك وهواهيوك وبلوى ميرخان وقلقوم وجورتان وجكه ونبغه وباب ليمون وعلي منطار القريبة من الحدود السورية التركية في منطقة كيليس بين أعوام 1931-1960م والتقى مع الكثيرين هناك ودوَّن ماسمعه من أحداث تاريخية مرت على المنطقة ، وتحدَّث مع حنيفي آغا من قبيلة بيريلي وعقيل هوجا وداود أوغلو من العشائر التركمانية ، وميجينغن أوغلو محمد من قبيلة بايندير وآخرين ، وحدَّثه خليل آغا عن تاريخ قبيلته أن العثماني أجبرهم على العيش بشكل مستقر ومنعهم من الترحال.
وعندما قيل إن بعضهم هاجروا من الرقة إلى المكان الذي أتوا منه فقاطعه قرة حسن أفندي قائلاً: إن بعضهم أقام في الأناضول ومنهم من ذهب إلى بلاد فارس ، وإن قبيلة بايديلي عانت أكثر من غيرها وهذا ما أكَّده خليل آغا.
…………………………………………………………………………………………………..
(12) دادال أوغلو شاعر شعبي عارض سياسة الاستيطان في عهد الإمبراطورية العثمانية لتركمان الأناضول.

وقد قال خليل آغا : إن من أهم الزعامات التركمانية وأشهرها في سياق سرد التاريخ الشفهي والمحلي للتركمان هو الزعيم التركماني فيرز باي من قبيلة بايديلي القادرلي (13) وكذلك يعتبر قوجه غانم من قبيلة بايديلي البكمشلي زعيماً قومياً للتركمان في فترة من فترات التاريخ التركماني في المنطقة جولاب الواقع بالقرب من مدينة تل الأبيض.

وبعد قرار الإسكان القسري للتركمان من قبل العثمانيين في منطقة الجولاب والبليخ والمناطق الأخرى بحجج مختلفة حصل اختلاف في الآراء بين التركمان حول قبولهم أو رفضهم لقرارات الإسكان ، وحسب الباحث يالكين وعلى لسان العديد من الشخصيات ورؤساء القبائل التركمانية في المنطقة يقول أحمد مصطفى باشا من قبيلة البكمشلي الحاج علي الذي كان يعيش في قرية طاشلي هويوك التابعة لمنطقة جرابلس بأن الزعيم التركماني فيرز باي رفض الامتثال للإسكان القسري لتركمان بايديلي في منطقة البليخ والجولاب بسبب صعوبة التأقلم والاختلاف في الثقافات واللغة مع أبناء تلك المنطقة التي كانت تسكنها قبائل عربية مثل قبيلة العنزة وقبائل بني سعيد وكذلك قبائل كردية مختلفة.

ويتابع أحمد مصطفى باشا قوله بأن فيرز باي امتعظ من الوضع السائد بين القبائل التركمانية التركمانية من جهة والتركمانية العربية من جهة أخرى في المنطقة بعد الكثير من القرارات التي اتخذتها السلطة العثمانية المركزية وخاصة أنه كان يرى القرار القسري للإسكان منافٍ للحريات والتنقل للقبائل التركمانية الرحل التي تتنقل من منطقة إلى أخرى من أجل مواشيهم من ناحية , ومن ناحية أخرى فإن الحياة المستقرة لا تتماشى مع حياة البداوة والرحل كما عاشها الآباء والأجداد من أسلوب حياة بدوية متنقلة , ومن طرف آخر كان هناك قسم من قبائل بايديلي التركمانية بزعامة قوجه غانم البكمشلي يرون بضرورة امتثالهم لفرمان الإسكان العثماني وإن كانت قسرية وذلك لعدم التصادم مع الحكومة العثمانية المركزية من جهة ، وكلك التخلص من حياة البداوة والترحال من جهة أخرى.
………………………………………………………………………………………..
(13) فيرز باي زعيم تركمان بيديلي ، الذي طلب منه لإعادة التوطين القسري في الرقة ، حيث الاسكان والعيش في صحراء الرقة حيث رجع إلى أتى منه إيران مع قبائل بعض قبائل بيديلي التي كانت تابعة لها.
(14) قوجه غانم من قبيلة بايديلي البكمشلي فخد حاج علي زعيماً قومياً للتركمان في فترة من فترات التاريخ التركماني في المنطقة جولاب بعد رجوع فيرز باي الى خراسان.

يقول الباحث يالكين : إن القبائل التركمانية التي لم ترفض قرار الإسكان قد مُنِحوا أراضي خصبة للزراعة في منطقة الجولاب والبليخ على ضفاف النهر، وكان فرسان التركمان قد مارسوا دورهم في حماية القوافل التجارية وقوافل الحج القادمة من إسطنبول والمدن الأخرى الذاهبة إلى بلاد الحجاز وبلاد الشام واليمن ومصر ، كما أن الفرسان من جميع قبائل البايديلي التركمانية تؤدي واجبها الوطني والقومي في حماية القوافل التجارية والإنسانية وغيرها ، وتؤدب كل من يخرج عن القانون من قطاع الطرق الذين يمارسون السلب والنهب.

ويقول خليل آغا حول إصرار الزعيم التركماني فيرز باي بعدم قبول قرار الإسكان القسري العثماني رغم محاولة الكثير من رؤساء القبائل التركمانية الأخرى :
عندما اجتمعوا بالقرب من منطقة عين العروس على ضفاف نهر البليخ حثوا فيرز باي بقبول قرار الإسكان وعدم الرجوع إلى بلاد الخراسان التي قدموا منها إلى الأناضول ، واحتدم النقاش بين رؤساء القبائل التركمانية في ذلك الاجتماع حول قبول أو رفض قرار الإسكان العثماني ولكن فيرز باي قد أبى وأصر على الرحيل من منطقة الجولاب وعدم قبول قرار الإسكان بالرغم من إصرار وإلحاح جميع رؤساء القبائل التركمانية عليه بعدم الرحيل وعدم تركهم لمصيرهم بين القبائل الأخرى من غير التركمان حتى بلغت به الحال بأن انتزع أحد أطفاله الصغار من السرير وضرب برقبته على غنداق الفرس أي دعسة الخيال على سرج الحصان معبراً أن الأمر لارجعة فيه ، ثم بعد ذلك أمر أسرته وقبيلته بالرحيل فالتحق به قسم من أسرته وجزء من قبيلته القادرلية وساروا نحو الشرق حتى استقروا في الخراسان بعد أن مروا بالعراق لأخذ الطاعة من شاه فارس ، وبقي القسم الآخر من القبائل التركمانية منها قبائل بكمشلي و قره شيخلي وقادرلي وعربلي وقرقين وغوناج وحيدرلي وشرق إيفلي وغيرهم من القبائل بايديلي التركمانية الذين اجتمعوا تحت قيادة وزعامة قوجه غانم البكمشلي الذين لم يرحلوا معه (15).
……………………………………………………………………………………………………
(15) الهيكل السياسي والاجتماعي والثقافي لقبيلة بيديلي من الماضي إلى الحاضر للباحث محمد نوري شاندا

زعامة قوجه غانم للقبائل التركمانية والخلافات بين قبائل المنطقة
في سياق التاريخ الشفهي والمحلي:

من المعلوم أن العلاقات بين التركمان مع محيطهم لم تكن جيدة وخاصة مع القبائل العربية التي كانت تعيش في المنطقة ، ومن الملفت للنظر أن السبب الرئيسي للخلافات والتوترات التي حصلت بين القبائل التركمانية والقبائل العربية هو الإسكان وتقسيم الأراضي في تلك المنطقة بالإضافة إلى الاختلافات الثقافية بين الهيكلين العرقيين كعامل حاسم.
يقول الباحث يالكين : بقرار إسكان (المنفى) الصادر في 21 كانون الثاني (يناير) 1691 ، قرر التركمان الانتقال إلى المنطقة الواقعة بين أورفة والرقة في جولاب على ضفاف نهر البليخ ، حيث تسكن القبائل العربية المهجورة التي لا تعترف بسلطة الدولة .

بدأت عملية الإسكان القسري للقبائل البيديلي التركمانية مع قاضي زاده حسين باشا وانتهت مع يوسف باشا. وتم إعدام بعض رجال القبائل التركمانية الذين عارضوا الهجرة والإسكان القسري، ووقعت وفيات جماعية كثيرة بسبب ظروف الشتاء القاسية في مناطق الإسكان، روى الشاعر الشعبي دادام أوغلو ، الأحداث في الكثير من أبياته الشعرية التي توارثها الأجيال الى اليوم .

تم نفي حوالي ثلاثة أرباع من القبائل التركمانية الذين بقوا في منطقة غازي عنتاب إلى الرقة في عهد السلطان سليمان الثاني بعد هدم وحرق حقول ومنازلهم ، بسبب المشاكل التي كانت تحصل بين هذه القبائل وسكان المنطقة . من المعروف أن حدث المنفى هذا حدثت في نهاية تسعينيات القرن التاسع عشر ,هحيث يعيش أسلاف هذه القبائل في منطقة غازي عنتاب في إصلاحية ، قرقاميش ، نيزيب ، أوغوز إيلي ، بيرجيك ، بوزوفا ، هالفيتي ، سوروج في شانلي أورفا ، بيسني في أدي يامان ، حاجي بيكتاش في نيفشهير ، ويسكنون في قرى أشغي باراق و يوقاري باراق و بيل باراق.

بعد عودة فيرز باي مع بعض من أتباعه الى خراسان , خشي العثمانيون من أن تتسبب الخيام القبائل التركمانية المتبقية والبالغ عددهم 40.000 في مشاكل مع جيرانهم من القبائل العربية والكردية . لم تدم طويلا حتى اشتبك القبائل التركمانية مرة أخرى مع قبائل الطي وقبائل الموالي وميلان العربية وانتصروا عليهم. هنا القبائل التركمانية أيضًا استمروا في التمرد ضد سلطة العثمانية وكانت ذروة التمرد وصلت عندما ذهب بدرأوغلو ، أحد قادة التركمان ، إلى بيرجيك من أجل قضية ، أهانه والي بيرجيك وقتلوه ، ونتيجة لذلك ، أغار القبائل التركمانية على بيرجيك. ومن ثم تم تكليف المصري عباس باشا فيما بعد بالتعامل مع القبائل التركمانية.

بعد أن استقر التركمان في منطقة الجولاب واستوطنوها وأنشؤوا قراهم وبلداتهم في هذه المنطقة والمناطق الأخرى جرت غارات وثارات والسلب والنهب بين قبائل بايديلي التركمانية وغيرهم من القبائل العربية والكردية في تلك المنطقة ، وكذلك جرت بينهم دسائس ومؤامرات ومن ثم ولائم السلام والصلح وغيرها.

ويؤكد أحمد مصطفى باشا كلام خليل آغا بأن الزعيم التركماني قوجه غانم كان متزوجاً من زوجته الخاتون والتي كانت قصيرة القامة ومعروفة باسم كوجك خاتون وله منها أربعة أبناء أكبرهم محمد و جلبي وأحمد وعبد الإله أو عبد الله ، وفي إحدى ليالي الشتاء الطويلة رأى الزعيم التركماني قوجه غانم رؤيا في المنام أن له أربعة أشجار كلها غير مثمرة فاندهش وتعجب منها كثيراً وعندما استيقظ في الصباح قص رؤياه لزوجته وسأل عن تأويلها فأوَّلوها على أن الأشجار الأربعة الغير مثمرة ترمز إلى أولاده الأربعة ، وهذا مما حمله على التفكير بالزواج من امرأة ثانية وبمشورة من زوجته كوجك خاتون التي كانت غير قادرة على الإنجاب بسبب كبر سنها ، فبدأت كوجك خاتون بنفسها بالبحث عن امرأة تليق بزوجها الزعيم قوجه غانم ، فوجدت له خطيبة مناسبة من قبيلة جيس العربية وذلك لتوطيد العلاقة بهذه المصاهرة بين القبائل التركمانية والقبائل العربية وطمعاً في ذرية صالحة ، لأن الزعيم التركماني قوجه غانم خشي كثيراً من الرؤيا التي رأها ، وبهذا الزواج من قبيلة الجيس أنجبت له زوجته علي (حاج علي ) ابن قوجه غانم (15).
………………………………………………………………………………………….
(15) الزعيم حاج علي إبن قوجه غانم البكمشلي الذي اصبح فيما بعد زعيما لقبائل التركمان في منطقة شرق الفرات وريف حلب الشمالي مازال احفادة يعيشون في أكثر من عشرين قرية تركمانية في مناطق جرابلس والباب ومنبج وإعزاز والسفيرة وإدلب.

يقول محمد باشا أحد وجهاء التركمان من قبيلة البكمشلي الحاج علي من قرية هواهيوك التابعة لمنطقة الباب : عندما تصدر قوجه غانم الزعامة مُنِح أبناؤه لأول مرة وعلى رأسهم الابن الأكبر محمد لقب الأمير محمد أسوة بأمراء القبائل العربية التي كانوا من حولهم , فكان قوجه غانم رجلاً عظيماً وسيد قومه وزعيمهم ، فمن لايملك الحلم والفطنة لايستطيع أن يقود القوم ويجنبهم المآسي ويتحمل تبعات كل أمورالقبيلة من محاسنها ومساوئها.
توفي قوجه غانم رحمه الله تعالى ودفن في منطقة الجولاب ولازالت هناك تلة إلى الآن في المنطقة التي تقع بين بلدة سلوك وبلدة حمام التركمان جنوب العزيزية يطلق عليها قبر قوج .
ويعتقد التركمان من قبيلة البكمشلي بأن جدهم قوجه غانم قد دفن فيها لذلك أُطلِق عليها قبر قوج أي قبر قوجه ، ومع مرور الزمن أصبحت تسمى غابرغوج .
ولعل الرؤيا التي رآها الزعيم التركماني قوجه غانم في المنام قد ألهمته قدراً مختلفاً على قومه حيث ذاع صيته وغزواته وشجاعته وكرمه بين القبائل التركمانية والعربية والكردية.

حادثة مقتل الحكمدار العثماني من قبل تركمان الجولاب وتشتت التركمان فيما بعد
في سياق التاريخ الشفهي والمحلي :

وحسب الباحث يالكين الذي التقى مع كثير من أبناء المنطقة عند زيارته لهم لإتمام بحثه فيستمع من محمد مصطفى باشا قصة الحكمدارالعثماني وزيارته للقبائل التركمانية في مرابعهم وحدوث الفتنة والدسائس بين التركمان والحكمدار العثماني الذي أشار على القوم بخطبة إحدى بنات التركمان الجميلات للزواج منها والتي كانت تدعى هدلة , ويتابع محمد مصطفى باشا حديثه حول الحادثة ويشرح تفاصيلها بأن الفتاة المطلوبة للخطبة هدلة في الحقيقة لم تكن فتاة أو امرأة عزباء وإنما كانت زوجة لأحدهم ومن أجمل نسائهم , وعندما قام الحكمدار العثماني بزيارة مرابع التركمان استُقبِل بكل حفاوة وكرم ، وقبل أن ينصرف طلب القرب منهم وذلك بطلب يد فتاة تركمانية للزواج ، وعلى حسب العادات والتقاليد التركمانية طلب القرب والزواج لا ضير في ذلك ولا علة ، فنساؤهم أمهات للأمة التركية وقد أنجبن السلاطين والعظماء ولكن هذا الأمر بدا كالصاعقة عليهم حيث كانت الفتاة المطلوبة متزوجة أصلاً , فطلب أبناء قوجه غانم وكبار القوم من الحكمدار العثماني أن يمنحهم فرصة ووقتاً لتجهيزها في عرس يليق به وبهم ، فأمهلهم أسبوعاً ليجهزوا الاحتفال والعروس هدلة ، وبعدها انصرف الحكمدار العثماني وبقي رجال التركمان في ذهول وحيرة من أمرهم ، طبعاً وكان في قيادة القبيلة بعد وفاة قوجه غانم ابنه الأمير محمد ، فاجتمع مع كبار قومه أولاً ومن ثم مع إخوته عبد الإله و جلبي ولم يحضر أحمد لأنه كان إنساناً بسيطاً ودرويشاً وكان يطلق عليه دالي أحمد , فاجتمعوا لإيجاد حل لطلب الحكمدار العثماني وتداعيات تلك الحلول عليهم وعلى قبيلتهم ، ولكن لم يدعُ أخاه علياً للاجتماع لصغر سنه أو لأنه كان أخاً غير شقيق لهم والذي كان يقيم مع والدته التي كانت من قبيلة الجيس العربية , فجلس الإخوة الثلاث في الخربة للتشاور والتي تسمى إلى اليوم خربة المشاورية واعتبروا طلب الحكمدار العثماني لهدلة هو تحدٍ سافر لهم ولقبيلتهم ، ولا يوجد أي حل وسط لهذه المشكلة الكبيرة ، فعقدوا النية والعزم على استدراج الحكمدار وقتله من أجل الخلاص منه ومن طلبه الغير قابل للتحقيق قطعاً , وبعد أن اتفقوا على الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر لهم ولقبيلتهم أعدوا العدة وتجهزوا للرحيل بعد قتلهم الحكمدار عند قدومه إليهم ، ولما انتهت مهلة الأسبوع وحان الموعد حضر الحكمدار العثماني وأتباعه لأخذ الفتاة المطلوبة والزواج منها حسب العادات والتقاليد التي كانت سائدة هناك في تلك الفترة.

طبعاً كان هناك البعض من أتباع الحكمدار ومن يدور في فلكهم من أبناء المنطقة هم الذين جرُّوه إلى هذه الفتنة والمصيبة فكذبوا عليه ولم يخبروه بأن الفتاة المطلوبة متزوجة من أحد أبناء القبيلة ، وإنما أخبروه فقط بأن هناك فتاة جميلة اسمها هدلة ، لذلك طلب الحكمدار يدها والزواج منها ظناً منه على أنها فتاة غير متزوجة ، وكذلك لم يوضح الإخوة أبناء قوجه غانم الأمر لحكمدار ظناً منهم أنه تحدٍ لهم لما شاع عنهم من الرجولة والبأس في القتال.
جرت حادثة أليمة بالحكمدار بعد أن غُرر به من قبل أتباعه ومن قبل الخونة من أبناء المنطقة حوله الذين كانوا يريدون زرع الفتنة والدسيسة بين أبناء القبيلة ، فكانوا سبباً في مقتل الحكمدار.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة