18 نوفمبر، 2024 5:46 م
Search
Close this search box.

“حسنة البشارية”.. “مغنية الروك الصحراوية” التي تخطت الطابوهات الاجتماعية

“حسنة البشارية”.. “مغنية الروك الصحراوية” التي تخطت الطابوهات الاجتماعية

خاص: إعداد- سماح عادل

“حسنة البشارية” مغنية جزائرية شهيرة.

التعريف بها..

اسمها الحقيقي “حسنية حسني” من مواليد عام 1950 في بشار، جنوب غرب الجزائر، أحبت الموسيقى والغناء منذ الطفولة وظهرت للجمهور في مرحلة الصبا، ومن فرنسا غنت، وفي عام 2002 طرحت “ألبوم” جوهرة الجزائر، الذي حقق نجاحا لافتا، ودفع الجمهور لمنحها لقب “عميدة موسيقى الديوان النسوية”، وبمرور الوقت صارت نجمة ذائعة الصيت في المغرب العربي وفرنسا وبلجيكا.

وعلي مدي 30 عاما من النجاح والتوهج كانت أول امرأة مغاربية تعزف على آلة القمبري أمام الجمهور، وقد تركت تأثيرا كبيرا في مسار العديد من الفنانين مثل سعاد عسلة، التي أسست في 2015 فرقة “لمة بشارية” ضمت العديد من الفنانات أبرزهن حسنة البشارية.

منحها الجمهور لقب سفيرة الفنون الكناوية لإحيائها هذا التراث في الدول الأوروبية التي زارتها لتنظيم حفلات للجالية العربية. وشاركت في العديد من المهرجانات الدولية بالجزائر وفرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة ومصر وكندا، ومؤخرا قدمت المخرجة الجزائرية سارة ناصر فيلما وثائقيا يحكي مسيرتها ويرصد إسهاماتها في عالم الموسيقى حمل اسم “مغنية الروك الصحراوية”.

قيثارة..

في حوار معها علي موقع لـ «الشعب ويكاند» أجراه “موسى دباب” تقول “حسنة البشارية” عن اسمها وبدايتها الفنية: “اسمي الحقيقي هو حسنية حسني، لكنني عندما سافرت إلى فرنسا في التسعينيات وأصدرت ألبومي الأول، طُلب مني أن أضع اسمي على الألبوم، واقترح عليّ حينذاك اسم “الشابة حسنة”، لكنني رفضت بشدة وأجبتهم أنّني لست بشابة، ثم اخترت أن يضعوا اسم “حسنة البشارية”.

عندما كنت في 15 من عمري، حاولت تعلم العزف على قيتارة الأكوستيك، كنت دائما أترجّى ابن عمي الفنان أن يعيرني قيثارته، إلا أن أبي كان يرفض أن أتعلم العزف أو أغني، فأقوم بذلك خفية عنه.

أذكر أنّي استأجرت من ابن عمي قيثارته، حيث دفعت له آنذاك “زوج دورو”، ليتكرّر ذلك الأمر عدة مرات، حاولت العزف لكن لم أنجح في البداية، وبعد عدة محاولات أخرى وبينما أنا أتابع عزف ابن عمي نجحت في تقليد عزف أغاني خديجة الجبارية، وهي مغنية قديمة في منطقتنا.

وأتذكّر أنّ إحدى المطربات اللاّتي كن ينشطن حفلات الأعراس، اتّصلت بي وطلبت مني أن أرافقها وأعزف على القيثارة، وقالت لي أنّه قد تم تخصيص وقت للنساء وآخر للبنات، فطلبت الإذن من أمي التي سمحت لي بالذهاب، حيث قمت بالعزف في الحفل الذي خصّص للبنات، وهناك لقيت أعجاب أهل العرس وكل من حضر الحفل، وطلب منّي أن أعزف مرة أخرى في حفل النساء ليلا عبر مكبّر صوت.

