إعداد/ شفيق شقيرعة
يركز الجزء الثاني من رواية حزب الله للحرب السورية على المسألة المذهبية وتداعياتها على الحزب وبيئته الحاضنة، واضطراره لإعادة التموضع في الحرب السورية بغضِّ النظر عن التقدم الذي حققه هناك، وأن الخسارة الأكبر ستكون في علاقته مع الأكثرية السنية في المنطقة.
مقدمة
تناولت الورقة في جزئها الأول (1) أسباب مشاركة حزب الله في الحرب السورية بالإضافة إلى الكيفية التي جاءت وفقها هذه الرواية بالتوازي مع طريقة تدخله العسكري المتدرج فيها.
وسيتناول الباحث إشكالية الدراسة في جزئها الثاني من خلال ثلاثة محاور أساسية وتحت كل منها عدد من العناوين الفرعية: في المحور الأول “المسألة المذهبية في الحرب السورية” التي أصبح حزب الله من الناحية الواقعية جزءًا منها ومن الأطراف المنتجة لها. وسيبيِّن في المحور الثاني “إشكالات الرواية” التي يقدِّمها الحزب بخصوص تدخله في سوريا والمراجعات والتعديلات التي تعرض لها بناء على ما يستجد من أحداث، أما المحور الثالث والأخير، فسيركز على مستقبل تدخل حزب الله في سوريا والسيناريوهات المتعلقة به، مع اعتبار المسألة المذهبية في ذلك جميعًا، وبعنوان “سوريا والمسألة المذهبية: إلى أين؟”.
1- المحور الأول: المسألة المذهبية في الحرب السورية
ترفض النخب في بيئة حزب الله القول بأن هذا الأخير هو المسؤول الوحيد عن الصراع المذهبي في المنطقة، وترى أنه أقل الفاعلين في هذه المسألة وبحُسن نية، ويرون أن هناك أطرافًا عدة وأسبابًا عديدة وراء التأجيج المذهبي وبعضها لا تتصل به البتة، بل إن لحزب الله روايته حول دور الأطراف الأخرى بما يدفع به عن نفسه هذا الاتهام.
وبالمقابل، فإن معارضين للحزب من “الشيعة” فضلًا عن الخصوم، لاسيما المعارضة السورية، يؤكدون أن حزب الله أهم الفاعلين وأبرز المتورطين في المسألة المذهبية، على وجه الخصوص بعد أحداث الربيع العربي، وكانت له مساهمة في تأجيج الصراع المذهبي لاسيما في الأزمة السورية مركز البحث، سواء كانت بطريقة مباشرة بالتزامن مع تدخله العسكري هناك، أو بطريقة غير مباشرة تتصل بالمحور الذي ينتمي إليه وما يضم من ميليشيات تتصدرها الأولوية المذهبية، وأن هؤلاء جميعًا اعتمدوا “تعبئة مذهبية” متشابهة، مركزها “ولاية الفقيه”.
وعليه، سيتناول هذا المحور في البداية “رواية حزب الله للمسألة المذهبية” ويُخضعها للنقاش والتحليل باستحضار ما يقابلها من سياقات أو مقولات، ثم يستعرض خطاب الحزب المذهبي وسماته كما رآها الآخرون أو تجلَّت على أرض الواقع، من خلال “التعبئة المذهبية في حزب الله”.
أ. رواية الحزب للمسألة المذهبية: يُرجع حزب الله تصاعد الخطاب المذهبي إلى فاعلين آخرين أو مصادر أخرى، ليس هو منها أو إنه “أقل الفاعلين فيها وبحُسن نية”، ويمكن حصرها في ثلاثة مصادر تتصدر رواية حزب الله، وتتصل بمبررات تدخله العسكري، وهي وفق الآتي:
أولًا: دور الأطراف الإقليمية، ويُقصد به المحور المؤيد للثورة السورية، حيث يتهم خطاب حزب الله الإعلامي عادة كل خصوم محوره بأنهم المصدر الأساس للخطاب المذهبي بغية محاربة “محور المقاومة” في سوريا، وتشمل الاتهامات كل دول الخليج وأحيانًا تركيا، ولكن المواجهة شبه المباشرة في اليمن جعلت السعودية على وجه الخصوص هي مركز الاتهام أكثر من سواها مؤخرًا، وأنها تستخدم الخطاب المذهبي ضد “محور المقاومة”، في حين تعمل “الماكينة الإعلامية المعادية” للحزب على شيطنته مذهبيًّا أو على تضخيم أخطائه إذا ما وقع في بعضها(2). ويقول النائب فياض(3)، على سبيل المثال: إن الرياض تحرِّض طائفيًّا ضد هذا المحور وترفع شعارات لا يمكن إدراجها في “دائرة الخلاف السياسي” من قبيل أن الشيعة أمسكوا بالعراق ويريدون استرداد دمشق. كما إنها أعدمت رموزًا شيعية (في إشارة إلى إعدام السعودية الشيخ السعودي نمر النمر(4))، دون الأخذ في الاعتبار حساسية الشيعة تجاه هذا الأمر.
وهذه الاتهامات تأتي في سياق التمدد الإيراني إلى لبنان ودمشق واليمن، وبشعارات دينية، كما لا يخفى، وهي بطبيعة الحال ستقلق السعودية وسواها من الدول العربية فضلًا عن معنيين آخرين. وأي نزاع بين أية دولة عربية وإيران سيكون مصدر إثارة لحساسية مذهبية ما، وهو ما عرفت المنطقة بعضه خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1988-1980)، ونشهد مثله اليوم بين السعودية وإيران، لولا السياق الذي جاء فيه، أي السياق السوري حيث تجلَّت المسألة المذهبية فيه بصورة غير مسبوقة ربما منذ قيام الدولة العربية الحديثة، سواء من حيث شدة عنفها أو ما سيترتب عليها من آثار. فالمسألة المذهبية في الحرب السورية لا تتصل أسبابها بالسعودية أو بأية دولة عربية أخرى فحسب، فلو تحسنت علاقة السعودية أو أية دولة عربية أخرى مع محور إيران فإن الدور الإيراني المذهبي والملتبس في المسألة السورية سيبقى قائمًا، ولن يتلاشى موقف الشريحة العربية الواسعة ولا موقف القوى والكيانات السياسية والاجتماعية فيها الرافضة له.
وبالعودة للحزب، فإن تدخله نفسه في الأزمة السورية ارتبط بسياق سياسي أجَّج من المسألة المذهبية ويعود إلى لحظة انطلاق الثورات العربية (عام 2011). فهذه الأخيرة جاءت بأعلام ودعوات وطنية وبمطالب الحكم الرشيد، ومنها في سوريا التي بُني غالب مقولاتها في البداية على ما سُمي بربيع دمشق (عام 2000) (5)، لكنها وُوجِهت باتجاه معاكس أخذ يتغذى على دعوات تحذِّر من حكم الأكثرية السورية التي يقوم عمودها الفقري على الطائفة السُّنية، وكأن ما يحصل هو انتفاضة للسُنة ضد العلويين، أي طائفة الأقلية الحاكمة في دمشق. وجاء التدخل العسكري لحزب الله وكأنه في سياق مضاد للثورات، إلى جانب خطاب طائفي ضد حكم الأكثرية المحتمل، لينتج عن هذا التدخل تداعيات عزَّزت من البُعد المذهبي. وهو ما يفسر الحساسية المفرطة في المنطقة لأي حدث له صلات مذهبية، كما هو الشأن مع قضية “نمر النمر”، فبغضِّ النظر عن البُعد الحقوقي وما فيه من صواب أو خطأ هو مواطن سعودي، وبالتالي، فإن تأييد قضيته بعنوان مذهبي سيُعتبر جزءًا من التأجيج المذهبي والترويج الديني لنزاع سياسي ليس إلَّا، لاسيما أن إيران تقوم بإعدامات مماثلة وموثَّقة بقوائم منظمات حقوقية (6). وهذا لا يعني أن النزاع السعودي-الإيراني ليس أحد مصادر تصعيد النزاع المذهبي لكنها مسؤولية مشتركة ملازمة لعلاقات البلدين، إلا أن جوهر المسألة هو التمدد الإيراني عسكريًّا وسياسيًّا، واعتباره المسألة المذهبية جسرًا لتعزيز نفوذه لدى “شيعة” المنطقة متجاوزًا الحدود الوطنية، وهذا سلوك أصبح نمطًا في المنطقة حيث يتداخل فيها السياسي مع الديني وقد تقوم الأطراف باستخدام الدِّين في نزاعاتها.
ثانيًا: ظهور “التيارات التكفيرية”، لاسيما مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيم القاعدة لاحقًا، ويرى الحزب وبيئته وجمهوره بشكل عام أن أصل هذا الفكر مصدره “الفكر الوهابي” وتحديدًا النسخة التي مثَّلها أبو مصعب الزرقاوي في العراق، ثم شاعت في المنطقة ومنها سوريا؛ “فهذه الجماعات لم تحصر صراعها ضد الاحتلال الأميركي في العراق بل وسَّعته وأعطته طابعًا مذهبيًّا ضد الشيعة، وأطلقت خطابًا فقهيًّا قدَّمت فيه محاربة الشيعة على “اليهود” أحيانًا، في تسعير للنزاع المذهبي بالمنطقة”، كما يقول النائب فياض.
لا شك أن حالة أبو مصعب الزرقاوي جزء من الحالة المذهبية في المنطقة وأسهم في تأجيجها، وشكَّلت “حالة الزرقاوي” تحولًا في خطاب القاعدة نحو المذهبية أكثر، ولكن هذا التحول شمل أيضًا كل الحالة السياسية العراقية، ولأسباب تتصل في بعضها بمحور إيران في العراق وما جرى من نزاع مذهبي كان للجماعات المؤيدة لمحور إيران وحليفة لحزب الله في الحرب السورية دور رئيسي لا يخلو من انتهاكات -قد تكون في بعضها شبيهة بما يجري في سوريا اليوم- تحت شعار محاربة حزب البعث أولًا ثم محاربة الإرهاب انتهاء بمحاربة التكفير(7).
وإعلان الحرب على التكفيريين في الحرب السورية سواء كانت حقيقية أو بالإعلام فقط، هو ديدن كل الأطراف الإقليمية، كما أن كل الجماعات السورية المعارضة دخلت في مواجهات عسكرية ضد هذا الخطاب أكثر من حزب الله ومحوره، حيث شارك أكثرها فعليًّا في محاربة تنظيم الدولة، وبعضها له خصومات ومعارك حتى مع هيئة تحرير الشام لأنها “تكفيرية” كما يراها.
وهذا لم يمنع أن عوامل المسألة المذهبية في سوريا لا تزال هي الأكثر فاعلية، حتى إن وصف “التكفيريين” من قبل حزب الله، أصبح في أغلب الأحيان جزءًا من التراشق المذهبي؛ إذ الاتهام بالتكفير نفسه يستبطن بُعدًا مذهبيًّا وسياسيًّا؛ فحزب الله -وحلفاؤه- اعتمد خطابًا سياسيًّا يصف فيه المعارضة السورية بـ”التكفيريين” بالجملة، كما تقول هذه الأخيرة، بما فيها من إسلاميين كانوا حلفاءه بالأمس فضلًا عن قوميين وغير مسلمين أصلًا، وذلك في استغلال للحرب الدولية ضد تشدد تنظيمي القاعدة و”الدولة الإسلامية” (بوصفهم إرهابيين وتكفيريين) للخلاص من المعارضين السوريين، وهم شريحة كبيرة من الشعب السوري إذا لم يكونوا أغلبيتهم.
ثالثًا: أي المصدر الثالث للتصعيد المذهبي، يُرجعه حزب الله ومؤيدوه إلى تغير موقع ودور حركة الإخوان المسلمين إبَّان مرحلة الربيع العربي، وهي الجسر الأهم الذي كان يوصل بين حزب الله بوصفه حركة “مقاومة إسلامية” و”العالم السُّنِّي”، وذلك بسبب تاريخ التعاون بينهما على صعيد المقاومة في المنطقة العربية، لاسيما حول القضية الفلسطينية، والتقائهما على الدعم المطلق لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ذات التفكير والتوجه الإخواني على الأقل، هذا إذا لم تكن منظمة إخوانية. ويرى عموم من قابلهم الباحث من حزب الله أو بيئته أن جماعة الإخوان لم تتفهم متطلبات المرحلة، سواء في تعاملها مع الربيع العربي أو ما تلاه من أحداث، فاتجه الإخوان إبَّان مرحلة رئاسة محمد مرسي لمصر نحو السعودية بدلًا من الاتجاه لمحور المقاومة، وهيمنت عليهم تأثيرات التيار السلفي الوهابي الذي مركزه السعودية (8)، ووصلت ذروتها بأن تحالف الإخوان مع هذا التيار “المعادي للشيعة بالمبدأ، وتجاهلوا إيران وحزب الله” ولم يأخذوا هواجسهما بالاعتبار في سوريا، وتجاهلوا الدعوات للإصلاح والمصالحة مع الرئيس الأسد. ويُجمع هؤلاء على أن العلاقة مع الإخوان المسلمين كانت جزءًا مهمًّا من المسألة المذهبية، إما في ضبطها قبل مرحلة الربيع العربي أو في تسعيرها بعده، لاسيما بعد أن تصاعد الاختلاف بينهما وانعكس على شرائح شعبية واسعة.
إن علاقة حزب الله بالإخوان المسلمين لا يتسع المقام لذكرها هنا تفصيلًا، ولكن الإخوان ينفون تمامًا ما يروج عن صلتهم بالوهابية وبالتحديد فيما خصَّ الموقف المذهبي أو أنهم اختُرقوا في هذا الجانب من هذا التيار، ويشيرون إلى الوضع الذي يعيشه الإخوان الآن من “محاولات قمع” يتعرضون لها من قِبل “الثورة المضادة” حيث تستخدم دول عربية التيار الرئيسي للوهابية ضدهم. ويرون أن حزب الله -كما إيران ومن معها- كانوا جزءًا من الثورة المضادة (في سوريا وسواها) عن علم لمصالح ضيقة أو عن غير علم لسوء فهم وتقدير لمسار التغيير في العالم العربي.
وبالنسبة لما يتعلق بمحاولة التوسط الإيراني في دمشق لدى الإخوان للإصلاح أو المصالحة (9) (والذي كان بمباركة من حزب الله أو بعلمه أو بمشاركة منه)، فهي بحسب مصادر إخوانية، مبادرة طرحها علي لاريجاني -أحد أهم مستشاري المرشد خامنئي- على الإخوان المسلمين في خريف عام 2012، وتقوم على بنود مختصرة تقضي على الإجمال بـ “قبول الإخوان بتقاسم السلطة مع الرئيس بشار الأسد بحيث تكون صلاحيات الحكومة التي يديرونها تتولى الجانب الاقتصادي ويحتفظ الأسد بالجانب الأمني والعسكري”. ويبدو أن هذه المبادرة نفسها طرحها السفير الإيراني السابق، غضنفر ركن أبادي (10)، على “إسلاميين” أو تحدث معهم عنها في بيروت وذلك في شهر يناير/كانون الثاني 2013، وربما بصيغة مختلفة قليلًا ولكن جوهرها واحد.
ومن المفارقات أن الإخوان وجدوا في هذه المبادرة دليلًا على عزم إيران ومن يؤيدها على مواجهة الثورة السورية ومنهم حزب الله، وأنها بدلًا من أن تخفف هواجسهم فإنها عززتها، لأنها كانت تتضمن وبوضوح -كما يرون- إقصاء “الأكثرية السُّنية” عن الحكم والاقتصار على الدور الاقتصادي إضافة إلى دور سياسي هزيل كما كان عليه الوضع قبل الثورة وبدون أي ضمانات حول اتجاهات المستقبل، ما يعكس تشكيكًا بحكم “الأكثرية السُّنية” المحتمل من اللحظة الأولى والعزم على تحجيمها بأي سبيل، وفي لحظة كانت قد وصلت “الثورة” لذروتها في سوريا؛ إذ يعود تاريخ المبادرة إلى ما قبل خوض حزب الله لمعركة “القصير” بوقت قصير، والتي كانت في مايو/أيار 2013، وقبل مارس/آذار من نفس العام، وهو الشهر الذي أرَّخ فيه العميد في الحرس الثوري الإيراني، حسين همداني، بحسب مذكراته لتدخل الميليشيات في الحرب السورية بإشارة من إيران(11)، وخلال فترة حكم الرئيس المصري، محمد مرسي، وقبل الانقلاب عليه (30 يونيو/حزيران 2012- 3 يوليو/تموز 2013).
وقد يربط بعض الإخوان (ممن قابلهم الباحث) بين هذه المبادرة وبين عمليات التغيير الديمغرافي التي تحصل وأن مخرجاتها السياسية هي ما كانت ستحصل في الحالين بالنسبة لإيران سواء استجاب الإخوان لأية مبادرة أم لا، أي تحجيم الأكثرية السنية ولو بطرق مختلفة. وبعبارة أخرى، إن الاتجاه كان في سوريا نحو الاصطدام سواء بين إيران والثورة أو بين الإخوان المسلمين وحزب الله، ولم تكن هناك أية مبادرة جادة أو أخرى تعكس على الأقل حقيقة اعتبار الإخوان شركاء حقيقيين بما يكفي لضبط الخطاب المذهبي بالمنطقة أو تجاوزه، بل هم خطر محتمل وباعتبارات بعضها مذهبي إن لم يكن الأبرز من بينها.
ب. التعبئة المذهبية في حزب الله: إن رواية حزب الله في نهاية المطاف تؤكد أن الحزب اعتمد “التعبئة المذهبية”، وتُجمع الآراء التي تتبعها الباحث في بيئة حزب الله من النخب السياسية والفكرية والبحثية، على أن لحزب الله خطابًا دينيًّا وقد يكون له سماته المذهبية في الحرب السورية كما شأنه في سواها، إلا أن غايته “التعبئة” و”الحشد”، لأن خزان الحزب وجمهوره هو الطائفة الشيعية وهو لا ينكر ذلك، ولكن دافعه في الحرب، كما يقول علي فياض: “ليس مذهبيًّا ولا ينطلق من الأيديولوجية الشيعية”.
وبعيدًا عن محاكمة هذه التعبئة وكونها تبرِّر حق اعتماد التعبئة المذهبية لجميع أطراف النزاع، فإنها لعبت دورًا كبيرًا في إعطاء الصراع طابعًا مذهبيًّا حادًّا. وسيتناول الباحث التعبئة المذهبية أولًا من حيث الخطاب ثم السياق الذي جاءت فيه ثم بعض النتائج التي أفضت إليها.
أولًا: من حيث خطاب التعبئة المذهبية، اعتمد الحزب التعبئة الدينية الشفوية والاجتماعية الموجَّهة لبيئته الخاصة وللبيئة الشيعية المستهدفة بالتحشيد عمومًا، بالترويج لقصص دينية مستقاة من أخبار آخر الزمان والإمام المهدي والثأر لآل البيت، وأكثَرَ من الحديث عن الكرامات للمقاتلين بسوريا، في استعادة لبعض الأساليب التي اعتُمدت في الحرب الإيرانية-العراقية ولكن على الطريقة اللبنانية. وكان خزان هذه التجربة عمومًا أساسيًّا في اعتماد أساليب الإقناع والحشد، وفي انتقاء المفردات بعناية كـ “الحرب المفروضة” التي تستهدف “الثورة الإسلامية” في إيران و”خطها المحمدي الأصيل”، وما إلى ذلك. وتكمن أهمية هذه التعبئة في أنها الموجِّه الفعلي للجمهور، رغم كونها على هامش الخطاب السياسي إلا أن هذا الأخير يتكامل معها بطريقة ما، لتحتل الصدارة لدى جمهوره، وهي ظاهرة بحدِّ ذاتها جديرة بالدراسة.
كانت مراكز التعبئة الدينية، مثل مجالس العزاء والحسينيات والشعارات السياسية اليومية التي تضج بها هذه البيئة (المستهدفة بالتحشيد)، قد أعطت الحرب السورية أولوية مطلقة في بداية الإعلان الرسمي من حزب الله عن التدخل العسكري، وقدمت حربه في سوريا ابتداء على أنها حرب دفاع عن “المقامات الدينية” في سوريا ودفاعًا عن عقائد الشيعة في مقابل “أغلبية سُنِّية” فيها من يريد هدمها، أي هي حرب ضد مجهول ليس له وصف محدد، ولكن من الأغلبية السنية ما يجعل كل هذه الأخيرة موضع تشكيك بالمعنى الديني والسياسي.
ثانيًا: من حيث سياق التعبئة المذهبية، هناك مرحلتان أساسيتان انعكستا على مضمون التعبئة الدينية والمذهبية، أولاهما جاءت لتبرير التدخل العسكري لحزب الله العسكري في سوريا، وأعطت الصدارة للشعار المذهبي وبشكل مكثف؛ إذ يبدو أنه كان من المشكوك جدًّا لدى الحزب عند اتخاذه قرار التدخل العسكري أن ينجح في تهيئة جمهوره والبيئة الحاضنة له بالسرعة اللازمة والملائمة، فلجأ إلى المبالغة في الاعتماد على التعبئة المذهبية لتعزيز الأسباب الموجبة لتدخله العسكري هناك بوجه خاص على صعيد الطائفة الشيعية، كما استعان بـ”التكليف الشرعي” من المرشد خامنئي على الصعيد التنظيمي، لإقناع من داخل الحزب ومن يقلده دينيًّا من الشيعة بصحة موقفه في سوريا. هذا فضلًا عن الأقوال أو الشائعات المسربة أو المنسوبة للمرشد لهذه الغاية (12)، بهدف حسم أي تردد قد ينشأ على الصعيد الداخلي في الحزب وذلك بما يؤمِّن وبسرعة بيئة مواتية للتدخل العسكري في سوريا.
أما السياق الآخر، فقد فرضه تطور الأحداث، حيث جاء ظهور تنظيمي القاعدة والدولة لاحقًا كفاعلين أساسيين في سوريا تحديدًا، ليعطي الحزب ومحوره فرصة لتضخيم المعطى “التكفيري” في المعارضة السورية بما يكفي لوضعها في مواجهة أقليات المنطقة ومنها لبنان، وأن خطر ما يجري في سوريا يشملها جميعًا كما يشمله، وبالتالي، فإن حربه في سوريا هي حرب كل الأقليات ودفاعًا عنها.
ثالثًا: من حيث نتائج خطاب التعبئة، رسخت لدى الجمهور أن حزب الله يخوض “حرب وجود” ضد “تكفيريين” يريدون “إزالة الشيعة” من المنطقة، وقد يقودون “الأغلبية السنية” إلى هذا الخيار إذا لم “ينتصر بهذه المعركة”. ولا يزال هذا الخطاب فعَّالًا على صعيد تبرير خيار الحزب بالتدخل العسكري وصوابه، وإن تراجع قليلًا راهنًا عن صدارة التعبئة الدينية (13) بعد تراجع نفوذ تنظيمي الدولة والقاعدة في سوريا، وبعد معركة عرسال الأخيرة (14).
قد لا يبدو هذا الحديث عن التعبئة المذهبية متسقًا مع الرواية التي يعتمدها حزب الله، والتي تفيد بأنه لم يسْعَ لحرب مذهبية لكنها تتسق جدًّا مع حقيقة أن التطورات الميدانية قد ذهبت بالأمور أبعد مما كان يتوقعه حزب الله لو صحَّ أنه لم يكن يسعى إليها. فمن الواضح أن الخطاب التعبوي المذهبي الذي ظهر في المرحلة الأولى (أي لتبرير التدخل) وبقوة لم يكن يتوقع أو يأخذ بالاعتبار ظهور “تنظيم الدولة الإسلامية” كحالة “تكفيرية” بهذا الوضوح لاحقًا، وإلا فإن خوض الحرب بشعار محاربة “التكفيريين” كان سيُغني عن المبالغة بالاعتماد على “الشعار المذهبي” في هذه الحرب وما ترتب عليه من عواقب. ولكن جريًا وراء الأحداث، اضطر الحزب للجمع بين الاثنين إذ لا يمكن العودة للوراء، فكان الخلط بين الحرب على “المعارضة السورية” (الأكثرية السُّنية المحتمل أن تحكم حسب التعبئة) و”التكفيريين” (باعتبار أولويتهم محاربة الشيعة حسب التعبئة) ما أجَّج المعنى المذهبي في الصراع بطريقة عدمية حتى تجاوز قدرة الحزب على ضبطه لو أراد، واكتفى بالاستفادة منه بالمقابل لتأكيد أن لا خيار إلا المضي بهذه الحرب (15).
2- المحور الثاني: إشكالات الرواية والمراجعات
الرواية التي يقدمها حزب الله بخصوص تدخله في سوريا تتعرض لتعديلات وإعادة صياغة تلقائية بناء على ما يستجد من أحداث، وكي تنتظم أو لا تتناقض مع البنية الفكرية والعقائدية وكذلك مع السياسات المعلنة التي يتبناها حزب الله، لأنه معني بقوة الصورة والحضور كقوة عربية وإسلامية أخلاقية، وهذا النوع من المراجعة هو الوحيد الحاضر راهنًا.
وهناك تأكيد أيضًا في حزب الله، على أن الثقافة العامة فيه لم تتغير بسبب الحرب السورية، “وهي الوحدة الإسلامية، والمقاومة، والتزام قضايا المسلمين”، ومنها فلسطين، أمَّا الصراع ضد “المتشددين” بالمنطقة فطارئ وسينتهي بانتهاء خطرهم (16)، حتى إن “حزب الله لم يكن يعتبر القاعدة خطرًا عليه قبل ظهور قيادة أبو مصعب الزرقاوي في العراق وقبل تطورات الوضع السوري (أي الثورة) وما شهده من أفكار مماثلة. لا، بل كانت مصالح الحزب تتقاطع مع القاعدة في مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق”(17) بغضِّ النظر عن توجه وقيم كل منهما.
لم يجر حزب الله مراجعة حقيقية لتدخله في الحرب السورية وما نتج عنه من تأجيج مذهبي واحتمال تورطه في حرب تطهير مذهبي، أو على الأقل مراجعة ما سلف في علاقته مع الأكثرية في العالم العربي. فبحسب كل من التقاهم الباحث من بيئة حزب الله، وبعضهم يؤكد أن الوقت ليس ملائمًا لمثلها إن كانت ستحصل، وإن حصل ما يقرب منها لن يكون على غرار ما تعرفه الحركات الإسلامية في المنطقة، لأن حزب الله لا يشبه هذا النمط التقليدي من الحركات، فهو يرتبط بدولة عمق عقائديًّا وفكريًّا وسياسيًّا، وأي مراجعات لن تكون بمنأى عنها.
وهذا لا ينفي أن الحرب السورية تستدعي نقاشات جادة على مستوى الجمهور أو القيادات، وغالبًا ما تتصدره بعض الأسئلة التي تجد أجوبة جاهزة، ولكن هناك ملفان لهما صلة بالتدخل العسكري لحزب الله في سوريا وما سينتج عنه من آثار وتداعيات، ولا يستطيع الحزب القفز فوقهما دون البحث فيهما؛ ما قد يجعل أيًّا منهما موضوعًا للمراجعة بغضِّ النظر عمَّا سينتهي إليه أي منهما من نتائج. إضافة إلى رأي آخر لمناوئي حزب الله، لاسيما من بيئته الشيعية، ويرون المراجعات في الحزب ضرورة حتمية ولكن من منظار انتهازي بحت. ويمكن إيرادها وفق الآتي:
أ. الدور الإقليمي لحزب الله
من أهم التأثيرات التي نتجت عن الحرب السورية، هي “تحول الحزب إلى عامل إقليمي يدير المعركة وفق مصالح استراتيجية على المدى البعيد”(18)؛ ما يعني أنه معني بمتابعة نتائج هذا الدور ولمدى زمني قد يطول مع ما قد يترتب عليه من نتائج، وأخذ معه “الطائفة الشيعية” في لبنان إلى هذه “الطبيعة الإقليمية التي لم تعرفها الطائفة من قبل”(19). وهذا الأمر يقلق معارضين شيعة لحزب الله ودوره في سوريا، ويقول علي الأمين (20) بهذا الصدد: إن “الارتكاب) التجاوزات) بحق السوريين قد وقع” ولا خيار أمام الشيعة كما يرون سوى المضي وراء حزب الله اضطرارًا، “لأن الوضع في سوريا قد تنعكس ردة فعله علينا”. ويعتبر الأمين أن “حزب الله فرض خياراته على الطائفة الشيعية وضرب أي خيار آخر”. فهذه الأسباب جميعًا تكفي لجعل حزب الله معنيًّا بكيفية انتهاء الصراع في سوريا، خاصة في الشق المتعلق بالتداعيات المذهبية، ولا يستطيع تجاوزه، وسيكون مضطرًّا للتعامل معه.
ب. علاقة حزب الله بالسُّنة
إن تورط الحزب في المسألة المذهبية جعله في موضع التشكيك والمساءلة من الأكثرية السنية في المنطقة العربية فضلًا عن لبنان. وهناك توجه واضح في بيئة الحزب أنه يُولِي هذا الأمر أهميته، سواء لمخاطره التي من أبرزها التأسيس لمواجهة مع الأكثرية ولمدى زمني طويل، أو لحصد ثمار التدخل والتي لن تتأتَّى إلا بتوافق مع الأكثرية بالمنطقة سواء باستيعابها أو التنازل لها. وكذلك هناك حاجة بعيدًا عمَّا يجري في سوريا لإعادة قراءة العلاقة بين المذهبين في ظروف مختلفة (21).
وهناك من يؤكد -من بيئة حزب الله- على أن هذه النقطة بالذات ستكون موضع اهتمام الحزب، أي موضع مراجعة بعبارة أخرى، خاصة فيما يتعلق بالحركات الإسلامية، وأنه سيعمل كما يرى قصير: “على إعادة التوازن مع الأطراف السنية، والعلاقة مع حماس قد تكون النموذج، حيث تصحيح العلاقة بينهما تحت عنوان المقاومة”. وتقوم هذه الرؤية على أن الانفتاح الذي يقوده حزب الله استراتيجي بالنظر إلى نشأة الحزب وتاريخه، وأنه لا يستطيع أن يحيا خارج حاضنته الإسلامية العربية، لأنه بنهاية المطاف حركة إسلامية ويتنفس هذا الهواء وينمو فيه، ولا يستطيع الانقلاب على تاريخه بسهولة ولو أراد، وإن كانت المذهبية -جدلًا- قد تحكمت به في بعض المفترقات، فإنه قادر على الخروج منها، مع توقعات بتعزز هذا الاتجاه في ظل ما تبقى من ولاية خامنئي وفي ولاية من يأتي بعده بغضِّ النظر عمَّن سيكون (22).
ج. مراجعة انتهازية فحسب
حيث هناك رواية (23) مضادة تقول: إن حزب الله لا يملك قيمًا حقيقية أخلاقية وفكرية تحكمه خارج الإطار المذهبي وتحديدًا تلك المرتبطة بنموذج ولاية الفقيه، وإن أية رواية أو مراجعة لن تكون خارج هذا المركز، وبالتالي هي “انتهازية” وتسعى لغايتين: على المستوى المذهبي، هي لخطف الطائفة الشيعية من تموضعها العربي واللبناني لصالح “شيعية” تمثلها إيران. والثانية: هناك إعادة تأسيس “شيعية جديدة” لها أساطيرها المؤسِّسة (علاقة ولاية الفقيه الخاصة بالمهدوية وما إلى ذلك)، ولها طموحاتها في المنطقة، وما يجري في سوريا أحد تجلياتها (24). وبالتالي، فالمذهبية ليست هي الوحيدة لتفسير سلوك حزب الله، بل قد يتحالف مع آخرين ضد طائفته إذا ما احتاج المركز أي “ولاية الفقيه” في إيران لذلك، وهذا لا ينفي أنه يلجأ عادة إلى طائفته عند الأزمات لمواجهة بعض الأخطار التي يستطيع أن يدرجها تحت النزاع المذهبي للاحتماء بها ولو إلى حين (25).
وهذا الرأي يرى أن سلوك الحزب لم يخرج عن هذين الإطارين؛ وبالتالي، فإن أية مراجعة تسمح له بالتموضع إلى جانب إسلاميين آخرين من غير الشيعة أو حتى من محور المعارضة السورية نفسه، ستكون لصالح تعزيز مركز ولاية الفقيه ولو ضد شيعة آخرين سواء في لبنان أو العراق أو سواه. أي هو ليس انفتاحًا وإذا جازت تسميته بذلك فهو “انفتاح انتهازي”. وإذا ما تم الأخذ بالظروف السياسية الحالية حيث أصبح حزب الله هو الهدف بعد تراجع تنظيم الدولة على أجندة الاستهداف الدولي، فإن حزب الله بحاجة لإعادة تموضع بين الإسلاميين باسم المقاومة مجددًا.
3- المحور الثالث: سوريا والمذهبية: وماذا بعد؟
هناك ما يقرب من الإجماع عند كل من التقاهم الباحث على أن تدخل حزب الله العسكري قد زاد من التصعيد المذهبي حتى بلغ مرحلة أضرت بعلاقة حزب الله بمحيطه العربي والإسلامي (بغضِّ النظر عن مقدار مسؤوليته أو مسؤولية الآخرين عن ذلك)، فتدخل حزب الله في الحرب السورية “أدخل الشيعة في مواجهة مع السُّنة بالمنطقة” مهما كان مستواها، لأنه حزب عقائدي شيعي ودخل الحرب السورية بشعارات عقائدية مذهبية (26)، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، بعد انحسار الحاجة الملحَّة لدور عسكري متقدم له في سوريا، وسعي ترامب بعد انحسار تنظيم الدولة لتحجيم دور إيران في المنطقة، هناك حاجة لإعادة تموضع حزب الله في لبنان والمنطقة عمومًا، فهو ليس كبقية الجماعة الشيعية المسلحة الأخرى (كالعراقية والأفغانية)، لأنه يشغل حيزًا جغرافيًّا في مواجهة إسرائيل، ويعيش في محيط ديمغرافي معقد، وعليه أن يستعد لتبدل المعادلات القائمة في المنطقة، خاصة بعد أن أصبح على طاولة الاستهداف الأميركي بعقوبات اقتصادية، وهناك تصاعد في لهجة التهديد الإسرائيلي، وقد يصبح هدفًا رئيسيًّا لأي تغيير في التوجه الإقليمي المقبل(27).
كما أن هناك مسؤولية للحزب تجاه طائفته التي أصبحت طرفًا رئيسيًّا في النزاع السوري وعليه أن يُخرجها منه، لأن تدخل حزب الله العسكري في سوريا انتهى مسجلًا باسم الطائفة الشيعية في لبنان وبمكونات خطابها الديني، وإذا ما كان يريد لها أن تبقى حاضنة له، فعليه أن يأخذ مخاوفها بعين الاعتبار.
وهناك رأي يجب أن يؤخذ بالاعتبار بغضِّ النظر عن صدق حزب الله فيه أم لا، لكنه يتعلق بالتحول نفسه في بنيته بناء على إكراهات الواقع، فبنية حزب الله لا تزال قائمة كحركة “مقاومة إسلامية” ولا يستطيع التعويل على المذهبية في استمراره لأن بيئته المذهبية لن تكون آمنة على المدى الطويل وهي عُرضة للتأثر والتقلب، في حين أن بنيته قامت في البدء على “مقاومة إسرائيل” وعلى التواصل مع الفضاء الإسلامي بكل أطيافه، وهو البيئة الأنسب له للحياة والاستمرار وبانسجام (مفتعل أو حقيقي) مع محيطه العربي والإسلامي ليكون جزءًا من “إسلاميِّيه”، مع حفظ هويته المذهبية والعقائدية الخاصة(28).
وهذا جميعًا لن يتأتى إلا بإعادة التموضع في الأزمة السورية، كما أن التموضع ذاته سينعكس على التصعيد المذهبي ليكون تخفيضًا له، لاسيما أن هناك علاقة جدلية على هذا الصعيد؛ ما يجعل “طرح” المصالحة في هذه اللحظة من عمر الأزمة السورية ملائمًا نظريًّا على الأقل بغض النظر عن القدرة على الوصول إليها، أو البحث عن أية صيغة تجعل محور النزاع أكثر وضوحًا هو “المقاومة” وليس “المذهبية” بما يسمح بسردية أخرى لا تتصدرها المذهبية ولا تكون الأكثر فعالية فيها.
وهذا يقود إلى دور حزب الله في سوريا، ويمكن في ضوء الاعتبارات السابقة صياغة ثلاثة سيناريوهات بالجملة:
أولًا: الانسحاب الشامل: وهذا لن يكون إلا بهزيمة كاملة لحزب الله أو الانتصار الكامل للنظام (وهو مستبعد حاليًّا). وهذا السيناريو يخفِّف من حدة العامل المذهبي في الصراع السوري وإن كان سيبقى على المستوى الفكري والاستراتيجي كموضوع جدلي في علاقة السنة بالشيعة عمومًا.
ثانيًا: البقاء في سوريا: كما هي الحال عليه الآن بعدد مناسب ووفقًا لطبيعة التحديات والظروف، فيكون أقله عدديًّا بقوة نخبة، وأكثره بأن يعزز وجوده هناك إلى جانب “الميليشيات الشيعية” الأخرى من حين لآخر، لتكون الساحة السورية واللبنانية مجالًا عسكريًّا واحدًا، وهذا ليس بالخيار السهل، لوجود العامل الروسي وتفاهماته مع أميركا وإسرائيل والتي تقيِّد وجود حزب الله هناك، وكذلك لعدم وجود حاضنة حقيقية لحزب الله في سوريا. لكنه ليس مستبعدا، وهذا الخيار سيُبقي التصعيد المذهبي في الصراع السوري حاضرًا، وقد يبلغ به الذروة.
ثالثًا: إعادة التموضع في المسألة السورية عسكريًّا: بطريقة شبيهة بتلك التي في اليمن والعراق، أي ببُعد لوجستي ومشاركة عسكرية محدودة مع أخذ الخصوصية السورية بالاعتبار من حيث القرب الجغرافي، وزيادة الاعتماد على السقف السياسي الذي يؤمِّنه التحالف الإيراني-السوري كضمانة لاستمرار حضور حزب الله الفاعل سياسيًّا في سوريا، لاسيما أن هناك جماعات شيعية مسلحة ليس من المتوقع أن تنسحب بالكامل من سوريا. هذا الخيار سيخفف من حدة النزاع المذهبي، وبالتالي سيساعد الحزب في إعادة التموضع بشكل منظم، لاسيما أن هناك علاقة جدلية على هذا الصعيد، ويبدو “طرح” المصالحة في هذه اللحظة من عمر الأزمة السورية، أحد المفاتيح الملائمة بغضِّ النظر عن القدرة على الوصول إليها، لكنها ستسمح لحزب الله ومحوره بتوافقات مرحلية على الأقل مع مجموعات وقوى سُنية، وقد تتحول إلى تفاهمات لاسيما إذا ما تغيرت التحالفات الإقليمية.
والخلاصة، أن هناك مؤشرات كثيرة في بيروت تؤكد تشوف حزب الله للحدِّ من التصعيد المذهبي لمصلحته، سواء مع المحيط العربي الشعبي ومع الحركات الإسلامية أو مع بعض الأنظمة العربية، ولن يكون هذا الإجراء بعيدًا عن ارتباطه بإيران وتطورات الأوضاع فيها، ولن يتأتى ذلك إلا بتغيير تموضعه بالمسألة السورية بما يجعل محور النزاع في مكان آخر سوى المذهبية “كالمقاومة” مثلًا، وهي عملية صعبة ولكن الحزب يحتاجها ليبني سردية أخرى للحرب السورية لا تتصدرها “المذهبية” ولا تكون هي الأكثر فعالية فيها.
أما إذا استمر حزب الله في توجهه الحالي فلن يقدر على الحد من تغلغل خطاب مذهبي عدمي في داخله -قد يحوله إلى قوة مذهبية عمياء- سبق أن تغذى على الحرب السورية حتى نما داخل كثير من أجهزته العسكرية والثقافية والتعبوية، وهناك شكوى منه ويصفه بعض المنتسبين لبيئة حزب الله بـ”داعش” الشيعة. وهناك أيضًا ثقافة جديدة أخذت تتكرس في الحزب تنتمي للحروب الأهلية والتطهير الديني وما يصاحبها من قتل وتدمير أكثر مما تنتمي لحروب مقاومة مشبعة بقيم وأخلاق تحرر، ما يجعل الحزب أحد المهددات للاستقرار الهش الذي يشهده لبنان وليس أحد الضمانات فيه للأقليات ومستقبلها فيه.
وهذا كله لا يتلاءم مع طبيعة المنطقة المتنوعة -مذهبيًّا ودينيًّا- التي يتبوأ فيها حزب الله الصدارة راهنًا ولا تخدم تطلعاته فيها، ما يجعل الحزب وراعيه أمام حتمية تغيير بعض أهم سياساته السابقة المتعلقة بسورية والمنطقة، وإجراء تغييرات في سياساته الداخلية والتنظيمية، وليس المهم ماذا سيكون اسمها، مراجعات أم إعادة تقييم للوضع أم الاستعداد لمرحلة جديدة من أزمات المنطقة.
وليس من الواضح كم سيكون تأثير النزاع السعودي-الإيراني المتصاعد على علاقة حزب الله بمحيطه العربي والأكثرية السنية فيه، ولكنه حتمًا لا يسهِّل هذا التوجه لدى حزب الله للتأقلم مع العالمين العربي والإسلامي، وقد يفتح ساحات نزاع جديدة بين الطرفين، ولبنان مرشح لأن يكون إحدى ساحاتها بأدوات مختلفة عن السابق، والواضح أن المسألة المذهبية لن تكون هي المتصدرة كما هو الأمر في الشأن السوري، لأنه بالإمكان محاصرة حزب الله من نفس بيئته الشيعية بجانب إجراءات أخرى، خاصة أن الحراك الشعبي الأخير في إيران، (في نهاية 2017 وبداية 2018) -كما يعتقد خصوم إيران على الأقل(29)- طوَّر خطابًا مناهضًا لنسخة النظام الدينية السائدة كما تجلت في بعض شعاراته. وبالمقابل، ليس من مصلحة حزب الله مواجهة السعودية بالشعارات المذهبية وهو يريد الخروج منها؛ ما يعني استعادة الطرفين في المواجهة لمصطلحات الإرهاب والأصولية في وصف حزب الله، والتركيز على دوره في سوريا كقوة احتلال توسعية لمصلحة إيران ودوره في الدول العربي كمنظمة إرهابية. أما حزب الله، فسيركز على علاقة السعودية بأميركا وإسرائيل ومحاولة هيمنتها على الشعوب ودول الجوار.
ولابد من التذكير في خاتمة هذا البحث، بأن كون راعي حزب الله اللبناني العربي هو إيران فإن المسألة المذهبية تحصيل حاصل، ولن يُتوقَّع إلا ذلك من بلد يعيش في ظل نظام يؤمن بولاية الفقيه وينص دستوره على المذهب الاثني عشري الشيعي كدين للدولة ويعتبر نفسه دولة مركز لهم ومرجعية دينية سياسية عابرة للحدود. وسيجد نفسه مضطرًّا على الدوام لتخفيض تداعيات المسألة المذهبية وأن يبذل جهدًا كبيرًا في دبلوماسيته السياسية والشعبية وفي خطابه الفكري والسياسي لصالح الوحدة الإسلامية، وهو ما كانت تفعله “الثورة الإسلامية في إيران” في عهد المرشد الأول، الخميني، وفي عهد كل قادة حزب الله ومنها في البدايات الأولى لقيادة الأمين العام الحالي، حسن نصر الله.
ولكن التدخل العسكري لإيران في الحرب السورية ومعه بطبيعة الحال تدخل حزب الله “النموذج المقاوم”، قد أطلق عوامل مذهبية مضادة لخطاب المقاومة والوحدة الإسلامية، فتردَّت العلاقة السنية-الشيعية وأصبح نموذج ولاية الفقيه -والقيادات التي تمثله في المنطقة- نموذجًا خشنًا وعنوانًا للتوسع على نطاق واسع في العالم العربي والإسلامي، خاصة أن العالم أمام إحدى أكبر الفواجع الإنسانية في سوريا والتي لم يشهد العالم مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، من حيث عدد المدن المدمرة وأعداد القتلى (أكثر من 200 ألف قتيل) والجرحى والمفقودين، واستعمال القنابل الكيميائية والحارقة والمجازر الجماعية، إضافة إلى تهجير وتغيير ديمغرافي واسع(30) يستهدف الأكثرية السُّنيَّة الشعبية في سوريا(31)، ويبدو أن حزب الله سيتحمل كثيرًا من أوزارها أمام المجتمع العربي والإسلامي فضلًا عن الدولي، وإذا كانت الجغرافيا ستسمح لإيران يومًا بأن تنأى بنفسها عن سوريا أو أن تضطرها تطورات داخلية أو إقليمية للانسحاب من هناك، فإن حزب الله وحاضنته -لا بل حتى الطائفة الشيعية بالمنطقة- لن تستطيع أن تفعل ذلك بيُسر ودون خسائر على المدى الطويل وقد يصح وصفها بالتاريخية.
__________________________________________
شفيق شقير، باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص بالحركات الإسلامية والمشرق العربي
مراجع
1- يمكن العودة للجزء الأول على الرابط المشار إليه أدناه، حزب الله: روايته للحرب السورية والمسألة المذهبية (1).
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/12/1-171228102923122.html
تاريخ الدخول 14 أكتوبر/تشرين الأول 2017
2- المقابلة مع الشيخ شفيق جرادي، في ضاحية بيروت الجنوبية، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهو مدير معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية في بيروت، ومن شيوخ حزب الله المعنيين بالفكر الديني والفلسفي.
3- أجرى الباحث مقابلة مع الدكتور علي فياض بجلستين منفصلتين، وذلك في بيروت وجنوب لبنان، يومي 3 و8 أكتوبر/تشرين الأول 2017. والجدير بالذكر أنه فضلًا عن موقعه السياسي هو من الشخصيات العلمية والفكرية في حزب الله، وكان سابقًا مدير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق التابع لحزب الله، وله كتاب بعنوان: “نظريات السلطة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر”.
4- أُعدم رجل الدين الشيعي نمر النمر في 2 يناير/كانون الثاني عام 2016 بحكم قضائي سعودي بتهم عدة منها “الإرهاب”. انظر ترجمته في موسوعة الجزيرة.
https://goo.gl/Sv65ny
تاريخ الدخول 14 أكتوبر/تشرين الأول 2017
5- انظر تعريف ربيع دمشق في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، على الرابط أدناه:
https://goo.gl/4pe2QD
تاريخ الدخول 14 أكتوبر/تشرين الأول 2017
6- يُنظَر على سبيل المثال تقرير هيومان رايتس ووتش السنوي، الصادر عام 2017 لأحداث عام 2016 ويتضمن تأكيدًا على إعدام شخصيات “سُنِّية” لأسباب سياسية:
https://www.hrw.org/ar/world-report/2017/country-chapters/298368
تاريخ الدخول 19 ديسمبر/كانون الأول 2017.
7- قام الباحث في ربيع عام 2004 بمهمة ميدانية في سياق تغطية لوقائع الاحتلال الأميركي للعراق، حيث شنَّت ميليشيات، وبعضها كان متعاونًا مع القوات الأميركية، حملات أمنية ضد عراقيين فضلًا عن فلسطينيين وعرب، بشعارات طائفية ومذهبية بحتة، كانت جزءًا من مسار لتغيير ديمغرافي وسياسي على أساس مذهبي.
8- قاسم قصير يقول: إن حزب الله يميِّز بين السلفية والوهابية، وكان له صداقات مع الأولى في لبنان أمثال الشيخ زهير الشاويش والشيخ حسن الشهال، أما الثانية فهي ترى حزب الله كافرًا. المقابلة مع الأستاذ قاسم قصير، كانت في ضاحية بيروت الجنوبية، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2017. وهو صحافي وباحث في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ضاحية بيروت الجنوبية، لبنان.
9- يمكن العودة للجزء الأول من الورقة، وفيها أن طهران سعت وبدفع من “المرشد، علي الخامنئي” لإدخال “الإخوان المسلمين” في حكومة توافق وطنية مع النظام لتحقيق بعض الإصلاحات، إلا “أن الإخوان رفضوا وأصرُّوا على إسقاط النظام.
10- توفي في 24 سبتمبر/أيلول 2015، في حادثة تدافع الحجاج في منى أثناء تأديته لمناسك الحج.
11- يمكن العودة للجزء الأول لمزيد من التفصيل حول تدخل المنظمات العسكرية الشيعية في الحرب السورية، حيث أشار أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، على همداني بإعطاء الأولوية لإخراج الرئيس بشار الأسد من المستنقع الذي هو غارق فيه وأن عليهم التفكير فقط في الشقين العسكري والأمني كأولوية.
12- انظر على سبيل المثال ما يُنسب لخامنئي من أن تدخُّل حزب الله في الحرب السورية غيَّر القدر: إياد الجعفري، المهدي غير المنتظر، صحيفة المدن الإلكترونية، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
https://goo.gl/CsYiAq
تاريخ الدخول: 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
13- هذا الاستنتاج خاص بالباحث نتيجة لقائه مع ما يمكن أن يطلق عليه “عينات من بيئة حزب الله”، تزيد على العشرة ما بين عائلات وأشخاص للحديث عن المسألة المذهبية وبطريقة عفوية، وتركزت الأسئلة على ضرورة انخراط حزب الله في الحرب أم لا، وكيف ينظرون للخطر المتأتي من سوريا، فضلًا عن تتبعه خلال الحرب السورية منذ عام 2013 للخطاب الديني المتَّبَع في الضاحية الجنوبية على وجه الخصوص، والعلاقة مع السُّنة بلبنان والمنطقة.
14- حيث تغير الكثير من المعطيات الإقليمية وأصبحت الأولوية لحزب الله التحصن بالمركز اللبناني. يُنظر: شفيق شقير، (حزب الله ومعركة عرسال: إعادة التحصن في المركز اللبناني)، مركز الجزيرة للدراسات، 7 أغسطس/آب 2017:
https://goo.gl/2AE9Ki
تاريخ الدخول: 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
15- وتفصيلًا لهذه الأخيرة، فإن الحزب خلط ما بين الموقف المذهبي والموقف من التكفيريين في خطابه التعبوي، حيث أصبح “التكفيريون” في هذا الخطاب “أعداء الشيعة” “كالمعارضة السورية” لأنهم أعداء حزب الله في المعركة السورية، أي هم في هذا العداء سواء، ما جعل الموقف من التكفيرين يصب في التأجيج المذهبي أيضًا.
16- تقوم رؤية الدكتور عتريسي على أن التغييرات التي شهدها الحزب ليست تحولًا بنيويًّا في الخطاب بل تحولًا ظرفيًّا بسبب المشكلة السورية وأن الصدمة المتأتية منها كانت أكثر من العراق فتركت تأثيرات على حزب الله، ولكن إذا ما انتهت المشكلة السورية سيتغير الخطاب نفسه، لأن “الظروف والأطراف التكفيرية والخطاب التحريضي والتهديد عزَّز التوجه الحالي ولن يستمر”.
17- هي وجهة النظر التي يؤكد عليها الأستاذ قاسم قصير.
18- قاسم قصير يؤكد على تحول حزب الله إلى فاعل إقليمي.
19- يؤكد الدكتور طلال عتريسي أن الطائفة الشيعية أصبحت ذات طبيعية إقليمية وهو ما لم تعرفه سابقًا. المقابلة مع الدكتور طلال عتريسي، كانت في بيروت، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهو أكاديمي وعميد سابق لمعهد الدكتوراه والآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية.
20- المقابلة مع علي الأمين، في الضاحية الجنوبية، بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهو ناشط في مواجهة حزب الله، ومدير موقع جنوبية.
21- يرى الشيخ جرادي أن هناك أخطاء في علاقة إيران والخط الشيعي الذي معها، بالسُّنة، ويرى “أنهم أخطأوا في التقدير عند التعامل مع الملف السني وليس عن نية سيئة”، و”لم يستطع العقل الشيعي عمومًا أن يفهم “العقل السني” وكيف يفكر، حيث تركيبة التاريخ والجغرافيا وثقافة الأكثرية، ولا يزال يحاول كيف يفهمه، ولم يصل للنضج في فهمه”. ويرى أن “الشيعي لا يزال جديدًا في السلطة ولا يعرف كيف تفكر الأكثرية”. ويرى بالمقابل أن المطلوب من السنة أن يعملوا مع الشيعة على “نسيج موحد”.
22- مستفاد وبتصرف من الحوار مع الأستاذ قصير والشيخ جرادي وآخرين يحتلون مسؤوليات مختلفة في حزب الله.
23- هذه الرواية مستفادة بمعظمها من البيئة الشيعية المناهضة لحزب الله، ولكن أخذ الباحث شهادات من عائلات ينتمي بعض أبنائها لحزب الله ومن بعض الشباب المؤيدين للحزب، ولم تكن شهادتهم في صيغة الاعتراض المطلق بل التأييد مع التحفظ.
24- الاستفادة الأساسية حول صياغة هذه الفكرة مصدرها الدكتور مهند الحاج علي. المقابلة مع مهند الحاج علي، في بيروت، بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017. صدر مؤخرًا للحاج علي كتاب باللغة الإنكليزية عن حزب الله بعنوان: “القومية والرابطة العابرة للقومية والإسلام السياسي-هوية حزب الله المؤسسية”. والجدير بالذكر أن أكثر ما سمعه الباحث من شهادات المؤيدين للحزب من الطبقات الشعبية، هو المعجزات والكرامات كتأييد للحرب السورية ونظرية “اللطف الإلهي” التي تسدِّد المرشد ولو لم يكن معصومًا، وضرورة الثقة بها ولو كانت تبدو أنها ليست صوابًا. وذلك ليس فقط خلال الفترة الخاصة لإعداد هذه الورقة بل خلالها وخلال كل الفترة السابقة المتصلة بالحرب السورية.
25- يرى علي الأمين ما ملخصه، أن الطائفة الشيعية بالنسبة لحزب الله هي الخزان البشري أو المظلة للاحتماء بها عند الحاجة، ولكن أهدافه إقليمية تتصل بإيران.
26- مستفادة من مقابلة الأستاذ علي الأمين.
27- ينظر: شفيق شقير، (حزب الله ومعركة عرسال: إعادة التحصن في المركز اللبناني)، مركز الجزيرة للدراسات، 7 أغسطس/آب 2017:
https://goo.gl/2AE9Ki
تاريخ الدخول: 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
28- مستفاد بعضه من الحوار مع الأستاذ قصير، والشيخ جرادي.
29- التصريحات الأميركية على أكثر من مستوى وتغريدات الرئيس ترامب، ركزت على مناهضة المتظاهرين للنظام الديني السائد في إيران. وهو ما عكسته أيضًا دول أخرى على عداء مع إيران في إعلامها أو في متابعتها للحراك.
30- الحياة والموت في سوريا، بي بي سي عربي، 15 مارس/آذار 2016:
http://www.bbc.co.uk/news/resources/idt-779b302a-88a9-4ed6-88c4-d44fa5f578da
تاريخ الدخول 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017
31- جوزيف ظاهر، استراتيجيات التغيير الديمغرافي في سوريا، مركز الجزيرة للدراسات، 8 يونيو/حزيران 2017:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/06/170601124720148.html
جوزيف ظاهر، استراتيجيات التغيير الديمغرافي في سوريا، مركز الجزيرة للدراسات، 8 يونيو/حزيران 2017:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/06/70601124720148.html
المصدر/ الجزيرة للدراسات