خاص: إعداد- سماح عادل
“جورجي أمادو” روائي، صحفي وسياسي برازيلي، واحد من أهم كتاب البرازيل ومن أكثرهم شهرة.
التعريف به..
اسمه الكامل “جورجي أمادو دي فاريا” ولد في باهيا في 10 أغسطس 1912, بدأ الكتابة منذ أيام الدراسة، وشكل مع عدد من أصدقائه في مدينته «جماعة الحداثة». وفي 1935 أنهى دراسة الحقوق في “ريو دي جانيرو” ولكنه لم يهتم بشهادته حيث ولج عالم الأدب والشهرة بمجموعة من الروايات، منها «بلاد الكرنفال» 1931، و«كاكاو» 1933، و«عَرَق» 1934 و«جوبيابا» 1935، ثم «بحر ميت» 1936 و«قباطنة الرمال» 1937.
أصبح “جورجي أمادو” الكاتب المفضل لدى شعبه. وسبب ذلك تمسكه ببعض بروح مدينته، ولاية باهيا، التي كانت مسرح كل رواياته، وأناسها أبطاله الدائمين.
النضال..
انخرط في النضال السياسي منذ سن صغيرة، انضم إلى الحزب الشيوعي البرازيلي في عام 1926، لكن ذلك لم يؤثر على أدبه، إلا في كتاب «عالم السلام» 1951، وفي رواية «أقبية الحرية» المكونة من ثلاثة أجزاء ضخمة، حيث القوة الإبداعية والقدرة على رسم الشخصيات وتصوير المواقف تحت تأثير المتطلبات الحزبية، ولكن هذا التأثير يبدو أقل في رواية «فارس الأمل» 1942 التي تناول فيها سيرة حياة القائد الشيوعي البرازيلي “لويس كارلوس برستيس”، وكذلك في الروايات الملحمية التي تتحدث عن الصراع بين الإقطاعيين والتجار في مناطق زراعة الكاكاو، كما في رواية «أراضي اللانهاية» 1942.
في 1946 انتُخب لعضوية البرلمان بعدد كبير من أصوات الناخبين. ولكن الحكومة العسكرية ما لبثت أن ألغت شرعية الحزب الشيوعي فاضطر إلى مغادرة وطنه ليعيش متنقلاً ما بين فرنسا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي، ولم يتمكن من العودة إلى بلاده إلا في 1952، وحصل في منفاه على جائزة ستالين للآداب، وأصبح عضواً في الهيئة التي تمنح هذه الجائزة، وبدأت ترجمة كتبه إلى لغات كثيرة.
كتب قبل عام 1958 روايات ذات توجه شيوعي، تعكس تعاطفه مع ضحايا الظلم الاجتماعي، منها رواية “الأرض العنيفة” 1942، ثم كتب بدء من “جابرييلا، الثوم والقرفة” 1958م بأسلوب أكثر براعة حيث اعتمد على أسلوب الفكاهة الهجائية. ويعد الكثير من النقاد “موتا كوينكاس ووتريل” 1962 أروع رواياته.
ساهم في تطور الأدب البرازيلي بسبب أنه أول كاتب بارز يصف التراث الإفريقي العريض لأمته. فقد هيمن هذا الموضوع على واحد من أفضل أعماله الروائية وهي “خيمة المعجزات” 1969. وروايات أمادو الأخرى “دونا فلور وزوجاها” 1966، “تيتا” 1978، “جوبيابا” 1984، “المكاشفة” 1987، حرب القديسين 1993.
الكتابة..
يتجاوز عدد أعمال “أمادو” على الأربعين كتابا ترجم معظمها إلى أكثر من ثلاثين لغة، وقد بدأت ترجمة أعماله إلى العربية منذ منتصف الخمسينات، ولكن ما ترجم منها حتى نهاية القرن العشرين لا يزيد على النصف.
كما أصدر عدة مجموعات شعرية منها «نجمة البحر» ودراسة نقدية مهمة عن الشاعر البرازيلي الرومنسي “كاسترو ألفيس” المشهور بمناهضته للعبودية، بعنوان «ألف باء كاسترو ألفيس».
تم اقتباس معظم رواياته للتلفاز والمذياع والمسرح ومُثلت “دونا فلور وزوجاها” في فيلم عام 1976. وكانت السلسلة التلفازية التي أعدت عن روايته: “جابرييلا، الثوم والقرفة”، شهيرة في أمريكا اللاتينية كلها، كما أُعدت نسخة منها للسينما عام 1983. بيعت 20 مليون نسخة من كتب أمادو في جميع أنحاء العالم بعد أن ترجمت إلى نحو 50 لغة. حاز أمادو عدة جوائز منها: جائزة بابلو نيرودا موسكو 1994؛ جائزة لويس دي كأمويس لشبونة 1995جائزة سينو ديل دوكا 1998.
شخصيات ثرية..
وفقا ل “إيزابيلا باروس” في مقالها المنشور في مجلة brazil : “تزخر روايات جورج أمادو بعالم من الرجال الأشدّاء والنساء الشهوانيات الجميلات ذوات الشخصيات القوية. نصَّابين، وأبطال، وكولونيلات، وعمال، وأمهات، وزوجات، وصديقات، وعاهرات. إنها سلسلة من الشخصيات التي أصبحت أكثر غنىً وإمتاعا مع إدخال عربٍ ومنحدرين منهم في الحبكات التي قام بتأليفها جورج أمادو، أحد أشهر الكتّاب البرازيليين.
وهو واحد من الكتّاب الأكثر موهبةً حين يتعلق الأمر بوصف أهل موطنه والمشاهد الطبيعية، في ولاية باهيا، في شمال شرق البرازيل. وكان جورج أمادو، الروائي البرازيلي الذي سلط الضوء على المهاجرين من الشرق الأوسط، كما كانت الحال مع السوري “نسيب”، صاحب حانة “غابرييلا” في 1958″.
وتبين “آنا راموس”، أستاذة اللغات في جامعة باهيا الفيدرالية: “جورج أمادو قد أعطى مكاناً وشأناً للشخص العربي بيننا، مصوراً إياه كجزءٍ مكمل لقوميتنا وثقافتنا، إن قصة الحب بين المهاجر السوري نسيب والمرأة الهجينة غابرييلا قد سحرت القرّاء في مختلف أنحاء العالم”.
وبحسب “ميريام فراغا” مديرة (مؤسسة بيت جورج أمادو) في سلفادور، عاصمة ولاية باهيا، فإن “نسيب” هذا أشهر شخصية قصصية عربية أبدعها الكاتب، لكن هناك مَن هم بالدرجة نفسها من الأهمية، مثل “فاضل عبد الله”، في توكايا، غراند (المكاشفة 1984)، و”فؤاد معلوف”، في (فرادا). وكمعيار لإعجاب المؤلف بالعرب، الذين غالبا ما يُشار إليهم خطأً بالتُرك في البرازيل، يمكن أن نذكر كتاب (كيف اكتشف التُرك أميركا، 1994) الذي يصور شخصياتٍ لا تُنسى مثل “آدما، ورضوان مراد، وجميل بشارة””.
وعن ذلك الانجذاب إلى الشخصيات العربية تقول “آنا”: “إنه ينبع من روابط الصداقة بين أفراد أسرة المؤلف ومهاجرين من أسر شرق أوسطية استقرت في باهيا، مثل آل نزال، آل آدم، آل مداور، وغيرهم. كما يجدر إلقاء الضوء على الصلات التي أقامها منذ أيام طفولته مع ممثّلي الناس العرب، من خلال باعة الشوارع، الذين اعتادوا أن يأتوا بالأحلام والحضارة إلى حقول الكاكاو”.
و لقد كان الكاكاو، بالمناسبة، هو الذي انتهى بهذه الجماعة من الناس للاستقرار في باهيا، وهي الولاية التي تقع إلى جنب ساو باولو، وريو غراندي دي سول، وبارا وتستقبل معظم المهاجرين، الذين بدأوا يصلون البرازيل في أواخر القرن التاسع عشر. ووفقاً لبروفيسور التاريخ “أوغستو سبينولا”: “فإن صعود الاقتصاد القائم على الكاكاو قد عزز التجارة في إقليم باهيا الجنوبي، الذي اجتذب العرب بدوره. و لآن فإن هناك حتى في فييرا دي سانتانا، في شمال شرق الولاية، سجلات لأسرٍ من أصلٍ عربي”.
المرأة في رواياته..
في حوار معه ترجمة “مها عبد الرؤوف”، حوار طويل معد من ثلاث مقابلات أجرى الأولى منها “أنكيل مارتينيث” ونشر في الملحق الأدبي لصحيفة “كلارين الارجنتينية”. والثانية مقابلة خاصة أجراها “سيرجيو براجا” الأستاذ بجامعة fedval de parana ومقابلة أخيرة أجرتها “مرايا خوسيه ماوبرين” ونشرتها مجلة “إكسبرسو”.
في بناية قديمة علي ضفاف السين في باريس تقع شقة “جورجي أمادو”. لا يمكنك الدخول دون معرفة كلمة السر وعندما تعبر الباب الرئيسي ستجد أنه مايزال أمامك ممر قصير ومغلق وعليك عندئذ أن تقرع الجرس وتنتظر، بعد التعرف علي شخصية الزائر سيفتح الباب الذي يفضي إلي قاعة واسعة بها عدد من المصاعد التي سيقلك أحدها إلى الشقة. استقبلتنا السيدة “زليا جاتاي” زوجة الكاتب وطلبت منا الدخول إلي قاعة واسعة ذات نوافذ كبيرة وعندما دخل علينا الكاتب البرازيلي الكبير كان يرتدي زيا بخطوط طولية ويتكئ على عصا بيضاء.. مشى عبر القاعة في بطء فمشاكل القلب التي دفعت به إلى الجراحة التي أجراها عام 1997 ما تزال تؤثر عليه وكانت هي نفسها ما جعلت المقابلة محددة بنصف ساعة لا تزيد عنها.
يقول “جورجي أمادو”عن المرأة في أعماله وعن زوجته: “زليا لها وجود في جميع أعمالي وجميع شخصياتي فيها شيء ما منها وخاصة إحدى شخصيات “مترو أنفاق الحرية، ماريان”، إن كل شخصية من هن هي في حد ذاتها مجموعة من السيدات مجتمعات عرفتهن خلال حياتي. فغالبا ما انتقي شيئا من هذه وشيئا من تلك وغيرها وغيرها. هذه الشخصيات هي انعكاس لحياتي والناس الذين ارتبطت بهم خلالها، إنهن حياتي”.
وعن المدينة التي ينتمي إليها يواصل: “باهيا هي مثل هؤلاء السيدات أو الشخصيات النسائية التي تحدثنا عنها، إنها جميلة، حساسة ومتوهجة باهيا مثل السيدة التي ترغب في أن تحبها وأن تتملكها”.
وعن شخصياته التي تمثل باهيا يقول: “لا أعرف على وجه التحديد فيها شيء من تييتا وبعض من تريزا والسيدة فلور جميعهن مجتمعات يمكن أن يعطين رؤية لباهيا وليست واحدة منهن بشكل خاص. إذا قلت لك السيدة فلور فهذه وحدها ليست باهيا ولكن إذا قلت الثلاث معا فها هي باهيا أمامك”.
الكتابة والفكاهة..
وعن الكتابة يقول: “في البداية كانت أعمالي تناقش موضوعات شديدة الخطورة والجدية. ومن المؤكد أنه في لحظة معينة بدأت أعمالي تلك تكتسب طابعا فكاهيا وهو أمر لا تشعر به بوضوح في مرحلة الشباب وخاصة في ما يختص بمجال الأدب فالحس الفكاهي شيء يكتسب بالنضج والتقدم في العمرة، أن تتكون لديك وجهة نظر الابتسامة وليس الغضب هو أمر يتكون لديك مع الزمن غير. أنني أيضا استخدم الفكاهة كسلاح يمكنني من نقد والتنديد بأشياء في غاية الخطورة والدفاع عن مصالح الشعب، وقد ثبت أنه بالفعل سلاح فعال. ويمكن أن يرجع هذا أيضا إلى أنني الآن لست الشخص نفسه الذي كنته منذ خمسين عاما مثلا وماكتبته في الماضي لا يمكن أن يقارن بما أكتبه الآن. وأنا أفضل ما أكتبه الآن”.
وعن شخصياته يقول: “ذات مرة انتقدني أحدهم قائلا: إنني كاتب العاهرات وقد كان ذلك بمثابة إطراء بالنسبة لي، لقد قضيت مراهقتي وشبابي في بيوت سيدات لسن للزواج، بعضهن نعم ولكنهن قليلات جدا أما الباقيات فمعظمهن تخصص في هذه المهنة، لقد ترعرعت في هذه البيئة وذكرياتي عن هؤلاء السيدات نقية للغاية وهي مفعمة بالحنان والعرفان”.
وعن حرية الشخصيات التي يكتبها يقول: “الأمر هو أن هذه الشخصيات تخرج من يدي، أتخيلهم في البداية ثم يتحركون ويتخذون قراراتهم بأنفسهم. عليك ككاتب أن تترك شخصياتك تتصرف كيف تشاء وكيف تقرر. لا تجعلهم يشعرون بما يريد منهم الكاتب أن يفعلوه وعندما يبتعدون عن المصير الذي تحاول أن توصلهم إليه فلا تساورك الشكوك لأنهم هم دائما على حق ولا يُخطئون.