19 ديسمبر، 2024 3:49 ص

حين تصمت الفراشات رغما .. في رواية ليلى العثمان

حين تصمت الفراشات رغما .. في رواية ليلى العثمان

قراءة – سماح عادل :

في رواية “صمت الفراشات” للكاتبة الكويتية ليلى العثمان، يشكل الصمت محور الرواية.. صمت المرأة في مجتمع يستعبدها، والذي يبدأ منذ طفولتها وحتى الممات.. صمت مفروض عليها إزاء كل مظاهر الظلم والقهر، ومن ترفض حصار الصمت تواجه بردع شرس قد يفقدها حياتها.

الصمت.. عندما يكون لعنة

ليلى العثمان

البطلة “نادية” عمرها 19 عاماً يزوجها والدها من ثري مسن، خوفاً من بطشه لأنه يعمل لديه، وتفاجأ منذ الليلة الأولى بـ”لعنة الصمت” التي فرضت عليها رغم انتهاكها، فقد اغتصبها عبد زوجها “عطية” بأمر من زوجها.. كما تعرضت لاغتصاب على يد زوجها نفسه لمده أربعة أعوام حبسها فيها في قصره الفخم وفرض عليها الاستسلام، حتى وصل الأمر إلى جلدها وتعذيبها وبعد أن نجحت في الهرب منه لم ينصفها أهلها.. ورحمها موت زوجها “نايف” لتنقلب حياتها وتصبح صاحبة التصرف في شؤونها، فقط لأنها ورثت المال وأصبح أهلها يعطونها قيمة.

.. ويتحول ليصبح إجباري

أكملت تعليمها وحاولت الاستقلال لكن أهلها ظلوا يفرضون رعايتهم بحكم قواعد المجتمع، لتواجه أصناف أخرى من الرجال الذين طبعتهم القيم الذكورية بطباعها.. “جواد” أستاذها المتزوج من أجنبية والذي يوهمها بالحب ليتمتع بها كمحظية، ثم تجد نفسها وبدون منطق تحب “عطية”، ذلك العبد الذي تحرر بموت سيده، وأشفقت عليه وجعلته يعمل لديها، ورغم سكوت أهلها عن اغتصابها من قبل العبد إلا أنهم يقاومون بشراسة حين تنتوي الزواج منه، وتجد نفسها في “صمت إجباري” من نوع آخر حين يصيبها مرض في أحبالها الصوتية وتظل صامتة لفترة من الزمن.

يرفض عطية الزواج منها رغم استعدادها لمقاومة الأهل والأعراف، ليثبت هو حريته رغم استعباده طوال حياته.

كشف عورات المجتمع

تكمن أهمية الرواية في فضح المجتمع الكويتي بتناقضاته.. “استرقاق العبيد” تلك الظاهرة التي انتهت من العالم منذ زمن، واسترقاق النساء أيضاً، في مجتمع تستفحل فيه الذكورية لتبلغ أقصى مداها، والتفاوت الطبقي الهائل الذي يسمح لأغنياء باستعباد الفقراء أيضاً، كما كشفت عن مظاهر أخرى للقهر مثل “زنا المحارم” حين اغتصب الأخ أخته “عائشة” وهي تلميذة لدى “نادية” التي عملت فيما بعد مدرسة، ولم ينقذها أحد لأن سلطة النساء بيدي زويهم، حتى اضطرت للانتحار، كما أن السرد في الرواية حاول كسر تابوه الجنس وتناول تفاصيل تخيل “نادية” لعطية بمزيد من الجرأة.

كما رصدت الرواية  قصور الأثرياء الذين يتزوجون عدداً من النساء بما يتفق مع الشرع، ثم يسترقون الخادمات كـ”ملك يمين” ليمارسون معهم جنس مريض يبعث على التقزز، واستطاع السرد أن ينفذ بعمق إلى دواخل نادية والتي تعد نمطاً للمرأة المقهورة التي تسعى لتحقق ذاتها وتكتشف تميزها في ظل قهر مضاعف لا تتحرر منه إلا بصراع طويل.

البطلة الرئيسية هي “نادية” التي تتحدث بضمير المتكلم، تروي معاناتها بتسلسل زمني بتقنية “الفلاش باك”، حيث تعود للزمن الماضي تحكي عن زواجها ثم تعود للحاضر، وتحكي عن باقي الشخوص، أمها السورية التي تزوجت أباها الكويتي عن حب، و”عطية” وكيف تجاوز استعباده وتعلم القراءة والكتابة ومهن أخرى.. كما رصدت حكايات أخرى لنساء على هامش الرواية.

ليلى العثمان

يذكر أن الكاتبة أيضاً لها تاريخ من النضال ضد القهر السلطوي، فقد ولدت “ليلى عبد الله العثمان” في الكويت 1943 لأسرة كبيرة هي عائلة العثمان ووالدها “عبد الله العثمان” شاعر وأحد الرجال المعروفين بالكويت.

بدأت محاولاتها الأدبية وهي طالبة، ثم بدأت النشر في الصحف المحلية منذ عام 1965 في القضايا الأدبية والاجتماعية، أصدرت العديد من المجموعات القصصية والروايات التي ترجمت بعضها إلى لغات عدة، مثل الروسية والايطالية والانكليزية، كما اختيرت روايتها “وسمية تخرج من البحر” ضمن مائة رواية عربية في القرن العشرين وترجمت إلى الايطالية، كما أعـدّت ليلى العثمان  وقدمت البرامج الأدبية والاجتماعية في أجهزة الإعلام سواء في الإذاعة أو التليفزيون.

كانت لها نشاطات كثيرة ككاتبة داخل الكويت وفي الدول العربية وتولت مهام “أمين سر رابطـة الأدباء الكويتية” لدورتين لمدة أربع سنوات، وتحولت روايتها “وسمية تخرج من البحر” إلى عمل تليفزيوني شاركت به دولة الكويت في مهرجان الإذاعة والتليفزيون – القاهرة، وقدمت الرواية ذاتها على المسرح ضمن مهرجان المسرح للشباب عام 2007.

من أعمالها: “امرأة في إناء” مجموعة قصصية 1976، “الرحيل” مجموعة قصصية 1979، “في الليل تأتي العيون”، مجموعة قصصية1980، “وسمية تخرج من البحر”، رواية 1986، “فتحية تختار موتها”، رواية 1987، “صمت الفراشات”، رواية 2007، “حلم الليلة الأولى”، رواية، 2010.

حكم عليها بالسجن لمدة شهرين عام 2000 بتهمة نشر كتاب يتضمن “عبارات مسيئة للدين وخادشة للحياء العام” بحسب المحكمة، وتم إسقاط ذلك الحكم فيما بعد، واستعيض عنه بالغرامة المالية، مما يعني تثبيت تهمة خدش الحياء إنما مع عقاب مخفف نسبياً.

 كما أثارت ضجة في الكويت بسبب كتاباتها وتم منع نشر آخر رواية لها بأمر قضائي عام 2006، ورغم التقدير الذي تحظى به في الوسط الثقافي الكويتي والعربي وفوزها بالكثير من الجوائز، لا تزال كتبها ممنوعة، ستّة كتب ممنوعة في الكويت حتى الآن، على الرغم من أنها تباع في السعودية، وأشهر تلك الكتب رواية “العصعص”، ورواية “المحاكمة”.

في عام 2004 خصصت الكاتبة جائزة أدبية تحت مسمى “جائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية”، تقدم للمبدعين الجدد من الشباب الكويتيين من الجنسين، كل عامين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة