12 مارس، 2024 6:15 م
Search
Close this search box.

حنان كمال.. أحال الألم قلبها لكريستاله من نور

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“حنان كمال” شاعرة وفنانة تشكيلية مصرية، تخرجت من كلية الإعلام جامعة القاهرة في عام 1995، وعملت في أكثر من صحيفة ومواقع وفضائيات عربية، وارتبط اسمها في تجارب صحفية مهمة كتب لها النجاح، منها الإصدار الأول لجريدة «الدستور». وصدر لها ديوان شعري بعنوان «كتاب المشاهدة»، 2018.

هي من مواليد ‏15 ديسمبر 1973، متزوجة من الصحفي أحمد نصر الدين، ولديهما 3 أطفال، أصيبت بسرطان الثدي من، شفيت من مرض السرطان، وأصيبت به مرة أخرى. أصيب زوجها في حادث سير في 2011، أدى إلى إصابته بغيبوبة، وتدهور حالته الصحية، وسط دعم زوجته له، التي علمت بإصابتها بالسرطان بعد مرضه.

حيل للصمود..

تقول “حنان كمال” في بوست لها على حسابها على “فيسبوك”: ” ينتابني اليأس أحيانا فأتذكر “حتى إذا استيأس الرسل” فأعود لأذكر نفسي بما اعتبرته وعد من الله بالنجاة، أنا في أشد حالتي الصحية سوءا، لم أمر بهذا الوهن من قبل، وإذا كان ثمة ما يأكل روحي فهو إحساسي بالضياع في هذا الوهن، أمارس حيلا كثيرة للصمود.. لكن يبقى أهمها أنني أنام كثيرا وكأنني امضغ الوقت كي ينتهي،إلى أي مسار المهم أن ينتهي الألم والوهن والتجربة، أحدث كبدي أعتذر له عما سببته له بالغضب المكتوم الذي مارسته طويلا وأطلب منه أن يفيق كي نحيا معا. أتصور النور الإلهي ينفد لجسدي فينظفه من المرض، أحلم بأشياء جميلة، بيت كبير بحديقة، أتصفح إعلانات البيوت بلهفة متى أكون قادرة على فعلها، أحلم بالسفر هنا وهناك وبأن أعاود الطبخ لأبنائي الذين يعترضون دائما على طبخ المساعدة المنزلية، وبأن أقرأ كل الكتب الراقدة في مكتبتي، أحلم بلوحات لم أعد قادرة أن أرسمها، أقول لنفسي أن هذا تأثير الدواء وما أن تنتهي هذه الرحلة فسأعود الطفلة قوية البنيان كما كنت، وحدها الموسيقى تؤنسني لأنها تنساب إلى مسامعي دون جهد مني، ومحبة أصدقائي الذين بكوا بالأمس لأنهم افتقدوا حضوري معهم، وأقول لهم  ستأتي أيام جميلة ولابد سنكون فيها معا”.

الاستمتاع بالحياة دعم..

في مقال بعنوان “عن الدعم أتحدث” تقول عنها “مروة رخا”: “كانت “حنان كمال” صديقة افتراضية على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي. لم أعرفها ولم أعرف عن حياتها شيء إلى أن قرر الموقع إظهار صورة لها وأنا أتصفح الموقع. كانت صورة تختلف عن أي صورة رأيتها في حياتي؛ امرأة تضع أحمر شفاه ورسمت عينيها بكحل ملكات الفراعنة وارتدت ابتسامة مشرقة أظهرت بياض أسنانها. كانت بلا شعر… بلا شعر تماماً! توقفت كثيراً عند الصورة وقررت أن أتعرف على صاحبتها أكثر. قرأت أسطر عديدة قصيرة خفيفة ثقيلة تحكي فيها “حنان” عن حادث زوجها وكيف أثر على قدراته ومهاراته الحركية والعقلية، عن “نور” و”حمزة” و”سارة” وحبها لهم وحبهم لها، عن أملها الكبير في عودة زوجها من عالمه الخاص، وأخيراً عن السرطان. سردت صديقتي قصتها منذ اكتشافها للسرطان ورحلتها مع الطب والأطباء وتلقيها للعلاج. تابعتها بشغف في صمت ودعوت لها كثيراً عن ظهر غيب بالشفاء والقوة والصبر. لم تكن كتابات “حنان” كأي كتابات قرأتها لم تدعي البطولة. لم ترتدي رداء اليأس. لم تختبئ خلف حجاب أو نقاب عقلي أو روحي أو جسدي. مع الوقت، تعرفت على أيام جلساتها وعلى صديقاتها وعلى مخاوفها وأحلامها وكوابيسها. كتبت عن الأمل والألم، والحب والخذلان، والحياة والموت. لم تكتب “حنان” أبداً عن الدعم سوى من خلال مواقف “الجدعنة” من الصديقات. ترددت كثيراً في طلب الحوار معها. لم أكن أريد أن أرهقها أو أثقل عليها. خفت أن “أقلب عليها المواجع” أو أن أتفوه بكلمة قد تؤلمها. استجمعت شجاعتي وراسلتها. سألتها: كيف يمكننا تقديم الدعم لعزيز يحارب السرطان؟ ماذا نقول؟ ماذا نفعل؟ كيف لا نجرحه/ها؟ أثبتت لي “حنان” أنني كنت مخطئة تماماً في تصوري عن الدعم المطلوب لرجل أو امرأة اكتشفوا الإصابة بالسرطان، وفي أي مرحلة من مراحل العلاج”. وتواصل: “أول ما قالته “حنان” عن الدعم هو: “لا تبعدوهم عن الحياة! ادفعوهم دفعاً تجاهها وبداخلها!” حدثتني صديقتي عن “فستان أحمر” ساعدها في الانتصار في جولتها الأولى. اشتهت الفستان وتمنت شرائه وارتدائه. تحملت وصبرت وواظبت على ممارسة الرياضة واتبعت حمية غذائية صحية حتى أصبح الفستان يليق بها! حكت لي عن حبها للكتب والقراءة وكيف يدعمها الأصدقاء بمختارات منتقاة من القصص والروايات التي تدخل البهجة والسرور إلى قلبها. أما الجلسات، فهي ليست فرصة “للدراما والبكائيات والصعبانيات”. تعيش اليوم مع صديقاتها وبناتها، وأحياناً ابنها، وكأنه رحلة أو مغامرة. يخرجون ويضحكون ويتندرون وتتلقى العلاج الحقيقي لمرضها – الضحك! “السرطان مرض تافه! كأنه دور برد صعب! طال أو قصر– هو دور برد!” هكذا وصفت “حنان” مرضها وتعاملها معه. أسوأ ما يمكن أن تقدمه لمريض السرطان هو “الدراما”. من ناحية أخرى، أكددت “حنان” أن عزل مريض/ة السرطان عن الحياة مضر جداً. تستمتع “حنان “بالخروج والفسح والتنزه و”اللف عالمحلات”. تمر عليها صديقة مقربة وتُخرجها من جو المنزل والمرض والعلاج. تراعي قدرتها على المشي وحاجتها للراحة ولكنها تقدم لها فرصة للسعادة”.

موقف المشاهدة..

في حوار معها أجراه “حمدي عابدين” تقول “حنان كمال” عن كتابة الشعر: “في البداية كانت الأفكار تأتي لي وأنا أقود سيارتي، وقتها كانت تتلبسني حالة من البكاء، فأتوقف إلى جانب الطريق، ثم أبدأ في الكتابة وحين أنتهي أعاود القيادة مرة أخرى. بعد فترة وجدتني كلما داهمتني فكرة ما، أستسلم لها وأقوم بصياغتها، ثم أنحيها جانبا إلى أن قررت طباعتها في كتاب بعد أن شجعني على ذلك الكثير من الأصدقاء، لأقف على مسافة فاصلة بيني وبين كل ما يحدث لي وكأنني في عالم آخر.. بالأساس لم أكن مغرمة بالشعر، والمفاجأة أنني لم أكن أبدا متصالحة مع فكرة الشاعرية والغنائية، لكن ما حدث أن ثمة تجربة إنسانية جرت داخلي، كان علاجها الوحيد أن أقف من حياتي كلها موقف المشاهدة، كانت هذه الحيلة المناسبة لأتخلص من الألم، أن أقف على مسافة فاصلة بيني وبين كل ما يحدث لي، وكأنني في عالم آخر، فكانت هذه النصوص هي خلاصة المشاهدة.. وقد اعتقدت أني قد لا أكتب الشعر مجدداً لأنه اقترن بقدر كبير من الألم، وأنا كشخص كل ما أريده أن أتجنب الألم. أحياناً يسألني بعض الأصدقاء، كيف استطعتِ أن تكتبي كل هذه النصوص المتفجرة بالطاقة الشعرية؟ ولطالما كان ردي أن «هذا ما أملاه علي العفريت»، فأنا أشعر فعلا أنني لست من كتب كل هذه النصوص، لأنني عملية وواقعية أو هكذا أظن نفسي، ولا أستطيع تحمّل شاعرية القصائد”.

وعن نصوصها تواصل: “عندي مشكلة أن الناس تتعامل معي على أني الكاتبة مريضة السرطان، وهذا التوصيف الذي يستدعي التعاطف يصيبني بكثير من التوتر، فما أريده هو أن يحب الناس نصوصي وقصائدي، لا أن يبكوا من أجل ألمي كإنسانة، فتجربتي مع الألم والفقد تتجاوز تجربة السرطان لما هو أبعد وأكثر إيلاماً، قد يبدو هذا واضحاً في الكتاب.. حين اتجهت لكتابة القصائد هذه، لم أكتب طبقاً لتصورات مسبقة، لأنني كنت أتوقع أن اللغة عندي ليست قوية كما ينبغي، كما أنني لم أنتبه مطلقاً للموسيقى والعروض والإيقاع، مثل كل الذين يبدأون طريقهم في مجال الشعر، وأتحسب لانتقادات واسعة في هذا السياق، لكن ما أعرفه أنني أجيد التعبير عن المشاعر برهافة تتناسب مع حجم الألم، وقد سعيت لأن يكون ما أعبر عنه حقيقياً وطازجاً، وليس مفتعلاً أو مبتذلاً، فكل ما كتبته مرّ من خلال روحي، وربما هنا تكمن قيمته الحقيقية بعيداً عن المقاييس المتعارف عليها”.

وعن الموت في هذه النصوص وكيف تجلى تضيف: ” أنا أعيش مع الموت فعلاً، أقترب من حافته كثيراً، حتى حدثت بيننا ألفة، تخلصت من الخوف منه فصار وديعاً، وأعتقد أنني حين تخلصت منه صار هو يخاف من صلابتي. الموت يقتات على هشاشتنا، لكنني أعترف أنه الصديق الذي عرَّفني على الحياة بشكل أفضل، فصرت أحياها بجسارة أكثر، وقد عرفت أن الاقتراب من الموت يفك ألغاز الحياة، هذه الثنائية لن تدركها إلا حين تنسحب من ضوضاء الكون وتصغي، وقد حدث لي هذا بينما كنت أعتقد أنني بصحبة الموت أعبر البوابة الأخيرة فإذا بي أرقص مجدداً مع الحياة”.

وفاتها..

توفيت “حنان كمال” اليوم الجمعة 3مايو 2019 بعد سنوات من مقاومة السرطان بقوة وشجاعة وصبر.

نصوص ل”حنان كمال”..

أنا المرأة ذات الجسد المنتفخ

كجثة حوت

أحلق في الهواء كي لا أشغل مساحة كبيرة في الأرض

تحلق حولي الطيور خفيفة وجميلة

بينما أبدو كغولة مسحورة تشغل حيزا كبيرا في سمائهم

يخافون مني ويحلقون بعيدا عن جسدي الذي يشبه سمكة عملاقة متفسخة

فنصير مجددا أنا ووحدتي صديقين لا ننفصل

قديما كنت أواصل التلصص على الكون عبر التحليق

فأعرف كل الأسرار

الآن لا يمكنني جسدي من رؤية أي شيء

جسدي هو حجابي

ألمي هو حجابي

ويبدو أنه لن ينتهي

……..

الوقت… هو كل ما نخسره في هذه الرحلة

بعد قليل سيخبرنا الحرس أن وقتنا انتهى

سيغلقون الأبواب دوننا

وأنا وأنت أضعنا وقتنا في السبات العميق بحثا عن حلم

لم يتحقق بعد

في الليلة الماضية أدرك الحرس أن عليهم

أن يتخلصوا منا

كحمل زائد أو كملابس مستهلكة

ألقوا بنا في البئر

كنا نطفو فوق طبقات الهواء الناعمة

قبل أن نواجه أخيرا قاع البئر

كانت مياه البئر زرقاء كأنها البحر

وكان ثمة بابا سريا يفتح على البحر

تمكنت أخيرا من الولوج منه

كان البحر جميلا وساحرا وبسيطا كنغمة ناي وحيد

استسلمت للبقاء مطولا

دون ملل

دون حساب للوقت

حتى انفتح الباب الذهبي للقصر

كان كل شئ يتلألأ بالجمال

وحين قابلت الرب أخبرته أنني أريد أن أحيا

نزع قلبي ومنحني قلبا ذهبيا جديدا

أخبرني أن القلب الجديد لن يعرف الحزن

ولا الشقاء

أما قلبي فكان زاويا ومنكمشا كأنه عصفور

يعاني من البلل والبرد

الملائكة كانوا يرتدون ثيابا كالحة البياض

ربما لتميزهم عن الموتى

أخبروني أنه كان علي أن أطلب من الرب عطايا

أكثر من القلب الذهبي

كانت الطيور تحرسنا

والبحر ينظر إلينا بحنان

وكان الطعام بسيطا كطعام الأنبياء

تكفينا حفنة شعير لنواصل الرحلة

ونسير عكس عقارب الساعة

لعلنا نلحق بالوقت مجددا

لعلنا نتمكن من مواجهة الحرس

لعلنا نتمكن مجددا من الولوج عبر بوابات الحياة

……..

كل شئ أصفر

جلدي أصفر

عيناي صفراوين

قلبي أصفر كأنما مرت عليه عاصفة

حتى دمي صار أصفر

متى تنتهي هذه الصحراوات ؟؟

يحوم الموت حولي كذئب جائع

لم أعد اهتم بالمواجهة

فأنا لاهية في عالم بعيد

أخطو بقدمي فوق النجوم

كأنني طفلة السموات

أرقص رقصة لا يعلمها إلا قلبي

وأذوب في دوامة النور فانتشي

كيف لي أذن أن التفت لذئب جائع

ولماذا يعنيني كل هذا التراب

وكيف لمن هرب من الفخاخ أن يعود إليها

موسيقى قلبي تقول لي أنني أحيا

وحين تغازل الشمس سمرتي أعلم أنني أحيا

ولما يختبرني البحر بالمحبة

فأتقلب في أمواجه العاتية فإنني أحيا

فكيف لمن يحيا إذن أن ينتبه للذئاب الجائعة

أيها الموت .. يا أيها الذئب الذي يحوم حول جسدي الضعيف

لقد أحال الألم قلبي لكريستاله من نور

والذئاب لا تأكل النور

فأنا بخير إذن

حتى لو كنت أتعثر في ثوبي الطويل

ولا أتمكن من عبور التلال الصفراء في الصحراوات المحيطة

حتى لو كانت جداول الماء بعيدة عن ناظري

حتى لو كانت المدينة الهاجعة في خرابها

تخاصمني لأنني لم أجرؤ على مواجهة الخراب

أنا بخير أيها الذئب الجائع

https://www.facebook.com/hanan.kamal.750/videos/10158254680578574/?t=53https://www.facebook.com/hanan.kamal.750/videos/10158263744533574/?t=17

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب