حاورها: إريك غليبيرمان
ترجمة: خضير اللامي
أنا متأكد تماما، لم يكن هذا الحوار مصادفة أو متزامنا، حينما هاتفت أليس ووكر، في منزلها، في كاليفورنيا الشمالية في شهر آب، لأجد حدائقها الغنّاء، وربما تكون أزهارها الدافع العام الشائع، في كاتالوغ الشعر والرواية والمقالات إيّاها، على مدى خمسين سنة مضت، والتي يوضحها عنوان كتابها الموسوم زهور البتونيا الجذرية، وثمة زهرة على طرف أنفي تشمني. إنًّ كتابة ووكر، وووكر ذاتها تطورت عبر سنين باتجاه عظمة بساطتها، وعبر عنصر السعادة والتأمل الجوهرْين – على مدى دوران الأرض. ويصدر ديوانها الجديد انزع السهم من القلب، Taking the Arrow out of the Heart 2018، ذو اللغة البليغة، والمفهوم على مستوى عموم القراء، مستخدمة بذلك فيه، أسلوب الترميز، وطريقة مغامرة الإلقاء، كما تتبع بذلك أسلوب المشهد العاطفي؛ بيد أنه متضارب، ومضطرب في آن، وغالبا ما تصور الجروح العنصرية والعنف العالمي.
وتصور إحدى قصائدها مجموعة من الناس تتسم بوحشية محددة ومقرونة بأسلوب تصوير الجمال والتدنيس”وغالبا ما تكون أكثر جمالا من أولاء التي قمت بقتلها” وتنتهي بحريق ذاوٍ. “هنا سيلفي “. وتعاني الأرض ذاتها ربما أعمق من جرح ووكر “لدينا وقت محدود، حذرت ووكر، ولكنها تذّكرنا أنًّ تلك القصائد والزهور يمكن أنْ يكونا بلسما لنا.
آريك غليبيرمان: يا أليس، أنا لست مندهشا أنك الآن في الحديقة. بل، العكس تماما، هذا شيء رائع خاصة وأنًّ هناك ذكر أزهار في هذه القصيدة التي التقطتها والتي تبدأ “إننا لن نكون بدون مساعدة”. وقد التقطتها لأنها تتضمن الثورة والأزهار، فضلا عن ديوان شعرك حدث ليكون بتونياس الثوري.
أليس ووكر: دعنا نتحدث أولا، عن سيليا سينشيز Celia Sanches. كانت هذه القصيدة مكرًّسة لها لسبب واحد هو، كانت سيليا ذاتها بستانية عظيمة. فإنْ رجعت أنا نحو الخلف إلى كيوبا وآمل أنْ أكون كذلك. أردت أن أذهب لزيارتها في منزلها، حيث آمل أنهم قد زرعوا أزهار حديقتها. وبدون سيليا سانشيز فإنًّ الثورة ربما لنْ تكون قد حدثت، وفرشت الشارع بالأزهار لتعبيده. وكانت تملك إرادة قوية جدا، ونكران ذات، ولن تدفع نفسها باتجاه ما يقوم به الرجال. وكانت القصيدة تشيد بشجاعتها وكرامتها بوصفها إنسانا وامرأة، ولن يصغي الرجال أبدا إلى امرأة. وأحد الأشياء التي أحبها فيها هي صداقتها القوية لفيدل كاسترو. الذي كان يصغي دائما للنساء ويحبهن كثيرا. والناس في زمن الثورات قد ماتوا من أجلنا بالطريقة التي نعيشها، والتي تعني صراعنا المزدهر. الذي يعني لنا الكثير.
غليبيرمان: ِ إنّ أحد الأشياء التي تصعقني في هذه القصيدة هو ذلك المتكلم، والذي لا أستطيع أن أفترض أنه أنت لكنه شبيه بكِ، كما يفعلون دائما ويقولون أنًّ الثورات تمنحهم حيوات من أجل نور خاطف وزهرة جهنمية. وكانت تلك زهرة ثمينة جدا وعلى استعداد أنْ يموتوا من أجلها.
ووكر: هذا شيء رمزي، وأنك تحدثت به ليشمل الجميع.
غليبيرمان: إنًّ أحد الأشياء هو الذي يصعقني في تلك القصيدة هو المتحدث الذي لا أفترض أنه أنت بالذات؛ بيد أنه يشبهك، وكما يفعلون دائما، فإنًّ الثوار غالبا ما يمنحون حيواتهم من أجل بريق جهنمي. تلك وردة ثمينة جدا سيموتون من أجلها.
ووكر: هذا شيء رمزي، وأنك تحدثت به ليشمل الجميع.
غليبيرمان: إنه شيء يشبهك، يحوم بين حزن واحتفاء بهذه القصائد، وتبدو الأرض ذاتها لتكون معبٍّرة عن الحزن والأمل. إنني أتساءل هنا، كيف ترين التوازن بين هذه الأشياء في شعرك في هذا العصر بالذات؟
ووكر: حسنا، أنه ذات الشيء الذي أراهم فيه في هذا العالم. إنهم الذبذبة التي تجري باتجاه تدمير ذاتها، وهي في وسط الدمار في أي مكان تذهب إليه، مع الحرب، الحريق، الطوفان، وقيادة الفساد. وهكذا، فإنًّ الحزن سيربح جيدا هذه الحياة التي نملكها فضلا عن بهجتها. فإن استطعنا التعبير وامتلكنا ما يكفي من حولنا من رزق الذي نعاني منه حقا، فكثير من الناس يقومون بأعمال إرهابية نتيجة الجوع والدمار ذلك، أنًّ تلك البهجة هي في الغالب جزء من ذلك الأسطوري الذي يحوم حولهم. ولكن في حياتي كنت مباركة لأجرِّب الحزن الذي لا يُصدًّق والمتعة التي تكون أحيانا رحمة وابتعادا عن الحزن حتى وإن كان مؤقتا.
غيلبيرمان: هل أنّ كتابة الشعر تعلقا بك، أو ربما استقباله، بوصفه مرهما ضد الحزن، أو وسيلة للعمل من خلاله. وليس ديكورا؟
ووكر: أوه، نعم، أنه تماما سلًّما من الخنادق أو بئرا للخروج من حالة اليأس. وأنا شكورة لاتخاذه أي الشعر وسيلة للتعبير عن الحياة بأجمعها. ولم يكن يوما ما ديكورا، كما لم يكن تماما عاطفة خرقاء معطلة بل، إنه وسيلة تبقى عالقة في الذهن بوصفها شيئا أو أسلوبا تعبيريا لكل شيء حيا.
غليبيرمان: هل أنًّ أيّ قصيدة تأتي في الذهن في أيِّ مجموعة جديدة تجسّد ما تحدثت به؟
غليبيرمان: باستطاعتك تماما فتح أيِّ مكان؟
غليبيرمان: إنك تملكين كثيرا من القصائد الغنائية والولاء، وإحدى هذه القصائد المفضلة هي “أرقامي 12 – 12—12— ” وفي الواقع لا أعرف ماذا يعني هذا العنوان؟
ووكر: إنه الشهر الثاني عشر، واليوم الثاني عشر، للسنة الثانية عشرة، من شهر ديسمبر. وهو اليوم الذي نحتفي به بالعذراء في المكسيكو، وربما يكون إظهارا لها.
غيلبيرمان: إنه يحمل الإحساس بالغموض. إنًّ هذه المرأة تحولت إلى عذراء غودالوب، Virgin of Guadalope، ربما ستكونين انعكاسا لها.
ووكر: إنها واضحة ومباشرة جدا. فأنا أعيش في مكسيكو معظم الشتاءات لسنين عدة. والحقيقة أنًّ هذه القصيدة هي تعبير عن مشاعر حقيقية أعبٍّر عنها هنا. مدركة أين أنا؟ ومدركة أيضا متى ترتفع مياه النهر عاليا ومتى تنخفض؟ ومدركة متى سيكون الاحتفاء بالعذراء؟ ومدركة فيما إذا كانت الراهبة ستغني جيدا، وتعكس، بذلك جمال الكينونة هناك، وجزء من هذه الكينونة ستكون للطقوس التي من خلالها أن يحدث هذا في كل سنة؛ رغم ذلك أنني لم أكن في عالم الرهبنة والقسس لأن الكاثوليكية ضارة للسكان الأصليين.
غيلبيرمان: هذا يجعلني أفكر بالطاقة الأنثوية، والنسوية في كتاباتك عبر السنين، وكيف يمكن للعذراء مظهر طاقة للشفاء؟
ووكر: وما يعجبني فيها هو أنها ملك للآخرين. والكاثوليكية هي أساسا استعباد للناس. كما أنًّ الآخر، السكان الأصليون يمتلك رؤيا أيضا ثم ظهرت مريم، وهذا يعني، أنًّ الناس في الجزء الآخر- صحيح أنها سمراء في العالم، في المكسيك وفي أقطار أخرى، لا يريدون الاعتماد على مريم العذراء، وصحيح أنها سمراء كما هم وشعرها كما شعورهم، وتملك قلبا كما الآخرين- لكنني لاحظت حتى في هذا العصر المتأخر، أنًّ الناس لا يستطيعون تشكيل موكب دون صليب. وإنَّ الكنيسة الكاثوليكية غيورة من أي إنسان يبدو وكأنه يستغل سلطته التي تدفعه لحمل الصليب جنبا إلى جنب مع العذراء، ويُعد هذا العمل بشعا. بيد أن القصيدة تبقى جذلة وتبتعد عن دخول أي إطار مثل هذا. إنني أشعر كما لو أنني خارج أي إطار حينما أكون هناك على هذا الطريق.
غيلبيرمان: إنًّ أحد الأشياء التي تصعقني وأنا أقرأ القصيدة أنًّ هنالك كثيرا من اللحظات، هي كما لو أنك اتخذت لك رحلة معها؛ أو بالأحرى، أننا نحن الذين اتخذنا رحلة معها دائما. وثمة شعور متحرر من هذا. ولكن دعينا نحرك شيئا ما مختلفا، في الذهاب إلى بيعة مارتن. فلديك أكثر من قصيدة تتحدث عن الدكتور كنغ. وسميت هذه القصيدة ب”عصر الظلام الجديد”.
ووكر: نحن فعلا في عصر ظلام.
غيلبيرمان: هل إنك شاهدتي إيانا في عصر ظلام أكثر في عصرنا هذا؟
ووكر: بالطبع، عصر ظلام إلى أبعد الحدود وبمختلف الأسباب. وإنك لتندهش ما هو الزمن الذي يستغرقه هذا العصر كي نستيقظ. ولا نصدق كم من الوقت يستغرقه كي يستيقظ الناس عموما، ويدركون كم من الأذى قد أصابهم؟
غليبيرمان: إن السؤال الذي يدور في ذهني حين قرأت “عصور الظلام الجديدة”. إنْ كان المرء قد قرأ القصيدة، وأنه كان هنا في هذا العصر، عصر الظلام، فماذا يقول أو ماذا تتحدث عنه أنت؟
ووكر: كان ثمة رأي احتفظ به ويدور في خاطري عبر السنين؛ أنًّ أولاء الناس الذين يحبوننا ويضحون كثيرا من أجلنا أمثال، مارتن Martin ، ومالكولم X ، وسيليا سانشيز Celia Sanchez، قبل أنْ يضحوا بأنفسهم، عليهم أن يتخلوا عن أي شيء تماما ويذهبوا إلى مكان آخر ويعيدوا النظر بواقعنا. ونموذجي أنا في هذا هو بوب موسيس Bob Moses، الذي أحب بطريقة لا تُصدق ونال التبجيل في حركة الحقوق المدنية في المسيسيبي. وأدرك أنه كان يتحول في الغالب الأعم متحديا. لكنه لم يكن يرغب في ذلك. لأنه أدرك ذلك الخطر، وهكذا، تخلى عن ذلك وذهب إلى تانزانيا. ومن ثم أعاد النظر في هذا الأمر وانصرف للتعليم في علوم الجبر. وبهذا ما أريد أن أتحدث به لأولاء الناس، الذين أعاروا الانتباه لنا كثيرا وضحوا بحياتهم وعانوا من الحزن العظيم.
غليبيرمان: كنت تتساءلين عبر سنين عن فكرة الإله. وإنك تحدثت كثيرا عن الأرض، وسطح الأرض “السطح الأزرق الذي اكتشفنا كل شيء فيه،”الأرض الأم، وحين تتحدث عن هذا، لأن كنا نواجه دمار الأرض، وهذا شيء مؤلم، وخرجت أو عبرت عنها كثيرا من قصائدك؟
ووكر: ينبغي على كل فرد، أن يطرح هذا السؤال، لماذا أنًّ هؤلاء الناس مخدرون؟ ولكن اعتقد أنهم سيستيقظون، وهذا مبلغ سعادتي في هذا، ولكن هذه اليقظة تبدو بطيئة جدا. وهذا هو عصر الظلام، أن الناس يواجهون زمنا صعبا في الحصول على المعرفة والحكمة. وإنًّ الأنظمة التعليمية لا يُعتمد عليها كليا، رغم أن الأرض مليئة بالمناجم لمعظمهم. وهكذا، نعم، إنه عصر الظلام، وإنك فقط تتأمل من يأتي من الناس لاستخراجها. لكنهم أطفئوا الأويلة “هي أداة الكترونية صغيرة الحجم جدا.. المورد” وبدأت بالحديث مع الناس بيد أنًّ الزمن قصير جدا.
غليبيرمان: هل يوقظنا الشعر والأدب عموما؟
ووكر: إنه أيقظني، وهذا هو أملنا، أن ينهض فنانونا لإيقاظنا، وفي الأغلب الأعم. إذا كان من الناس منْ يكتب أو يرسم، يرقص أو يغني، ويحبوننا وأنهم نوع من الجيش في أعماقهم، معلمون روحانيون. ومتأملون. وإنًّ أغلب إشارات الكتّاب تشير إلى مشاركة حزن العالم إياهم، وهذه أيضا أخبار سارة، ولكن ليس من دون دواء؛ فإنًّ الحزن يكمن غالبا هنالك في البعيد. ولكن قطارنا قوي تماما، انظر إلى الأرض والأشجار.
غليبيرمان: إلى من تتطلعين إلى تلك الأيام – الكتّاب، لكنك ذكرتي أيضا أنواعا أخرى من الفنانين– لتوحي لك أو توقظك؟
ووكر: إنه نيغيريان اوبيوما الذي كتب، الصيادون The Fisher Men، وهناك كثير من الكتّاب النيجيريين الذين غالبا ما يكونون رائعين! ولا أفهم ذلك.
غليبيرمان: وهكذا، فإنًّ كثيرا منهم اتبعوا تقاليد شينو أشيبي Chiua Achebe.
ووكر: ذلك هو الشخص الوحيد الذي يعرفه الناس. الذي يتبع أسلوب التزحلق وعمى الألوان ابتداء من قارئ واحد حتى يتحول هذا العمى إلى تيار جماعي ينتهي في نهاية الأمر إلى قاعدة. ولكن هذا يُعد نظرة ضيقة. وحاليا، معجبة أيضا بالكاتب الايرلندي جوزيف اوكونور Joseph OCnnor الذي كتب نجمة البحر Star of the Sea، فضلا عن ذلك هناك تاياري جونز Tayari Jones، الذي كتب زواج أمريكي Marriage An American. وملكة السكر Queen Sugar، تأليف ايفا دوفيرني التي تعد أفضل الأعمال التلفزيونية.
غليبيرمان: أنا رأيت فصول ملكة السكر وحالة الشخصيات حيث تسحب طاقتها الروحية من أرض وتعود إلى الأرض التي هي مهددة الآن.
ووكر: حب الأرض التي يسكنها سكانها الأصليون. وإنًّ أغلب الأمريكان من أصل إفريقي أيضا. لهذا، فإن الأرض تكون حاسمة جدا في أن كيف نفكر في كل شيء. إنه شيء رائع أن تأخذ شخصا ما يمتلك ذات الإحساس إلى التلفزيون. رغم إن ذلك الإحساس ليس كافيا من وجهة نظري. فإنْ كنتُ ناقدة فأنًّ أولئك لا يشّرفون ذات الأرض بوصفها أرضا حقا.
غليبيرمان: هل تعتقدين أننا نحتاج أن يطلق علينا الرصاص باتجاه القلب وفي الوقت ذاته أيضا ننزع ذلك السهم من قلوبنا؟
ووكر: حسنا، أنها لم تكن مسألة فيما إذا كنا نحتاج إلى ذلك. إنه تماما يبدو مستحيلا تماما. فإنْ أريتني شخصا ما لم يكن قد أصيب بالقلب بسهم مهما يكون ذلك السهم، فإنني أريك أيضا أنه لم يولد بعد.
غليبيرمان: هل من الممكن أن تفتح الإصابة قلوبنا؟
ووكر: إنه من الصعوبة بمكان أن نعرف، وبخاصة الشباب منا، إنك تشعر بفردانيتك وهذا شيء يمكن أن يحدث لآخرين وليس لك، ومن ثم تدرك أن هذا يحدث للناس جميعا وليس لك. إن ثمة شيئا قد قلته في مقدمة الكتاب هو أن صناعة المخدرات شيئا رائعا تجعلنا نشعر بفرح غامر جدا إلى أحد لا نعرف كيف ننزع السهم من قلوبنا، وهناك من يقول، أنك لست بحاجة إلى نزع هذا السهم، دعه فقط يخدر قلبك..
غليبيرمان: حين نتحدث عن التأمل بوصفه مفتاحا للعلاج، وهنا، أنا أفكر بالعلاقة بين الشعر والتأمل، فإن شعرك يبدو أنه يتحول إلى تأمل تماما وبالتالي يظهر الجودة المخبوءة في الداخل، أعني التعرية، اللغة الجوهرية تعود إلى أعماقنا. وشعرك مستقيما بوسائل عدة.
ووكر: لأنها جذور معلِّمي ايّاي هما باشو Basho، وعيسى Issa، في هذا البلد، أما اميلي دكنسن، Emily Dckinson، التي لم تكن مطنبة في شعرها مطلقا. فإنني مولعة جدا لبساطة شعرها.