11 فبراير، 2025 8:26 م

حكاية في فيلم (8) “ضربة القدر”: إتاحة فرصة ثانية للمرأة رغم خطيئتها

حكاية في فيلم (8) “ضربة القدر”: إتاحة فرصة ثانية للمرأة رغم خطيئتها

خاص: كتبت- سماح عادل

فيلم “ضربة القدر” فيلم مصري صدر في عام 1947، وهو فيلم درامي مأخوذ من رواية “مادلين فيرات” للكاتب الفرنسي “إميل زولا”، وهذا يفسر غرابة الحكاية عن المجتمع المصري في ذلك الوقت، وهو يحكي حكاية مأساوية عن امرأة عانت في حياتها لكنه ينتهي نهاية سعيدة.

الحكاية..
يحكي الفيلم عن الفتاة “ليلى” والتي تقوم بدورها الممثلة “ليلى مراد” التي يغويها الشاب الغني “حمدي” الذي يقوم بدوره الممثل “يحي شاهين”، ويقنعها بحبه فتترك أهله وتعيش معه، وتنجب منه طفلا، لكنه حين يخبر أهله بحكاية حبه منها يطلبون منه تركها والسفر للخارج لإتمام تعليمه، وبالفعل يذهب إلى بيتها ليأخذ الخطابات التي بينهما لكي يتنصل من كل علاقة له بها، وحين تجده “ليلى” تخبره أن طفلهما مريض جدا لكنه لا يهتم، ويترك لها بعض الأموال، وحين تهدده أنها ستخبر أهله يفاجئها بأنه لم يخبرها باسم عائلته الحقيقية تحسبا لنيتها في الذهاب إلى أهله ويتركها، وتجد “ليلى” نفسها وحيدة وعاجزة.
في نفس الوقت تنتقل الكاميرا لحكاية أخرى حكاية “أنيس” الذي يقوم بدوره الممثل “يوسف وهبي” وزوجته “درية” التي تقوم بدورها الممثلة “زوزو ماضي”، حيث يكتشف “أنيس” أن زوجته تذهب للعب القمار في بيت أصدقاءها، رغم أنها أنجبت طفلة صغيرة لكنها لا تهتم برعايتها، ويطلقها “أنيس” وتجد “درية” نفسها بلا منزل كما أن ابنتها بعيدة عنها، وتضطر “درية ” إلى أن تعيش بصحبة أحد أصدقاءها من الرجال الذي شعرت بانجذاب نحوه.


انتحار..
وتعود الكاميرا إلى “ليلى” التي يموت ابنها من شدة مرضه وتحزن حزنا شديدا فتذهب به إلى نهر النيل، وتفكر في أن ترمي جثة ابنها فيها ثم ترمي بنفسها وراءه، لكن البوليس يداهمها لترمي جثة ابنها من الخوف، وتجري وتدخل بيت “أنيس” لتستنجد به، فيحميها “أنيس” من البوليس وينكر وجودها، وبعد ذهاب البوليس تحكي “ليلى” له حكايتها، وأن ابنها قد مات وتخلى عنها صاحبها، فيعطف عليها “أنيس” ويوفر لها غرفة في منزله لتبيت ليلتها، ويخبرها أنه سيوفر عملا لها.
لكنها في اليوم التالي تتحرج من كرمه وتذهب من منزله، لتستريح بعض الوقت في حديقة للأطفال، ويتصادف أن “درية” طليقة “أنيس” كانت قد رتبت أمر خطف طفلتها بالتعاون مع إحدى الخادمات في منزل “أنيس” لكن “ليلى” التي كانت قد تعرفت على الطفلة وتعرفها جيدا تنقذ الطفلة من الاختطاف، وهي لا تعرف أن أمها “درية” هي من تنتوي اختطافها، ويكافئها “أنيس” على ذلك بوظيفة في البنك الذي يعمل به مديرا، لكن عمه يقترح عليه أن يجعلها تعمل في منزله وتراعي طفلته.
فرصة ثانية..
وتبدأ “ليلى” العمل في منزل “أنيس” وتحسن إدارته، وترعى طفلته كأمها، وتخسر “درية” قضية الحضانة لتبقى حضانة الطفلة من حق “أنيس”، وذلك لأنها بعد أن هجرها صديقها الذي كانت تعيش معه وذهب إلى امرأة أخرى تضطر إلى العمل لكي تعيش، فتعمل في الصالات وتغير اسمها، ويستغل “أنيس” ذلك ليحرمها من حضانة ابنتها. لكن “درية” تحاول رؤية ابنتها بأية طريقة وتتقابل مع “ليلى” التي ترعى ابنتها، فتعاملها “ليلى” معاملة طيبة وتسمح لها برؤية ابنتها دون علم “أنيس”، وتجعلها تتواصل معها بشكل دوري.
بعد مرور عدة سنوات يشعر “أنيس” بالألفة نحو “ليلى” ويشجعه عمه على الاقتران بها، وتتزوج “ليلى” من “أنيس” وتبدأ مرحلة سعيدة في حياتها، حيث يعاملها “أنيس” معاملة طيبة وتترقى طبقيا لتصبح زوجة مدير البنك الوطني، وتشعر بالأمان والرعاية.
عودة إلى الحزن..
لكن ما تكاد تشعر بتلك السعادة حتى تعود حياتها لمسار الحزن، فيعود أخو زوجها من الخارج، شقيقه الوحيد الذي يحبه كثيرا كابن له، لتكتشف أن هذا الأخ ما هو إلا “حمدي” الذي تنكر لها في الماضي، وتقع “ليلى” في حيرة ما بين أخبار زوجها “أنيس” بذلك وما بين إخفاء تلك الحقيقة التي ستحدث فجوة في العائلة، وربما تتسبب في إنهاء زواجها من “أنيس” الذي تحبه. وهذه الحكاية غريبة عن المجتمع المصري، أن يجتمع الأخوان على حب امرأة واحدة ووجود علاقة حب وعلاقة جسدية أيضا. وكلاهما على قيد الحياة، لأن من شأن ذلك أن يطيح بالعائلة وقدسيتها التي تحرص الأفلام المصرية عليها في ذلك الوقت.
ويستغل “حمدي” إخفاء “ليلى” الحقيقة عن زوجها ليبتزها ويأخذ منها أموالا، ليتبين أنه مدمن على لعب القمار، وأنه يخسر أموالا كثيرة في تلك اللعبة اللعينة، ويستغل أصحاب شركة تجارية ذلك، ويلاحظ هنا أنهم من اليهود، فيتقربون من “حمدي” ويقرضونه أموالا لكي يخبرهم عن مناقصة يديرها البنك الذي يعمل به أخيه، والذي يعمل به هو أيضا نائب مدير. ويستجيب “حمدي” لهم ويأخذ المظروف الذي به معلومات عن المناقصة من “ليلى”، التي سلمها “أنيس” المظروف لتضعه في مكان آمن، ولا تخبر ليلى “أنيس” بذلك، لكن ينكشف الأمر في البنك نتيجة شكوى يتقدم بها أحدهم.
ويبدأ التحقيق في الأمر، ويتهم “أنيس” الموظف الذي يعمل تحت أمرته، ورغم أن الموظف يشير إلى “حمدي” وأنه ربما يكون هو الجاني لكن لا يصدقه “أنيس”، ويفكر في اتهام الموظف، وتجد “ليلى” نفسها في حيرة لتعلن في النهاية أمام المسئولين في البنك الذين أتوا إلى منزل زوجها أنها هي من تلاعبت بالمظاريف، وأنها أخذت أموالا من الشركة التي سعت لكسب المناقصة، وتهرب من البيت مسرعة بعد أن اعترفت لتخلص زوجها من أزمة محققة.
الذروة ولحظة الكشف..
وهي تهرب تلاحقها الطفلة ابنة “أنيس”، وتتعرض لحادث سيارة، ويبحث “أنيس” عن ابنته، ويطلب منه البوليس صورة لزوجته “ليلى” لكي يبحثوا عنها أيضا، لأنه شك أنها أخذت ابنته، ولا يجدون صورة لها فيتطوع “حمدي” بجلب صورة لها ويفتح الخطابات القديمة ويحضر صورة ل”ليلى”، وتتعرف عليها “درية” التي جاءت لتعرف أمر اختفاء طفلتها، فتكشف “درية” السر حين تخبر “أنيس” أن الصورة القديمة ل”ليلى” هي نفسها صورة حبيبة “حمدي” التي سافر وتركها وتخلى عنها، وتستنتج “درية” أن “حمدي” استغل ذلك لابتزازها، وأنه ربما هو الذي تلاعب في المناقصة. ويعترف “حمدي” أخيرا بجريمته ويذهب “أنيس” للبحث عن ليلى ويجدها ويجد ابنته وينتهي الفيلم نهاية سعيدة.
وسط الأغنياء..
الفيلم يدور في وسط الأغنياء ما بين البيت الفخم ل”أنيس” مدير البنك الوطني، ومكاتب البنك الوطني، وشقة فاخرة لأصدقاء “درية”، وشقة فاخرة أجرها “حمدي” ل”ليلى” لتعيش فيها، وقد تظهر بعض الشوارع الهادئة، ونرى الاتوموبيلات والناس يمشون في الشارع، لكن الشوارع عبارة عن ديكور، حتى “حديقة الأطفال” مكان مجهز من قبل صناع الفيلم، حيث لم يهتم الفيلم بتصوير أماكن على الطبيعة. والأزياء والملابس هي أزياء غربية يرتديها الأغنياء في تلك الفترة في أواخر الأربعينات في مصر، الطربوش والبذلة للرجال، والفساتين المحتمشة وتسريحات الشعر القصيرة للنساء، مع وجود قبعات غربية وبعض الأوشحة القصيرة. كما توجد خادمات من جنسيات مختلفة في منزل “أنيس”.
ويمكن أن يلاحظ المشاهد غرابة القصة عن المجتمع المصري في ذلك الوقت، ويكمن تفسير الغرابة في أنها قصة فرنسية حدثت في المجتمع الفرنسي وسعى “يوسف وهبي” إلى تمصيرها، لذا كان من المستغرب أن تنشأ قصة حب دون زواج في ذلك الوقت في المجتمع المصري.
وهناك عدة ملاحظات على الحكاية، أولا ينقل الفيلم عنجهية الأغنياء وعجرفتهم تجاه الفقراء، وتتمثل تلك العجرفة في إجبار “حمدي” على ترك حيببته الفقيرة، وهذا أمر معروف في الأفلام المصرية القديمة ولا نعرف هل هو أمر مستوحى من واقع الأغنياء في ذلك الوقت أم لا، لكن يرجح أنه كذلك فالأغنياء كانوا يتعالون على الفقراء ويرفضون تزويج أبنائهم من الطبقات الأدني.
كما أنه صور بعض الأغنياء الذين يتصفون باللهو والاستهتار وهذا أيضا أمر شائع في الأفلام المصرية القديمة، حيث يسعى بعض الأغنياء الفاسدين إلى اللهو ولعب القمار وشرب الخمر وعمل علاقات حب متعددة، وكان “حمدي” أخو “أنيس” نموذج لتلك الشخصية، والرجل الذي عاشت معه “درية” بعد طلاقها من “أنيس” و”درية” التي كانت تحب لعب القمار واستحقت بذلك أن تكون نموذج للمرأة السيئة الشريرة، وبالمناسبة اشتهرت الممثلة “زوزو ماضي” التي قامت بالدور بلعب ذلك الدور في أفلام عديدة.
والمألوف أيضا هو وصم هؤلاء النماذج من الأغنياء الذين يعيشون حياة اللهو والاستهتار، بينما يتم تقديم أنماطا أخرى من الأغنياء على أنهم نماذج للخير، مثل شخصية “أنيس” الذي يعمل في وظيفة محترمة ولا يشرب الخمر أو يلعب القمار أو يذهب إلى السهرات والحفلات، ويتعامل مع الفقراء بود ورحمة، وهو نموذج مألوف في أفلام “يوسف وهبي” الذي كان ينتمي إلى طبقة الأغنياء بشكل فعلي.
تضاد بين نموذجين..
كما يلاحظ التضاد الصارخ بين نموذجين من النساء، الأولى “ليلى” التي رغم أنها أخطأت في حياتها الأولى وفقا لوجهة نظر الفيلم، وعرفت شاب دون زواج وحملت منه وتركت أهلها، إلا أنها كفرت عن تلك الخطيئة بأدبها وسلوكها الحسن الذي اقترب من سلوك الملائكة على حد وصف “درية” لها. في مقابل “درية” المرأة التي لا تهتم برعاية طفلتها أو بإدارة شئون منزلها وإدارة الخدم والحرص على انتظام عملهم، ورعاية شئون زوجها، لذا استحقت أن تكون نموذجا للمرأة الشريرة الساقطة التي تحب رجلا على زوجها وتغازله، بل وتعيش معه دون زواج بعد الطلاق، وهذا بالمناسبة أمر غير مألوف في المجتمع المصري في ذلك الوقت أواخر الأربعينات، حتى في وسط طبقة الأغنياء وإنما هو من الرواية التي اقتبس منها الفيلم.
استحقت “درية” أن تحرم من طفلتها وفقا لوجهة نظر الذكور في المجتمع أمثال عم “أنيس” و”أنيس” نفسه لذا فقد فرح كثيرا عندما خسرت قضية حضانة ابنتها، ولا نعلم في ذلك الوقت كيف كانت قوانين حضانة الطفل في المجتمع المصري وهل كانت تعطي الحضانة للأم بدون شروط أم لا، لكن مع ذلك رصد الفيلم وجهة النظر الأخرى وهي وجهة نظر “ليلى” التي رفضت أن تحرم أم من ابنتها، وسمحت ل”درية” برؤية ابنتها والتواصل معها لأنها ترى أن الأم مهما كانت تفاصيل حياتها فليس من العدل حرمانها من أطفالها.
لكن الفيلم في العموم يؤكد على قيم إنسانية سامية، فهو قد “أعطى” ل “ليلى” فرصة ثانية، على خلاف أفلام مصرية أخرى كانت ينتهي فيها مصير الفتاة “الخاطئة” بالموت، لأن صناع السينما المصرية كانوا لا يتخيلون أن تعيش الفتاة بعد أن أخطأت وتتاح لها فرصة ثانية، لكن بالنسبة للرجل فله فرص كثيرة لتغيير سلوكه وحياته.
كما أنه يقدم نموذجين متناقضين في طبقة الأغنياء “حمدي” مقابل “أنيس”، الرجل الجاد في عمله الذي يتحلى بالأخلاق وبالمبادئ والرحمة تجاه الناس”أنيس”، في مقابل الرجل الذي يلعب القمار ويسرق أموال أخيه ويخدع الفتيات ولا يتورع عن ترك ابنه. وجاء الإخراج مميزا، ونقل الفيلم صورة عن مصر في فترة الأربعينات لكن في أماكن الأغنياء.


الفيلم..
“ضربة القدر” فيلم مصري من إنتاج عام 1947، تاريخ العرض في السينما 13 يناير 1947، مقتبس من رواية “مادلين فيرات” للكاتب الفرنسي الشهير “إميل زولا” قام بتمصيرها “يوسف وهبي”، قصة وسيناريو وحوار “يوسف وهبي”، إنتاج “أستوديو مصر”، إخراج “يوسف وهبي”.. الممثلون (ليلى مراد- يوسف وهبي- يحيى شاهين – مختار عثمان- محمود المليجي- زوزو ماضي- لولا صدقي- آمال وحيد بسيمة- سراج منير- محمد كامل- سامية رشدي- فتحية علي- أحمد درويش- زكي إبراهيم- فؤاد فهيم- نصر الدين مصطفى- شفيق نور الدين- توفيق إسماعيل- علي عبد العال- عبد المجيد شكري- محمود رضا- إبراهيم حشمت- إسكندر منسي- عبد الحليم القلعاوي- عبد العليم خطاب).
وبالنسبة لأغاني الفيلم، غنت في الفيلم “ليلى مراد” من ألحان الموسيقار “محمد فوزي” والموسيقار “رياض السنباطي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة