15 نوفمبر، 2024 6:49 ص
Search
Close this search box.

حسين مروه.. سعى لتحرير الأدب والفلسفة الإسلامية من سلطة الرجعية

حسين مروه.. سعى لتحرير الأدب والفلسفة الإسلامية من سلطة الرجعية

خاص: كتبت- سماح عادل

“حسين مروه” مفكر وفيلسوف وباحث، ولد 1908 في قرية “حداثا” في جنوب لبنان، أرسله والده إلى العراق 1924 لدراسة العلوم الإسلامية في جامعة النجف، وأنهى دراسته فيها عام 1938.

الكتابة..

بدأ اهتماماته بالكتابة الأدبيّة منذ سنوات دراسته الأولى في العشرينات، فكتب المقالة والقصة والنقد والبحث، كما كتب بعض الشعر وكانت بداية اطلاعه على الفكر الماركسي في 1948 عبر قراءة “البيان الشيوعي” الذي أعاره إيّاه حسين محمد الشبيبي (أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي).

شارك في أحداث الوثبة الوطنية العراقية في 1948، التي أسقطت معاهدة بورستموث البريطانية مع حكومة العهد الملكي، وبعد عودة نوري السعيد إلى الحكم في العراق في  1949، قرر السعيد إبعاد “حسين مروه” من العراق فوراً مع عائلته ونزع الجنسية العراقية التي كان قد اكتسبها أثناء مكوثه أكثر من عشرين عاماً في العراق عنه، عاد “حسين مروه” في شتاء 1949 إلى بيروت حيث واصل الكتابة الأدبية في زاويته اليومية “مع القافلة” في جريدة الحياة لمدة سبع سنوات.

تعرّف “حسين مروه” في 1950 إلى “فرج الله الحلو” و”أنطون ثابت” ثم إلى “محمد دكروب”، ونتج من هذا التعارف تأسيس مجلّة الثقافة الوطنية التي أصبح مروة مديراً لتحريرها إلى جانب دكروب.

انتظم “حسين مروه” رسمياً في الحزب الشيوعي اللبناني في 1951و انضم إلى قوات أنصار السلم (تجمعّ الأحزاب الشيوعية العربية لتحرير فلسطين) في 1952، وانتخب في 1965 عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني وبعدها عضواً في المكتب السياسي.

درّس “حسين مروه” مادة فلسفة الفكر العربي في الجامعة اللبنانية في بيروت، وحاز على شهادة دكتوراه فخرية من موسكو، وترأس تحرير مجلة الطريق الثقافيّة من 1966 حتى 1987 كما كان عضواً في مجلس تحرير مجلّة النهج الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، وشارك في تأسيس اتحاد الكتاب اللبنانيين في العام 1948. وفي 1980 بعد وفاته مُنِح “حسين مروّة “جائزة لوتُس العالمية للأدب، وهي الجائزة التي يمنحها اتحاد كتّاب آسيا وأفريقيا.

قراءة التراث..

كشف محمد دكروب، رفيق “حسين مروه” في مجلة “الطريق اللبنانية” أن اتجاهه إلى تأليف كتابه المثير للجدل “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” كان في إطار “مهمة حزبية”، وبتكليف من المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني سنة 1968، يقول “حسين مروه” في تقريره للحزب: ” الرفاق أعضاء المكتب السياسي تحية رفاقية وبعد،… في مثل هذا اليوم، منذ عشر سنوات بدأت الرحلة الرائدة، في عالم التراث الفكري العربي– الإسلامي، التي شرفني الحزب أن أكون أول مغامرا ً يدخل نورا ً – في مجاهلها، خارقا ً أكثر من سور فكري وأيديولوجي مضروب حول هذا العالم التراثي منذ أقاصي العصر الوسيط حتى الثلث الأخير من القرن العشرين. وفي هذا اليوم ذاته، بعد العشر سنوات ترفعني إليكم، أيها الرفاق، موجة فرح واعتزاز لأتقدم بأول “تقرير” عن الرحلة. أقول أول “تقرير” ولا أقول “التقرير” الكامل، لأن الرحلة لم تنته بعد، وليس من شأنها أن تنتهي الآن. الرحلة بدأت ليس أكثر.. وهذا “التقرير” الأول عن الرحلة هو محصل البداية ليس أكثر. لقد بدأها الحزب رائدا ًوسيواصلها رائدا، عبر قوافل مجيدة من الرفاق يجهزون للغد قوافل مديدة من الأجيال”. ولم يكن ذاك التقرير غير الجزء الأول من كتاب “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” الذي هو عبارة عن مجلد من 1024 صفحة.

وقد  باشر ” حسين مروه” إصدار الجزء الثاني ثم بدأ يستعد للاشتغال على الجزء الثالث الخاص بالفلسفة الإسلامية في الغرب الإسلامي.. ولكنه قتل.

يقول الكاتب “عبد الجليل طليمات” في مقالة له: “في الجزء الأول من مؤلف “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” يؤكد حسين مروة منذ السطور الأولى بأنه «يقدم طريقة في التعامل مع التراث الفكري العربي الإسلامي تعتمد منهجية علمية لا تزال تخطو خطواتها الأولى إلى المكتبة العربية من قِبَل مؤلفين عرب»، منتقداً مختلف المقاربات السابقة التي تعرض لمواقف ونظرات مثالية تحكمها رؤية أحادية للتراث العربي الإسلامي، أي لا تاريخية، «رؤية تقطع صلته بجذوره الاجتماعية أي بتاريخه الحقيقي الموضوعي». ورفضاً منه لهذه المقاربات يجزم مروه بأن استيعاب تراثنا الفكري بروح العصر الذي نعيشه لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس تطبيق المنهج المادي التاريخي، ويعلّل مروة هذا الاختيار المنهجي بعدة دوافع، منها:

* نقد المناهج السلفية اللاتاريخية والإسقاطية التي حنطت التراث ونزعته من أرضيته التاريخية الواقعية وغيّبت ما هو عقلاني فيه باعتباره نتاجاً حضارياً وظاهرة تاريخية متناقضة ودينامية.

* اعتبار مختلف أشكال الوعي انعكاساً لتناقضات المجتمع وصراعاته الطبقية، فلا فكر خارج المصالح الطبقية، خارج الايديولوجيا، وعليه فإن كل مقاربة للتراث هي موقف ايديولوجي وبالتالي موقف طبقي. ويستدل مروة على ذلك باختلاف مقاربات المؤلفين العرب المعاصرين للفكر الفلسفي اليوناني القديم. حيث ركّز بعضهم على الجوانب المثالية في فلسفة أرسطو وغيّب الجوانب المادية فيها أو حرفها. ويرجع مروة سبب هذا الاختلاف إلى أن «معرفة التراث تتلوّن بلون القاعدة الفكرية الايديولوجية التي تتحكم بطريقة إنتاج هذه المعرفة».

* ومن دواعي المقاربة الماركسية للتراث في نظر مروه هو ذلك التداخل في متنه الفلسفي بين النزعات المادية والجدلية مع عناصر مثالية وميتافيزيقية، وكما لاحظ ذلك، عبد الإله بلقزيز فإن «تاريخ الفلسفة عند مروة هو تاريخ الصراع بين المادية والمثالية وتشابكهما.. وضع مروه على عاتقه اكتشافها وإبراز النزعات المادية فيصلّب النزعة المثالية، وعلاقات الصراع بينهما”.

ويواصل “عبد الجليل طليمات”: “وقد أضفى مروه على هذا الاختيار المنهجي بعداً إيديولوجياً واجتماعياً وطبقياً، فتناوله للتراث العربي الإسلامي لا ينبع من هاجس أكاديمي فحسب رغم غنى هذا الجانب في مؤلفه بجزأيه، وإنما أساساً من هم ايديولوجي كفاحي، يقول: «إن القوة الثورية في حركة التحرر العربي لها تراثها المتميز أيضاً عن هذه القوى الأخرى». ومن هذا المنطلق النظري الايديولوجي والمنهجي أصبحت ثنائية مادية/ مثالية في مقاربة مروه، ثنائية تجعل كل مقاربة للتراث مقاربة «تفاضلية معيارية حيث يشير كل ما هو مادي إلى ما هو تقدمي عقلاني علمي، وكل ما هو مثالي إلى كل ما هو متخلف رجعي»، كما تحولت مقاربته هذه للتراث إلى «معركة»، «لا كمعركة دائرة عن الماضي عبر الحاضر بل بالعكس كمعركة دائرة من الحاضر عبر الماضي، أو عن قضايا الحاضر عبر قضايا الماضي»”.

التحول في الفكر..

وفي مقال بعنوان “من النجف دخل حياتي ماركس” نشرت في مجلة (الطريق حزيران 1984 – عدد خاص بمئوية ماركس)، يحكي ” حسين مروه” عن تحوله الفكري يقول: “رحلت إلى النجف صغيراً.. لكن الحلم الذي رحل معي كان كبيراً.. والمفارقة هنا أن الحلم هذا لم يستطع أن يعيش معي في النجف طويلاً.. لماذا؟. ألف سبب وسبب.. أن أصير “شيخاً” مهيباً مرموقاً كوالدي.. ذلك كان حلمي الأول، هذا الحلم لبسني قبل أن اجتاز سن الثامنة.. ولبستني معه العمامة والجبة قبل أوانهما.. مات أبي وأنا في الثانية عشرة، وظهر لي فور موت أبي أننا من أهل الفقر، كيف إذن أحمل الحلم، بعد؟ لم يستطع الحلم أن يعيش معي في النجف أكثر من عام واحد.. كان علي أن اختار وانقطعت العلاقة المباشرة مع الحلم وغابت من حياتي إلى النهاية صورة “الشيخ المهيب المرموق”.. إلى المجهول؟.. المجهول الذي صار معلوماً، هو العلم إذن..هو العلم، نهجاً وهدفاً معاً، سأبقى في النجف.. سأبقى.. سأتابع لكن الهدف هو المعرفة، هو العلم دون “المهنة”..سأبقى وأتابع الدراسة النجفية حتى استكمال مراحلها جميعاً، وبقيت، وتابعت بالفعل.. كان الوصول إلى الكتب والصحف الدورية الصادرة من مختلف البلدان العربية ومن مصر ولبنان بخاصة متيسرا في النجف أي خارج “أسوار” المحيط الدراسي الديني..كان يتوافر لنا هناك أن نقرأ كتابات المفكرين والعلماء والكتاب والمبدعين من رجال القرن التاسع عشر والثلث الأول فما فوق من القرن العشرين.. وكذلك الكتابات الفكرية والعلمية والأدبية المترجمة.. عن مفكرين وعلماء وأدباء عالميين.. هذه المرحلة في حياتي هي مرحلة الخصب المعرفي.. كنت أقرأ الأدب الرومانسي، مع الفكر العلمي، مع الكتابات العلمية الخالصة، مع البحث الاجتماعي: ذلك الوهج النفاذ الذي علمني كثيراً ومهد لي الطريق إلى ماركس”.

ويضيف “حسين مروه”: “إسماعيل مظهر، وشبلي شميل هذان هما الأصل والأساس في تحولاتي الفكرية الأولى نوعياً وجذرياً، فأثرهما الأعمق في تكويني المنهجي والنظري، يرتبط بقراءاتي المثابرة والجادة والممتعة لهما في السنوات الأولى لعهد التحرر من كابوس “المهنة” أي ما بين عامي 1925- 1927 ومن هنا بدأ ماركس يدخل حياتي وما أزال في النجف.. في أواخر الثلاثينيات بدأت أدخل المرحلة الدراسية الأخيرة في النجف، وفي الوقت ذاته كنت أكتب أسبوعيا لمجلة “الهاتف” النجفية (صاحبها:الكاتب القاص جعفر الخليلي) مقالا أو قصة..كان هذا الحضور الأدبي والفكري الأسبوعي يوسع أفق علاقاتي الأدبية والفكرية إلى أبعد من النجف.. لأن الهاتف كانت وقتئذ مجلة معظم المثقفين العراقيين.. في هذا الأفق نفسه انعقدت صلتي بـ “الشيخ” الشيوعي (حسين محمد الشبيبي).. كنت ألقاه في النجف، وأحيانا ألقاه في بغداد متسللا إلى مكانه السري قرب جامع “الحيدر خانة” الشهير.. كانت هذه المرحلة العمل الكادح لكسب العيش/ الكفاف بمثابة السلك الموصل بي إلى الرؤية من الداخل، لأنه التعامل الحي مع آلية الحياة العملية –الاجتماعية، أو لأنه الاندماج بالفعل في دينامية الحركة التي تنتج ظاهرات الحياة العملية –الاجتماعية. في هذه المرحلة الكادحة، هكذا تحولت قراءاتي الفكرية في هذه المرحلة..تحولت إلى لينين من ندائه الشهير إلى شعوب الشرق حتى الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية”.

ويكمل “حسين مروه” عن الأربعينات: “ثم جاءت أحداث الوثبة الوطنية العراقية نهاية عام 1947 وانخرطت في هذه الأحداث في التظاهرات الجماهيرية، وفي النضالات السياسية، وفي الكتابة اليومية لصحف، لقد هزتني التجربة العظيمة، وهزني دم الشهيد جعفر الجواهري، شقيق شاعرنا الجواهري، جاءت أحداث الوثبة، وهزتني التجربة.. واكتشفت خلالها أمورا خطيرة، فقررت الانتماء، ولكن.. جاء أمر إبعادي عن العراق من نوري السعيد ، قبل أن يصير الانتماء عضوياً بالفعل.. وإذا كان هذا الإبعاد القسري الغاشم قد حرمني شرف الانتماء العضوي في العراق، فإنه لم يستطع أن يحرمني شرف هذا الانتماء في لبنان”.

النقد الأدبي..

فسر “حسين مروة” سبب اهتمامه بالنقد الأدبي في إحدى محاضراته  بأن: “النقد المنهجي غائب عن الساحة الأدبية العربية، إن النقد الأدبي يجب أن يكون مؤسسا على نظرية نقدية تعتمد فكرة معينة في فهم الأدب وفي اكتشاف القيم الجمالية والنفسية والفكرية والاجتماعية في العمل الأدبي مع مراعاة حركة تطور المجتمع”، وكانت حصيلة دراسات “حسين مروه” في الأدب كتابيه “قضايا أدبية” و”دراسات نقدية”، يقول الروائي السوري “حنا مينه” عن عمل “حسين مروة” كناقد: “إنه حين يتصدى للنقد الأدبي فإنه لا يقتحم ميدانه ليقال عنه أنه ناقد، إنه لا يمتهن النقد كأداة تعبيرية تترجم عن ذاته وما يريد أن يقول، النقد لديه عملية إبداع، كشف تقويم، ترشيد وتوجيه، وهو لا يأتي النقد قارئا للكتب، معرفا بها، أو متذوقا لها بمزاج شخصي، أو متعصبا سلفا، أو متزمتا، أو متخبطا بين المدارس النقدية، وبين مناهج النقد، دون قدرة على امتلاك أي منها، وبغير أهلية لتطبيقه على الأثر المنقود. إنه صاحب مهمة، ويدرك أن مهمته جليلة وينهض بها. ويعرف أن الثقافة الواسعة العميقة الشاملة، هي المؤهل الأساسي للناقد فيتسلح بثقافة.. لم تتوفر لناقد فرد من العرب الحديثين غيره”.

في وداعه..

يقول المفكر”مهدي عامل” في وداع “حسين مروة” وقد نشرت كلمته في “مجلة الطريق- العدد الثالث- تموز/يوليو 1987”: “ها نحن نودّعك ونشهد بأنك ما استعديْت إلا ظالمًا هو بنظامه قامع مستبد. حاورت الجميع، ناقدًا متسامحًا، مسكشتفًا أفق المعارف، صارمًا في الحق حتى ضد نفسك، صادقًا، والحق عندك في التغيير في خدمة الإنسان. حاورت الرفاق والأصدقاء، وحتى خصومًا هم في حوارك أصدقاؤك. فلماذا قتلوك؟ لأنك الرمز، تنخسف الظلامية كلما خطّت يداك النهج في بحث التراث؛ ترى فيه الصراع المستديم بين قوى القهر وقوى الحرية، بين العقل والجهل. ألهذا قتلوك؟ لأنك قلت أن الفلسفة العربية الإسلامية ليست واحدة، بل متناقضة، يتجاذبها تياران: تيار النور وتيار الظلمات، تيار الثائرين وتيار المستبدّين حتى بالدين، وطبعًا بالإنسان، لأنك أثبتّ أنهم كذبوا. قتلوك، وأثبتّ أن قاعدة الفكر في وثباته الخلاقة علمية وثورية.. من الجنوب انطلقتَ، فأطلقت الجنوبَ وفكرَ الجنوبِ، وقلت: يا أيها المثقفون اتحدوا ضد الطغيان، ولتكن كلماتكم سلاحكم. أنتم أقلام الطبقة العاملة. ألهذا قتلوك؟ لأنك الشيعي الشيوعي”.

مؤلفات حسين مروه..

  • قضايا أدبية (1956)
  • الثورة العراقية (1958)
  • دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي (1965)
  • النزاعات المادية في الفلسفة العربية والإسلاميّة (جزءان) (1978)
  • تراثنا كيف نعرفه (1985)
  • ولدت شيخاً وأموت طفلاً (سيرة ذاتية) (1990)
  • دراسات في الفكر والأدب (1993)

وفاته..

قتل “حسين مروه” في منزله وهو بعمر الثمانين غدرا، بمسدس به كاتم صوت بواسطة أحد المجرمين المنتمين للتيار الديني المتطرف يوم 17 فبراير (شباط) 1987.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة