7 أبريل، 2024 9:26 ص
Search
Close this search box.

حافظ إبراهيم.. شاعر الشعب الذي تغني بثورة 1919

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد حافظ إبراهيم” شاعر مصري شهير، لقب ب”شاعر النيل” و”شاعر الشعب”

حياته..

ولد “حافظ إبراهيم” في محافظة أسيوط في 1872 من أب مصري الأصل وأم تركية، توفي والداه وهو صغير، أتت به أمه قبل وفاتها إلى القاهرة حيث نشأ بها يتيما تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندسا في مصلحة التنظيم. فرعاه وقام بتربيته كما أنّه أرسله للالتحاق بالكُتّاب وبعد ذلك إلى المدرسة، لكن “حافظ” كان يعيش حياة مُضطّربة لأنه كان يتنقل بين مدارس مُختلفة حتى التحق بآخرها وهي المدرسة الخديوية، إلا أنه وفي نفس الوقت تم نقل خاله إلى بلدة طنطا فأخذه معه، ثم قرر بعد مدة أن يحاول الحصول على قوته بنفسه، فتوجه للدخول في مهنة المحاماة، وكانت المحاماة آنذاك مهنة حرة، فتم إلحاقه للعمل لدى بعض المحامين، إلا أنه سرعان ما انتقل إلى مدينة القاهرة فالتحق في مدرستها الحربية حتى تخرج منها عام 1891، وعلى إثر ذلك عين في وزارة الحربية، فبقي فيها ثلاثة أعوام، وبعد ذلك تحول إلى وزارة الداخلية ليعمل فيها عاما وأكثر قليلا، ثم عاد ليعمل في الحربية.

مر “حافظ إبراهيم” بالعديد من المراحل في حياته المليئة بضِيق العيش، فعمل حتى أُحيل إلى التقاعد. وفي عام 1911 تم تعيينه بدار الكتب المصرية في قسمها الأدبي تحديدا، كما كان لوظيفته أثر فيما ينظمه من الشعر فتوقف عن نظم الأمور السياسية والاجتماعية كما كان يفعل قبل توظيفه في هذه المهنة والتي بقي فيها حتى عام 1932.

كان “حافظ إبراهيم” يمتلك ذاكرة قوية والتي قاومت السنين على مر 60 سنة، فإنها اتسعت لآلاف من القصائد العربية والكتب وكان باستطاعته بشهادة أصدقائه  أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل في عده دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم أو طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالرواية التي سمع القارئ يقرأ بها.

أخذ “حافظ إبراهيم” العلم والمعرفة من أشهر عُلماء الأدب والعلم في عصره، فكان يحضر مجالسهم ومن أعلام عصره السّيد “توفيق البكري”، وكونه صاحب ذاكرة تعي ما تسمع بالإضافة إلى مَلَكة الحفظ لديه فذلك أدى إلى جعله مُلمّاً بمُفردات الّلغة وتراكيبها على قدر جيد مما كان يتلّقاه، كما كان ممن يترددون إلى بيت السّيد توفيق: “الشّيخ الشّنقيطيّ، والشّيخ محمّد الخضريّ، والشّاعر الّلغويّ حفني ناصف”. وتردد على بيت “إسماعيل صبري” “شيخ الشعراء”، حيث يرى العديد من الشعراء الذين كانوا يعدون الشاعر “إسماعيل” أستاذهم، فكانوا يأخذون برأيه في أشعارهم، ومن هؤلاء الشُّعراء: “أحمد شوقيّ، وخليل مطران، وأحمد نسيم، كذلك محمّد عبد المُطلب، وعبد الحليم المصري”، وغيرهم من الشعراء الشباب آنذاك، كما أقر “حافظ” بما للشاعر “إسماعيل” من فضل عليه في نضج شعره وصقله، ويجب الإشارة إلى أستاذين كان لهما أيضا فضل كبير في ثقافة “حافظ ابراهيم”،  وهُما: “محمود سامي البارودي”، والأستاذ الإمام “محمد عبده”.

الشعر..

تميز الشعر السياسي ل”حافظ إبراهيم” بطابعه الوطنيّ، فاستخدم فيه مفردات كان يشكو فيها ما يتعرض له وطنه من قضايا ومشاكل، بالإضافة إلى الأحداث التي تزعزع الأخلاق وتزرع حالة من الحماس فيه ليكتب في إصلاح ما هو فاسد، بالإضافة إلى أنه كان لشعره موقف مساعد للصحافة الوطنية، والرأي السياسي، والاجتماعي للقادة، فقد كان يتردد إلى مجالسهم التي تثير مشاعره، فيكتب ما لا تستطيع المقالات والخطب إيصاله، فهو شاعر الحياة السياسية، والاجتماعية، فلا تخلو قضية سياسية أو اجتماعية إلا وتتعلق كتاباته بها والعكس كذلك، وهكذا كان شعر “حافظ” بين الجانبين، وليس عجيبا أن يكون “حافظ إبراهيم” شاعر الشَعب كذلك لما حمله من حب لوطنه وأهله.

أما بالنسبة للشعر الاجتماعي تميز “حافظ إبراهيم” بسبب اندماجه مع أبناء بلده، وانخراطه في عاداتهم، وآدابهم، وأخلاقهم، فكان يجيد إضفاء حالة من الضحك على وجوههم، والبكاء في أثناء نقده للواقع الذي يعيشون فيه، فقد كان جريئا في طرحه لأوجاع الشعب وقضاياه بين الأسى، والدهشة، ومستعرضا فيه قلة وعي الناس عن مصالح حياتهم، وحقوقهم المهملة بسببهم أنفسهم، وذلك تجاه حياتهم ووطنهم لإثارة نفوسهم وتهذيبها نحو الإصلاح، وما كانت القضايا التي يتناولها خاصة في وطنه فقط إنما في الوطن العربي كافة. ومن الجدير بالذِكر أن “حافظ إبراهيم” تأثر بالأفكار التي يعرضها كل من البارودي، والشيخ محمد عبده، وقاسم أمين، وسعد زغلول، وغيرهم.

يتسم شعر “حافظ إبراهيم” بالعديد من السمات، ومنها: انتظام الشِّعر والاجتهاد فيه، مع الطابع الحاد في النظم. عدم استخدامه لأساليب الاختراع، والابتكار، ومبتعدا بذلك عن الخيال. نظم الشعر عنده كان مقرونا فيما يطلب منه من المواضيع. اعتباره من أفصح أشعار العرب التي كتبت في الجرائد والصُّحف، وأكثرها إيصالا للمعنى المراد منها. استخدام المعاني ذات المفردات البسيطة. التطرق لأمور الحياة، والطبيعة، والعقل، وكل ما له علاقة بالنفس في شِعره. الصِياغة الشِعرية النقية؛ فهو مستوحى من الطبيعة ومن خلجات نفسه. نظم الشِعر بإفراط متكلف، مع العمل الجاد والكبير عليه. العناية بالألفاظ بشكل كبير على حساب المعنى أحيانا.

يتمثل شعر “حافظ إبراهيم” في كونه شعرا يخاطب الوِجدان، فهو يعبر عن مشاعره على اختلافها، الحزينة منها والسعيدة، ويشتمل على عاطفته تجاه القضايا والمشاكل العالمية، إلا أن أعظم شعره يتمثل في حديثه عن وطنه مصر، فهو يسهب في الحديث عن حبه لها، كما يسدي إليها النصح والإرشاد ويدافع عنها بشعره، كذلك لم يتوان عن السخرية ممن حاولوا إضعاف الإيمان والجهاد في نفسه أو أن يكمم أشعاره، ومن الجدير بالذِّكر أنه كان متفردا غير مقلد لأحد في أشعاره كما فعل شوقي في محاكاته لأشعار المتنبي، والشاعر عبد المطلب في محاكاته لأشعار البدو، بالإضافة إلى الشاعر الجارم عند محاكاته للشعر العباسي.

وذلك لأنّ منبع أشعاره كانت من إيمان وعاطفته الكبيرين، كما أن هناك العديد من الحكم ل”حافظ إبراهيم”، والذي قام “أحمد عبيد” في كتابه “مشاهير شعراء العصر” بجمع بعضها، ورغم الطابع الواقعي لشعره إلا أنه يتصف في أحايين قليلة بالطابع القصصي، كما يظهر ذلك في قصيدته “بنت مِصر، وبنت الشام”، وقصيدته “المُناجاة”، وفيما يلي بعض من أعماله الخالدة:” قصيدة دنشواي. قصيدة مِصر، قصيدة محمّد عبده، وهي رثاء، قصيدة مُصطفى كامل، وهي رثاء. قصيدة حطمتُ اليراعَ. قصيدة راعية الطّفل، قصيدة المُناجاة، قصيدة مُظاهرات السّيدات”.

أعماله..

تُعدّ الأشعار التي وصلت النّاس ل”حافظ إبراهيم” هي التي نشرتها الصحف والمجلات له، بالإضافة إلى القليل مما احتفظ به هو وتلك الموجودة عند أصدقائه، وإلا ما كانت الأشعار قد وصلت إلينا هذا اليوم، وذلك بحسب ما قاله الكاتب “أحمد أمين”، وأشار إلى أن سبب ذلك يعود لكتابة “حافظ إبراهيم” أشعاره على أوراقه في أي مكان يقع، وهذا غير التي لم يدونها أصلا، كما وضح “أحمد أمين” ما مر معه أثناء رحلة البحث عن أشعار حافظ هو، وإبراهيم الأبياريّ، وأحمد زين، فيقول: “ولكن ما ورد في ذلك كله ليس وافيا، ولا مستقصيا، فاضطررنا إلى أن نرجع إلى المجلات، والصحف نتصفحها عددا عدداً من يوم أن نشر له، إلى يوم وفاته”، وبعد عناء البحث قاموا بترتيب ديوان شامل لأشعار “حافظ إبراهيم”، كما وضح “أحمد أمين” ما نشر من أشعاره، سواء مما جمع في حياته، أو بعد وفاته، وهي كالتّالي: في حياته: جمعت له في حياته ثلاثة أجزاء صغيرة، نشر الجزء الأول منها مع تعليق “محمّد إبراهيم هلال بك” عليها عام 1901، والثّاني عام 1907، والثالث نشر عام 1911، أما عن شعره بعد هذا العام، لم ينشر لعدم جمعه في حياته.

بعد وفاته: قام “أحمد عبيد”، وهو أديب دمشقي بجمع بعض أشعار ” حافظ إبراهيم” ونشرها في دمشق عام 1933، وكانت تلك الأشعار مما لم ينشر من ديوانه، وقام “أحمد عبيد” كذلك بجمع ما قام به شوقي بالإضافة إلى أشعار الرثاء فيهما، وما كتبه هو عنهما في كتاب أسماه “ذِكرى الشاعرين”.

نشرت مكتبة الهلال في مصر ديوانا شعريا عام 1935، وجمعت فيه الأجزاء الثلاثة التي جمعت سابقا، بالإضافة إلى ما نشره أحمد عبيد في “ذِكرى الشّاعريْن”.

ثورة 1919..

في مقالة بعنوان (وطنيات ثورة 1919 (24): حافظ إبراهيم يلهب حماس المتظاهرين ويشيد بالثائرات ويندد بإلغاء دستور 1923) يقول “حسام شورى”: “كان حافظ  إبراهيم أقرب إلى روح الشعب ومشاعره، وأقدر على تصوير آلامه التي شاركه فيها، واكتوى بلهيبها، فكان لذلك أبلغ في التعبير عنها، وكانت عباراته أسهل وأقرب إلى إدراك معانيها، لأنه كان يحس إحساسا قويا أنه يخاطب الشعب في مجموع مثقفيه وقارئيه، بحسب تعبير المؤرخ عبد الرحمن الرافعي. أضفت الوطنية على شعر حافظ هالة من العظمة والمجد، فقد كان بلا مراء خير ترجمان للشعب في أحاسيسه وآماله، وخير مواسٍ له في مآسيه وآلامه، وتغنى بمصر والنيل في قصائده ولعل بقاءه في السودان عدة سنوات، ومشاهدته غدر وفظائع الإنجليز هناك، وتدابيرهم في تحقيق أغراضهم الاستعمارية، قد زاده سخطا على الاستعمار واستمساكا بوحدة وادي النيل، وتجلت هذه المواهب في شعره في شتى المناسبات حتى سمي بحق «شاعر النيل».

ونجح حافظ في أن يرتفع بشعره في كثير من المواطن إلى التجديد واقتباس المعاني والأفكار والأساليب الحديثة، ما جعله مميز وله رنينا موسيقيا محببا إلى النفوس، وهو ما جعل بعض قصائده قابلة لأن تتحول إلى أغانٍ فيما بعد. ولقد وجدت الحركة الوطنية في قصائده قوة تستمد منها الحماسة والصمود في الجهاد، والثورة على الاحتلال، فقال في قصيدة «ملجأ الحرية» التي نظمها في 1919:

فتعاهدنا على دفع الأذى.. بركوب الحزم حتى نظفرا

وتواصينا بصبر بيننا… فغدونا قوة لا تزدرى

أنشرت في مصر شعبا صالحا.. كان قبل اليوم منفك العرا

كم محب هائم في حبها.. ذاد في أجفانه سرح الكرى

وشاب وكهول أقسموا.. أن يشيدوا مجدها فوق الذرا”.

ويواصل : “كما حيا حافظ ثورة 1919 في قصيدة نظمها عن أول مظاهرة للسيدات قمن بها يوم 16 مارس احتجاجا على عسف الإنجليز حيال المظاهرات السابقة وما ارتكبوه مع المتظاهرين من فظائع القتل والتنكيل، وقد مجد حافظ شعور السيدات المتظاهرات وشجاعتهن، وحمل في قصيدته حملة لاذعة على مسلك الجنود الإنجليز حيالهن، فقال:

خرج الغواني يحتججن …  ورحت أرقب جمعهنه

فإذا بهن تَخذن من …       سود الثياب شعارهنه

فطلعن مثل كواكب …      يسطعن في وسط الدجنه”.

وفاته..

توفي “حافظ إبراهيم” سنة 1932 ودفن في مقابر السيدة نفيسة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب