16 نوفمبر، 2024 9:26 ص
Search
Close this search box.

حلم التمتع بالشباب الدائم في رواية الجسد

حلم التمتع بالشباب الدائم في رواية الجسد

قراءة: سماح عادل

في رواية “الجسد” للكاتب الانجليزي “حنيف قريشي”، ترجمة خالد الجبيلي، يطرح الكاتب قصة قديمة في حكاية أشبه بالفانتازيا، سعي الإنسان إلى الخلود والتمتع بالحياة والشباب على قدر استطاعته.

الإنسان يخاف من الفناء ويرتعب من تقدم العمر به، ومن تغيرات الجسد العنيفة، لذا عندما يبلغ الشيخوخة يظل يتحسر على الشباب الذي كان، ويشعر بعزلة عن العالم، وكأن الشيخوخة فقاعة كبيرة يعيش فيها بمعزل عن الآخرين.

الشخصيات..  

آدم: البطل وهو عجوز في السبعين، كاتب شهير يكتب للمسرح والسينما وله قصص وروايات، لكن التقدم في السن أثر على جسده بشكل كبير وجعله يعيش داخل ذاته، باقي الشخصيات ثانوية يحكي عنهم البطل في ظل تقاطعهم في حياته.

“مارغوت”: زوجته، طبيبة نفسية يعيش معها “آدم” سنوات طويلة لكن حبهم لازال موجودا والتواصل بينهم كبير، حتى أنهما يبثان شكواهما وشجونهما لبعضهم البعض ويحكيان لبعض كل شيء.

رالف: شاب قابل “آدم” في حفلة وفوجئ أنه رجل عجوز، وأقنعه بتبديل جسده ليصبح شابا مثله.

مات: رجل عجوز آخر يعيش حياته لاهيا ويظل يطارد “آدم”طمعا في جسده.

أليسيا: فتاة طيبة في العشرينات من عمرها تكتب الشعر، وتعيش الحياة ببراءة، تقع في حب “آدم” لكنه يتهرب منها.

باتريسيا: سيدة في عمر الخمسين تدير مكانا للعلاج باليوجا، تقع في غرام “آدم” وتظل تلاحقه.

الراوي..

الراوي هو البطل نفسه، يحكي أفكاره ومشاعره والأحداث العجائبية التي تحدث له وشعوره بها، لكن يعاب على الراوي كثرة الحديث المباشر للقراء، وإلقاء الأحكام والأفكار الفلسفية حول الجسد.

السرد..

السرد ينحو نحو الفانتازيا حيث تبدأ الحكاية عادية، حكاية كاتب شهير يشكو من الشيخوخة وأعراضها المؤلمة على جسده، وكيف أن حركته أصبحت ضعيفة، وأن حواسه قد تأثرت بالتقدم في السن، وأهمها البصر والسمع، كما أصبح عقله مشوشا، يفضل العيش داخل ذاته على التواصل مع الآخرين.

ثم ينتقل السرد إلى حكاية أشبه بالخيال، حيث يقابل “آدم” في أحد الحفلات، التي تصادف أنه أصر على الذهاب إليها، شاب يدعى “رالف” يخبره أنه بدل جسده، وأن هناك عملية طبية تقوم بزرع مخ أحد الأشخاص في جسد آخر، ويحاول إقناع “آدم” بالفكرة، وتبدأ الرواية من هذه المقابلة بالتحول إلى حكاية عجيبة، السرد إيقاعه يتسارع من هذه المقابلة، والبطل نفسه يتحول تحولا كبيرا، ثم قبل نهاية الرواية بقليل تتحول إلى جو مغامرات ومطاردة.

جسد جديد للإيجار..

يوافق “آدم” ويقرر الدخول في التجربة، يخبر زوجته أنه ذاهب في رحلة لمدة ستة أشهر، ويذهب مع “رالف” إلى مستشفى سرية تختبئ في مكان أشبه بمصنع مهجور، ويقرر أن يؤجر جسدا شابا لمدة ستة أشهر، على أن يعود لجسده، بعدها يفاجئ بأجساد شابة كثيرة، من كل الأعراق، معلقة في مخزن غريب وعليه أن يختار منها، يختار جسد لشاب إيطالي وسيم ، وحين تنتهي العملية يشعر بمدى الاختلاف بين إحساسه بجسد فتي قوي يستطيع الحركة، وبين الجسد الهرم الذي كان له، وتعجبه التجربة حتى أنه يسافر في عدة بلدان، ويعيش نمط حياة لم يعيشه من قبل، يخرج من انطواءه وخجله القديم، ومن شخصية الطموح الذي قضى حياته في محاولة التحقق، ليصبح فتا لاهيا يمارس الجنس بشراهة، ويعيش حياة مليئة بالرقص والموسيقى واللاشيء، وحين تنفذ النقود الذي خطط أن تكفيه لستة أشهر ويكون لديه شهران ونصف للعودة يضطر إلى العمل.

مهنة لا تحتاج لجهد..

يلتحق بالعمل كخادم في إحدى الأماكن العلاجية للنساء المسنات، ويتعرف على “اليسيا” و”باتريسيا” وتقع النساء في غرامه بسبب وسامته وفتوته، ويشعر “آدم” بالراحة، متذكرا أمنية أبوه قبل موته في أن يكون ساعي بريد بدلا من  مهنة التدريس وإدارة مدرسة، لأن مهنة ساعي البريد لا تحتاج لجهد وممتعة، ويشعر هو أيضا بالمتعة في مهنة لا تحتاج منه تفكير وتخطيط، ولا تستحوذ على حياته مثلما كانت مهنة الكاتب تفعل في حياته السابقة، ثم تتحول حياته إلى جحيم بسبب مطاردة رجل غني يعيش بالقرب من مكان عمله، “مات” هو أيضا عجوز استبدل جسده لكنه يريد جسد آخر لأخيه المريض، ويعجبه جسد “آدم” الفتي، وحين يرفض “آدم” بيع هذا الجسد يطارده.

حتى إلى لندن، ويتعب “آدم” من المطاردة كما يحن لزوجته وأولاده وحياته القديمة، لكن الأوان يكون قد فات، فالمستشفى السرية هدمت وتم تخريبها ولم يجد جسده القديم، كما أن “مات” لاحقه إلى هناك لتنتهي الرواية نهاية مفتوحة.

القالب المادي..

تناقش الرواية فكرة الجسد، ذلك القالب المادي التي تسكن فيه شخصياتنا- ذواتنا- أنانا، لا يذكر الكاتب الروح إنما يركز على فكرة الذات والأنا الجسدي، هذه الذات أو العقل أو الكيان غير المادي الذي هو نحن يختنق داخل القالب المادي، خصوصا مع مرور السنوات وتحول هذا القالب لعبء، بعد أن كان وسيلتنا للإحساس بالحياة، الشيخوخة تحوله لعبء يسد المنافذ جميعها على الكيان غير المادي، ويعزله داخل أمراض متراكمة وألام جسدية مبرحة، لذا الحاجة إلى الشباب الذي لا ينتهي حلم إنساني قديم بقدم حياة البشر على الأرض، والخوف من الشيخوخة والموت خوف بدائي ظل يرافق الإنسان طوال عمره الطويل على كوكب الأرض.

هذا الحلم بالشباب الدائم تصوره الكاتب في قالب غرائبي، وإن كان أقرب إلى التحقق بالتقدم الطبي، لكنه لم يدنيه أو يقبله لقد أخضعه للمساءلة، وتخيل كيف سيكون الإنسان حين أن يستعيد شبابه، سيعيش كل لحظة من حياته بمتعة مضاعفة، وسيعرف وقتها قيمة هذه الفرصة الثانية من الحياة التي أتيحت له.

الكاتب..

ولد “حنيف قريشي” ضمن أسرة من المهاجرين الباكستانيين، في العام 1954 بمنطقة بروملي بإنجلترا، وأحس منذ طفولته بالفوارق العرقية والثقافية التي كان يعيشها المجتمع البريطاني ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الحقبة الاستعمارية.

قرر حنيف أن يصبح كاتباً في سن مبكرة، والتحق بجامعة لندن لدراسة الفلسفة، واضطر لإعالة نفسه بكتابة النصوص الجنسية تحت اسم مستعار (انطونيا فرينش) ، وبعد بداية متواضعة بالمسرح الملكي البريطاني، أصبح الكاتب المقيم بالمسرح وعرضت أولي مسرحياته العام 1976 بعنوان (تبليل الحرارة)، ثم العام 1980 (الأم البلد) التي فازت بجائزة تلفزيون ثايمس المسرحية.

لكن قطعته الرائعة (خط فاصل) والتي تدور حول مشاكل المهاجرين بلندن منحته شهرة واسعة العام 1981 تلتها في العام نفسه مسرحيته (ضواحي) وكلتاهما عرضتا علي خشبة المسرح الملكي، في العام 1984 دخل “قريشي” عالم السينما  من خلال ترشيح أول سيناريو يكتبه (مغسلتي الجميلة) لجائزة الأوسكار لأحسن سيناريو للعام 1985، وفي العام 1990 عاد” قريشي” للظهور من خلال روايته شبه السيرة الذاتية (بوذا الضواحي) وهي تروي حكاية شاب آسيوي يبحث عن هويته الضائعة في ضواحي مدينة لندن التي تمتلئ بالمهاجرين من المستعمرات البريطانية السابقة، وهي الرواية التي فازت بجائزة “وايتبريد” للرواية الأولي، وتم تحويلها إلي مسلسل تلفزيوني عرض علي شاشة الـ(بي بي سي) العام 1993. في 1991 دخل “قريشي” تجربة الإخراج من خلال فيلمه (لندن تقتلني) والذي قام بكتابة السيناريو كذلك وركز فيه علي حياة الشوارع، وعصابات المخدرات في لندن، في 1995 صدرت روايته الثانية (الألبوم الأسود) والتي دارت حول حياة شاب باكستاني الأصل يقع في معضلة الانتماء إلي أصدقائه المسلمين وحبه لصديقته البيضاء، مجموعته القصصية الأولي صدرت العام 1997 بعنوان (الحب في زمن الحزن)، واقتبست منها قصة (إبني المتشدد) لإخراجها في فيلم العام 1998. في العام نفسه صدرت روايته الثالثة (حميمية)، وهي الرواية التي ظهرت علي شاشة السينما بالعنوان نفسه وفاز بجائزة الدب الذهبي عن مهرجان برلين السينمائي، وفي 1999 عرضت مسرحيته (نامي معي)، لتصدر في العام 2000 مجموعته القصصية الثانية (منتصف الليل كل اليوم)، وفي العام 2001 صدرت روايته الرابعة (هدية جابرييل).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة