16 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

حواريَّة الخطاب الأيديولوجي في الرواية العربية رواية “السلفيِّ” نموذجًا

حواريَّة الخطاب الأيديولوجي في الرواية العربية رواية “السلفيِّ” نموذجًا

 

خاص: قراءة سماح عادل:

معنا اليوم دراسة “حواريَّة الخطاب الأيديولوجي في الرواية العربية.. رواية السلفيِّ لعمَّار علي حسن نموذجًا” للكاتب د. هاني إسماعيل محمد إسماعيل أبو رطيبة، أستاذ الأدب والنقد الحديث المساعد، قسم اللغة العربية- كلية الآداب، جامعة بني سويف.

يعرفها الباحث في بداية الدراسة بأنها: “تعد هذه الدراسة النقدية لرواية السلفي لعمَّار علي حسن معالجة سوسيو نقدية، تتم في ضوء الارتباط بين الرواية/ الخطاب Discourse، والسياق الحواري الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. متبنية رؤية “كارل بوبر” في تصنيف المجتمعات الإنسانية”.

مؤكدا على: “تكشف الدراسة أن الرواية عبر مجتمع نصها، عبَّرت عن عالمين متناقضين متصارعين فيما بينهما، أنتجا من خلال هذا الصراع مجموعة من الأيدولوجيات التي غيَّرت من تركيبة المجتمع وثقافته، وترصد الدراسة محاولات تأميم الفكر وتدجينه التي سيطرت على فكر الأيدولوجيات السائدة مجتمعيًا، التي أنتجت بدورها ثقافة رفض الآخر وتضخيم الذات، وسيطرة الرؤية الواحدة، التي أسهمت في تنامي العنف الأيديولوجي داخل المجتمع الواحد، وتوجيه الفكر والثقافة والدين للمصالح الضيقة”.

وتهدف الدراسة إلى: “إبراز دور الرواية العربية المعاصرة في مناقشة كافة القضايا الاجتماعية والسياسة والاقتصادية ووقوفها في الصدارة لمواجهة الفكر المتشدد عبر خطابها الفكري. فقد حاولت الدراسة، من خلال تبنيها لرؤية كارل بوبر للمجتمعات، أن تكشف عن حوارية الخطاب الأيديولوجي في روايات الحقبة العربية، وعن الرؤية  الكامنة خلف التجلي الأيديولوجي في السرد الروائي، في رواية السلفي، فهذه الدراسة تسعى جاهدة للكشف عن المضامين الفكرية والأسس الأيديولوجية التي انطلقت منها الرواية لتؤسس للصراع الأيديولوجي المحتدم داخل مجتمع النص، ومجتمع الواقع، ودور الراوي في إبراز هذا الصراع دون التدخل المباشر، وسعيه لالتزام الحيادية في العرض السردي”.

نسق سردي مختلف..

وتفصل الدراسة عن الرواية نفسها: “انفردت هذه الرواية بنسق سردي مختلف، جمع بين الحوارية والمونولوجية في آن واحد، وهذا الجمع هو الذي خفف من حدة الجنوح نحو أيديولوجيا بعينها والانتصار لها، عبر النص وشخوصه، وأضفى عليها سياقًا سرديًا مبدعًا، استطاع أن يكشف عن تلك التغييرات الأيديولوجية التي اجتاحت المجتمع المصري خلال الحقبة التاريخية، التي سعت الرواية للوقوف أمامها بتأمل فكري عميق، لاستجلاء المسببات الحقيقية، لهذا التغيير الأيديولوجي الحاد الذي أصاب ثقافة المجتمع المصري وأيديولوجيته المتجذرة في أعماق التاريخ، وحولها لمجموعة من الأيديولوجيات المتصارعة التي تبدو أحيانًا في ظاهرها نتاجًا طبيعيًا للاختلاف الإنساني، لكن العمق الفكري يكشف حقيقة التشظي المجتمعي الواضح، وحالة الانفصام النفسي التي تجتاح شخصيات الرواية”.

أقسام الدراسة..

قُسِّمت الدراسة لعدة مباحث هي:

المبحث الأول: الراوي وصراع الأيديولوجيات.

المبحث الثاني: الأيديولوجيا السياسية ومجتمع النص

المبحث الثالث:  الميثولوجيا الصوفية ومجتمع النص.

المبحث الرابع: الحضور والغياب.. أيديولوجيا الوطن.

المبحث الخامس: أيديولوجيا الفقر “الإفقار المتعمد”.

المبحث السادس: أيديولوجيا العنف.

الأيديولوجيا السياسية ومجتمع النص..

تحت عنوان الأيديولوجيا السياسية ومجتمع النص  تتحدث الدراسة عن دور الأدب اجتماعيا: “يستطيع الأدب من حيث هو شكل نوعي متميز من الإنتاج النظري أن يلعب دورًا في إطار الصراع الأيديولوجي. حيث أن للأدب دورًا وظيفيًا في عملية التضليل أو في عملية التصويب “اللاتضليل” وهذا ما يسميه “غوركي” بالدور المحرض للأدب. أي الأدب كوسيلة تنوير وتوعية سياسية، وهذا الدور يمكن أن يكون مهمًا في فترة تاريخية محددة.

أي فترة الانتقال من نظام إلى نظام آخر يناقضه فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا. فالأدب الطبيعي يجب أن يعبر عن مهام ومتطلبات فترة تاريخية محددة ويساعد من كونه أدبًا على فهم وحل هذه المهمات، أي تنوير الجماهير وتحريضها وهذا ما يسميه بريشت بزمانية ومكانية الأدب”.

ثم تصف الدراسة الرواية موضوع البحث: “ومن هذا المنطلق يستطيع البحث أن يُعدَّ رواية السلفي محاولة تنويرية للجماهير تساعدهم على اتخاذ موقف إيجابي تجاه الدولة والحياة والواقع بكل معطياته، خاصة وأن الرواية قد كتبت وظهرت في فترة تحولات كبيرة في الدولة المصرية والمجتمع المصري، هذا التحول الذي لا يزال يُحدث نقاشًا فكريًا حادًا أو صراعًا فكريًا عنيفًا.

لذلك استهلت الرواية أيديولوجيتها السياسية بعرض لواقع مجتمعي متغير يعبر عن رؤية سياسية، لم يشأ النص الروائي أن يقحم نفسه فيها، واكتفى بالتلميح دون التصريح، محاولا أن يوظِّف فطنة قارئه لفهم فضاء النص وما يريد النص البوح به. “لم تكن البيوت هكذا قبل أن يولد أبوك، كانت من الطين الأسود مثل لحيتك الكثة ومع ميلادك أنت، يا ولدي خلخلها الفلاحون الذين ترعى في أكبادهم المهترئة وحوش كاسرة لا أحد يرى أنيابها فأسقطوها فوق تعرجات الشوارع القديمة وأقاموا مكانها غابات الإسمنت المتجهمة، التي يتعانق فيها الصهد والصقيع، وتكاد تحجب عن أرواحنا شمس العصر الأليفة”.

إن الأيديولوجيا السياسية المسكوت عنها داخل النص الروائي يعكسها ذلك التغير الذي طرأ على القرى المصرية التي تخلت تدريجيًا عن أصلها الثابت، الهادئ، المريح، إلى الجديد العابس، القاتل، الذي يعكس الحرارة والبرودة ولا يحمي النفس من الوجع والقسوة، إن الرؤية هنا توضح ما طرأ على الفلاح المصري الذي راح يتخلى عن بيته الطيني/ التراث، الأصالة الأخلاقية، إلى غابات الإسمنت المتجهمة/ القسوة، العنف والتشدد، هذا التشدد والقسوة اللذان منعا عنه روح التسامح والقيم، ولتعميق الأيديولوجيا السياسة ربط النص بين ذلك التغير وميلاد الابن/ السلفي/ التشدد،”.

