19 ديسمبر، 2024 7:07 ص

“حمودي الحارثي”.. أبدع في رسم معالم شخصيته الشعبية بعفوية

“حمودي الحارثي”.. أبدع في رسم معالم شخصيته الشعبية بعفوية

خاص:إعداد- سماح عادل

“حمودي الحارثي” نحات وممثل ومخرج عراقي معروف.

التعريف به..

من مواليد الكرخ باب السيف في بغداد، تعلم النجارة وهو في السادسة من عمره على يد أخيه الذي ورث المهنة عن أبيه وقد لقب بنجار الأئمة حينها لصنعه الكثير من الأبواب والشبابيك للاضرحة في الكاظمية وسامراء وكربلاء والروضة القادرية وحيث ساهم في بناء ضريح النبي حزقيال في الحلة، كما قام أبوه بعمل أثاث عائلة الاستربادي في الكاظمية وبيت النواب والشيخ خزعل شيخ المحمرة في البصرة آنذاك.

دخل “حمودي الحارثي” معهد الفنون الجميلة مع الفنان جواد سليم والفنان فائق حسن حيث ترك قسم النحت والرسم وتفرغ للتمثيل والإخراج من عام 1958 وحتي عام 1961 ومن ثم درس الفن والإخراج السينمائي لمدة عامين في فرنسا (1964-1965) وبعدها درس الفن والتمثيل السينمائي من عام (1974-1981) وهو عضو جمعية التشكيليين العراقيين.

التمثيل..

قام بعمل أدوار كوميدية حققت لهُ شهرة كبيرة في العراق. ومن أشهر أدواره شخصية «عبوسي» في مسلسل «تحت موس الحلاق»، و شارك في العديد من الأعمال المسرحية والمسلسلات أهمها “حياة العظماء، مع الخالدين، كاريكاتير، إلى من يهمه الأمر” وشارك في أكثر من (500) عمل إذاعي وتلفزيوني وأخرج الكثير من البرامج التلفازية منها العلم للجميع للأستاذ كامل الدباغ والرياضة في أسبوع للأستاذ مؤيد البدري.

عندما رجع من القاهرة في 1981 أرسل إليه وزير الإعلام آنذاك طالباً منه أن تعاد كتابة مسلسل «تحت موس الحلاق» في جزء ثاني وأن يشارك هو في العمل، لكن “حمودي الحارثي” اقترح أن يخرجه بنفسه دون المشاركة بالتمثيل، وأعاد مع الفنان البصري كتابة النص والسيناريو، نجح العمل فنيا ولكن الجمهور لم يتقبله لعدم وجود شخصية (عبوسي) فيه.

وقدم هذا العمل مسرحيا في أمريكا في خمس ولايات أمريكية عام 1978 مع الفنانة “غزوة الخالدي والفنان طالب القره غولي”. وتزوج من المخرجة المسرحية المعروفة “منتهى محمد رحيم” المتخصصة بمسرح الطفل والتي كانت تعمل في (دائرة السينما والمسرح)، والتي توفيت في هولندا عام 2015.

سافر في 1995 إلى الأردن بسبب ظروف اقتصادية صعبة وظل في الأردن لعشرة أشهر، سافر بعدها إلى هولندا كلاجئ إنساني، أقام خلالها أكثر من (15) معرضا للنحت داخل المدن الهولندية مع (15) لقاء جماهيريا للعراقيين والعرب هناك، وكذلك في السويد والدنمارك وألمانيا.

عبوسي..

في مقالة بعنوان (حمودي الحارثي (عبوسي) دكتوراه في الإخراج، ورمز من رموز الكوميديا في العراق) كتب “جوزيف الفارس”: “لقد هاجر الفنان العراقي الأصيل عن وطنه قسرا ليعيش الغربة في المهجر بحثا عن الأمان والاستقرار ومع عائلته وفي قلبه غصة الشوق والاشتياق إلى مسقط رأسه وإلى ذكرياته وإلى مسيرته التي أخلص لها وعاش فيها مرفوع الرأس مفتخرا بفنه وإبداعاته التي اكتنفت حياته ومسيرته الفنية، وكذا الحال كان مع الفنان الأصيل والرائد في مسيرة الفن العراقي  الدكتور الفنان “حمودي الحارثي”.

فمن منا لم يستانس بمقدمة مسلسله التلفزيوني والرائع (تحت موس الحلاق) وهو يسمع أغنية التايتل، أي مقدمة المسلسل وبهذه الأغنية الشعبية ولحنها الجميل والراقص يبدأ مسلسل “تحت موس الحلاق” ليطل وعبر مشاهده الكوميدية المتلاحقة عبوسي (حمودي الحارثي) ومكائده ومقالبه العفوية مع الأسطى حجي راضي (الفنان الكبير سليم البصري).

لقد استطاع الفنان الدكتور “حمودي الحارثي” بفنه وشخصيته أن يدخل إلى قلوب الملايين من المعجبين بشخصيته، لقد أبدع هذا الفنان في رسم معالم شخصيته الشعبية وبشكل بعيد عن التقليد بقدر ماتميزت حرفيته بعفوية وبتلقائية الأداء والتمثيل، وأقرب إلى الاحتراف لفنان استطاع أن ينفرد بهذه الشخصية الشعبية والتي تميزت  بعلامات السذاجة والطفولية بتصرفاتها، والتي قد لا تصل إلى العقلانية مما يتورط في إيقاع نفسه وتوريطها في مطبات كوميدية مع الأسطى حجي راضي، ولا سيما في حلقة تبديل الخروع بزجاجة الخمر، وحلقة نحباني للو في قراءة رسالة الفنانة القديرة سهام السبتي والتي وردتها من ولدها الذي يدرس في الهند، لقد سيطر الفنان “حمودي الحارثي” بشخصية عبوسي على الشارع العراقي وعلى كازينوهاتها وعلى بيوت العراقيين والمتهافتين على مشاهدة  عبوسي والحاج راضي في مسلسل “تحت موس الحلاق”.

ويضيف: “لقد اكتسب الفنان “د. حمودي الحارثي” ثقافته والتي أهلته أن يصل إلى عالم الكوميديا بحرفية تمتاز بالعلمية وبعيد عن التهريج، هذا الفنان بمجرد أن تشاهده في زيه والذي ينم عن العفوية في اقتنائها مثله مثل الفنان شارلي شابلن، وكذالك يحتذي في قدميه جزمته والتي لم يفارقها حتى وهو نائم على السرير تجلب لك المتعة الكوميدية وتجبرك على الابتسامة والضحك من  كل قلبك، لقد عرف طريقه إلى الكوميديا، وكذالك كان يحرص على اقتناء الملابس والتي كانت تساهم في إضفاء عالم الكوميديا إلى شخصيته، وكما كان الممثل العالمي شارلي شابلن  يختار حذائه العريض ويمسك في يده العوجية والتي تساهم في خلق علاقة كوميدية لشخصيته.

وكذلك شفقته وشاربه الهتلرية والتي كانت تضفي عليه من الكوميديا ما تجبر المشاهد على الضحك، مثله مثل فناننا حمودي الحارثي والذي اثبت أن عالم الكوميديا لا يقتصر على الحوار فقط بقدر ما يعتمد على الأزياء والاكسسوارات التي ترافق الممثل الكوميديان لتساهم في إثارة الضحك من الأعماق وهذا لا يأتي من الفراغ  لولا حنكة ثقافته الأكاديمية وملاحظاته الدقيقة لما يدور حوله من مشاهداته لبعض الشخصيات الواقعية، والتي تجلب انتباهه ليختزنها في مخيلته ويسترجع صورها حين يحتاجها في تجسيد بعض الأدوار الكوميدية، ليحاكي الواقع  مضيفا لها إبداعاته وابتكاراته”.

بداية ونجاح..

في حوار معه أجراه “حيدر الحيدر”: ” يقول “حمودي الحارثي” عن بداية دخوله مجال التمثيل: “كنتُ من مؤسسي فرقة 14 تموز عام 1958/ 1959مع الفنانين الكبار وجيه عبد الغني وعزيز شلال عزيز وأسعد عبد الرزاق وقدمنا ضمن تلك الفرقة أول حلقةٍ من التمثيلية التلفزيونية المشهورة (تحت موس الحلاق) عام 1960.

في بدايات تأسيس فرقة 14 تموز، زارنا الأستاذ سليم البصري (بكالوريوس آداب من جامعة بغداد. وهو من إخواننا الكرد الفيليين وضع بين أيدينا الحلقة الأولى من هذه التمثيلية . وقد كتبها في دفتر صغير من (60) ورقة بقلم رصاص وعنونها بعنوان (حلاق بغداد). وبعد دراسة النص من قبل أعضاء الفرقة، اقترح الفنان وجيه عبد الغني تغيير العنوان لأنه يقترب من (حلاق اشبيلية) كما طلبنا منه تغير أسماء الشخصيات، وبعد أيام قدم إلينا نصاً منقحاً . وكان العنوان الجديد (تحت موس الحلاق) وحل (حجي راضي) محل عبد الرضا و(عبوسي) محل عباس .

ثم توزعت الأدوار وبقيت شخصية عبوسي صبي الحلاق، التي كانت تخلو من أي حوار، وهو دور ثانوي. إلا أنني قبلت أداء ذلك الدور وقررت أن أضيف إليه الشيء الكثير وكنت يومها احلق رأسي عند حلاق في منطقة حافظ القاضي بالقرب من رأس جسر الأحرار، فوقع بصري على الصبي الذي يعمل بين يديه فاخترت أبعاد تلك الشخصية. فكان النجاح من نصيب هذه التمثيلية التي استمرت لسنوات” .

ويواصل: ” في الحقيقة أن فرقة 14 تموز قدمت (50) حلقة من هذا المسلسل الأسبوعي الناجح وكان الناس ينتظرون تلك الحلقات بفارغ الصبر وهي تقدم على الهواء لعدم وجود أجهزة (فديو تيب) بين أعوام 1960/1963 ، ولكن بعد سنوات من ذلك التاريخ اقترحت دائرة الإذاعة والتلفزيون إعادة المسلسل وتطويره، فبذلنا أنا والفنان سليم البصري جهوداً في إعادة تسجيل ثلاث حلقات سبق لنا تقديمها. واشترك معنا هذه المرة نخبة من كبار الفنانين (خليل الرفاعي/ راسم الجميلي/ سمير القاضي/ فوزي مهدي/ حامد الاطرقجي/ حسين علي حسين/ عبد الجبار عباس/وآخرون).

خارج العراق..

وعن أيام دراسته خارج العراق يقول: “تركت الإذاعة والتلفزيون بعد خلاف حاد مع مدير وحدة الأفلام وكنت حينها رئيساً لقسم السيناريو والإخراج، وسافرت إلى مصر على حسابي الشخصي من بركات والدي لدراسة السيناريو والإخراج السينمائي في القاهرة .

وحصلت على المرتبة الأولى على الأكاديمية وقسم السينما في معهد السينما العالي وكرمتُ من قبل الأكاديمية، وبعد سنة من التخرج تم الاحتفال بالأوائل في القاهرة فمنعت من السفر للمشاركة، وكان كتاب مشاركتي في جيب عبد الأمير معلة وعرفت ذلك بالصدفة، إذ كنت مرافقاً للفنان المصري الكبير (سيد مكاوي) في زيارة لوزارة الثقافة العراقية آنذاك، فاستقبلنا الوزير(لطيف نصيف جاسم) وكان يقف إلى جانبه الفنان منير بشير، وخاطبني قائلاً:

ــ سمعت انك مدعو للقاهرة أشو ما رحت!؟

أجبته : راجعت وكيل الوزارة مرتين وتجاهل الأمر … وفي هذه الأثناء جاء الوكيل معله  راكضاً نحوي واخرج الكتاب من جيب صدره .

فضحك الوزير وقال له: بعد وكت … وبذلك حرمني من تلك الدعوة .

وفاته..

توفي “حمودي الحارثي” يوم 17 من شهر أغسطس سنة 2024  عن عمر 88 عاماً.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة