9 مارس، 2024 4:39 م
Search
Close this search box.

حكاية في فيلم (6) “المندوبان”: التعايش بين الديانات والجنسيات المختلفة  

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: كتبت- سماح عادل

الأفلام التي بدأت بها صناعة السينما في مصر على بساطتها، وبساطة الأداء التمثيلي فيها إلا أن لها سحر خاص، حيث يكمن الاستمتاع في التعرف على بدايات السينما في مصر، وكيف كانت تصنع تلك الأفلام التي تم الحفاظ عليها ووصلت إلينا بصعوبة، وأتاح لنا الانترنت مشاهدتها مرة أخرى رغم مرور سنوات طويلة على صناعتها. كما تكشف تلك الأفلام تفاصيل المجتمع الذي صنعت فيه، حيث الشوارع ومظاهر الحياة المختلفة من أزياء للناس وقت صناعة الفيلم وطريقة الحديث الذي يدور بين الناس، وتفاصيل أخرى هامة وكشفها ينطوي عن متعة.

نتناول في هذه الحلقة فيلم “المندوبان”  وهو قد صدر في عام 1934 ويعتبر بقاءه إلى اليوم معجزة، لأن أفلام قبله لم يكتب لها البقاء وربما بعده، يحكي الفيلم عن بطلان يعاني كل واحد منهما لكي يفوز بالزواج من الفتاة التي يحب.

البداية..

يبدأ الفيلم ب”شالوم”، الممثل “شالوم” الذي يمثل باسمه في الفيلم وهو ينادي على صديقه “عبده”، وهو أيضا يحتفظ باسمه الحقيقي في الفيلم. “عبده” يعمل صبي جزار، و”شالوم” يبيع ورق يناصيب، ثم لوحة مكتوب عليها تفاصيل لتعريف المشاهد بأن حياة “أمينة” خطيبة “عبده” في شقاء، فتنتقل الكاميرا إلى بيت “أمينة” حيث أمها التي تقوم بدورها الممثلة “إحسان الجزيرلي” وأبوها الذي يقوم بدوره الممثل “فؤاد الجزايرلي” لكن أسماءهما مختلفة في الفيلم. تتشاجر أم أمينة مع والدها وتنبهه أنها لن توافق على زواجها من “عبده” لأنه يرتدي “جلابية”، ثم تنتقل إلى بيت “استر” خطيبة “شالوم” وهي شقة بجوار شقة “أمينة” حيث أنهما جيران، وتبدي أيضا أم “استر” رفضها لزواج ابنتها من “شالوم” الذي يرتدي جلبابا. وحين يأتي “عبده” و”شالوم” ويزور كل منهما خطيبته تعلن أم “أمينة” و”استر” ذلك الرفض لهما.

عصابة..

يخرج “عبده” و”شالوم” ويشتريان بذلتين ويرتديانها، ثم يذهبان للحلاق كي ينالا الموافقة، ثم يافطة أخرى تنوه عن وجود عصابة دولية تتستر تحت غطاء إحدى الشركات التجارية، ويقول رئيس العصابة أنه ينتظر مندوبين أجنبيين ماهرين في فتح الخزائن، ويرسل موظفة لديه لاستقبالهما والعلامة للتعرف عليهما ورقة ملصقة برسم دائرة على البذلة وعلامة باليد، ثم تعود الكاميرا لمحل الحلاقة وبعد أن ينتهي “عبده وشالوم” يرتديان بالخطأ بذلتين للمندوبين المقصودين، ويذهبان إلى الشارع وتقابلهما الموظفة ويذهبان وراءها، ظنا منهما أنها فتاة جميلة تعاكسهما، ويدخلان إلى الشركة ويستقبلهما المدير ويفهمان الأمر ويدعيان أنهما لا يتحدثان العربية ثم يهربان.

500 جنيه..

ثم يزوران “أمينة واستر” في البيت وتجدد أم أمينة وأم استر الرفض وتطلبان منهما مبلغ 500 جنيه لإتمام الزواج. ويكون “شالوم وعبده” قد فقدا عملهما، ثم يشاهدان أحد أفراد العصابة فيهربان منه في أحد العمارات ويصعدان فيها ويدخلان إلى مستوصف يتبين أنه مكان مخصص لعمل مساج، يعمل فيه بعض الفرنسيين والمصريين، وتحدث بعض المواقف الطريفة الساذجة. ثم يصبح “شالوم وعبده” فقيران ولا يجدا الطعام وتصر “أمينة واستر” على الزواج منهما ويتقابلان معهما سرا من وراء الأهل.

مكافأة..

وتتعرف “أم أمينة وأم استر” على رجلين يظنان أنهما أغنياء ويسعيان لتزويجهما من ابنتيهما، لكن ينصب عليهما الرجلان ويأخذان نقودهما، وحين يعرف “عبده وشالوم” بالأمر يذهبان إلى الشركة ويضربان الرجلين، ويظهر مخبر سري في الشركة يتصل بالبوليس ويقبض على المتهمين، وينال “شالوم وعبده” جائزة كل واحد 500 جنيه، ويذهبان بالنقود لأهل “أمينة واستر” ويتم الزواج.

حكاية بسيطة..

الفيلم حكايته بسيطة، وأداء الممثلين بسيطا متناسب مع كون الفيلم من بدايات صناعة السينما، يصور الفيلم مشاهد عديدة في الشارع حيث دار الفيلم في منطقة المنشية في الإسكندرية، فنرى شارع ميدان المنشية المتأثر بالطراز الأوربي، وشوارع أخرى، ونرى الناس يتجولون في الشارع في طبيعية مما يعني أن الكاميرا كانت تصور الشارع دون تجهيز مسبق، كما نرصد أزياء الناس في تلك الفترة حيث أمينة وأمها ووالدها يترديان زيا عاديا، فساتين بسيطة مصنعة باليد، وجلابيب كستور، وبذلات متواضعة. وكذلك الأسرة اليهودية ل”استر” ووالديها، لأنهما ينتميان إلى فقراء المنطقة، في حين أن الموظفة في الشركة والموظفين في مستوصف المساج يرتدون على الطراز الأوربي.

نلاحظ مدى الألفة بين الأسرة اليهودية والأسرة المسلمة وتعاملهما  كأخوة، وذلك في وقت لم تكن قد اشتعلت فيه الصراعات بسبب احتلال فلسطين وكانت العلاقة طبيعية بين اليهود والمسلمين والديانات الأخرى، كما نلاحظ الازدراء الذي أبدته الأم للجلباب وكأن البذلة كانت رمزا للرقي الاجتماعي والغنى في ذلك الوقت.

كما نلاحظ أن شخصية الأم في داخل الأسرة كانت هي المتحكمة في أمر الزواج والقرارات الهامة، ولا نعلم أهذا اجتهاد من المؤلف ليظهر النساء بصورة سلبية، فشخصية الأم كل ما يهمها هو المال وأن تزوج ابنتها رجل غني، سواء الأمر لدى المسلمة أو اليهودية.

تعايش..

تخلل الفيلم أغنيتان مما يشي بأهمية الموسيقى والأغاني في تكوين الأفلام في بداية صناعة السينما، حيث كانت الأغاني والموسيقى تتمة للترفيه الذي تحدثه السينما، كما نلاحظ وجود اللوحات التي توضح أمورا في الفيلم على طريقة الأفلام الغربية خاصة الصامتة.

كما نلاحظ أنه في الإسكندرية، المكان الذي تم تصوير الفيلم فيه كانت الأماكن معظمها ملك للأجانب، مثل المطاعم والمستوصف الخاص بالمساج وكان وجود الأجانب كبير وطبيعيا أيضا، كما أشار مدير الشركة التي تتخفى وراءها العصابة إلى وجود أزمة اقتصادية، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت في فترة الثلاثينات من القرن العشرين. كما كان الاتوموبيل أحد مظاهر الغنى ونلاحظ أن الطرابيش كان يرتديها المصريين في حين أن القبعة كان يرتديها الأجانب.

إما عن حكاية الفيلم نفسها فهي حكاية هامة، حيث أنه يحكي عن أن الفقراء ليسوا سيئين ف”عبده وشالوم” رغم فقرهما إلا أنهما يتمتعان بأخلاق فهما ليسا لصوصا، لذا كانت نهاية الفيلم سعيدة حيث تمكن كل واحد منهما من الزواج ممن يحب. لكن يبقى أهم ما استطاع الفيلم أن يرصده هو التعايش بين الناس سواء على اختلاف ديانتهم أو جنسياتهم، وهذا الأمر كان شائعا وطبيعيا في مدينة الإسكندرية في ثلاثينات القرن الماضي، حيث كان يعيش اليهودي والمسيحي والمسلم في أماكن واحدة ويتعاملون بطبيعية وبسلام، كما كان التواجد الكثيف للأجانب واضحا وكان المصريين يتعاملون معهم ويتعايشون مع وجودهم ويعملون لديهم لأن أغلبهم كانوا يمتلكون المحال والشركات وأماكن العمل.

اخرج الفيلم وأنتجه “توجو مزراحي”، وطاقم التمثيل: (شالوم – سهام – فوزى الجزايرلى- عبده محرم – إحسان الجزايرلى – فيكتوريا فارحي- حليم محسن – عبد القادر حسن – فكرى كامل- عدالات – محمد السلامونى)، وكان العرض الأول للفيلم في 17 مايو 1934 بسينما فؤاد مصر، والكوزموجراف الامريكانى بالأسكندرية.

ولمشاهدة الفيلم:

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب