خاص: إعداد- سماح عادل
“حسن العاني” قاص وروائي وصحفي عراقي، تميز بكتابة عمود يومي في صحيفة “العراق”، المُلغاة منذ عام 1990 تحت عنوان “ضربة جزاء”، تناول فيه قضايا مختلفة وبأسلوب فكاهي، وبعد 2003 واصل كتابة العمود الصحفي لكن بعنوان آخر، حيث حظيت مقالاته بمتابعة كبيرة من القراء.
التعريف به..
من مواليد بغداد 1943، عُرف في الأوساط الثقافية منذ ستينيات القرن الماضي، كما اشتُهر بأعمدته الصحفية اليومية.
صدرت له كتب عديدة في الأدب والرواية والصحافة، منها: “سيد الأشجار، مجموعة قصص 1980، والرجل الأسطوري، مجموعة قصص 1986، وليلة رأس السنة، مجموعة قصص 1993، والولد الكبير، مجموعة قصص 2000، ورقصة الموت، مجموعة قصص 2004، وليلة الاحتفاء بالحرية، مجموعة قصص 2015، والولد الغبي، رواية 2016، ووجوه وحكايات، مقالات صحفية 2019، وبانتظار الملك، مقالات صحفية 2020. إضافة إلى “تلك كانت النهاية”، التي قال عنها الشاعر والكاتب عارف الساعدي، مدير عام دائرة الشؤون الثقافية اليوم: “(تلك كانت النهاية) المجموعة القصصية الأخيرة لحسن العاني الذي لم يسعفه الوقت لرؤيتها فهي مازالت في مطابع دار الشؤون الثقافية.
العمود الصحفي..
على مدى أكثر من ستين عاما عمل “حسن العاني” في صحف ومجلات كثيرة، داخل العراق وخارجه، أهمها مجلة “ألف باء” التي عمل فيها منذ عام 1986، وتحدث عن هذه الفترة: “تمكنت خلالها من امتحان قابلياتي في كتابة التحقيق الصحفي وإجراء اللقاءات، وكنت أتمتع بقدر من الجرأة لم أتوقعها من قبل، وقد كنت أكتب العمود والمقال فقط، حتى مُنعت من كتابة العمود من قبل وزير الإعلام آنذاك، ومنع الكتابات النقدية الساخرة التي شملتني أنا والكاتب داود الفرحان فقط، ولهذا لم يتسنَّ لي كتابة العمود في (ألف باء) سوى النُّزُر اليسير”. إضافة إلى عمله في وسائل إعلامية عديدة، مثل الصحافة والإذاعة التي كتب لها مئات البرامج السياسية والثقافية والمنوعة، وتميز بكتابة العمود الصحفي حتى لُقب بـ”أستاذ العمود الصحفي في الصحافة العراقية”.
المنع من الكتابة..
“حسن العاني” صاحب المواقف الشجاعة أيام مجلة “ألف باء” قبل 2003 فقد مُنع من الكتابة والنشر بقرار من عبد حمود مستشار صدام آنذاك، وبقي يكتب وينشر بأسماء بقية الزملاء الذين تضامنوا معه وبعلم رئيس التحرير آنذاك الراحل الكبير أمير الحلو.
ويذكر “حسن العاني”، أنه في فترة الحصار كتب نحو (120) موضوعاً عن المدن العراقية تحت اسم “عبد الله العراقي”، وكتب عموداً فنياً تحت اسم “بكر علي عبد الله”، وكتب الكثير من المواضيع تحت أسماء مستعارة، وفي العام 1999 تم منعه من الكتابة، وكان حينها مسؤولاً عن ملف المدن العراقية، وأصرَّ المرحوم أمير الحلو على بقائه في القسم على الرغم من قرار المنع، وبقي يكتب تحت أسماء مستعارة وهمية، لكن تلفوناً من مكتب “عدي صدام حسين” بيّن للمرحوم أمير الحلو أن تلك الأسماء المستعارة هي لحسن العاني، ما اضطر الحلو إلى حرق جميع المقالات التي كانت بخط يد العاني، واضطره كذلك إلى تكليف بعض أسماء العاملين في المجلة إلى كتابة مواضيعه بخطهم وتنزيلها في المجلة بأسمائهم ومنهم أطوار بهجت، جواد الحطاب، عذراء السامرائي، راجحة عبود، وهناك أسماء من خارج المجلة مثل الفنان الراحل يوسف العاني.
ربيع عراقي..
في مقالة بعنوان (إجابة بلاغيَّة) كتب “حسن العاني”: “في محاولة من أحد أصدقائي لإخراجي من عزلتي، وحالات الكآبة، التي لازمتني بعد الذي تعرضت له من إساءات صدرت عن ناس أحبهم واحترمهم، وكنت أظن أنهم يبادلونني الحب والاحترام.
أصر على اصطحابي لحضور (توقيع كتاب) صدر حديثاً، ولم يعطني أذناً صاغية لسماع اعتذاري، وأنني بحكم ظروفي النفسية أصبحت مثل المرأة العراقيَّة أيام زمان، لا تغادر بيتها إلا مرتين في العمر، الأولى من بيت أهلها إلى بيت الزوجيَّة، والثانية من بيت الزوجيَّة إلى القبر!.
كانت أمسية (التوقيع) رائعة ونقلتي إلى خارج سجني الانفرادي في المنزل، ومن محاسن المصادفات رأيت أكثر من صديق أخذني بالأحضان، وكل واحد يفسح لي مكاناً الى جانبه… جرى حوارٌ ثقافي جاد حول الكتاب، لم يستغرق طويلاً، وفوجئت بصعود عريف الحفل المنصة، وهو يرحب بي ترحيباً أوقد النرجسية في خلايا جسدي، حتى كدت أفقد شعوري، ثم دعاني للصعود الى المنصة لأن الجمهور على حد زعمه طلب منك التحدث عن تجاربك الأدبيَّة والصحفيَّة”.
ويضيف: “أحسست أن قلبي ينبض من اليمين، وأن بي حاجة إلى مليون لتر من الشجاعة، لأن هذا (العريف) ما كان له أن يُقدمَ على ما أقدم عليه لو كان يدري بأنني ما زلت حتى هذه اللحظة لا أميز بين (البيت الأبيض والقصر الأبيض) ولا بين (بايدن وبوتين). كان الله في عوني وأنا أحاول استنفار ذاكرتي، فلم أفلح في استنفارها بعد أن وهن العظم واشتعل الرأس. ما كدت أقف وراء المايكروفون، حتى سألني أحد الحضور سؤالاً مفاجئاً “استاذنا الكبير حسن العاني … كونكم علماً من أعلام السياسة .. ماهو رأيكم بالربيع العربي؟!”، هذا السائل الذي نالت أمه مني أسوأ الشتائم السرية لمجرد وصفي بالكبير والعلم من أعلام السياسة، فكيف وهو يسألني عن (الربيع العربي)؟!.
على أية حال تنحنحت مثل كبار السادة المسؤولين، وكرعت قدح العصير الذي أمامي الى آخر قطرة مثل أولاد الفقراء وابتسمت ابتسامة توحي بأنني مسيطر على الإجابة، ثم تحدثت قرابة ربع ساعة حديثاً متواصلاً أتحدى نفسي كما أتحدى الحاضرين لو فهم أحد منهم جملة واحدة منه.
وتحت تأثير النفاق والأبهة التي وصفني بها السائل التهبت الأكف بالتصفيق، وظننت أن الأمر انتهى، ولكن السائل المصر على فضح ثقافتي السياسية الضحلة، عاد وسـألني عن رأيي تحديداً بالربيع العراقي؟!، صحيح أنا أمي في السياسة، ولكنني لست غبياً في التعرف على النوايا اللئيمة، ولذلك قلتُ له [ جنابك تعرف أن الربيع لا يمر في العراق أبداً، فنحن (شتاء بارد قليل المطر، وصيف حار جاف عديم الكهرباء)، وضحك الجمهور من أعماقه وصفق طويلاً، ظناً منه بأن إجابتي بلاغية وتقوم على التلميح والذكاء!”.
فراشة ..
في مقالة بعنوان (حسن العاني.. الفراشة التي ذهبت إلى الضوء) كتب”وجيه عباس”: “ومثلما ينقطع خيط المسبحة، تتدافع الخرزات، واحدة تدفع الثانية الى أين؟!، هكذا ينفرط عقد الكبار، يمضون بهدوء دون ضوضاء، لايطرقون بابا على الرغم من أنهم تركوا بابهم مفتوحا للمحبين..
مثل النوارس التي تطير على دجلة، يمر حسن العاني وهو يحمل خبزه فوق رأسه لتأكل الطير منه، في جيبه قلم أعده للحياة، وورقة هي شهادة وفاة لم تفارقه، هذا الضاحك الباكي حد الدهشة، من يصدق أن حسن العاني يفارق قلمه وأية ورقة يحملها؟ هذا الذي علمنا أن الكتابة مهنة المثقلين بأحمال. سواهم، لم يتعبه حمله الخاص، ظهره الخشبي تعود على حمل صليبه، حين يمشي أشعر أن الزمن تحول إلى قدمين، وأن المكان تحول إلى أصابع.”
ويضيف: “العاني أشبه بعازف وحيد في مسرح من دون جمهور، منعزل مثل قطرة زيت على الماء، لايهمه إلا أن يحسن عزف أنينه في زمن أعمى وأطرش وأصم، لهذا اكتفى بنفسه وقلة من المحبين الذين يعرفون نداوة تراب حسن العاني.
يلقي قفازه في وجه الزمن ليتحداه، لكنه ينسحب قبل النزال بدقيقة قبل موته، أنا على يقين أنه يتمنى لو أنه نازله وجها لوجه، الزمن جبان وابن غانية، لهذا آثر العاني أن يحفظ ماء صمته”.
الكتابة النابضة بالحياة..
كتب عنه الكاتب العراقي “علي حسين” في عموده الثامن اليومي، الذي ينشر في صحيفة المدى، أنه برحيل حسن العاني يسدل الستار على مرحلة مهمة من فن الكتابة الساخرة والنابضة بالحياة والمشبعة بالوطنية.
وقال: “نفتقد واحداً من دراويش الصحافة الذين اختلط عندهم الواقع بالحروف، فلم تكن هناك حدود فاصلة بين لوحة الحياة التي ظل يعيشها بكل مصاعبها، ولوحة الكتابة التي أراد لها أن تكون صادقة ومعبرة”
ويضيف: “كان يُفترض أن يكون عمود الصفحة الأخيرة من جريدة الصباح لهذا اليوم الثلاثاء من حصة الكاتب الساخر الكبير حسن العاني، لكننا سنقرأ بدلاً من قطعة أدبية ساخرة خبراً عن رحيل فيلسوف البسطاء، ولا أعرف ما الذي كان حسن العاني سيكتب لو عاش يوماً آخر في ظل كوميديا الديمقراطية العراقية التي وصفها ذات يوم بأنها “أتاحت فرصة ذهبية لرسم صورة مشرقة، وخير دليل على ذلك أن المسؤول يمارس الديمقراطية حيث يكتفي بمشاهدة التظاهرات والاعتصامات، وسماع طلبات المتظاهرين، ولم ينفذ منها طلباً واحداً، لأن مهمته الرئيسة هي المشاهدة والاستماع فقط””.
وفاته..
توفي “حسن العاني” يوم الاثنين، في العاصمة بغداد، عن عمر يناهز 81 عاماً.