خاص: إعداد- سماح عادل
دعا الدكتور “أحمد الطيب” شيخ الأزهر من خلال برنامجه «الإمام الطيب» إلى ضرورة حفظ حق «الكد والسعاية» للزوجة في ثروة زوجها، و كرر الأزهر دعوته إلى إحياء هذه الفتوى في بيانه الختامي لمؤتمر التجديد في يناير من 2020، جاء فيه: «يجب تعويض المشترك في تنمية الثَّروة العائلية، كالزوجة التي تخلط مالها بمال الزوج، والأبناء الذين يعملون مع الأب في تجارة ونحوها، فيؤخذ من التّركة قبل قسمتها ما يعادل حقهم، إن علم مقداره، أو يتصالح عليه بحسب ما يراه أهل الخبرة والحكمة إن لم يعلم مقداره».
وأوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية معنى “الكد والسعاية”:
حق المرأة في «الكد والسعاية» فتوى يرجع أصلها الفقهي إلى أدلة الشريعة الإسلامية الواردة في حفظ الحقوق، والمقررة لاستقلالية ذمة المرأة المالية، والتي منها قول الحق سبحانه: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} ، إضافةً إلى قضاء الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحق زوجة في مالِ زوجها الذي نمياه معا قبل تقسيم تركته، ثم قضى بمثله كثير من القضاة والفقهاء عبر العُصور؛ سيما فقهاء المذهب المالكي.
يفتي الأزهر الشريف بما استقر فقها من ضرورة حفظ حقوق المساهمين في تكوين وتنمية الثّروات والتركات، وإحياؤه لفتوى الكدّ والسّعاية إحياء لمنهجها واصطلاحها وتراثها؛ لكثرة المخالفات الواقعة في شأنها بالتزامن مع زيادة مُشاركات النساء في تنمية ثروات أزواجهن، وخروجهن لسوق المال والأعمال.
حق الكد والسعاية ليس حقا خاصا بالزوجة في مال زوجها، بل هو ما يستحقه كل من ساهم بماله أو بجهده في تنمية أعمال أحد وثروته، كالابن والبنت إذا ساهما في تنمية ثروة أبيهما بالمال والعمل أو بأحدهما، وكابن الأخ مع عمه، ونحو ذلك.
«الكد والسعاية» حق للزوجة في ثروة زوجها إذا شاركته في تنميتها ببذل المال أو بالسعي والعمل أو بكليهما معا، ومن صور مشاركتها العملية: عملها معه ببدنها في مشروع أو شركة أو صنعة ونحو ذلك، ومن صور المشاركة المالية: إعطاؤه من هبة أبيها لها أو من هبة غيره، أو ميراثها من أبيها أو من غيره، أو من راتب عملها، أو من صَداق زواجها، أو مقتنياتها، أو حليها، ونحو ذلك مما امتلكته، وكان في ذمتها المالية المستقلّة التي قرّرها الإسلام لها.
حق الكد والسعاية للزوجة لا يقدر بنصف ثروة الزوج أو ثلثها، وإنما يُقدر بقدر مالِ الزوجة المضاف إلى مال زوجها وأرباحه، وأجرة سعيها وكدها معه، ويمكن للزوجة المطالبة به أو المسامحة فيه أو في جزء منه.
من إنصاف الزوج وحسن عشرة زوجته، أن يعطيها حقها في الكدّ والسّعاية وتكوين ثروتهما في حياته بنفسه، لتجعله في ذمتها المالية الخاصة، وليبقي في ذمته ما كان ملكا خالصا له، ممّا تجري عليه أحكام الشريعة حال حياته في الزكاة ونحوها، وبعد وفاته في الميراث ونحوه.
للزوجة أن تتفق مع زوجها على تحرير ما يثبت حقها في عمله أو ماله قبل مشاركتها معه في تنمية ثروته بالجهد أو المال أو بعد مشاركتها، وإن لم يوثقا الحق كان الإثبات من خلال قواعد الإثبات العامة شرعا وقانونا وعرفا.
لا يتعلق أخذ الزوجة حق كدها وسعايتها من ثروة زوجها بانتهاء زوجيتهما بوفاة أو انفصال، وإنما هو حق للمرأة حال حياة زوجها وبقاء زوجيتهما، لها أن تأخذه أو تتسامح فيه؛ إذ الأصل فيه أنه مال للزوجة جعلته على اسم زوجها لاتحاد معايشهما ومصالحهما الأسرية.
يستوفَى حق المرأة في الكد والسعاية من تركة زوجها المتوفى مع قضاء ديونه، وقبل تقسيم تركته قسمة الميراث الذي تستحق منه نصيب الزوجة، أي: فرض الربع إن لم يكن لزوجها أولاد، أو الثّمن إن كان له أولاد منها أو من غيرها.
حق المرأة في الكد والسعاية متعلق بأعمال ومعاملات الزوجين المالية دون غيرها إن اشتركا فيها بالمال والعمل أو بأحدهما.
أعمال المرأة المنزلية لا تدخل في حقّ الكدّ والسّعاية، فعمل الرّجل خارج المنزل خدمة ظاهرة لزوجته وأهل بيته حتى يُوفر لهم النّفقة، وأعمال المرأة المنزلية خدمة باطنة لزوجها وأبنائها حتى يتحقّق السّكن في الحياة الزّوجية.
نفقة الزّوج على زوجته بحسب يساره وإعساره حقّ واجب عليه قرّره الإسلام لها، ولا يُغني التزام الزّوج بالنّفقة على زوجته عن حقّها في كدّها وسعايتها في عملٍ كَوَّن ثروتهما على النحو المذكور.
العلاقة الزّوجية علاقة سَكَن تكامُليّة، تقوم على المودة والمُسامحة، وليست علاقة نديّة أو استثمارية ماديّة نفعيّة، ولا يليق بقدسيّة الزّواج ومكانة الزّوجة فيه أن تُعامَل معاملة الأجير في أسرتها، بأن تُفرَض لها أجرة محددة نظير أعمال رعاية أولادها وزوجها، وإنما على الزّوج واجب النّفقة بالمعروف لها ولأولادهما وبيتهما كما تمّ بيانه.
بنى الإسلام الحياة الزّوجية على الرّحمة وحُسن العِشرة، وقسّم أدوارها ووزّع مُهماتها بشكل يتناسب وطبيعة طرفيها وملكات كلٍّ منهما وإمكاناته، وحدَّد ما ينبغي أن يكون غاية لها، وما ينبغي أن يكون وسيلة يُتوصل بها إلى غيرها في عدالةٍ بديعة، ورُقي مُنقطع النَّظير في الشَّرائع والنُّظم الاجتماعية كافَّة.
تحويل ما يُنادي به الأزهر من حفظ الحُقوق وتعزيز العدالة داخل الأسرة إلى شعارات عُنصرية، وإجراءات مُتحيّزة، تدعو إلى المُساواة الظَّالمة التي لا عدالة فيها، وتُزكي من الاستقطاب والنِّديّة بين الزَّوجين، وتَعرِض الزَّواج في صورة ماديّة مُنفِّرة لا مودة فيها أو سَكَن؛ أمرٌ مرفوض ومنافٍ لتعاليم الأديان، وفِطرة البشر، وقيم المُجتمع المُستقرة، ونستطيع أن نرى مثالب هذه الدَّعوات ونتائجها السَّيِّئة في المُجتمعات التي عَزَف فيها كثيرٌ من الشَّباب عن الزَّواج وتكوين الأُسر.
وجهان..
مسألة الكد والسعاية في الإسلام لها وجهان: وجه أصولي ووجه فقهي، خاصة لدى فقهاء المالكية.
ويعود حق الكد والسعاية في التراث الإسلامي إلى اجتهاد قام به عمر بن الخطاب الخليفة الثاني لسيدنا محمد، عندما جاءته سيدة تدعي “حبيبة بنت زريق” تحكّمه في قضية ميراث من زوجها عمر بن الحارث، حيث كان يتاجر فيما تنتجه وتصلحه من عملها في الطرازة، واكتسبا من ذلك مالا وفيرا، فلما مات زوجها ترك مالا وعقارا وتسلم أولياؤه الخزائن، فنازعتهم الزوجة في ذلك، وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب قضى للمرأة بنصف المال وبالإرث في النصف الباقي.
واعتبر الزوجة كانت شريكة لزوجها في الربح والعمل والكسب، واستند علماء المذهب المالكي إلى هذا الاجتهاد، فكثير من فقهاء المالكية أفتوا بحق الزوجة في اقتسام ثروة زوجها التي اكتسبها خلال فترة زواجهما بقدر جهدها وسعايتها، ومنهم شيخ المالكية في عصره العلامة أبو العباس أحمد بن عرضون.
وتعتمد بعض الدول الأوروبية والعربية، حق الكد والسعاية في إطارها التشريعي، إذ تعترف قوانين هذه البلدان به وتتيح بموجبه حقوق اقتصادية للمرأة في ثروة زوجها حال الطلاق أو حال وفاته، طالما ساهمت في تكوين تلك الثروة، وتقر كل من بريطانيا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة تُقسيم الممتلكات بشكل منصف بين الزوجين بموجب قانون التوزيع العادل.
وتطبق هذه الفتوى في المملكة المغربية، فالنساء هناك تكد وتقوم بمساعدة الزوج في كافة الأعمال لذلك كان القضاء المالكي وهو مذهبهم له رأى في تلك المسألة، حيث سئل العلامة أحمد بن عوضون المالكي عن نصيب المرأة بعد انقضاء الزوجية بالطلاق أو الوفاة، فأصدروا فتوى قال فيها، “لهن قسمة على التساوي بحسب الخدمة، لكن أهل فاس فيها خالفوا، وقالوا لهم في ذاك عرف يعرف، أي ما يقوله العرف”.
كذلك أقرت تونس هذا الحق في القانون الصادر عام 1998 نظاماً للاشتراك في الملكية بين الزوجين لتكريس التعاون بين الزوجين في تصريف شؤون العائلة؛ إذ منح القانون التونسي للزوجين الحرية التامة في اختيار النظام المالي الذي يرغبان في الخضوع له، واعتبر الزواج المبرم على رأي الزوجين في نظام الأملاك الزوجية، بمنزلة اختيار لنظام التفرقة في الأملاك.