خاص : ترجمة – لميس السيد :
سلطت الصحافة الأجنبية الضوء على المذكرات المصورة للكاتبة الفرنسية, من أصل عراقي موصلي, “بريغيت فينداكلي”، التي نشرت باسم (خشخاش العراق) أو “Poppies of Iraq”، حيث تروي تفاصيل حياتها في العراق منذ مرحلة المراهقة وحتى الشباب وكيف تأثرت بحضارة العراق, وترصد من وجهة نظر امرأة مسيحية أرثوذكسية تعيش في دولة عربية التحولات الثقافية الكبيرة في الفترة بين الستينيات والسبعينيات والاضطرابات السياسية التي دفعت بعائلتها للإنتقال إلى فرنسا.
البكاء على أطلال “مدينة نمرود”..
بدأت “فينداكلي” مذكراتها الحكيمة المفعمة بتفاصيل الحياة، بحسب ما وصفتها صحيفة “الغارديان” البريطانية، من أطلال “مدينة نمرود” التي تقع بالقرب من الموصل, والتي أسسها الآشوريين منذ أكثر من 3 آلاف عاماً. تستحوذ هذه المدينة على مكانة خاصة بذاكرة الكاتبة, حيث كانت تذهب إليها برفقة العائلة في ايام العطلات الاسبوعية بغرض التنزه وكثيراً ما التقطت صوراً تذكارية هناك بجانب الآثار العملاقة التي كانت تحرس قديماً بوابات المدينة الآشورية العتيقة.
ترصد “فيناكلي”, خلال روايتها, التطور الضخم الذي طال تلك المنطقة الأثرية, بداية من انقلاب 1958 في العراق وحتى سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي على الموصل ونمرود وتدميره للآثار، حيث تختتم رواياتها عن حياة عائلتها في العراق بعام 2016، والخروج منه بعد سنوات الحرب والإنتقال إلى باريس والتأقلم على شكل الحياة الفرنسية.
وتؤكد الكاتبة الفرنسية العراقية من خلال مذكرات حياتها في العراق، على أنه أصبح هناك فجوات بين أزمنة الحياة في العراق، تفتح امامها باباً من الحنين بعد إن اصبحت امرأة فرنسية لا تربطها قيود التقاليد والعادات العراقية, ولكنها تعتقد أنها لا تزال غير قادرة على هجر مسقط رأسها, لذا تحاول دوماً التواصل مع اقارب عائلتها الذين انتقلوا من العراق إلى البلدان الأوروبية لأن أصواتهم هي كل ما تملكه منذ ايام العراق.
كتاب متكامل ومثالي..
تقول مجلة “اندر ذا رادار” أن نجاح كتاب (خشخاش العراق) يكمن في تحقيقه الكثير من الأهداف رغم صغر حجمه، من خلال تصميم الكاتبة للمذكرات على شكل رسوم بسيطة وقريبة من القلب تجعل القاريء يتذكر كل مشهد ترويه بإتقان فيما بعد، تحمل الرسوم المصورة لقطات إنسانية عميقة ترصد ما عاناه العراق من تغيرات عنيفة في تكوينه.
رأت المجلة أن مذكرات “فينداكلي” ترسم صورة هامة ومؤثرة للغاية عن بلد في عالم بعيد ذا نوايا مشكوك فيها وربما تاريخ فاسد، إلا أن الكاتبة قلبت ذلك المفهوم رأساً على عقب ببراعة التفاصيل التي أجبرت القراء على الإعتراف بالحضارة الإنسانية لهذا البلد, التي دفعت العراق لآلاف السنين قدماً، وهو ما يجعل عمل (خشخاش العراق) متكاملاً ومثالياً.
ويرى موقع “فلتشر” الثقافي الأميركي أن مذكرات (خشخاش العراق) تحمل لحظات صادمة كثيراً منها ما روته الكاتبة عندما أخبرها والدها أنهم مضطرين لمغادرة العراق في عام 1972، ومحاولة تهدئتها كطفلة وقتها بكلمة لم تتحقق على مدار عقود: “سنعود يا صغيرتي عندما تتحسن احوال العراق !”.
يقول الموقع الأميركي أن تلك الجملة, التي قالها الأب لابنته تحمل في طياتها ألم وسخرية قدر، لأن اليوم الذي قدد تتحسن فيه اوضاع العراق لم يأت بعد ولا يبدو انه آت في ظل الظروف الراهنة.
أبرزت الكاتبة من ناحية أخرى أشياء كثيرة كانت تحبها في حياتها بالعراق, بعيداً عن مخاوفها، وبحسب المجلة، فإن المذكرات تشبه سيرة ذاتية تسحب من يتعمق بها بعيداً وتعصره في أحزان الاحلام المؤجلة.