قمت بالعزف على الأغاني المشهورة حينذاك، وفي نهاية العرس شكرتني صاحبة الفرقة وأعطتني بعض النقود. اشتهرت في المدينة، وبدأت أتلقى الدعوات لإحياء الأعراس، لدرجة أنه أصبح من لا يدعو حسنة للعزف في عرسه كأنّه لم يفعل شيئا، فقد كنت أنشط أربعة أعراس في اليوم الواحد، وبدأت أدعو النساء الموهوبات للعزف في فرقتي، وجلّهن احترفن هذا الفن بعد ذلك، مع العلم كنت أعيل بمداخيل العزف أمي حتى توفيت.”

آلة الڨمبري..

وعن آلة الڨمبري رفيقها الدائم والحكاية معها تقول “حسنة البشارية”: “في الحقيقة كان والدي مقدم فرقة الڨناوة، كما أنّ كل العائلة تمارس فن العزف على القيثارة بداية من جدي إلى أبي، لدينا سكن يدعى «المحلة»، وقد كان خاصا بالتدرب على العزف، وما زالت إلى يومنا هذا أحتفظ ببعض الآلات التي كان يستخدمها أبي.

في ذلك الوقت كنت ألاحظ أبي وهو يعزف على آلة الڨمبري، وقد كان صوتها يدغدغ أحاسيسي، كان يحاول إبعادي لأنصرف إلى أعمال البيت ومنعني من أن ألمس أدواته. عشقت آلة الڨمبري، فقررت أن أصنع واحدة بنفسي، فأحضرت قطعة من اللوح وعصا مكنسة وأسلاك دراجة هوائية وصنعتها.

بدأت أتعلّم عليها العزف و”أدندن”، لكن بعض العازفين على آلة القناوة، نصحوني أن أغير الأسلاك التي استخدمها على الآلة، لأّنها لا تصدر صوت الڨمبري، وأحضروا لي خفية آلة أبي وعندما عزفت عليها، استنتجت أنها تصدر ثلاث نوتات موسيقية، كبيرة ومتوسطة وصغيرة..تركت آلة الڨمبري لفترة ورحت اشتغل في الأعراس لأعيل أمي بعد طلاقها من أبي.

ذاع صيتي في المنطقة، وسجّلوا أسطوانة لعزفي، حتى وقعت هذه الاسطوانة في يد أحد المهتمين بالغناء والعزف يدعى “محمد علالو”، والذي كان متواجدا في فرنسا، فطلبوا مني أن أسافر إلى هناك، فلبيت الدعوة وأحييت أول حفلة بمناسبة 8 مارس، وبقيت في فرنسا مدة 8 سنوات..كنت خلالها أعزف على آلة الڨمبري حيث كانت الصحافة الفرنسية تجري معي لقاءات فأعطوا لفني مكانة كبيرة في باريس والآن أنا أعزف على الڨمبري والقيثارة الأكوستيك والكهربائية وآلة البانجو والبندير والدربوكة..

استقبال امرأة عازفة..

وعن استقبال المجتمع البشاري لفنها كعازفة على آلة موسيقية تقول: “كنت ومازلت المرأة الوحيدة في الجنوب التي تعزف على آلة الڨمبري، كانت العرائس إذا لم أحيي أعراسهن يبكين، حيث كنت الفنانة الأكثر طلبا في مثل هذه المناسبات”.

وعن بداية الشهرة عالميا تواصل: “في شهر جانفي 1999 نشّطت حفلا في باريس رفقة زميلاتي في الفرقة الموسيقية، وكن من ولاية بشار، فلقيت إعجاب الفرنسيين بالمرأة العازفة على آلة الڨمبري. وعندما أصدرت ألبومي، أخذني المشرفون على حفلاتي في جولات فنية إلى عدة دول عربية وأجنبية من بينها مصر وكندا وسويسرا وبلجيكا..وقد تلقيت نصيحة بتعلم اللغة الفرنسية، وفعلت ذلك، وأصبحت أحسن التحدث والكتابة والحساب بهذه اللغة.

انطلاقتي في العزف على آلة الڨمبري، كانت بالمهجر حيث تعلّمت أشياء أخرى أضافت إلى خبرتي الفنية الكثير، حيث مكثت في باريس 8 سنوات.”

الأغاني..

وعن الأغاني التي قدمتها تحكي: “قدّمت أول أغنية كان يغنيها أبي رحمه الله بعنوان «صلوا على نبينا» ثم أغنية «بانية» و”بوري بوري”، بعد ذلك غنيت «جنقري ماما» و”مولاي إبراهيم” و”سيدي موسى”..

وأغاني أخرى وصل عددها إلى 16 برجا بالڨمبري، وعندما كنت أعزف على الڨمبري في حفلات الأجانب، كانوا «يجذبون» أي يتفاعلون معها بالرقص، وهم يصرخون إعجابا بعزفي، وقد تمّ في كندا إنتاج فيلم عن حياتي.

تراث الجزائر..

وعن غنائها داخل الوطن وخارجه وهل قام بالتعريف بتراث الجزائر تقول: “نعم، ساهمت كثيرا الحفلات التي كنت أنشطها في التعريف بالتراث، لأنني لم أغير في هذا الفن، لا من حيث العزف على الآلات المستعملة في الأغاني، ولا من حيث الطابع التراثي.

وأنصح الشباب بتعلم العزف على آلة الڨمبري لأن في ذلك بركة، وباعتبار الڨمبري من تراث أجدادنا، خصوصا أن هذه الآلة متوفرة في المنطقة وتباع في المحلات في تاغيت وإقلي، كما آمل أن أرى فتاة تعزف على آلة الڨمبري، لدرجة أنّه لو جاءتني فتاة ترغب فعلا في تعلم العزف عليها لقمت بتعليمها ولو في بيتي.

مغنية الروك الصحراوية..

يعد الفيلم الوثائقي حول “حسنة البشارية” بعنوان “مغنية الروك الصحراوية” تكريما لها وللتراث الثقافي والموسيقي الجزائري، وتقول المخرجة عنه: “الفيلم إشادة قوية بأعمال أيقونة الموسيقى والغناء النسائي والتي تابعتها لمدة 10 سنوات، حيث حاولت تصوير محطات من حياتها الشخصية والفنية والتي تتخللها وقائع صعبة”

وأضافت: “أنني سعيدة جدا كون الجمهور بالجزائر العاصمة ووهران سيتمكن أخيرا من مشاهدة هذا الفيلم بعد عرضه في الأيام السينمائية (بجاية) في سبتمبر الماضي وفي مهرجان تاغيت (بشار) في فبراير 2023” و تابعت المخرجة “سارة ناصر” أن فيلم “مغنية الروك الصحراوية” الذي تبلغ مدته ساعة و15 دقيقة والذي تم تصويره وإنتاجه خلال فترة دامت حوالي عشر سنوات هو “عبارة عن بورتري لحسنة البشارية المرأة الوحيدة التي عزفت ببراعة على آلة القومبري وهي الآلة الوترية الوحيدة لموسيقى ورقص الديوان والتي كانت سابقا حكرا على المعلمين الرجال..

وباعتبارها المرأة الوحيدة التي عزفت على القمبري فإن حسنة البشارية هي أول فنانة تخطت الحواجز والطابوهات الاجتماعية لثقافة الديوان في البلاد “.

حاز هذا الفيلم الطويل الصادر في 2022 العديد من الجوائز العالمية منها جائزة أحسن فيلم وثائقي طويل مصنف “نظرات من هنا” في المهرجان الدولي “مناظر إفريقيا” بمونتريال (كندا) في 2022 وجائزة أحسن فيلم وثائقي طويل في سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) مهرجان الفيلم العربي 2022، وجائزة أحسن فيلم من إخراج امرأة في مهرجان السويد الدولي بالإضافة إلى الجائزة الكبرى للجنة التحكيم للفيلم الوثائقي في المهرجان الدولي للأفلام الإفريقية والمنحدرين من أصل إفريقي “بانغي: تصنع سينماءها” (إفريقيا الوسطى).

وفاتها..

توفت “حسنة البشارية” 1 مايو أيار 2024 عن عمر ناهز الـ74 عاما بعد صراع مع أمراض الشيخوخة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة