خاص: إعداد- سماح عادل
“خليل حاوي” شاعر لبناني.
حياته..
ولد في الشوير في لبنان، درس حتى سن الثانية عشر إلي أن مرض والده، فعمل في مهنة البناء ورصف الطرق، كان كثير القراءة والكتابة ونَظَم الشعر موزون وحر بالفصحى والعامية. تعلم اللغات الإنجليزية والفرنسية، وأتم تعليمه الثانوي بكلية الشويفات الوطنية.
التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج بتفوق، حصل علي منحة للالتحاق بجامعة كامبردج البريطانية، وأخذ شهادة الدكتوراه وعاد إلى لبنان ، وعمل أستاذًا في الجامعة التي تخرج فيها واستمر في هذا العمل حتى وفاته. انتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان عضو في مجلس بلدية الشوير.
الشعر..
شعر “خليل حاوي” ابتعد فيه عن الموضوعات الوصفية، والمعاني والصور المستهلكة ، وامتلأ شعره بثقافته الفلسفية والأدبية والنقدية، وجعل الذات والكون والطبيعة والحياة موضوعَ شعره. اعتمد شعره علي الرموز، حسية ونفسية وأسطورية وثقافية. كما تضمن شعره الرموز المشهدية التي ضمت في قلبها رموزا متعددة ومتوالدة.
أشهر قصائده قصيدة «يعبرون الجسر» التي أصبحت على ألسنة اللبنانيين والفلسطينيين، حين لحن مارسيل خليفة مقطعا قصيرا منها:
يعبرون الجسر في الصبح خفافًا
أضلعي امتدت لهم جسرًا وطيدْ
من كهوف الشرق من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد
أضلعي امتدت لهم جسرًا وطيدْ.
المسكوت عنه..
في مقالة بعنوان (خليل حاوي: المصرح به والمسكوت عنه) كتب “جهاد فاضل”: “لم ينس جيران الشاعر خليل حاوي حتى الآن ذلك المشهد المأساوي المريع الذي شاهدوه صبيحة الخامس من حزيران من عام 1982. فقد استفاقوا من نومهم ليخرجوا إلى شرفات منازلهم، وليتذكروا وقائع ليلة الأمس العاصفة المجنونة التي لم تعرف بيروت مثيلا لها من حيث حدة المعارك والقصف والفوضى التي سادتها. ولكنهم ما كادوا يخرجون إلى شرفات منازلهم حتى فجعوا بجارهم الشاعر خليل حاوي متهاويا على شرفة منزله، وبيده بندقية يبدو للوهلة الأولى أنه انتحر بواسطتها.
يعيد الكثيرون انتحار خليل حاوي لدواع وطنية أو قومية.. فعندهم أن خليل حاوي انتحر احتجاجا على غزو الإسرائيليين للبنان. ذلك أنه شعر بالعار فلجأ، بنظرهم، إلى الانتحار، لغسله. ولعله أراد بهذا الانتحار تنبيه بني قومه وإيقاظهم من غفلتهم. ومع أن آخرين، لا ينفون أثر العام، أو الوطني، كسبب من أسباب انتحار خليل حاوي، إلا أنهم يرون أن انتحار الشاعر كان تتمة منطقية، أو غير منطقية، لخيبات مريرة تجرعها الشاعر من هذه الدنيا، على مدار حياته.
من هذه الخيبات، هناك العام، وهناك الخاص أو الشخصي. وهذا العامل الأخير، كان الأقسى والأشد فتكا في نفسية الشاعر، ولدرجة القول أنه يجب العامل العام أو الوطني ويتفوق عليه. ذلك أن خليل حاوي، منذ فتح عينيه على هذه الدنيا، كان نموذجا حيا للشخصية الشقية المعذبة. فقد مارس، وهو بعد في بداية حياته، ما يصطلح على تسميته بالمهن الوضيعة ومنها مهنة الاسكافي. كما أمضى سنوات عدة معاونا لمعلمي العمار في القرى والأرياف. ووالده نفسه كان معلم عمار. وعندما كبر، عاد إلى المدارس الثانوية ليتخرج فيها ويدخل الجامعة وهو أكبر سنا بكثير من أترابه ورفاقه”.
ويضيف: “وعندما كان يرتبط عاطفيا بهذه الفتاة أو تلك، كان كمن يحاول الاقتراب من الجمر. فالخيبة مرشحة لأن تكون عنوانا لكل حكاياته مع النساء اللواتي أحبهن أو ارتبط بهن، أو فكر بإحداهن كزوجة له. وفي طليعة هؤلاء النساء اللواتي سنسرد حكايات خليل حاوي معهن، تبرز القاصة العراقية المعروفة ديزي الأمير التي أقامت عنده فترة في كامبريدج، خلال دراسته الجامعية العليا فيها، والتي خطبها فيما بعد، ولكن لتنتهي علاقته بها لاحقا نهاية مأساوية.
كما نود الإشارة إلى جرح غائر في نفس الشاعر لم يندمل يوما، يتمثل في موت شقيقته الصغرى اوليفيا في بلدة بوارج قرب شتورة. لم تكن غراميات خليل حاوي لتصمد مع الزمن، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن نساء كثيرات، منهن خطيبته التي لم تتزوجه، ديزي الأمير، كثيرا، سكون في مزاجه المتقلب ومن طباعه التي لا تعرف الاستقرار. فهو ثائر، ناقم، سلبي، على حافة الهاوية دائما. ولعل هذه النفس الثائرة كانت وراء فسخ خطبته أيضا، لا من ديزي هذه المرة، بل من فتاة لبنانية تعرفت إلى خليل عقب عودتها من الولايات المتحدة مجازة في التربية وعلم النفس اسمها عبلة أبي عبدالله.
يعزو شقيقه ايليا حاوي فسخ خطبة خليل من عبلة إلى سبب آخر هو أن خليل الذي كانت تجرفه عاطفته، سرعان ما يصحو فيجد نفسه عاجزا عن تأسيس منزل وإعالة أسرة بسبب محدودية دخله. ذلك أن مرتبه في الجامعة كان محدودا، وظل دائما على هذه الصورة. ولكن لاشك أن وراء كل خيباته مع نسائه هو النفس القلقة من جهة، والنفس الشاعرة من جهة أخرى. فخليل كان يعرف أن كل امرأة يمكن أن تقدم شيئا للشاعر، ولكن تسلبه أشياء. ولأن الشاعر دائما حر وساع لتحقيق حريته، ولأداء واجباته تجاه الشعر، فلاشك أن خليل كان يجد في الزواج عائقا ما. يريد ان يتزوج فيسرع الخطى نحو الزواج، ولكن ليكتشف، قبل أن يثبت في مستتنقع الزواج رجله، أن الزواج ليس سمنا وسكرا، فيتراجع. ولكنه، وقد تراجع، تفيض نفسه بالشجن والبكاء على ما فاته من محاسن العائلة أو الأسرة ومباهجها”.
بندقية..
في مقالة أخري بعنوان (خليل حاوي.. شاعر كتب آخر قصائده ببندقيته) كتب “ثناء عطوي”: “خليل حاوي، الشاعر وأستاذ الأدب في الجامعة الأميركية في بيروت، الذي كتب آخر قصائده ببندقيته. تلك البندقية التي رافقته على مدى 50 عاماً لأغراض الصيد، الهواية الأحب إلى قلبه، كانت مصدر رصاصة الرحمة التي انطلقت نحوه، بعد أن توحّدت آلام الوطن بآلامه الشخصية، وأصبح العيش والاستمرار حالةً مستعصية بالنسبة إليه.
يعود خليل حاوي اليوم إلى الأضواء من خلال “الديوان الأخير”، الذي يضم 19 قصيدة غير منشورة، جمعتها عائلته من دفاتره القديمة، وأعطتها لدار نلسن لتقوم بنشرها.
حاوي الذي عرفته الأجيال الثائرة من خلال قصيدته الأشهر “الجسر”، التي تحوّلت إلى نشيدٍ تصدح به منابر الثوّار الحالمين بالعبور “من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد”، على وقع صوت المغنّي وملحّن القصيدة مارسيل خليفة، يعود بقصائد معظمها من نوع “الغزل المرّ” كما يقول أستاذ الفلسفة الألمانية في الجامعة الأميركية في بيروت، صديق الشاعر الراحل، الذي يتولّى التحقيق في مراجعة قصائده الدكتور محمود شريح.
شريح قال إن الكتاب عبارة عن مجموعة قصائد ظهر بعضها في المجلّات على أثر وفاة حاوي، مثل مجلّة “تحوّلات” التي كان يصدرها بول شاوول وعبده وازن وآخرون. أمّا ما وقع عليه سليمان بختي مدير دار نلسن، فهو جديد، إذ ساهم أقرباء الراحل في إعطائه القصائد، وتولّى جمعها في كتابٍ قدّم له الراحل وجيه فانوس، والشاعر شوقي أبي شقرا، فضلاً عن كلمة الناشر سليمان بختي، والشاعر شوقي أبي شقرا”.
دواوينه الشعرية..
نهر الرماد عام 1957.
الناي والريح عام 1961.
بيادر الجوع عام 1965.
ديوان خليل حاوي عام 1972.
الرعد الجريح عام 1979.
من جحيم الكوميديا عام 1979.
وفاته..
مع دخول الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت في يونيو 1982، لم يتحمل “خليل حاوي” ذلك فأطلق النار على رأسه في منزله في شارع الحمراء في بيروت وفارق الحياة.
قصيدة (جحيم بارد)..
خليل حاوي
ليتَني ما زلتُ في الشارع أصطادُ الذُّبابْ
أنا والأعمى المُغَنِّي والكِلابْ
وطَوافي بزوايا الليلِ،
بالحاناتِ مِن بابٍ لِبابْ
أتَصدَّى لذئاب الدربِ..!
ماذا ؟ ليتَني ما زِلتُ دربًا للذئابْ
وعلى حشرجة الأنقاض في صدري،
على الكَهْف الخَرابْ
يلهثُ الوغدُ بحمَّى رئتَيهِ
بدعابات السكارى، بالسِّبابْ
أنا والدربُ نعاني الليل وَطْئًا وسِبابْ
ليتَه ما لَمَّني من وحلة الشارعِ
ما عوَّدني دفءَ البيوتْ
ويدًا تمسحُ عاري وشحوبي
ليت ما سلَّفَني ثوبًا وقوتْ..
وَنَعِمْنا بعضَ ليْلاتٍ.. تَلاها:
هذيانٌ، سأَمٌ، رعْبٌ، سكوتْ
اَلرؤى السوداءُ، ربِّي، صَرَعتْهُ
خَلَّفَتْهُ باردًا مرًّا مقيتْ
ليت هذا البارِدَ المشلولَ
يحيا أو يموتْ
رثَّ فيه حسُّه،
أعصابُه انحلَّت شِباكًا
مِن خيوط العنكبوتْ
شاعَ في البيت مُناخُ القبرِ: دلفٌ،
عَتْمةٌ، ريحٌ حبيسٌ، وسكوتْ
بِرْكةٌ سوداءُ يطفو في أَساها
وَجْهُه المُرُّ الترابيُّ الصَّموتْ،
ليْتَ هذا البارِدَ المشلولَ
يَحْيَا أو يموتْ
ليته!
يا ليت ما سلَّفني دفئًا وقوتْ.