خاص: إعداد- سماح عادل
“جون ستاينبيك” كاتب أمريكي، من أشهر كتاب القرن العشرين. اشتهر برواياته حول الحرب العالمية الثانية.
حياته..
ولد “جون ستاينبيك إرنست جونيور” ، في ساليناس، كاليفورنيا، في 27 فبراير 1902 لأسرة فقيرة، مما ظهر في رواياته، وأهمها رواية عناقيد الغضب (1939)، حيث تناول قضايا اجتماعية واقتصادية. تنقل والده، “جون”، بين الأعمال، كان يمتلك مخزن للحبوب، ثم أدار مصنعا للدقيق وأمين خزينة مقاطعة مونتيري. وكانت والدته، “أوليف” مدرسة كان لديه ثلاثة شقيقات.
عرف بخجله وذكائه في فترة شبابه، أحب لموطنه في وادي ساليناس في كاليفورنيا، وذكره كثيرا في كتاباته. قرر “ستاينبيك” أن يكون كاتباً في عمر ال14، بدأ في كتابة الشعر والقصص، التحق بجامعة “ستانفورد” في عام 1919 بناء علي رغبة والديه، حيث يكره الدراسة ورسب عام 1925 ويترك الجامعة بدون شهادة.
بعد مغادرة الدراسة حاول العمل ككاتب حر. انتقل للعمل في “نيويورك”، في أعمال البناء ثم مراسل صحيفة، ثم يعود إلى كاليفورنيا، يعمل حارس مبنى بالقرب من بحيرة تاهو. في ذلك الوقت كتب روايته الأولى، “كأس من ذهب” (1929)، وتزوج من زوجته الأولى، “كارول هينينج”.
كثف جهوده في الكتابة. على مدى العشر سنوات التالية، معتمداً على راتبه الضئيل و دعم زوجته “كارول”، ونشر رواية “مراعي الفردوس” 1932، و”البحث عن إله مجهول” في العالم التالي، و لم يكتب لهما النجاح. ثم رواية “شقة تورتيلا” (1935)، التي امتلأت بحس الفكاهة، وتناول فيها الحياة في منطقة “مونتيري”، وكانت أولى رواياته التي حازت شهرة ونجاح. استخدم فيما بعد أسلوب أكثر جدية في رواياته “معركة مشكوك بها” (1936)، “فئران ورجال” (1937) و”الوادي الطويل” (1938)، وهي مجموعة من القصص القصيرة.
عناقيد الغضب..
أشهر رواياته على الإطلاق، “عناقيد الغضب”، نشرت 1939. تتناول قصة عائلة فقيرة من “أوكلاهوما” تسعي لإقامة حياة جديدة في ولاية “كاليفورنيا” في ذروة الكساد الكبير، رصد الكتاب الغضب والتوتر الذي تملك المواطن الأمريكي في تلك الفترة . بيعت حوالي 10 آلاف نسخة من رواية “عناقيد الغضب” أسبوعيا في ذروة شعبيتها ، وفاز بسببها بائزة بوليتزر عام 1940.
بعد الشهر الكبيرة ل”عناقيد الغضب”، عمل مراسل حرب لصحيفة “نيويورك هيرالد تريبيون” خلال الحرب العالمية الثانية. وسافر إلى المكسيك في مغامرة بحرية مع صديقه “إدوارد ريكيتس”، الخبير في علم الأحياء البحرية. بعد رحلتهما نشرا كتاب بحر “كورتس” (1941)، الذي يتناول الحياة البحرية في خليج كاليفورنيا.
استمر في الكتابة خلال السنوات الأخيرة من حياته، ليضيف إلى رصيده مجموعة روايات منها “شارع السردين المعلب” (1945)، و”الاحتراق الساطع” (1950)، “شرق عدن” (1952)، “شتاء السخط” (1961) و”رحلات مع تشارلي في البحث عن أمريكا” (1962). في عام 1962، فاز بجائزة نوبل في الآداب.
ركّزت رواية “عناقيد الغضب” على محنة فئة معيَنة هي «عمال التراحيل» الذين نزحوا من أنحاء الولايات، خاصة أوكلاهوما، بحثًا عن عمل في كاليفورنيا ذات الأراضي الخصيبة، فوقعوا في براثِن كبار الملاك وممثليهم الذين استغلُّوا أولئك العمال أسوأ استغلال، واستثمروا جهودهم لقاء قروش قليلة، حتى إن الكثيرين ماتوا جوعا، وتشتَّتَ شمل الأُسَر تحت وطأة الفقر المُدقِع في بلد الخصب والثراء، وهذا كله مثَّلته الرواية خير تمثيل، فقد جهز لمادَّتها ثلاث سنوات كاملة، صاحَب خلالها أولئك العمال في حياتهم وتجوالهم بحثًا عن عمل، ورأى بعينيه مدى تدهور أوضاعهم ومدى الاستغلال الذي يتعرَّضون له. وقد أثارت الرواية والفيلم الذي أُعِدَّ عنها ومثَّل فيه “هنري فوندا” أحد أروع أدواره، تحقيقات في الكونجرس الأمريكي، أيَّدت صحة ما رواه عن أحوال العمال، وأدت إلى سن تشريعات جديدة لتحسين أوضاعهم والحفاظ على حقوقهم.
استقر “ستاينبك” في بلده وتفرغ لفنه، وكتب عن مشاكل أهله من الفقراء، فاكتسب احترامهم واحترام القراء. أثر علي الرواية الأمريكية من حيث المحتوى والمضمون. تأكّدت قيمة الرواية بحصولها على جائزة بولتزر، أسمى الجوائز الأدبية الأمريكية، وبوصولها إلى الناس عن طريق فيلم سينمائي تمّ ترشيحه لعدة جوائز أوسكار، وقد دفعت له هوليوود خمسين ألف دولار ثمنا للقصة. وقد انغمس بعد ذلك كيما يتشاغل عن الضجّة التي أثارتها روايته في أعمال سينمائية في هوليوود خاصة بقصصه، وأصبح صديقًا مقربا من “سبنسر تراسي وجون هيوستون وشارلي شابلن”.
وفاته..
توفي “جون ستاينبيك” في 20 ديسمبر 1968 في “نيويورك” بسبب مرض القلب عن عمر 66 عاما، وكان مدخنا شرسا. أظهر تشريح جثته انسدادا تاما في الشرايين التاجية الرئيسية. أُحرقت جثة “ستاينبيك” وفقا لوصيته ودفن في 4 مارس 1969 في مقبرة عائلة هاميلتون في ساليناس، بالقرب من قبري والديه ومن قبور أجداده لوالدته. دُفنت زوجته الثالثة «إيلين» في نفس المكان في 2004.
كتب الناقد الأدبي “تشارلز بور” في صحيفة “نيويورك تايمز”، رثاء له: «كان أول كتاب عظيم لجون تشاينبيك هو آخر كتاب عظيم له، لكن رباه، أي كتاب هو، كان وما زال، ذلك الكتاب الذي يحمل عنوان عناقيد الغضب». قال «كما لو أنه حصّل نصف ميراثه الأدبي من أفضل ما قدم مارك توين، والنصف الآخر من أسوأ أعمال كوتون ماذر.» مؤكدا أن “ستاينبيك” لم يكن بحاجة إلى جائزة نوبل، وإنما لجنة تحكيم الجائزة هي من كانت بحاجة له.».
حظر..
تعرضت أعمال “جون ستاينبيك” للحظر في أمريكا بشكل متكرر. حظرت اللجان المدرسية رواية “عناقيد الغضب”: إذ حظر مجلس المشرفين في مقاطعة كيرن تداول هذه الرواية في المدارس والمكتبات الممولة من القطاع العام في المقاطعة، وحرقت عدة نسخ منها في مدينة ساليناس الأمريكية في عدة مناسبات. حظر مجلس إدارة إحدى المدارس في ولاية مسيسيبي تداول الرواية بحجة احتوائها على ألفاظ بذيئة. كان “ستاينبيك”، وفقًا لجمعية المكتبات الأمريكية، واحدًا من الكتاب العشرة الأكثر تعرضا للحظر بين عامي 1990 و2004، وصنفت رواية “فئران ورجال” في المرتبة السادسة ضمن قائمة أكثر 100 كتاب تعرضًا للحظر في أمريكا.
زواجه..
تحسن أحوال “ستاينبك” المالية أثَّر على زواجه من “كارول” التي لم تتحمل التغير الشديد في أوضاعهما، وانتهى الأمر بطلاقهما في عام ١٩٤٢، وتزوج بعد ذلك بعام من فنانة عرفها في هوليوود هي “جويندولين كونجر”، وأنجب منها ولديه الوحيدين “توم وجون”.
وقد شهد عام ١٩٤٨ طلاقَه من زوجته الثانية، ووفاة صديقه ريكتس في حادث سيارة، وانتخابَه عضوًا في الأكاديمية الأمريكية للآداب.
زباتا..
أغرق “ستاينبك” همومه بالانغماس في الأعمال السينمائية؛ فبعد إخراج فيلم «المهر الأحمر» عن قصته بنفس الاسم، انهمك الكاتب في إعداد سيناريو أحد أعظم الأفلام الأمريكية وهو «يحيا زاباتا»، الذي طلبه منه المخرج “إيليا كازان”. وقد توفَّر على تجهيز السيناريو بالقراءة عن الثورة المكسيكية، وعن الشخصيات السياسية التي عاصرتها، وعن حياة زاباتا ورفاقه، وسافر إلى المكسيك لدراسة بيئة الفيلم على الطبيعة، والاستماع إلى القصص الشعبية الشفهية التي يتداولها عامة الشعب المكسيكي عن زاباتا، وساعده في ذلك تمكُّنه من اللغة الإسبانية، ثاني اللغات انتشارًا في أمريكا.
مهد للسيناريو الفعلي بكتاب قصصي تاريخي عن زاباتا وثورته عنوانه «زاباتا، النمر الصغير». وهذا الكتاب كان يعد مفقودا إلى أن تمّ العثور على نسخة منه في الأرشيف السينمائي لجامعة كاليفورنيا، ونُشر لأول مرة عام ١٩٩١. أما الفيلم فقد تمَّ إنتاجه عام ١٩٥٠، وتقاسم بطولته “مارلون براندو وأنتوني كوين” مع الممثلة “جين بيترز” في دور زوجة زاباتا. ونجح الفيلم نجاحا كبيرا حتى في أمريكا الرأسمالية، رغم توجهه الثوري الواضح وانحيازه إلى صف الفقراء من الفلاحين المُعدَمين ومطالبته بالعدالة الاجتماعية للشعوب، وقد تركَّزت الأضواء في مصر على هذا الفيلم غداةَ ثورة ١٩٥٢، وتمَّ تسليط الضوء على أوجه الشبه بين المجتمع المصري والمجتمع المكسيكي آنذاك.