13 نوفمبر، 2024 10:02 م
Search
Close this search box.

حسين الموزاني : عام على رحيل كاتب بمرتبة ضمير

حسين الموزاني : عام على رحيل كاتب بمرتبة ضمير

خاص / برلين – كتابات
كثيرون ممن يعرفون الروائي والصحافي العراقي المقيم في ألمانيا حسين الموزاني فوجئوا بموته في 7 كانون الأول /ديسمبر 2016، لا سيما انه كان يبدو منتشيا بالحياة والعمل والصداقات والإنتاج الأدبي والصحافي إذ كان يعمل في مؤسسة DW الألمانية الشيرة.
ويبدو إن تلك النشوة وذلك الضمير من الورد والمعرفة والصدق البلوري الجارح، كان يخفي فورة غضب حقيقية مما وصلت إليه الأوضاع في بلاده الأولى، فهو مثلما كان معارضا للنظام الديكتاتوري، كان يواصل نقده لا للأحزاب الحاكمة وحسب في العراق، بل كل القوى المشاركة في الحياة السياسية ما بعد العام 2003 معتبرا اياها شريكة في تخريب البلاد ونهبها ومحوها من خارطة الفاعلية الانسانية، بل يعتبرها مسؤولة عن تدمير ما لم يتمكن النظام السابق من تدميره.
كثيرون لم يصدقوا ان حسين الموزاني مات ولم يعد أمامه متسع من الوقت كي يبادلهم الثري من المعاني في الجميل والصادق من الكلام، عبر موضوعاته شبه اليومية في صفحته على الفيسبوك.
كانوا يخافون على الموزاني من حزنه العميق إلى ما انتهى إليه العراق، فهو بقدر ما كان يحتفي بالحياة اليومية والمعرفية من حوله في مكانه الألماني، بقدر ما كان يجد في ذلك حاجزا من أهوال الواقع العراقي الذي يشده دائما إلى غضب عارم.
واذا كان حسين الموزاني دخل غربته شابا وساخرا من الرايات والأسلحة، فانه أنهاها مخلصا لمعانيها العميقة، فهو البستاني حين تسند اليه مهمة غريبة: صناعة القبور.
واذا كان الروائي والقاص والشاعر، بدا في نتاجه الأدبي والفكري (ترجمة ومقالات في نقد الثقافة وتاريخ الأدب) غاضبا وقاسيا، فان ذلك نابع من جوهر لم يظهره للمتلقي كثيرا، جوهر الرومانسي المتأسي الحزين، لا لسبب شخصي محض، ولا لمأزق ذاتي، بل لانشغاله الكلي في قضية الهوية والتعبير عنها فكريا وأدبيا، تلك القضية التي عنت بلاده وأغنيته الكسيرة التي ظلت تلازمه حد قتله جسديا.
لم تتمكن كل الإنشغالات الصاخبة في حياة الموزاني، الذي عرف من خلال “دار الجمل”، من اخفاء ذلك الجوهر العميق الأنيس والشفاف في داخله، فهناك مرحه اللانهائي بالمسرات البسيطة: النبيذ، الورود في حديقته والضوء داخل سكنه الألماني، دون ان تنسى الحنو في اسمي أبنته وأبنه، ودلالاتهما الثقافية والشخصية.
حسين الموزاني كان حضورا نادرا من الصدق والجرأة والمعرفة.
حسين الموزاني، ختم الغربة في أقصى مدياتها، وهو حتى في مرحه مع النبيذ والزهور في بيته الألماني، لكنه كان يهدر غضبا من الأهوال التي انتهت اليها بلاده وجعلتها ورشة صاخبة لصناعة القبور.
ولد حسين الموزاني عام 1954 في العمارة بجنوب العراق. وفي عمر الرابعة والعشرين غادر العراق متوجهاً إلى لبنان حيث عمل صحافياً. وبعدها بعامين، في عام 1980، توجه الموزاني إلى ألمانيا طالباً للجوء السياسي. وفي جامعة مونستر، درس الموزاني اللغة الألمانية وآدابها والعلوم الإسلامية وكذلك اللغة العربية وعاش طويلا في برلين.
نشر الموزاني في البداية عدداً من القصص والروايات باللغة العربية، ثم بدأ في ترجمة أعمال من الأدب الألماني إلى العربية من أهمها “الطبل الصفيح” للروائي الشهير غونتر غراس. وفي أواخر التسعينات تحول الموزاني إلى الكتابة بلغة غوته، ومن رواياته الألمانية “منصور أو عطر الغرب” (2002) و”اعترافات تاجر اللحوم” (2007)، وهي إعادة كتابة لروايته الصادرة بالعربية بالعنوان نفسه. وفي عام 2003 حصل الموزاني على “جائزة شاميسو” التشجيعية التي تُمنح للكتاب الألمان من ذوي الأصول الأجنبية.
وعن موقع العراق في أدبه وعمله الفكري قال الموزاني ردا على سؤال حول هذا الشأن:
أعمالي كلّها تدور حول العراق في الواقع، ولم أتناول موضوعاً آخر سوى العراق. والآن فقط بتّ أشعر بأنني استنفدت هذا الموضوع، بعدما كتبت عنه ستّ روايات ومجموعتين قصصيتين وكتابين باللغتين العربية والألمانية. وكنت مشغولاً في قضايا العراق وأزماته وحروبه وحصاره ومحاربته واستباحته وتدمير ثقافته.
كأنني عراق مصغر
ويضيف في توضيح هذا المعنى “تخيّل مثلي أنّك تنتمي إلى بلد نُفذت فيه 67 ألف عملية انتحارية خلال 11 عاماً، أي منذ سقوط نظام البعث إلى الآن(2014). وغالباً ما ينتابني هاجس بأنّ عمليات القتل اليومي هذه تحدث في أعماق نفسي، وكأنني عراق مصغّر، فأسير كما لو أنّ الدماء تقطر من جسدي أينما حللت. ومع ذلك فأنا منفيّ حقيقيّ، على الرغم من الشروط المخففة التي نعيش في ظلّها. والمنفى نفسه تحوّل إلى خامة، أو آلة حادة شطرتني نصفين. فأنا لم أكن مرتاحاً ومطمئناً في وطني ولا في غربتي ومنفاي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة