خاص: إعداد- سماح عادل
“خليفة حسين مصطفى” كاتب وروائي ليبي، من أوائل كتاب القصص والروايات الليبية، واستمر يكتب خلال أكثر من أربعة عقود.
حياته..
ولد “خليفة حسين مصطفى” في طرابلس في 1944، في الشارع الغربي، أثناء دراسته الثانوية، كان يعمل بالتدريس في المرحلة الابتدائية، حصل على شهادة التدريس في التاريخ من الجامعة الليبية في 1967، وعمل في نفس السنة مدرساً في الجامعة، انتقل من التدريس إلى العمل بالصحافة في جريدة أدبية اسمها “الأسبوع الثقافي” كانت تصدر في السبعينيات، وعمل مراسلاً لصحيفة “الجهاد” بلندن، ثم سافر للدراسة إلى لندن، وقد تحسنت لغته ليستطيع قراءة الأدب الإنجليزي والغربي.
الكتابة..
أول قصة قصيرة له نشرت في عام 1967 في مجلة “الإذاعة الليبية”، ينتمي إلى جيل الكتّاب ما بعد الاستقلال، وهو من أحد مؤسسي الرواية في ليبيا، والمساهمين الأساسيين في تطويرها. اختيرت روايته “عين الشمس” ضمن أفضل مائة رواية في القرن العشرين. تنوعت كتاباته في القصص القصيرة جداً والأطفال، الروايات، المسرحيات، النقد، والمقالة.
راهب الأدب..
في مقالة (رحيل ناسك في محراب الكلمة) يكتب عنه “د. أحمد إبراهيم الفقيه”: “سيمضى وقت طويل، إن كان في العمر بقية، لتقع عيناي على كاتب له شفافية وإخلاص وأمانة ونزاهة وصدق كاتب مثل خليفة حسين مصطفي، ولا أبالغ إذا قلت أنه مثال نادر الوجود في عصر التكالب على ماديات الحياة وضغوط الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها أدباء الوطن العربي، حيث لا إمكانية لأن يعيش الكاتب مما يدره عليه إنتاجه الأدبي، ولكن خليفة حسين مصطفى اختار الطريق الوعر الذي لا يقدر على المشي فيه إلا رجال أشبه بالقديسين وأولياء الله الصالحين، اختار أن يعيش ناسكا في محراب الأدب، يصرف جهده له، معطيا ظهره لكل ما تضج به الحياة العصرية من الضغوط والالتزامات والمطالب، يعيش على الكفاف، زاهدا متقشفا فقيرا، لا يداهن ولا يصانع ولا يبتذل نفسه ولا يرضى أن يخدش شرف مهنة القلم التي اختارها واختارته ليكون متعبدا في معبدها”.
ويؤكد: “لم يكن قبل ما أبدعه خليفة حسين مصطفى عطاء يذكر في مجال الرواية، فكان هو الرائد الذي جاء إلى هذه الأرض العذراء، فعزق بريشة الإبداع أرضها وسمد بحبر دواته تربتها, وروى بعرق جبينه الخلاق الشتلات التي غرسها بيدي موهبته والتزامه وصبره وقوة عزيمته لتصبح أشجارا سامقة تعانق الأفق، وهي مجموعة الروايات التي كانت أعمالا رائدة وضعت بلاده على خريطة هذا اللون الإبداعي، ليجد من يأتي بعده، الأرض قد تمهدت وارتوت وتسمدت فيغرس ويجني ثمار الجهد والعرق الذي بذله المرحوم خليفة حسين مصطفي”.
توقيعات على اللحم..
ويحكي عن علاقته به: “رحيل خليفة حسين مصطفى بالنسبة لي رحيل لا مجال لتعويضه، فهو واحد من رفاق العمر، تعرفت عليه منذ مطلع حياته الأدبية عندما جاء إلى مجلة الرواد في الستينيات لينشر إحدى أولى قصصه القصيرة، وفي مطلع السبعينيات ترك مهنة التدريس وانتقل لنعمل معا في صحيفة الأسبوع الثقافي التي أنشأتها وعملت رئيس تحرير لها مع فريق من الأدباء على رأسهم خليفة حسين الذي تفرغ تفرغا كاملا للعمل في هذه الصحيفة الثقافية، يحمل قلمه النزيه، وأسلوبه الجميل، ونفسه العامرة بالصدق والمحبة، ليواكب إبداع المبدعين بالنقد والتعليق، ويتابع المشهد الثقافي الليبي والعربي بمثابرة واجتهاد وإخلاص في سبيل أداء هذه الأمانة، دون أن يتخلى بطبيعة الحال عن مجاله الإبداعي، حيث بدأ، كما بدأنا جميعا بكتابة القصة القصيرة، وكان خليفة حسين مصطفى فارسا من فرسان هذا اللون الأدبي، يكاد يضاهي أعظم مبدعيه في العالم، ولعلني لم انتبه لقوة وروعة وإبداع هذا الكاتب المتميز، وأخذته في البداية على محمل أنه كاتب جديد واعد، إلا بعد أن قرأت قصة مذهلة له، جعلها فيما بعد عنوان مجموعة قصصية هي توقيعات على اللحم، الحقيقة أذهلتني هذه القصة، التي كانت نسيجا وحده فيما قرأته من قصص، الأسلوب المتدفق العامر بالشعر وروح الخيال والفانتازيا، المثقل بالرموز والإيحاءات والعوالم السحرية، التي تتعامل مع واقع فج ، ركيك، وربما مبتذل لا سحر فيه ولكن قوة الإبداع رفعت ذلك الواقع البائس التعيس إلى مستوى الأسطورة وحلقت به في عوالم سحرية”.
جهود ذاتية..
وفي حوار معه أجرته مجلة “شؤون ثقافية” يقول “خليفة حسين مصطفى” عن المناخ الثقافي: “قد يكون من المبالغة أو تجاوزاً للواقع القول بوجود مناخ أو فضاء ثقافي له فاعلية، وتأثير في حياتنا الأدبية والفكرية والاجتماعية، وكل ما له صلة بالإبداع بكل فنونه وأشكاله.
ما هو موجود حالياً وملموس لا يكاد يتجاوز ملتقيات وأمسيات أدبية تقام من حين إلى آخر بجهود ذاتية وهي في الغالب كشبه الموائد التي تعمها الفوضى، يزدحم عليها عدد كبير من الناس، ومع ذلك فإننا نجد أن كل واحد مشغول بنفسه أكثر مما هو مشغولاً بما يجري حوله، وهكذا يمكن القول إن المناخ الثقافي عندنا يعاني من الشتات والفوضى التي تشبه حالة من عمى الألوان، بحيث لم يعد ممكناً التمييز بين ما هو كتابة أدبية ذات أبعاد فنية وما هو ابتذال وتفاهة”.
ويضيف: “فيما يتعلق بالكتاب الأدبي فإن الكتّاب جميعاً يواجهون صعوبات في نشر أعمالهم، ولحل هذه الإشكالية فقد اضطر عدد منهم وخاصة من الأصوات الجديدة إلى نشر كتاباتهم الإبداعية في كتب على حسابهم ونفقتهم الخاصة.
أنا لا أقلل من الجهود التي تبذل في هذه الجهة أو تلك من أجل إحداث حراك ثقافي وبعث الروح في أوصال الحركة الأدبية وإنعاشها أو الخروج بها من حالة الموات والجمود، ولكنها جهود تفتقر إلى التواصل وإلى إستراتيجية، أو برامج وخطط طويلة المدى. فنحن نتحمس للثقافة بعض الوقت وليس كل الوقت وهذا الحماس ما يلبث أن يخبو لنعود مرة أخرى إلى نقطة البداية.
هناك مجلات ثقافية تصدر بالصدفة، وأقلام تكتب بالصدفة، ويبقى الشأن الثقافي كما المعطف الذي نرتديه عند الضرورة دون أن ننتبه إلى أنه قديم أو فضفاض أو أنه لم يعد صالحاً للاستعمال”.
وبالنسبة للنقد يرى أن: “النقد غائب وهو ما أسهم في حالة الفوضى الأدبية، فهناك من يكتب كلاماً يسميه قصة أو رواية، وآخر يكتب كلمات مبعثرة يسميها شعراً، وهكذا نجد أن الأمسيات والملتقيات الأدبية لا تعدو كونها اتجاهات من أجل لا شيء. وهذا اللاشيء هو كل ما تبقى في آخر المطاف”.
فن الإرادة..
وعن مسيرة الرواية لديه يقول: “لقد انصب كل اهتمامي على كتابة الرواية فصدر لي على التوالي رواية “ليالي نجمة” التي تقع في تسعمائة وخمسين صفحة ومن بعدها رواية “الأرامل والولي الأخير” ولديّ رواية تحت الطبع بعنوان “متاهة الجسد”.
إن كتابة الرواية تحتاج إلى التفرغ بحيث يستطيع الكاتب تنظيم وقته وتكريس كل دقيقة فيه للكتابة، وإذا ما تركت المسألة للصدفة أو للظروف أو أن تكون كتابة في الزمن الضائع فإن حصل ذلك فإن الكاتب لا يمكنه كتابة سوى عمل واحد قد يستغرق منه كل سنوات عمره، فالرواية هي فن الإرادة والنظام والمثابرة والسيطرة على الوقت، بحيث لا يكون هناك أي تشويش خارجي أو أي التزامات فيما عدا ما تتطلبه العملية الإبداعية”.
وعن القصة القصيرة يوضح: “لقد توقفت عن كتابة القصة القصيرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، لأنني لم أعد أجد الوقت الكافي للانشغال بالقصة القصيرة إلى جانب الرواية. ومع ذلك فإنه لا يوجد ما يمنع الجمع بينهما ولا أظن أن الكتابة القصصية تؤثر في كتابة الرواية أو العكس، فالإبداع في الاتجاهين واحد، وكمثال على ذلك فإن الكاتب الكولومبي “غابريال غارسيا ماركيز”يكتب الرواية والقصة القصيرة وكذلك الأمر بالنسبة إلى نجيب محفوظ وحنّا مينا وغيرهما من الكتّاب والأدباء”.
الصحراء الليبية..
وعن المشروع الرئيسي الذي يشتغل وقت أجراء الحوار يقول: “منذ ما يقرب من ستة أشهر بدأت كتابة رواية جديدة موضوعها الرحالة الأوروبيون الذين توافدوا على ليبيا من دول أوروبية مختلفة، وبالتحديد من بريطانيا وألمانيا في القرن التاسع عشر. وكان هذا الموضوع يشغل ذهني منذ فترة طويلة، وكان يجب التحضير له بشكل جيّد بالعودة إلى قراءة كل ما كتب عن هذه المرحلة من تاريخنا الحديث، وكل ما يتعلّق بها من أحداث وتطورات على المستويين الداخلي والخارجي وما لاحظته أثناء قراءتي لما كتبوه من مذكرات وأبحاث عن رحلاتهم في الصحراء الليبية، هو أنهم جاءوا تحت ستار البحث والدراسة العلمية والكشف الجغرافي والتعرف على شعوب وأقوام أخرى.
ولكن الواقع الآخر لم يكن كذلك، فقد كانت مهماتهم استعمارية من الألف إلى الياء، فما كتبه الرحالة لم يستفد منه أحد سوى حكوماتهم التي أرسلتهم وقامت بتغطية نفقات سفرهم والمعلومات التي كانوا يجمعونها والخرائط التي يرسمونها تصب في هذا الاتجاه”.
متاهة الجسد..
في مقالة بعنوان (متاهة الجسد.. معانقة الواقع بلغة شعرية وأسلوب سردي مكثف) كتب عن “خليفة حسين مصطفى”: “في روايته السابعة (متاهة الجسد) الصادرة عن مجلس الثقافة العام بليبيا يبدو الكاتب الروائي الليبي خليفة حسين مصطفى أكثر تحررا من أسر التاريخ واهتماما بالواقع المعاصر بكل إيقاعاته ومعطياته ومتطلباته الإنسانية على المستويين الفردي والجماعي. وهذا التوجه الجديد من الكاتب لمعانقة الواقع وسعيه الجاد لتصوير التغييرات والتطورات المتلاحقة التي شهدها المجتمع الليبي في العقود الأخيرة، والذي يأتي بعد انشغاله لفترة طويلة في أعماله الأدبية الروائية السابقة بتسجيل ورصد مراحل زمنية معينة وقديمة من التاريخ الليبى، شملت فترتى الهيمنة التركية والاستعمار الإيطالي، وما أعقبه من تداعيات سلبية شكل النفوذ والسيطرة الأجنبية”.
وتواصل المقالة: “أبرز ملامحها يظهر بوضوح في أسلوب معالجته للمضامين وللقضايا الاجتماعية في روايته كما في تناوله لشخوصها الإنسانية المختلفة والتي تبدو أكثر تحررا في التعبير عن نفسها بعيدا عن التدخل المباشر للمؤلف. الرواية التي تتمحور في مجملها حول علاقة حب قد تبدو غريبة في أجوائها وأسبابها كما في نتائجها، وتربط بين موظف بسيط في إحدى الدوائر العامة وبين زميلته الرائعة الجمال، وتبرز بعمق خفايا النفس البشرية بكل ما يعتمل فيها من مشاعر وأحاسيس متناقضة إلى جانب اهتمامها بتصوير حياة المدينة، وإظهار ما تتسم به من صراع وتنافس من خلال المقارنة ولو جزئيا بينها وبين القرية الوادعة التي يولد ويعيش فيها بطل الرواية قبل انتقاله لاستكمال دراسته الجامعية بالمدينة الكبيرة.
الرواية والتي اتسمت بلغتها الشعرية وأسلوبها السردى المكثف وتنوع شخصياتها شكلت، وبغض النظر عن نهايتها التي تبدو شديدة الغموض، نقطة تحول مهمة في مسيرة خليفة حسين مصطفى على مستوى الأسلوب والتقنية الأدبية، كما على مستوى التوجه نحو تناول قضايا الحياة المعاصرة بكل جوانبها الإيجابية والسلبية”.
وفاته..
توفي في 22 نوفمبر 2008 عن عمر الثالثة والستين عاما، بعد معاناة مع مرض السرطان.