25 فبراير، 2025 11:14 ص

حكاية الجاسوس “إيلي كوهين” على النتفليكس.. والحاجة لكشف التاريخ المشين

حكاية الجاسوس “إيلي كوهين” على النتفليكس.. والحاجة لكشف التاريخ المشين

 

كتب: يوحنا دانيال

بعد أن نجحت منصة “نتفليكس” الترفيهية في التسلل إلى جميع البيوت العربية بهدوء وحرفية، سرعان ما بدأت تبث سمومها الناعمة، من خلال أفلام ومسلسلات مصنوعة بمنتهى الجمال الفني والحرفية العالية. وإذا كان فيلم “منتجع الغوص على البحر الأحمر” الذي أنتجته نتفليكس، لم يجذب كثيرا من الانتباه أو يثير قلقا بين المشاهدين العرب، رغم أنه كان يتعلق بقيام عملاء من الموساد بتهريب العشرات من يهود الفلاشا إلى إسرائيل في خضم حرب أهلية طاحنة في أثيوبيا، ويقوم ببطولته نجوم من أمثال كريس ايفانز وبين كنغسلي، إلا أن المستوى الفني للعمل لم يكن كالمطلوب، بل تعرض الفيلم للانتقاد، ونال تقييما سلبيا في الغرب قبل الشرق، ما جعله غير جاذب للمشاهدين وخصوصا العرب.

لكن الحال يختلف تماما مع المسلسل الجديد “الجاسوس” الذي أنتجته “نيتفليكس” وبثته كاملا على عادتها. إن قوة هذا المسلسل وجاذبيته تتأتى من ثلاثة عوامل رئيسية لا يمكن التغاضي عنها: أولها وأهمها هو موضوعه أو حكايته المعروفة. إذ يتناول حكاية الجاسوس الإسرائيلي الأشهر الذي استطاع التسلل إلى داخل الحكومة السورية، وحزب البعث الحاكم لسنوات عديدة في بداية الستينيات، ولعب دورا سياسيا مهما إضافة إلى دوره التجسسي التخريبي لصالح إسرائيل.

ونقصد بالطبع، الجاسوس اليهودي/ المصري إيلي كوهين، الذي جنده الموساد خصيصا للتغلغل في المجتمع السوري، والوصول إلى قياداته السياسية والعسكرية، مستفيدا من إجادته العربية، واستعداده المذهل لخدمة دولة إسرائيل حتى بما هو أبعد من المهام المكلف بها، فأصبح الجاسوس المثالي لعملية الاختراق هذه، متخذا الاسم العربي كامل أمين ثابت.

النقطة الثانية المهمة هي المستوى العالي للإخراج والأداء والتصوير والمواقع، التي تعطي درجة عالية من الإقناع للمشاهد، وكأن ما يجري أمامه هي حقائق تتسلل بكل سلاسة إلى عقله. ولعل أبرز هذه العناصر هو بطل المسلسل، الممثل الكوميدي البريطاني ساشا بارون كوهين، بطل فيلم “بورات والديكتاتور وبرونو” وغيره. لكنه هنا ينقلب تماما إلى ممثل درامي من طراز رائع، يغرق في الدور الخطير الذي يلعبه إلى أكبر حد ممكن، فينسينا أنه ممثل ساخر كوميدي من خلال تقمصّه الرائع لشخصيته العربية.

هذه الشخصية التي تطارده حتى في منامه، خلال كوابيس يردد فيها أسماءً عربية تلاحقه وهو نائم في إجازته في إسرائيل. إذ يقول أنه قد اندمج في شخصية كامل إلى الحد الذي أصبح فيه يتظاهر أنه إيلي بينما هو في إسرائيل. كما أن سلوكياته تصبح مغرورة وعدوانية تتناسب مع تعاظم شخصية كامل ودوره في سوريا. ويبدع ساشا بارون في تجسيد هذا التناقض بين الشخصيتين، وهذه الازدواجية التي تسيطر عليه، وربما تنبئه أيضا باقتراب نهايته الوشيكة، وخلاصه من هذه اللعبة الخطرة في عام 1965.

النقطة الثالثة المهمة في قوة المسلسل وجاذبيته، هي اقتصاره على 6 حلقات، يستطيع المشاهد إنهائها حتى في يوم واحد. والإيقاع سريع في المسلسل والأحداث تجري من دون حتى التعمّق في الشخصيات، عدا البطل كوهين أو ثابت. وبالطبع يقف وراء المسلسل مخرج إسرائيلي متمكن وهو غيديون راف، الذي ساهم في كتابة نص المسلسل أيضا، وأدار الطواقم والممثلين الرئيسيين الذين يحيطون بالبطل ببراعة، على الجانبين السوري والإسرائيلي. بالطبع، فإن المخرج يبرز الإسرائيليين كأناس يعملون من أجل أهدافهم بجدية. بينما السوريون يعملون من أجل التآمر والوصول للسلطة، ويسهل خداعهم بالتملّق والمال والسهرات والليالي الحمراء. وبالطبع، لا نتوقع أن يكون المخرج راف موضوعيا أو صادقا في تصويره للعرب، لكن بالمقابل فإنه يصور الأطماع الإسرائيلية المتنامية في بحيرة طبريا ومرتفعات الجولان الحصينة، ربما من أجل إبراز الدور الاستثنائي الذي لعبه إيلي كوهين في تحقيق أحلام الصهاينة وأهدافهم فيما يتعلق بهذه الأهداف.

إن حكاية التغلغل داخل مجتمع معادي، تذكرنا بالمسلسل الجاسوسي العربي “رأفت الهجّان” الذي لعب دوره بإتقان وإبداع الراحل محمود عبد العزيز وأخرجه يحي العلمي وكتبه صالح مرسي، وبلغت حلقاته 56 حلقة على مدى ثلاث مواسم أو سنوات. وهنا يبرز الفارق بين عقليتين في العمل التلفزيوني، من الجانب العربي هناك التركيز على التأثير العاطفي عند المشاهد، عن طريق الحلقات الأسبوعية والتركيز على الشخصية بالتفصيل وتطورها المتدرّج، وكذلك الموسيقى التصويرية، وموسيقى التتر الرائعة التي كتبها الفنان الكبير عمار الشريعي.

وأسبوعيا يلتحم عشرات الملايين مع البطل العربي الذي نجح في خداع الإسرائيليين، وسرق أسرارهم، ونساءهم أيضا. بينما مسلسل “الجاسوس” يركّز على الجانب العقلي عند المشاهد، وعلى معلومات شبه أو نصف حقيقية لكن تتعلق بأهداف محددة، إضافة إلى أسماء شخصيات قيادية حقيقية، مثل الرئيس أمين الحافظ ومؤسس حزب البعث وميشيل عفلق وضباط من الجيش، وكذلك يبرز القيادة الإسرائيلية وهي تعمل وتقرر.

وأعتقد أنه على الجانب السوري تحديدا، كشف الحقائق المتعلقة بالجاسوس كوهين، والمعلومات المستخلصة منها أثناء التحقيق. بالطبع ندرك أن كوهين وصعوده السريع نحو القيادة، ونفوذه الكبير داخل الحكومة السورية يحتاج أن تفسّره سوريا بعد كل هذه السنوات، لا أن تخفي الحقائق المحرجة لأدائها في تلك الأوقات. أما آن الأوان لأن نكشف بعض تاريخنا المشين أمام شعوبنا، أم نظل نعتمد على روايات الإسرائيليين فقط.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة