خاص: إعداد- سماح عادل
“حلمي حليم” كاتب ومخرج مصري.
السينما..
“حلمي حليم” ولد في 6 مارس عام 1916، إذ عمل مترجما وناقدا فنيا في بعض المجلات والصحف، ثم التحق بأستوديو مصر ليصبح رئيس قسم السيناريو، ثم مديرا للإنتاج، الأمر الذي أكسبه خبرات متنوعة في صناعة السينما.
إنه يعد ابنا من أبناء ثورة 1919 التي اكتشف فيها المصريون أنفسهم، فخاضوا معركة شرسة ضد الاحتلال الإنجليزي، واستطاعوا أن يتخلصوا من الأفكار المتخلفة للعصور الوسطى التي سادت واستقرت قرونا طويلة، وهكذا انفتح الناس على الأفكار والآراء والفنون الحديثة بفضل كوكبة متميزة من الكتاب والمبدعين نذكر منهم أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وطه حسين والعقاد وسلامة موسى وإبراهيم عبد القادر المازني وعلى عبد الرازق وتوفيق الحكيم ويحيى حقي ونجيب محفوظ وسيد درويش وجورج أبيض ويوسف وهبي وفاطمة رشدي وأمينة رزق وأم كلثوم وعبد الوهاب ومحمد كريم وكمال سليم ومحمود مختار وراغب عياد ومحمود سعيد، إلى آخر هؤلاء الكبار المتفردين.
أسهم في تشكيل ثقافة “حلمي حليم” وفكره ووجدانه، انتشار الأفكار الاشتراكية في المجتمع المصري في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، تلك الأفكار التي تدعو إلى الحرية والعدل الاجتماعي، وقد تأثر بطل هذا الموضوع بهذه الأفكار وآمن بها، نظرا للظلم الذي كان يكابده ملايين المصريين في زمن الاحتلال الإنجليزي والعهد الملكي، ولعل كثيرا من الأفلام التي قام بإخراجها “حلمي حليم” مغلفة بنبرة إنسانية تدعو إلى المساواة والعدالة.
قبل أن يتصدى “حلمي حليم” لإخراج أول أفلامه، عمل مساعد مخرج في أكثر من فيلم، مثل “أحلام الشباب/ 1943” للمخرج “كمال سليم” صاحب فيلم “العزيمة/ 1939″، و”كمال سليم” معروف بأفكاره اليسارية، كذلك عمل “حلمي” مع “كامل التلمساني” الذي حقق فيلم “السوق السوداء/ 1945” وهو مخرج معروف بميوله الاشتراكية.
أيامنا الحلوة..
في 7 مارس من عام 1955 شهد الجمهور أول الأفلام التي أخرجها “حلمي حليم”، وهو “أيامنا الحلوة” الذي لعب بطولته كل من “فاتن حمامة وعمر الشريف وعبد الحليم حافظ والوجه الجديد أحمد رمزي وزينات صدقي”.
حتى الآن يلقى الفيلم إقبالا كبيرا من الناس، وقد انحاز المخرج، الذي كتب القصة أيضا، إلى الفقراء وتعاطف مع كفاحهم، وقد ظهر للمشاهد أن الميول الاشتراكية للمخرج جعلته يوزع الحب بالتساوي على الشبان الثلاثة، “عمر وحليم ورمزي”، ودفعته لأن يحرم أيا منهم من الاستحواذ على “فاتن حمامة”.
لم يتوقف “حلمي حليم” عن رصد الظلم الاجتماعي وإدانته، ففي فيلم “القلب له أحكام/ 1956” الذي كتب قصته وأخرجه بنفسه يناقش طبيعة الصراع الأزلي بين الأغنياء والفقراء، مؤكدا انتصاره التام للفقراء وأولاد البلد، موضحا كم هم أوفياء، يتبادلون الحب والهموم.
“فاتن حمامة” ابنة بولاق الفقيرة ذات الرداء الأسود الوحيد والتي يساندها أبناء الحي كل حسب مقدرته: صاحبة الفرن بالخبز، والمكوجي بالفستان الجديد، والسائق بالتاكسي، بينما الأثرياء يتخابثون ويكيدون، وفى لحظة تنوير مفاجئة أوضح “حلمي حليم” أن الثري الطيب “سراج منير” والد “أحمد رمزي” كان شابا فقيرا من بولاق قبل أن يجتهد ويكافح وتتيسر أموره فينتقل للإقامة في الزمالك، وهكذا يوافق ويرحب بزواج ابنه من الفتاة الفقيرة ابنة الحي الشعبي العريق.
في فيلم “سلم ع الحبايب/ 1958” استعان “حلمي حليم” بصديقه “كامل التلمساني” ليكتب له السيناريو، بعد أن كتب القصة بنفسه، وقد لعب الأدوار الرئيسة “صباح وأحمد رمزي”، أما فيلم “حكاية حب” للمطرب “عبد الحليم حافظ”، فقد كتب “حلمي حليم” القصة بنفسه بينما صاغ السيناريو والحوار “على الزرقاني”.
تبدو العلاقة بين الأغنياء والفقراء واضحة في “حكاية حب/ 1959″، وإيمان المخرج التام بالكفاح والدأب والمثابرة، وهى أمور ضرورية حتى يحقق الفنان الفقير النجاح المطلوب، ولم ينس هذا المخرج الرقيق أن يغمر المشاهد الغرامية بين عبد الحليم ومريم فخر الدين بفيض من المشاعر الإنسانية الشفيفة.
من فضائل “حلمي حليم” على السينما المصرية أنه اكتشف موهبة “شادي عبد السلام” وأوكل له موقع مهندس المناظر في فيلم “طريق الدموع/ 1961″، وقد كان “حلمي حليم” مثقفا كبيرا، حنونا، يعطف على الصغير والكبير، ولا يبخل على أحد بالمعلومة، ومن أبرز تلاميذه المخرجون: “محمد عبد العزيز”، و”ممدوح شكري”، صاحب فيلم “زائر الفجر”، وأحمد يحيى، فضلا عن مهندس الديكور الشهير “صلاح مرعى” الذي عمل معه في فيلم “الحياة حلوة”، كما أنه أسهم في تأسيس المعهد العالي للسينما وكان يقوم بتدريس مادة السيناريو لطلاب المعهد.
كانت “فاتن حمامة” تحرص على أن يبدى رأيه في أي سيناريو يعرض عليها، وإذا اعترض على السيناريو رفضت العمل في الفيلم، لذا أطلق عليه المستشار الثقافي ل”فاتن حمامة”.
أفلام من إخراجه: (عشاق الحياة- كانت أيام- غرام تلميذة- حكاية من بلدنا- مراتي مجنونة مجنونة مجنونة- أيام الحب- الحياة حلوة- حكاية العمر كله-طريق الدموع- ثلاثة رجال وامرأة- حكاية حب- سلم على الحبايب- القلب له أحكام- أيامنا الحلوة).
أفلام من تأليفه: (كانت أيام- أيام الحب- معبودة الجماهير- حكاية العمر كله- لا تطفئ الشمس- حكاية حب- أرض السلام- مدرسة البنات- أيامنا الحلوة- صراع في الوادي).
ناقد..
في مقالة (عيد ميلاد.. حلمي حليم) يقول “كمال رمزي”: “على مقهى «ريش» التقيته في إحدى أمسيات صيف ١٩٦٨، يجلس مع الصديق المشترك، مجيد طوبيا، يتناقشان بمودة، واحترام متبادل، حول تفاصيل «حكاية من بلدنا»، المأخوذ عن قصة الحكامير التي كتبها مجيد طوبيا، بينما يستعد حلمي حليم لإخراجها.. بدا لي حلمي حليم، الراسخ، قلقا، ليس بسبب ظروف الإنتاج القاسية وحسب، بل لأن الفيلم على قدر كبير من التجهم، بحكم موضوعه الصارم الذي يتعرض للصراع بين العمدة، المحتكر لأماكن تخزين الفول في بيارات تحت الأرض. يفرض سطوته على الجميع، لا يتورع عن قتل من يقف في وجهه.. لكنه يفاجأ بمن يثور ضده، خاصة الطالب الجامعي، بأداء الممثل الجديد، حينذاك، محمود ياسين. تواصل الحديث عن مخاوف حلمي حليم تجاه «حكاية من بلدنا».. قال إن حجم الغضب والضغينة في الفيلم، أكبر من طاقة الوئام والمحبة، وربما، تأتى الشخصيات أقرب للأفكار، لا تتمتع بدفء الحياة. حاول مجيد طوبيا طمأنة الأستاذ، مشيرا إلى أن الفيلم يثير قضية، ويرصد، على نحو ما، مقدمات النزعات الثورية عند الشباب، خاصة طلبة الجامعات”.
ويواصل (في العام التالي، ١٩٥٩، شاهدت الفيلم، لم أجد في تقييمه أدق مما قاله مخرجه.. أدركت أمرين، أولهما، قيمة حلمي حليم، ناقدا، في عدد من مجلات أواخر الأربعينيات، فضلا عن خبرته العميقة، الواسعة، كأستاذ سيناريو، يحظى بمكانة رفيعة عند الجيل الذي تعلم منه الكثير، مثل رأفت الميهي، سمير سيف، نبيهة لطفي، وآخرين.. أما الأمر الثاني، الأهم بالنسبة لي، فإنه يفسر سحر أفلامه الجميلة، التي تشكل جزء خلابا من ذاكرتنا في عالم الأطياف: «أيامنا الحلوة»، «القلب له أحكام»، «حكاية حب»، «طريق الدموع».. كما شارك بقصصه وسيناريوهاته في «صراع في الوادي» ليوسف شاهين، «أرض السلام» لكمال الشيخ، «لا تطفئ الشمس» لصلاح أبو سيف، «معبودة الجماهير» لحلمي رفلة”.
وفاته..
في 18 نوفمبر من عام 1971 رحل “حلمي حليم” بعد أن مات ابنه فجأة قبل ذلك بعامين تقريبا.
https://www.youtube.com/watch?v=cjEVxUgzREU
https://www.youtube.com/watch?v=9Jdzy-fV0R0
https://www.youtube.com/watch?v=aUkWtr0CogE