خاص : ترجمة – بوسي محمد :
في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية في “بيروت”، اشتهرت المدينة بـ”ثقافة المقاهي” النابضة بالحياة التي كانت تستقطب المثقفين من جميع أنحاء العالم العربي، والأدباء والفنانين والصحافيين.
واشتهر “شارع الحمرا”، والذي يعتبر من أهم الشوارع اللبنانية المفعمة بالحياة، يجمع بين تناقضات قد لا تكون موجودة حتى في أرقى شوارع أوروبا، “الشانزليزيه” و”نوتردام”، ، بمقاهي المثقفين والكتّاب والشعراء مع المحال التجارية، خاصة محال بيع الملابس.
و”مقاهي الحمراء”؛ من نوع مقاهي الأرصفة التي كانت تعتبر مركزا للأكاديميين والطلاب والكُتاب والفنانين الذين كانوا يحتسون فيها القهوة العربية يتسامرون ويتجادلون في الليل.
ووفقًا لصحيفة (الغارديان) البريطانية، كانت المقاهي في “شارع الحمرا” قِبلة لكبار الشعراء والكُتاب أمثال: “محمد الماغوط، ويوسف الخال، وأدونيس”، وغيرهم الذين أنتجوا معظم شعرهم على طاولات تلك المقاهي.
شانزليزيه الشرق..
عندما تسير بين أزقته وجنباته، تستنشق رائحة عبير “بيروت” ونسمات عبق الماضي.. فهو الشارع الذي يجمع بين الطابع القديم والأوروبي والأميركي المعاصر.
عُرف قديمًا “شارع الحمرا” بـ”شانزليزيه الشرق”، لا شك أن الزمن نال من هذا الشارع العتيق، لكن لم ينل من روحه الشامية التي ترفرف بين أروقته، فقبل بضعة أعوام كان يضم الشارع عددٍ ضئيل جدًا من الحانات والملاهي الليلية التي تُعد على أصابع اليد الواحدة، مثل “المودكا” و”الويمبي” و”الكافيه دو باريس” و”الهورس شو”، أصبح اليوم عددها يبلغ نحو 40 مقهى.
يعتبر هذا الشارع مقصد للسياح والزائرين، فلا أحد يذهب إلى “بيروت” دون أن يمر على “شارع الحمرا” كي يشعر أنه في قلب “بيروت الخضراء” الجميلة.
لم يختلف على جمال هذا الشارع أثنين ولا أجيال، فزواره من الكبار والصغار والشباب.
في تحقيق أجرته صحيفة (الغارديان) البريطانية، استطلعت فيه آراء الزوار وذكرياتهم مع “شارع الحمرا”، فقد قال “سيزار نامور”، 81 عامًا، والذي كان جامعًا للفنون في الستينيات وكان يتردد عليها غالبًا: “لا استطع أن أنسى ذكرياتي في هذا الشارع، فقد عشت فيه أجمل أيام حياتي، وقضيت فيه وقتًا ساحرًا.. كان معظمه حول رفقائي.. كنا نلتقي هناك بعد الذهاب إلى السينما في المساء، للتحدث ومناقشة الأفكار”.
واستطرد حديثه قائلاً: “لن أنسي طعم القهوة التي كنت أشربها على مقاهي شارع الحمرا، فكانت رائحتها نشمها من على بُعد كيلومترات”.
ويبقى “شارع الحمرا” من الأماكن المتميزة في “لبنان”.
خبراء صناعة القهوة يحيون ثقافة المقاهي مجددًا..
بعد أن كان “شارع الحمرا” مكتظ بالمقاهي الممتدة على طول جانبيه، اختفت فجأة وأصبحت أثر بعد عين وحل مكانها الفنادق والمتاجر مع قليل من المطاعم التي لا تحمل “نكهة المقاهي”، التي تجمع بين النمط الشعبي والراقي في آن واحد.. لذا قرر خبراء صناعة القهوة من الشباب أن يعيدوا أمجاد ذلك الشارع بنشر “ثقافة المقاهي”، ويتطلعون إلى استعادة جزء من ذلك الماضي.
وتقول “داليا جفال”، الشريكة في “مقهى كالي”، والبالغة من العمر 31 عامًا، في “مار ميخائيل”؛ وهو حي في شرق بيروت: “قررنا أن نُيعد أمجاد شارع الحمرا بصناعة قهوة مميزة لاستقطاب الفنانين والمثقفين من جديد برائحة القهوة”.
وعن سر حرصها على اقتناء مقهى في هذا الشارع، في الوقت الذي غاب صيته، قالت: “شعرت أننا بحاجة إلى تناول قهوة حلوة مثلما كنا نرتشفها قديمًا على مقاهي هذا الشارع”.
ويستهلك “لبنان” كميات أكبر من القهوة، أكثر من أي مكان آخر في الشرق الأوسط – حوالي 4.8 كغم لكل فرد سنويًا – وفقًا لـ”منظمة القهوة الدولية”. فاستهلاك “المملكة المتحدة” هو 2.8 كغم للشخص الواحد.
ويأتي معظمها في “لبنان” على شكل “قهوة عربية”، وهي تشبه الكعك التركي الصغير، وهي سائل سميك أسود حلو ومغلي على موقد، متبل بـ”الهيل”. يتم تقديمها إلى الضيوف الزائرين على صواني مزخرفة في المنازل، أو بشكل غير رسمي في المكاتب. عندما يتم الإنتهاء من إرتشاف القهوة، تشكل الأرضية الدقيقة مادة أسفل الكأس تكون لزجة وحبيبية، والتي يقول البعض إنها يمكن أن تخبرك بثروتك المستقبلية وتستدل من خلالها على شكل حياتك القادمة..
لطالما أشتهر “لبنان” بالقهوة العربية. “مقهى يونس”، في “الحمرا”، هو مؤسسة بيروت التي تمارس الأعمال منذ عام 1935.
وفي حين أن هذا النوع من القهوة له مكانة خاصة في قلوب معظم اللبنانيين، فإن عملية التحميص تشمل حرق الفول الذي يسلبه بعض النكهة، كما تقول “جفال”.
في السنوات الأخيرة، اكتسب جيل متنقل متنامي دوليًا من الشباب اللبنانيين المذاق لقهوة “أسبريسو” ذات جودة عالية، وقد خاب ظنهم بالخيارات في الوطن.
تقول “جفال”: “كنت أعيش في الخارج وأعود، وأقضي بضعة أسابيع هنا، وأتوق إلى الأشياء الجيدة”.
وتعلم العديد من خبراء صناعة القهوة في بيروت، وهم من المقاهي الحديثة الراقية، أعمالهم الحرفية في محمصة “كالي”.
“مقهى رشفة”، التي افتتحت العام الماضي، أسسها “عمر جهير”، 39 عامًا، الذي حصل على مذاق القهوة المتخصصة خلال العشرين عامًا التي عاشها في “أستراليا”.
هؤلاء الشباب أرادوا أن يعودوا إلى أيام مجد ثقافة بيروت، توضح “جفال”: “أنا أشعر بالحنين إلى هذا المقهى اللبناني التقليدي، حيث يلتقي الناس من جميع أنواع الخلفيات حول رشفة من القهوة. أريد أن أعيد بناء تلك الثقافة”.