عرض/ سعيد جليل
أستاذ الفلسفة، باحث في علم الإجتماع
صـــدر هـــذا الــكــتــاب فــي الأصـــل بـالـلـغـة الفرنسية تحت عنوان مأزق الإسلام السياسي، ،(l’impasse de l’islamisme) سنة ٢٠١٥, وقــام الـمـؤلـف نفسه بترجمته ً متوخيا الـوفـاء لـلـمـتـن الــفــرنــســي الأصــلــي مــا أمــكــنــه ذلــك، مستحضراً اختلاف اللسانين، وبما أنه صاحب الكتاب الأصلي فلم يكن هناك داع لأن يخشى من سـوء الفهم أو عـدم دقـة النقل مما يشوب الـتـرجـمـات ويعيبها، لكن مـع كـل ذلـك «يبقى العمل ترجمة تكتنفها ثغرات، ويعيبها ما يعيب الترجمات» (ص. ٨)
إن هــذه الـوقـفـة مـع كـتـاب حـسـن أوريــد لا تهدف إلى تقديم نظرة عامة عن إشكالياته ومضمونه فحسب، بل تتجاوز ذلـك إلـى طرح أسـئـلـة أمـلاهـا الـتـفـاعـل مـع مـحـتـوى الـعـمـل ومختلف الأفـكـار الـتـي تضمنها، والمعطيات التي استند إليها وبعض المفاهيم التي وظفها، عـلـى أن هــذه الــقــراءة شـخـصـيـة لا ُتــلــزم غير صاحبها، ويبقى الكتاب ً إسهاما جـاداً ً ومهما فــي تـأمـل الـظـاهـرة الإسـلامـيـة وتـعـاطـيـهـا مع الـديـن كـرأسـمـال سياسي قـابـل للاستثمار في المعارك الأيديولوجية التي تقتضي المنافحة، والـمـحـطـات السياسية الـتـي تستوجب الحشد والاستقطاب.
للكتاب مقدمتان؛ أولــى للطبعة العربية طرح فيها الإشكال المتعلق بـ «توظيف الدين فــي الـسـيـاسـة الـمـفـضـي إلــى مــأزق (ص. ٥) وضـرورة فصل الدعوي عن السياسي ً انطلاقا من مراجعات الإسلام السياسي ذاته ً خصوصا حـركـة النهضة الـتـونـسـيـة، واعـتـبـر فـيـه أن أثـر الكتاب بالفرنسية مختلف عنه بالعربية. فإذا كان الأول يشبع فضول الآخـر من أجل الفهم، فإن الثاني يثير النقاش والسجال والمشاركة؛ (إنه يذكي الفكر، ويقدح الرأي، يزعج بقدر ما يثير …..) (ص. ٧)
الـمـقـدمـة الـثـانـيـة أبــرزت حيثيات وأصـل الكتاب ومبررات تسليط الضوء على الظاهرة الإسـلامـيـة الحركية، والـتـي تتعرض للمنافسة مــن طـــرف الـسـلـفـيـات الــمــدرســيــة الـمـهـادنـة والجهادية النافرة ً معا، مبرزاً ظـروف وصول الإسـلامـيـيـن إلـى الـحـكـم بـالـمـغـرب فـي «أعـقـاب ما ُسمي الربيع العربي» (ص. ١٢) مع مقارنة ذلـــك بــحــالــة تــونــس ومــصــر، ً ومــتــوقــفــا عـنـد تونس والمغرب حيث تعايش الإسلاميون مع التكنوقراط ومظاهر اجتماعية قـد لا تنسجم مع مرجعيتهم (الخمر، الاختلاط في الشواطئ، التوجهات الاقتصادية…) ً متسائلا عما إذا كان ذلك براغماتية أو ً تأقلما؟ مشيراً إلى أطروحة مارسيل غوشي حـول خـروج الدين من الشأن العام، ً ومتوقفا عند تنصل بنكيران من النصرة السابقة لرابعة ومـرسـي والإخــوان؛ إذ لـم يعد الحزب ً إسلاميا بقدر ما أضحى ً حزبا ً محافظا يـعـبـر عـن تـوجـهـات المجتمع الـمـغـربـي ومنه يستمد مشروعيته.
إن توظيف الدين ليس حكراً على العدالة والتنمية والإسلاميين ً عموما، بل هو موضوع توظيفات من الدولة وخصومها، وهو ما يخفي العلاقة الملتبسة مع الحداثة، أو هل بالإمكان التحديث دون المساس بالذات/التقليد؟ إنه الـسـؤال الملح الـذي لا َينتظر جـواب الفاعلين بـقـدر مــا يـنـظـر إلــى سـلـوكـهـم، لا ّ يــعــول على ُصدم المكشوف بل على المسكوت عنه، وقد ي البعض بأن الحركة الإسلامية هي بنت الحداثة الغربية (ص. ١٤) لأنها نتيجة صدمة الحداثة ِّر عن رد فعل الذات، و«عسر الهضم» التي تعب وهو أمر ليس حكراً على المسلمين فحسب، بل عرفته شعوب شرقية وغربية ً معا. ّ إن الـعـامـل الـديـنـي فـي الـعـالـم الـعـربـي – الإســلامــي يـظـل الـتـعـبـيـر عــن أعـــراض حـداثـة مضطربة، ُ وتداخل بين الديني والدنيوي، ويتم التحايل عليها أو محاولة استئناسها مع السعي لـتـرويـضـهـا مـن خــلال مـغـازلـة الأنــا الجمعي، ولـكـن الأمــر يفضـي لا مـحـالـة إلــى الــمــأزق أو الطريق المسدود، وهـو ما يعبد الطريق نحو الـحـداثـة الـسـيـاسـيـة، ولــن يـتـم ذلــك عـن طريق استعارة الحداثة الغربية أو استنساخها، ولكن بالجواب ً ذاتيا عن ٍ تحد داخلي.
المصدر/ المركز الجماعة العربية