9 أبريل، 2024 3:04 م
Search
Close this search box.

حب في السعودية.. التحرر وفساد المرأة في عيون الذكر

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “حب في السعودية” للكاتب السعودي “إبراهيم بادي” رواية تندرج ضمن الروايات التي كشفت زيف وتناقض المجتمع السعودي، الذي يظهر في العلن أنه مجتمع محافظ يحافظ على الدين والأخلاق، ويمنع كل المحرمات التي حرمها الشرع، حتى أنه يصدر التشدد الديني للدول المحيطة وحتى لدول أبعد، إلا أنه في السر مجتمع متناقض متفسخ تنهشه السلوكيات السيئة، ويمتليء بكل الممارسات التي تسعى وراء الملذات وفقط،  طبقة من الأغنياء يمارسون كل أنواع الفحش ويتسترون وراء الدين والأخلاق والمحافظة عليها، وعلى العادات والتقاليد، ويعتبرون أنفسهم أفضل من الناس في الدول الأخرى.

الشخصيات..

إيهاب: البطل، شاب في مقتبل عمره، كان طالبا في كلية الطب، أبوه سعودي وأمه مصرية يعيش في السعودية، وقع في غرام فتاة وتدور الرواية حول هذه العلاقة، لكنه يسترجع علاقات حب أخرى وعلاقات أخرى كانت جنسية بحتة، يحاول الانتقام من حبيبته التي تركته وذهبت لرجل آخر، وطوال الرواية ينعتها بصفات سيئة تكشف ذكوريته البغيضة.

الراوي: هو راوي داخل الرواية يقول أنه مؤلف رواية داخل الرواية، ربما كان وجوده افتعالا من المؤلف الذي يحاول نفي كون الرواية سيرة ذاتية عن حياته الحقيقية.

فاطمة: البطلة، فتاة سعودية من أب سعودي وأم لبنانية، تعيش في السعودية وتعمل في بنك موظفة تسويق، لا تلتزم بتغطية وجهها كما تفعل باقي السعوديات وإنما ترتدي حجاب تطل منه خصلات شعرها، جريئة ولديها رغبة جنسية قوية كما يصورها البطل، تدعي أنها لم تختبر أية علاقة جسدية من قبل، وتقوم بعمل سلوكيات زائفة لتوهم “إيهاب” أنها لم تعرف رجلا قبله، كما أنها تكذب وحين تتعرف على رجل آخر تحتفظ ب”إيهاب” ثم تهجره.
منال: أول فتاة أحبها البطل، كانت تستغله وكانت متزوجة من أحدهم ثم تركته.

علوة: ابنة عم “منال” أصحبت فيما بعد صديقة للبطل تساعده في نزواته وأفكاره وممارساته السيئة.

هتون: إحدى الفتيات التي أحبها “إيهاب”، والتي لم تكن لديها خبرة في العلاقة بين الرجل والمرأة، وهو علمها كل شيء وأحبها لكنه تركها بسهولة حين تعرف على “فاطمة”، وظلت تلاحقه وتعلن له حبها.

دانا: فتاة لبنانية أحبت “إيهاب” لكن علاقتهما لم تتطور بسبب اختلاف الديانة، وبسبب أنه هو نفسه كان مازال يحب “فاطمة” ويتألم لتركها له.

دينا: فتاة سعودية تزوجها “إيهاب” فقط لينتقم من “فاطمة”، لا ذنب لها، زوجها خالها من ابنه غصبا ثم تركها ابن خالها وتزوج من أجنبية.

فاتنة: أم البطل، تزوجت من رجل سعودي عاجز جنسيا، تناول وصفة من العطار وقام بممارسة الجنس معها لتنجب ولده، لكنه يشك بها لأنه كان سكرانا ولم يتذكر أنه فعل ذلك ولم يثق في قدراته الجنسية، وقد عاملها أسوأ معاملة وانتوى أن يقتلها ويقتل “إيهاب”، ثم في النهاية رماها في الشارع ولم ينفق على ولده، وتزوجت مرة أخرى لتنجب أربعة فتيات ويموت أبوهن، ويترك لهن بناية تصرف عليهن منها “فاتنة”، وتعمل خياطة وتنفق على ابنها “إيهاب”.

الراوي..

الرواية بها اثنان من الرواه، الأول هو “إيهاب” البطل الذي حكي بضمير المتكلم، وراو آخر يعرف عن نفسه بأنه مؤلف رواية تنافس رواية “إيهاب” وينتوي  تسييد روايته، لكن كلامه أيضا متناقض وغير مستقيم، فهو يدعي أنه مؤلف الرواية وهي تنافس ما يقوله إيهاب وروايته التي يكتبها ليفضح “فاطمة”، ويزعم أن “إيهاب” ما هو إلا بطل من صنع خياله، ثم بعد ذلك يقول أنه ينافسه ويسعى لإصدار روايته قبل أن تنجز رواية “إيهاب”. وفي تقديري أن ما قام به الكاتب من إيهام القراء أنها رواية داخل رواية، وأعطى فرصة لراو كاتب أن يحكي ويتكلم عن باقي الشخصيات لكي ينفي عن نفسه تهمة أن هذه الرواية هي سيرة ذاتية عن حياته، وأنه يحكي حكايات حقيقية عن فتيات قابلهن في الحياة، خوفا مما سوف يجرى له في مجتمع محافظ لا يرحم من يخرج عليه وعلى عاداته.

السرد..

السرد تعرض لاشتباكات وتداخلات جعلت القارئ يقرأ الرواية بصعوبة، كما عانت الرواية من التكرار الذي قد يصيب القارئ بالملل، كما اعتمد السرد بشكل كبير على تصوير المشاهد الجنسية بجرأة وبالتفصيل والاستزادة والتكرار فيها، لكن أهم ما يتصف به السرد أنه عرض وجهة النظر الذكورية للعلاقات الجنسية وعلاقات الحب في السعودية، ولم يقم بتوضيح وجهة النظر الأخرى للفتيات اللاتي حكى عنهن “إيهاب” و”الراوي” معا، فقط بعض الجمل القليلة التي توضح وجهة نظر “فاطمة” أو الفتيات الأخريات في الرجال الذين يحبوهن ويعاشرون أو يخونون معهم أزواجهن، لكن السرد قدمهن جميعا في موقع الإدانة.

التحرر وفساد المرأة في عيون الذكر..

في روايات سابقة عرضنا لروايات كتبتها فتيات سعوديات فضحن من خلالها زيف مجتمعهن وتفسخه، وازدواجية الذكر في تعامله مع بنات وطنه، هذه المرة تعبر هذه الرواية بجلاء عن هذه الازدواجية الذكورية، فهي رواية لكاتب رجل شاب في مقتبل العمر، يحكي قصة حب ويبين من خلالها مدى ازدواجيته وتناقضه في التعامل مع النساء بشكل عام، وفتيات وطنه بشكل خاص، فهو شاب ينتمي لطبقة أقل، أمه مصرية هجرها زوجها وأصبحت بالكاد تعيش وتنفق على أطفالها، وتضطر أن تعمل لكي تنفق عليه، وعمليا هو لا يعتبر سعوديا من أبناء الطبقات العليا والغنية التي ترسخ القيم والتقاليد المحافظة، يهرب من أمه بعد ذهابه إلى الجامعة ويظل لسبع سنوات يرفض مقابلة أمه، ويكتفي بمهاتفتها لأنها تمثل بالنسبة له عقدة.

لا يكمل دراسة الطب التي كانت حلم أمه الأكبر، ويهتم بالمسرح لكن العلاقات العاطفية والجنسية تفسد حياته، في مجتمع مهووس بالجنس وبالحب المسروق وبعلاقات سرية مريضة، وهذه الرواية أحد مصادر كشف هذه العلاقات.

البطل يحب الفتيات ويقابلهن سرا في بيوتهن، رغم أن ذلك اجتماعيا خطر ويعرضه للسجن أو للقبض عليه من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورغم ذلك لا يردعه شيء، يقابل “منال” في منزل ابنة عمها التي يسافر زوجها للعمل في بلد آخر، وينام ويمارس معها جنسا غير كامل، بل ويسمع ابنة عمها وهي تتغزل في شاب آخر غير زوجها، وحين يكتشف أن “منال” تستغله يتعرف على فتيات كثيرات من خلال الانترنت، رغم انشغاله بالدراسة، ويهديه عقله، عقل الشاب الذي في مقتبل عمره، أن يقوم بدور الرجل الذي يمارس الجنس مع الفتيات من أجل المال، ويسوق نفسه وتساعده “علوة” في ذلك وتجلب له فتيات يمارس معهن جنسا بمال.

ويكشف هذا الجزء من الحكي عن الكثير، فهناك فتيات كثيرات يطلبن خدمة الجنس بمال، فتيات عذراوات يردن متعة مشروطة، ونساء متزوجات يردن ممارسة سلوكيات لا يقبل الزوج بها، وأخريات يعانين من هجر الزوج أو سفره أو زواجه من أخرى، وأخريات يردن الانتقام من أزواجهن الذين يخونوهن، وكلهن من الطبقة الغنية يمتلكن أموالا كثيرة وأماكن فاخرة، يقابلن فيها “إيهاب”، بل أن كثيرات منهن يتجرأن على جلب “إيهاب” إلى البيت في حضور الزوج، ويغلقن عليه إحدى الغرف، مما يعكس مدى الجرأة التي وصلت إليها بعض الفتيات السعوديات واستهتارهن بالقيم والعادات الخاصة بمجتمعهن على حد وصف الرواية.

ليس هذا فقط بل يمارس “إيهاب” الجنس مرارا مع “فاطمة” داخل المطاعم وفي السيارة وهي تتجول في الشوارع، ويحكي بالتفصيل الممل كيف يتحايل هو وهي على ذلك حتى لا يراهم أحد من المارة، أو يتخفيان وراء الغرف المخصصة في المطاعم لحجب النساء لممارسة الجنس.

كل ذلك ولا يدين “إيهاب” نفسه ولو مرة واحدة لأنه كان يمارس جنسا بمقابل مادي، أو أنه يبيع جسده، كما لم يدن نفسه لأنه كان يساعد النساء على خيانة أزواجهن، بل بالعكس يدين هؤلاء النساء ويتقول عليهم ويصفهن بصفات سيئة داخل الرواية حين يحكي عنهن، وكأنه هو الملاك وليس شريكا لهن.

وفي علاقته ب”فاطمة” والتي أخذت جزء كبيرا من الرواية يصورها بنفس النظرة الذكورية المتناقضة والمزدوجة، يسرف في وصف حبه لها وتعلقه بها وعدم استطاعته نسيان حبه لها، وفي نفس الوقت يصفها بأفظع الألفاظ ويدينها ويتهمها بالعهر، لأنها بدلته بآخر، وانجذبت لرجل آخر بعد أن كانت تحبه حبا شديدا، وتستنزفه لتشبع شبقها ورغبتها الجنسية. حبه الشديد لها لم يمنعه من وصفها بشكل سيء، واتهامها بأشد التهم من الخيانة وحتى العهر تمثيل الشرف، ولم يترك لها مساحة التعبير عن موقفها ورأيها إلا قليلا جدا.

رغم ازدواجية البطل، والراوي الذي حاول أن يصور نفسه على أنه يختلف عن “إيهاب” لكنه كان مشابها له في تعامله مع الشخصيات النسائية، والمؤلف، إلا أن أهمية الرواية أنها تعكس بوضوح وجرأة العلاقات الجنسية والعاطفية في السعودية، خاصة في إطار طبقة الأغنياء، وسلوكيات النساء والرجال على حد سواء، والتي تتسم بالتناقض والخروج عن الأخلاقيات التي يفرضها المجتمع السعودي نفسه.

الكاتب..

“إبراهيم بادي”، صحافي وكاتب سعودي، في السادسة والعشرين وقت صدور روايته، سبق له أن عمل في المسرح ونال عدة جوائز داخل السعودية وخارجها، وروايته “حب في السعودية” هي عمله الأدبي الأول.

يقول الكاتب “إبراهيم بادي” في أحد الحوارات عن هاجس العلاقة بالمرأة والذي يسيطر على كل الرواية: “عن اعتبار العلاقة بين الجنسين من أولويات العقد، على مستوى المجتمعات كلها؟ فرأيي: نعم، هي كذلك. وإلا لماذا صدرت (كما جاء في الرواية): «بنات الرياض» و«فسوق» و«ستر» و«سقف الكفاية» و«صوفيا» و«الفردوس اليباب»… أضف إلى ذلك: «القران المقدس» و«الآخرون» و«الأوبة»، وأخيراً: «جاهلية». أعرف أن كل رواية اشتغلت على خط مختلف وعلى ثيمة مختلفة، وهذا طبيعي، لكن العلاقة بين الجنسين حاضرة في كل تلك الروايات، حتى لو لم تكن الموضوع الرئيس. ولست متناقضاً هنا حين أقول إن هذه الروايات خرجت من واقع (اعتبار العلاقة بين الجنسين من الأولويات)، فهي تخرج من واقع، لكن ليس بالضرورة أن تمثله”.

ويواصل: “وربما يمكن الإشارة هنا إلى أن الإقبال على هذا الروايات التي تحكي عن العلاقة بين الجنسين، في هذا العصر، يفوق الإقبال على غيرها، مما يدل، ربما، على أنها من أولويات العقد على المستوى الاجتماعي. ولعل أكبر ما يؤكد هذا الإقبال، على المستوى العربي «ذاكرة الجسد» للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، وأسطورة عدد طبعاتها، وعلى المستوى السعودي هناك «بنات الرياض»، وعلى المستوى العالمي بعض روايات باولو كويليو وعلى رأسها «الزهير» وهي روايته الأخيرة. بينما، في وقت سابق، كانت الروايات الفكرية والسياسية هي محل الاهتمام الأول، حتى في السعودية، لذلك انتشرت روايات تركي الحمد وعبد الرحمن منيف وغازي القصيبي. وحتى الحمد ناقش أخيراً في «جرح الذاكرة» حكاية الأربعينية وحنينها وتعلقها بطبيبها سليم. وحتى القصيبي نفسه حكى عن العلاقة بين الجنسين، بعيداً من الرمزية وما وراء الحكاية، فكل رواية فيها ما وراء الحكاية. أعتقد أننا في زمن روايات «الحب»، بلا جدال”.

ويؤكد: “أرى أن في الرواية محاولة للحديث عن كل ما هو متناقض، بداية من الراوي الذي يفكر في كتابة رواية ويفكر في الشهرة في آن، ومروراً بإيهاب الذي يعجبه كل ما تفعله معه فاطمة ويتهمها بل ويصور خياناتها، ويدعي أنه لا يخون ثم نراه يخون زوجته، ووصولاً إلى الأم «الطيبة» التي ربته على حسن النية، في وقت تحرضه فيه على الانتقام من والده.. المتناقضات كثيرة لا تنتهي في هذه الرواية، ولا يمكن حصرها، وهي كذلك في حياتنا.. لا أخفيك أنني ترددت كثيراً في نشر الرواية، تحديداً بعدما اقتنعت أنني إذا نشرتها، فسأنشرها باسمي. عرضتها على أكثر من دار نشر، وكنت أتردد في كل مرة، لكن لاسم «دار الآداب» ولتشجيعهم لي دور كبير، خصوصاً تقريرهم عن الرواية الذي شعرت من قراءتي له أنه ألمّ بكثير مما جاء فيها. كما أنهم لم ينظروا لها كرواية «جنسية»: «الرواية ممتعة، لا بسبب ما تحكي عن الجنس بل بسبب فنيتها العالية». اقتنعت أخيراً أن هناك من سيقرأ «الرواية» وسينظر إليها كأدب لا فضيحة، وسيقرأ «الموهبة» لا «السلعة السعودية». ولست مضطراً إلى إقناع من رأى فيها «فضيحة»، بأنها غير ذلك، بل لا ألومه، ولا أصادر رأيه، المهم ألا يصادرني”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب