خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “حرب الكلب الثانية” للكاتب الفلسطيني “إبراهيم نصر الله” يمكن تصنفيها ضمن روايات ال” ديستوبيا”، أو ما يعرف بأدب المدينة الفاسدة والخربة، ويمكن تصنفيها ضمن الروايات السوداوية التي تتخيل مستقبلا سوداويا للبشرية بناء على معطيات الواقع، مثل رواية “1984”، و”فهرنهايت 451″ وغيرها.
الشخصيات..
راشد: البطل، شاب ثوري معارض في عالم مستقبلي خيالي، يتم القبض عليه من قبل الشرطة- القلعة كما أصبحت تسمى، وتعذيبه تعذيبا شديدا لكنه صمد وأثبت قوة، مما حير رجال القلعة وشعروا بالانهزام أمام صلابته.
سلام: زوجة “راشد”، وهي أخت الضابط الذي قام بتعذيب “راشد” في الماضي.
الضابط: هو عدو “راشد”، وبزواجه من شقيقته أصبحا عائلة واحدة، لكنه يتحين الفرص للإيقاع ب”راشد” وإثبات أنه ليس مغاير له وإنما يشبهه.
المدير العام: كان مديرا عاما للقلعة وقت القبض على “راشد”، ثم تقاعد وأصبح من رجال الأعمال الفاسدين، الذين يساعدهم “راشد” بابتكار أفكار جديدة له لمراكمة الأرباح.
الراصد الجوي: جار”راشد”، أصبح يشبهه وأصبح عدوه الأول الذي يريد قتله.
السكرتيرة: فتاة جميلة أعجب بها “راشد” منذ التحاقه بالعمل كمدير لمستشفى الأمان، ثم حول ملامحها لتشبه زوجته.
الراوي..
الراوي عليم.. يتدخل بين حين وآخر ليظهر نفسه ببعض الجمل الساخرة، ويخاطب القراء في محاولة من الكاتب لكسر الإيهام، لكنها ما تلبث أن تتلاشي لينغمس القراء مرة أخرى داخل الحكاية المحكمة للرواية.. والراوي يركز في الحكي على البطل “راشد”، ومع ذلك يهتم برصد دواخل الشخصيات خاصة الأخرى “الضابط” و”سلام” و”السكرتيرة”.
السرد..
السرد محكم البناء، يعتمد على جملة من الأفكار الفلسفية، يهتم بتفاصيل ذلك العالم الجديد الذي أصبح عليه العالم القديم في المستقبل، يحكي بسلاسة دون تعمد الشرح أو رصد معالم العالم الجديد بعيدا عن الأحداث، وإنما يدمجها داخل الأحداث التي تجري أمام عين القارئ، تقع الرواية في حوالي 342 صفحة من القطع المتوسط، والسرد به نسبة عالية من التشويق والتعقيد في آن معا، حيث يمكن القول أن الرواية ستتضح أكثر من القراءة الثانية والثالثة وأنها تحتاج لمجهود من القارئ لمتابعة تفاصيلها وفهم الأفكار المزدحمة بها..
الطرفة والمأساة..
هناك تناقض أساسي داخل الرواية يقع بين الطرفة والمأساة، فبعد أن تحول العالم القديم إلى عالم جديد سوداوي تملؤه الفوضى والخراب والحروب، أصبحت الطرفة والمأساة متلازمتان، ما يراه المستفيدون من ذلك الخراب طرفة يعرف من يتعرض لها أنها مأساة ثقيلة الوطء، فقد وصلت الحروب إلى أقصى مداها حتى أنها أصبحت تدار لأسباب تافهة وهزيلة، دارت حرب الكلب بسبب مشاجرة على صفقة بيع كلب، وبعد أن هاجم الكلب صاحبه القديم وقتله، ورغم أن دول العالم حاولت تجنب الحروب مرة أخرى بسن قوانين لإخفاء الماضي بكل ما فيه، حتى لا يكرر البشر أخطائهم كما اعتادوا أن يفعلوا، إلا أن الأمر تكرر مرة أخرى وأشعلت حرب الكلب الثانية، وكان “راشد” هو أول من أشعلها حين قام بقتل الراصد الجوي الذي يشبهه.
التشابه والاختلاف..
تناقش الرواية من خلال أحداثها فكرة هامة، وهي أن البشر كانوا يكرهون المختلفين عنهم ويعادوهم، وأغلب الصراعات التي قامت كانت بسبب الاختلافات بين البشر، حتى أن ضابط القلعة والمدير العام وسائر الضباط الذين يعلمون في القلعة كانوا يكرهون المعارضين لأنهم يختلفون عنهم، وكانوا يكرهون “راشد” أكثر لأنه صمد أمام تعذيبهم وكان شريفا بحق، وكانوا يتحينون الفرص لأن يكون مشابها لهم، لذا حين تحول “راشد” وتقدم للزواج من شقيقة الضابط فرحوا بذلك، مع بعض التشكك، لكنه عندما تحول عن ثوريته ومعارضته ونضاله كان فرحهم به أكبر، وحين أصبح يعمل مثلهم في مكان فاسد ويتربح من قتل الناس في منظومة العلاج الفاسدة، ويبتكر الأفكار الجديدة للفاسدين لكي يربحوا أكثر، حتى أنه وصل إلى اقتراح إقامة سجن سري للمدير العام ليتربح منه، وأيضا لكي يصفي حساباته من السجناء القدامى الذي بقيت أمور عالقة بينهم وبين المدير العام.
فوضى وخراب..
فسد العالم نتيجة لإفساد البشر للطبيعة، فقد غابت الشمس وأصبحت ساعات النهار تقل حتى اختفت تماما، وأصبح الهواء عفنا والطيور تتساقط بأعداد كبيرة ميتة من السماء، وقلت نسبة الأكسجين، ورغم التقدم التكنولوجي الهائل إلا أن الطبيعة أخذت في التدهور، وتدهور حال كوكب الأرض حتى أصبح الأغنياء يفرون إلى المدن أولا، ثم إلى الكواكب الأخرى، ثم أصبحت الخضروات والفواكه تتشابه والحيوانات أيضا، ووصل الأمر إلى البشر فأصبحوا يتشابهون، ولم يستطع الناس في بلدة “راشد”، التي لم يسميها الكاتب، أن يفسر ذلك التشابه.
اختار “راشد” أن يحول ملامح سكرتيرته، التي يقيم معها علاقة سرية، لأن تكون مثل ملامح زوجته، التي يحبها كثيرا، لكنه فوجئ أن الراصد الجوي جاره أصبح يتحول الى شبيه له، ثم تفاجأ أناس آخرون بوجود مشابهين لهم، حتى الديكتاتور نفسه وجد من يشبهه، ودارت صراعات دموية نتيجة لهذا التشابه، فقد فكر “راشد” في قتل الراصد الجوي، كما أصبحت مشكلة التشابه بين البشر مزعجة للجميع، وأمر الديكتاتور بقتل من يشبهونه، وطبق إجراءات رادعة لمحاربة ذلك التشابه، ففرض عمل أقنعة لوجوه الناس قبل أن تتحول ملامحهم وارتدائها للتحقق من هويتهم.
تناقش الرواية أيضا فكرة الحرب بين البشر وكيف أن تاريخ الحروب في عالم الإنسان كان تاريخ مأساوي وعبثي في نفس الوقت، فقد فجرت حروب لأسباب تافهة كحرب “داحس والغبراء” وحرب “البسوس” التي استمرتا الاثنتين 40 عاما، و كانت هذه الحال في حروب أخرى بين الدول العالمية، وكيف أن طلقة واحدة تطلق كفيلة بإقامة حرب شنيعة، وكذلك كانت حرب الكلب المتخيلة داخل الرواية التي أقيمت بسبب كلب.
الجلاد والضحية..
كما تناقش فكرة أخرى هامة وهي فكرة الصراع بين الجلاد والضحية، السجين والسجان، المهادن والمعارض، الفاسد والشريف، الثوري المعارض وضباط القلعة، كيف أنهم يعذبون سجانهم ويتلذذون بذلك لكن يؤرقهم من يصمدون أمام وحشيتهم مثل “راشد”، يقلق ذاتهم كونه يعريهم ويبين مواطن وحشيتهم، لذا فقد كان المدير العام دوما قلقا تجاه “راشد”، ورغم أنه أصبح مفيدا له وسببا لتربحه في مشاريع فاسدة، إلا أنه من داخله لم يغفر له صموده وكان يتحين الفرص لإذلاله، وبالفعل حين جاء عيد ميلاده دبر له لعبة، حيث قام باحتجازه في السجن السري الذي كان فكرة “راشد” نفسه، وأجبره بعد بعض التخويف على أن يعذب السجناء، والذين أجبروهم على ارتداء أقنعة تشبه وجه “راشد”، وبالفعل استطاع “راشد” أن يضربهم بالسوط ويعذبهم، مدفوعا ببغض وحشي لأنهم يشبهونه، وأصبح جلادا مثل الضابط والمدير العام، أصبح يشبههم وهو الذي طالما تشدق أنه لا يشبههم أبدا.
الرواية..
“حرب الكلب الثانية” رواية للشاعر والروائي الفلسطيني”إبراهيم نصر الله”، صدرت الرواية لأوّل مرة عام 2016 عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، وحازت على الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2018 حيث أعلنت النتيجة منذ أيام.
الكاتب..
“إبراهيم نصر الله”، كاتب وشاعر من مواليد عمّان، الأردن، عام 1954 من أبوين فلسطينيين، هُجِّرا من أرضهما في قرية البريج (فلسطين)، 1948، يعتبر اليوم واحداً من أكثر الكتاب العرب تأثيراً وانتشاراً، حيث تتوالى الطبعات الجديدة من كتبه سنوياً، محققةً حضوراً بارزاً لدى القارئ العربي والناقد أيضاً، ومن اللافت هذا الإقبال الكبير من فئة الشباب على رواياته وأشعاره، كما تحظى أعماله بترجمات إلى لغات مختلفة، وإلى ذلك الكتب النقدية الصادرة عن تجربته، ورسائل الماجستير والدكتوراه المكرسة لدراسة انتاجه في الجامعات العربية والأجنبية.
درس “إبراهيم نصر الله” في مدارس وكالة الغوث في مخيم الوحدات، حصل على دبلوم تربية وعلم نفس من مركز تدريب عمان لإعداد المعلمين في عمان عام 1976. غادر إلى السعودية حيث عمل مدرساً لمدة عامين 1976-1978، عمل في الصحافة الأردنية (الأخبار، جريدة الدستور، صحيفة صوت الشعب، صحيفة الأفق) من عام 1978-1996. عمل في مؤسسة عبد الحميد شومان -دارة الفنون – مستشاراً ثقافياً للمؤسسة، ومديراً للنشاطات الأدبية فيها بين عامي 1996 إلى عام 2006. تفرغ بعد ذلك للكتابة. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
أحدثت روايته الأولى (براري الحُمّى) أصداء لم تزل مستمرة حتى اليوم، حيث توالت طبعاتها ومناقشتها في دراسات نقدية وأكاديمية، وتم اختيارها قبل أربع سنوات كواحدة من أهم خمس روايات ترجمت للدنمركية، وبعد 26 سنة على صدورها اختارها الكاتب الأمريكي “مات ريس” بتكليف من الغاردين البريطانية كواحدة من أهم عشر روايات كتبت عن العالم العربي وتقدم صورة غير تلك الصورة الشائعة في الإعلام.
أنجز “إبراهيم نصر الله” عدداً من الروايات بعد “براري الحمى”، والتي نالت اهتماماً كبيراً، وشكلت تجربته في الملهاة الفلسطينية أول مشروع واسع على المستوى الروائي لتأمل القضية الفلسطينية على مدى 250 عاما، ووصلت روايته “زمن الخيول البيضاء”، الرواية الأخيرة التي صدرت ضمن هذا المشروع، إلى اللائحة القصيرة لجائزة البوكر العربية، في حين أثار مشروعه الآخر “الشرفات” الذي يشكل الوجه الآخر للملهاة الفلسطينية، منذ صدور الرواية الأولى منه اهتماماً نقدياً وقرائياً واسعاً. وأعيدت طباعة أعمال مرات كثيرة وفي غير عاصمة عربية.
أعماله الروائية..
- براري الحمى عام 1985 ترجمت إلى: الإنجليزية، الإيطالية، الدنماركية.
- الأمواج البرية سردية عام 1988.
- عو 1990.
- حارس المدينة الضائعة – 1998- بيروت.
- أرواح كليمنجارو – 2015 – مؤسسة قطر للنشر