وتواصل الدراسة عن الفترة الزمنية التي تناولتها الرواية: “هذا الميلاد الذي يواكب حقبة ستينيات القرن الماضي التي شهدت انهيار الحلم القومي المصري على أعتاب الهزيمة المذلة في يونيو عام 1967م، تلك الحقبة التي أعقبها ذلك التحول الشديد في السياسة المصرية، فبعد عبد الناصر وتوجهه القومي العروبي، جاء خليفته السادات ليمحو آثار تلك الحقبة القومية، ويتوجه توجهًا جديدًا منفتحًا على الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، عقب انتصار عام 1973م كانت هذه السياسات القومية العروبية والمنفتحة على الغرب هي التي أنتجت حالة الفلاح المصري المزرية “أكباد مهترئة” ، “وحوش كاسرة” ففي هذه الحقب عرفت الأمراض طريقها للفلاح المصري، في ظل تدهور تام أو غياب شبه تام للمنظومة الصحية الحكومية، كما أن ربط النص بين ميلاد الابن وتغير ملامح القرية المصرية، وانتشار الأمراض يشي إلى أيديولوجية النص المعارضة لسياسات السادات بصفة عامة، وبصفة خاصة إحيائه للتيار الديني في مواجهة الاشتراكية الناصرية، التيار اليساري”.

الخطاب الأيديولوجي..

وعن الرؤية الأيديولوجية تقول: “تشير الرؤية الأيديولوجية إلى ذلك الصراع القوي الذي نشأ في الجامعات المصرية، في أوائل عصر السادات بين اليساريين والإسلاميين المتشددين انتهى بهيمنة التيار الإسلامي المتشدد على المجتمع ونشره لأفكاره المتشددة التي تشبه في قسوتها “لحيتك الكثة” الأمراض التي تغلغلت في جسد الوطن والمواطن المصري “وحوش كاسرة”.

إن الخطاب الأيديولوجي في الرواية يقوم بتقسيم كل شيء وتثمينه وتقسيم كل صفة أو مرجع إلى علاقتين متعارضتين الأولى إيجابية والثانية سلبية،  إيجابية تتمثل في تأميم الدين، هذه التي قام بها عبد الناصر في فترة حكمه لمصر، والأخرى تتمثل في تدجين الفكر والدين التي قام بها أو سعى إليها السادات في ظل إدارته للمأزق الحضاري والفكري الذي مر به في أولى سنوات حكمه، فتوجه إلى التيار الديني ساعيًا إلى تدجينه وتوظيفه لمصلحته، فالنص يقف بنا أمام أيديولوجيتين سلطويتين حكمتا مصر خلال ثلاث حقب زمنية من القرن الماضي، اعتمدت الأولى عملية تأميم الفكر والحياة السياسية بصفة عامة والدين بصفة خاصة، والثانية، اعتمدت عملية تدجين للفكر والحياة عامة والدين خاصة، وكانت النتيجة للأيديولوجيتين واحدة وهي تسطيح الفكر والحياة، وغياب الرؤية الإدارية الناجعة للدولة”.

العمدة حيدر..

وتواصل الدراسة التفسير: “كانت أولى هذه المحاولات التي يرمز بها النص الروائي لأنظمة الحكم في مصر ورؤيتها تجاه الفكر والثقافة والدين ورجالاتهم، صورة العمدة حيدر، الذي يمثل سلطة الدولة والحكم ومحاولته ترويض الشيخ غندور ليحصل على ما يريد منه، إخراج الكنز المطمور في باطن الأرض، إن هذه الصورة الرمزية في الرواية تعكس محاولة تزاوج السلطة والدين عبر وسائل مختلفة إما تأميمه أو تدجينه” أما العمدة حيدر فله في أيام عربدته مع غندور حكاية لا تنسى فذات ليلة أخذه وصعدا إلى الجبل سعيًا وراء كنز ثمين أنبأه تجار الملح أنه مطمور تحت صخرة عملاقة انفلتت من الجبل الشرقي.
تكتمل الرمزية الأيديولوجية عندما تكشف لنا الرواية عن طبيعة غندور هذا الذي ارتبط بالعمدة حيدر/ رمز السلطة الحاكمة في الرواية،  “لم يكن غندور عرافًا أو ساحرًا فقط يا ولدي بل يحفظ نصف القرآن أو ثلثه ويطلق صوته في القرى في المآتم” يشير النص إلى السلطة الحاكمة في مصر، تلك السلطة التي لا ترتبط إلا بأنصاف العلماء والمتعلمين وتصنع منهم عبر أجهزتها الأيديولوجية مشاهير تصدرهم في كل مشهد لها، وتضمن في نفس الوقت ولاءهم والسير في ركابها، فهم في حقيقتهم ليسوا بعلماء ولا مفكرين إنما هم واجهة سلطوية صنعتها السلطة لتؤسِّس لممارستها الأيديولوجية المختلفة من علمية واجتماعية واقتصادية ودينية؛ ولتوظفهم لخدمة مصالحها وأسلوبها في إدارة الدولة.

ترصد الرواية التقارب الشديد بين عبد الناصر والشعب من خلال وصفها لمشهد تنحِّيه عقب هزيمة يونيو 1967م وفي صورة مختلفة تمامًا تعكس رؤية النخب اليسارية من السادات، وكأنها تميل إلى الرؤية الأيديولوجية التي سادت في عهد عبد الناصر، لكن الرواية لا تتعمق في الدفاع أو تأييد تلك الرؤية، وتكتفي بذلك المشهد الذي يعكس صدى الرؤساء لدى شعوبهم ونخبهم.

تعاطف النص الروائي أو هكذا أراد أن يبدو كي يثير التساؤلات داخل القارئ للتفاعل الإيجابي ولمزيد من إنتاج الدلالات المتعددة التي تثري النص. “وقفت أمامه وسألته مالك؟ مد يده وأخذ يد الصغير واحتضنه بقوة وقال له: ليتني كنت صغيرًا مثلك لتشرد عني مراراتي سريعًا، لم يفهم لكن حين عدت إلى بيتنا ، فسرت للصغير ما جرى وقابلنا أبي وهو يمسح دموعه ويقول: عبد الناصر تنحى عن الحكم”.”.

لحظة فارقة..

تؤكد الدراسة إن: “الرواية تقف عند لحظة فارقة في تاريخ مصر،؛ لترسم صورة بكاء مواطنين على تنحي رئيسهم عقب هزيمته في الحرب، لكن الرواية تترك التأويل للمتلقي؛ ليعيد إنتاج أيديولوجية النص الروائي المسكوت عنه، ويتفاعل إيجابيًا مع النص، لقد قصدت الرواية أن توضح لنا أن الوفاة الحقيقية لعبد الناصر كانت يوم هُزم في يونيو 1967م، ذلك اليوم الذي تحطمت فيه آمال الأمة وطموحها فجأة وفقدت الثقة في ثورة يوليو 1952م ، تلك الثورة/ الحلم التي قادها عبد الناصر، ولأجل ذلك الحلم تحمَّل الشعب المصري كل صنوف القهر والتراجع في كافة مستويات الحياة الاجتماعية والاقتصادية. كانت آمال الشعب المصري عريضة لذلك كان الحزن موجعًا حقًا.

لقد أنتجت هزيمة عبد الناصر ضياع الحلم، حلم التقدم والنهضة والقومية العربية، أنتجت الهزيمة الهجرة والغربة داخل الوطن وخارجه، والفقر والألم والانفصام النفسي داخل الشخصية المصرية، في حين أثمرت هزيمة السادات الإدارية وغياب الرؤية: العنف والدم الذي اكتست به حقب مصر التالية، والتي أدت إلى رحيله هو بيد من وظَّفهم لخدمة مصالحه ومغامراته السياسية غير المدروسة” لكن السادات لم يعذِّبه الندم طويلًا فقد نزف ندمه بين جنوده وبدت الحياة ملونة بلون الدم والانكسار “إنها طريقته في المشي التي لازمته منذ تلوَّن المشهد العريض بدم السادات ودم جنود الأمن المركزي الذي قتلهم أصحاب اللحى الكثة عند مديرية أمن أسيوط”.

وفي الخاتمة استعرضت الدراسة فيها أهم نتائجها المتمثلة في أن الإنتاج الأدبي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأيديولوجيات السائدة في المجتمع، ويعد تعبيرًا عنها، حتى وإن بدا ظاهريًا غير ذلك.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة