16 نوفمبر، 2024 3:57 م
Search
Close this search box.

“خيري شلبي” .. يبحث عن فرصة للكتابة في جريدة “القاهرة” !

“خيري شلبي” .. يبحث عن فرصة للكتابة في جريدة “القاهرة” !

خاص – كتابات :

كان الوقت في نهاية صيف 2000، يوم من العمل العادي؛ أظنه كان الخميس، نكون قد انتهينا من تجهيز معظم صفحات العدد، “حمدي عبدالرحيم” وشخص ثالث لا أتذكره وأنا، كنا نجلس نتحدث في أي شيء، انفتح الباب فجأة عن نظارة طبية رأيتها داكنة وشعر أبيض وابتسامة أسنان أهلكها المعسل والسجائر، كل تلك الملامح جعلتني أطابق الصورة بالأصل خلال ثوانٍ أنه: “خيري شلبي”، وفي مكتبي.. شرف كبير، لقد أحببت عالمه منذ قرأت بنهم أيام الجامعة أو بعدها بقليل؛ ثلاثيته وبخاصة (وثانينا الكومي)، وتأثرت جدًا بأحاديثه عن المعسل، ووصفه الدقيق لعالم الكتب والفقر المتبخر عبر هالات دخان المعسل، فضلاً عن قيمته ككاتب بشكلٍ عام، وهممت لاستقباله بصورة تليق به وإن كان تواضعه جعلها مبالغًا فيها بعض الشيء، كان يعرف “حمدي عبدالرحيم”، لم أتوقع بالطبع أنه يعرفني، ربما فقط يعرفني كشخص يُقيم في هذا المكتب، لذلك اعتبرت إعلانه عن معرفته بي وإبداء رأي سريع فيما أكتب شهادة أسعدتني، جلسنا قليلاً وناولني بتواضع أخجلني ظرفًا أبيض مازلت أتذكره، قال لي أنه كتبه لصفحة: “ملامح ووجوه”، التي أشرف عليها في (القاهرة)، وكان هو قد سبق له الكتابة في (الإذاعة والتليفزيون) لسنوات؛ “بورتريه”، عن شخصيةٍ ما، طبعًا فرحت جدًا بأنه جاء بنفسه لـ (القاهرة) وفرحت بالإضافة التي سيحملها اسمه لنا، وأخبرنا بأنه قد تحدث مع “صلاح عيسى” تليفونيًا واتفقا على أن يكتب “خيري شلبي” في (القاهرة)، وقال لي بالضبط: “لقد ذهبت إلى مكتب الأستاذ صلاح فقالوا إنه انصرف منذ قليل؛ لكن فلان – يقصدني – في مكتبه ففضلت أن أتركها معك وأفعل بها ما تشاء”.

المهم سعدت بتلك الهدية التي سيفرح بها “صلاح عيسى”، وفي اليوم التالي زففت له البشرى بأن الكاتب الكبير “خيري شلبي” ترك لنا زادًا رائعًا، طبعًا كنت مغفلاً حين ظننت أن أي شيء يكتبه “خيري شلبي” لابد أن يكون مهمًا، وفوجئت ببرود شديد وكلام فاتر متداخل من “صلاح عيسى” تعليقًا على ما زففته إليه، ومن بين ما قاله ولا أنساه لسخافته: “بس يا جميل خيري عاوز له فترة حتى يدخل في الفورم بتاعنا” – لا تعليق – لأن حكاية “الفورم” سأعود لها في مكان آخر، وأكمل “صلاح”: “طيب أبعت لي ما تركه خيري وسأقرأه”، وبعد يومين شعرت خلالهما بالجرح لأن “صلاح” لم يُرسل للجمع أي مواد من التي تركها “خيري شلبي”، وكنت في تلك الفترة لا أسعد بالحديث أو استطراده مع “صلاح”، لكنني عصرت على نفسي قليلاً من عصير حيادته القلوي وسألته عن موضوعات “خيري شلبي”، فقال إنها طويلة ووصف ذلك بإحدى الكلمات الخمس التي يعرفها من الإنجليزية، قال: “دي لونجر، ومحتاجة إعادة صياغة”، واندهشت من أن العدد التالي لن يٌصدر بأي مادة تركها “خيري شلبي” الذي جاء بنفسه كأي صحافي يبحث عن فرصة، وتلك الفرضية والصورة الخيالية – البحث عن فرصة – أكدها لي “صلاح عيسى” حين قال ردًا على مطلبي بأن ننشر أي شيء لـ”خيري شلبي”، قال: “أصله إظاهر اختلف مع عادل حمودة وعايز فرصة عندنا علشان ينشر ما كان ينشره في صوت الأمة”، وبعد أيام اتصل به “خيري شلبي” فعاتبه “صلاح” على ترك المواد عندي؛ رغم أن الرجل أوضح له أنه لم يكن هناك تجاوز له كرئيس تحرير لأن الاتفاق كان مع “صلاح” ومكتبي كان مجرد مكان ترك فيه المادة لرئيس التحرير، لكن تلك كانت عادة “صلاح” طوال الوقت إذا لم يصدق ولو ليوم واحد أنه رئيس تحرير (القاهرة) وأضاع منا العديد من الكتاب الجادين، وبخاصة “عبدالعليم محمد”؛ وغيره في مركز الدراسات بـ (الأهرام)، و”محمد خالد الأزعر”؛ الباحث الفلسطيني، إذ رغم شهرته وكتابتهم في (الحياة) وغيرها، إلا أنه كان يتعهد أن يعطيهم أقل المكافآت والتي كانت تُعتبر مهينة في بعض الأحيان، تصور أن “عبدالعليم محمد” يكتب مقالاً خاصًا لـ (القاهرة)؛ فيكتب “صلاح” مكافأة: 45 جنيهًا !! وأضف أنت ما تريد من علامات التعجب التي لا توازي إحراجي حين أقول أنني كنت أضيف لبعض الكتاب الجادين قليلاً من راتبي حتى أرفع الحرج قليلاً عنهم. لكنه كان يتخذ موقفًا مسبقًا أصغر ومراوغًا تجاه كل من يأتي للكتابة في (القاهرة) عن طريقي أو عن طريق آخر لا يمر بمكتبه، حتى الذين  كان يحيلهم لي كان يغير موقفه معهم لو توطدت صلتهم بي، رغم أن معظمهم كانوا لا قيمة لهم ومصالحه معهم صغيرة وتافهة ومشاريع نزوات مراهقة لا تناسب سنه..

من كتاب (مثقفون تحت الطلب)؛ للكاتب الصحافي؛ “محمد عبدالواحد”، 2005

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة